إيداع مشاريع قوانين الانتخابات لدى مجلس النواب خرقٌ للدستور

إيداع مشاريع قوانين الانتخابات لدى مجلس النواب خرقٌ للدستور
السبت 21 فبراير 2015 - 22:25

أقدمتِ الحكومة يوم الاثنين 16 فبراير 2015 على إيداع مجموعة من مشاريع القوانين التنظيمة لدى مكتب مجلس النواب، وهو ما يُعتبر خرقا صريحا للنص الدستوري. فمن المعلوم أن الدستور المعدل سنة 2011 قد جاء ببعض التغييرات فيما يخص المسطرة التشريعية، وذلك بأن بوّأ مجلس النواب مكانة متقدمة مقارنة بمجلس المستشارين، بحيث أصبح للأول حق الحسم النهائي في مشاريع مقترحات القوانين التي يَتداولها البرلمان بمجلسيه، بدلا من تقنية الذهاب والأياب التي كنت تفرغ التشريع من محتواه وتصيب العملية التشريعية بالبطئ، لكن التعديل الدستوري استثنى من هذه المسطرة بعض مشاريع القوانين وجعل الأسبقية في تداولها لصالح مجلس المستشارين. فرغم أن جميع مشاريع القوانين تحال بالأسبقية على مكتب مجلس النواب، إلا أن المشاريع التي لها علاقة بالجماعات الترابية والتنمية الجهوية والقضايا الاجتماعية جعلها الدستور الأسبقية في تداولها لصالