استعانة رئيس المقاطعة بـ "إبليس" استغلالٌ للدين في السياسية

استعانة رئيس المقاطعة بـ "إبليس" استغلالٌ للدين في السياسية
الأحد 15 فبراير 2015 - 23:24

إن المُطّلع على مقال السيد محمد الرضى بنخلدون الموسَم بـ “إبليس يظهر من جديد“، لَيستغرب حجم التهافت الذي وصل إليه الخطاب السياسي في المغرب. فكاتب المقال ليس مواطنا من دون مسؤوليات، بل هو رئيس مقاطعة أكدال بالرباط، وهو قيادي بحزب سياسي، وشغل العديد من المناصب في البرلمان المغربي. ويزداد المستغرِب استغرابا عندما يعلم السياق الذي جاء فيه المقال والشخص المعني به. فالسيد رئيس مقاطعة أكدال يَرد في مقاله على شخصية سياسية معنية يتهمها بأنها تشبه إبليس في العديد من صفاته. وسبب هذا الهجوم عائد إلى النزاع السياسي القائم بين حزب السيد رئيس المقاطعة وبين الشخصية السياسية المثيرة للجدل والتي يلمح إليها ابن خلدون دون تسميتها. فهذا الشخص الموسوم بإبليس في مقال السيد رئيس المقاطعة سبق له أن اتهم أعضاء من حزب ابن خلدون بأنهم تلقوا بقعا أرضية دون موجب حق في ما يدخل في إطار الفساد المالي، كما أن نفس الشخص دخل في صراع مستمر مع حزب رئيس الحكومة متهما إياه بمختلف النعوت.

لكن وبدلا من أن يستعمل الطرف المتهم الأدلة القانونية ولغة السياسة في الرد على خصمه السياسي، راح يصف أحد أعضائه بإبليس ويتوعده بالعقاب الالهي، وذلك بلغة دينية محضة بعيدة كل البعد عن عالم السياسة. إن الشخص المقصود في مقال ابن خلدون هو القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة “إلياس العماري”، وهذا الأمر لا يجد المرء كبير عناء كي يكتشفه، لأن الكثير من التعبيرات تنطبق عليه دون سواه فهو “لا يمكن أن يكون رئيسا مباشرا لهيئة سياسية مثلا أو فريقا برلمانيا أومجلسا بلديا أو مجتمعا مدنيا، فهو يفضل الاختفاء و عدم الظهور إلا في لحظات محددة … و لكن هو الذي يوسوس ويخطط و الناس نيام، و يناور في الخفاء دون ملل أو كلل. هو صاحب الأمر و النهي دون أن يتحمل مسؤولية”. و “يضطر إبليس لأن يطل بنفسه على العالم بين الفينة و الأخرى حسب متطلبات المرحلة، و خصوصا عندما تظهر تباشير الفشل لمخططه، فيقوم جيشه بالاستنجاد به، لأنهم يدركون أنه هو القائد الفعلي ، فيقوم إبليس بإخراج أسلحته ثقيلة، لأن قوته ” الخارقة ” تجعله يمتلك من “المعلومات” ما ليس لغيره، فيظهر أمامهم أنه المنقذ الذي لديه “المعطيات”… وخير الزاد

الملفات المفبركة . وبعد ذلك يعود لصفته الأولى، فيختفي مرة أخرى سواء في بلاده أو في بلاد عربية أو أجنبية أخرى ليستجمع معلومات جديدة، و يتفنن في رسم مخططات أخرى، وهكذا..”. وما يؤكد أن السيد رئيس المقاطعة يقصد بإبلس خصمه السياسي “إلياس العماري” هو ان الأخير سبق له أن اتهم بعض رفاق ابن خلدون بأنهم تلقوا بقعا أرضية.

لا يكمن المشكل في أن رئيس مقاطعة يرد على خصم سياسي من خلال مقال رأي، أو يصفه دون ذكر اسمه، فهذا أمر جار به العمل ومقبول، لكن غير المقبول هو أن يلجأ رئيس مقاطعة إلى اللغة الدينية من أجل الرد على تهم الخصم السياسي. فأن يوصف شخص ما بكونه “شيطانا”، ويتمُّ لي عنق الآيات حتى تنوب عن رئيس مقاطعة في رد التهم، فهذا يدخل في إطار استغلال الدين في السياسة، وهو ما يصب في مصلحة الذين يحذرون رجل الدين من ولوج عالم السياسة دون أن ينفصل عن قبعته الدينية، لأن ذلك يشكل خطرا على الدين والسياسة معا. فالدين سيصبح أداة في يد رجل السياسة يوظفها من أجل القضاء على الخصوم، والسياسية ستتضرر لأنها ستصير عبارة عن دوغما، وتنتقل من المجال القطعي إلى المجال السياسي.

فما قام به السيد رئيس المقاطعة في حق خصمه السياسي، وبصرف النظر عن هوية كل منهما، وعن مصداقية كل منهما، يدخل ضمن دائرة التحريض الديني على خصم سياسي، وهو تحريض خطير يمكن أن تترتّب عنه نتائج وخيمة على المجتمع المغرب إذا لم يتم الحد من هكذا خطاب. فأن تصف شخصا بأنه شيطان رجيم، وتتنبأ بمصير “جهنّمه”، يُعتبر دعوة صريحة إلى التكفير والاخراج من أمة الاسلام، وهو الأمر الذي يمكن ان يتلقاه أي مراهق ديني ويعمد إلى تنفيذ ما اعتبره السيد رئيس المقاطعة “رأيا”، والتاريخ المغربي وغير المغربي مليء بقصص من هذا النوع، فاللذين قتلوا عمر بن جلون لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم اعتقدوا بأن ذلك سيقربهم من الله بعد موجة التحريض التي قام بها البعض ضد الفقيد، والذي قتل فرج فودة، لما سأله القاضي عن سبب قتله، أجابه: لأنه علماني، ولما عاد القاضي ليسأله عن ماذا تعني “علماني”، صمت القاتل قليلا ثم أجابه: علماني تعني علماني.

إن مقال السيد رئيس القاطعة كان سيكون مقبولا لو ابتعد عن توظيف الدين في الصراع السياسي، كان سيكون مقبولا لو وظف لغة السياسة في عالم السياسة، وابتعد عن لي أعناق الآيات لكي تتكلم باسمه. لقد حول صاحب المقال الدين إلى برنامج سياسي. وإذ نقول ذلك فهو ليس من قبيل التجنّي على السيد رئيس المقاطعة، وإنما هذا من وحي مقاله، ويكفي للمتتبع أن يحصي عدد الآيات والنصوص التي وردت في المقال، لكي يدرك أن المقال أقرب إلى موعظة دينية منه إلى مقال سياسي، نقتبس الفقرات التالية وندعو القارئ العودة إلى المقال كاملا لكي يقف بنفسه على أزمة الخطاب السياسي المغربي. جاء في المقال مما جاء فيه “ولهذا نجد أن الله تعالى وصفه في القرآن الكريم حين يتبرأ إبليس من الذين قاموا بزلات بسبب إغواءه فيقول لهم ” وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ “. و””قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ..” شيطان الإنس قليلا ما تجده يحاضر في موضوع أكاديمي أو يوجه أتباعه لطرح بدائل لمشاريع اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فهو لا تهمه التوازنات المالية أو السعي لمعالجة أزمة السكن أو الصحة، و هو لا ينظم ملتقيات علمية للبحث عن حل إشكالات أو تقريب مذاهب أو وجهات نظر لما فيه خير البلاد والعباد، لأن جل وقته ينصرف للوسوسة و المكائد، سواء في المقهى أو الحانة أو البيت أو المركز..لذلك أمرنا الله تعالى بالتعوذ من هذا الوسواس الخناس : ” الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس” سورة الناس”

إن العنف يبدأ أولا بالتحريض، والتكفير، وتلزمه مدة طويلة أو قصيرة، لكي يتحول إلى فعل مباشر.أي أنه يبدأ على مستوى العقل ثم ينتقل إلى السلوك.

على سبيل الختم: لا يمكن أن أسمح لأي شخص بأن يعتبر هذا المقال دفاعا عن شخص إلياس العماري، فكاتب السطور لديه مواقف أكثر جذرية من العماري وحزبه وآله وصحبه، وهي مواقف معروفة ومكتوبة. لكن لا يمكن أن يدفعنا حقدنا على حزب معين أن نصمت عن تجاوزات البعض، وصرف النظر عن استغلال الدين في الوقائع السياسية، من أجل إفحام الخصوم بلغة دينية، بدل اللجوء إلى القانون والسياسة والاجتماع.

‫تعليقات الزوار

7
  • مواطن مقهور
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 01:50

    في بلدي أصبح كل شيء منحطا و مبتذلا من الفن و الثقافة إلى الرياضة و الإعلام إلى الخطاب السياسي و الديني.

  • AntiYa
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 06:23

    إن العنف يبدأ أولا بالتحريض، والتكفير، وتلزمه مدة طويلة أو قصيرة، لكي يتحول إلى فعل مباشر.أي أنه يبدأ على مستوى العقل ثم ينتقل إلى السلوك. و ماذا عن الأبالسة المتمزغين و إطلاق العنان لألسنتهم و تعلقاتهم العفنة ؟

  • إفحام الخصوم
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 07:01

    تبعا لما قلت و لمنهجك التحليلي، فما ينتهج من طرف فصيل متهور من إبناء هذا الوطن، يدخل ضمن دائرة التحريض العرقي و الطعن في الدين و جعلهم خصما أساسي، وهو تحريض خطير يمكن أن تترتّب عنه نتائج وخيمة على المجتمع المغربي إذا لم يتم الحد من هكذا الخطاب العنصري. فأن تصف شخصا بأنه مستعمر و ظلامي و إرهابي، وتتنبأ بمصيره، فإن ذلك يُعتبر دعوة صريحة إلى القتل والاخراج أو الطرد من الوطن، وهو الأمر الذي يمكن ان يتلقاه أي مراهق عنصري متهور ويعمد إلى تنفيذ ما اعتبره المنظرين لمجتمع "فرق تسود"، والتاريخ المغربي وغير المغربي مليء بقصص من هذا النوع، فاللذين قتلوا لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم اعتقدوا بأن ذلك سيقربهم من مشروعهم البغيض. فبعد موجة التحريض التي قام بها البعض ضد العرب و المسلمين، والذي قتل فيها الإخوان بمصر، و لما سؤل عن سبب القتل، أجاب القاتل: لأنهم خوارج العصر، ولما قُتل المسلمون بالهند، تم تبرير الهندوس لذلك، لأن المسلمين نجس يريد نشر الإسلام ببلادهم.

  • ali
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 08:58

    كلام في الصميم.شكرا على الموضوعية‎ ‎

  • الدكتور خالد
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 09:13

    ومن حبسك ألا تستغل الدين في السياسة ، ولكن بدون نفاق ، وهذا ما لايستطيعه إلا الصادقون المخلصون ، فذلك يحتاج لترية على القيم الإسلامية منذ الصغر

  • fatima
    الإثنين 16 فبراير 2015 - 20:32

    مقاربة خاطئة ﻷنك ﻻ تستوعب معاني المجاز واﻻستعارة والسجع وغير ذلك من ضروب البﻻغة التي تحفل معه اللغة العربية ومن بينها لغة القرآن الكريم..
    مقاربة خاطئة لأنك تحرم على السياسيين استخدام القرآن في التداول الاجتماعي والسياسي وكانك تريد الحفاظ على القرآن الكريم في المقابر فقط.
    من قال ان التكفيريين بحاجة الى مقال من هذا النوع للجوء إلى التكفير والقتل. .
    المهم إبليس موجود بيننا وينبغي أن نكون على حذر

  • بجديست
    الثلاثاء 17 فبراير 2015 - 17:42

    السيد الياس العماري هو خصم سياسي لحزب رئيس الحكومة وهو لايخفي ذلك ومن المفروض مواجهته سياسيا وهذا مايقوم به حزب العدالة والتنمية من خلال رئيس الحكومة ورأي السيد رئيس المقاطعة يهمه هو فقط لآنه ليس الناطق الرسمي للحزب والإيحاء بان كلامه يمثل رأي الحزب هو عين استغلال الدين في السياسة و هذا احسن ما يتقنه السياسيون الذين ينتمون الى الأحزاب الحداثية أوالعلمانية حيث بدل مواجهة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تمتلك مشروعا حضاريا و سياسيا متوازنا يلجأون الى اتهام خصومهم باستغلال الدين في السياسة وهذا طبيعي لأنهم لايحملون مشروعا سياسيا وهدفهم هو الوصول الى مراكز السلطة و النفوذ من اجل مصالحهم الشخصية و الحزبية الضيقة.
    والجميع يعرف نشأة ومشروع حزب الجراروالآن بعد الإقرار بهزيمته فهو يبحث عن عذريته المفقودة ولايسعنا الا ان ندعو لهم بالتوفيق لما فيه خير الوطن.

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل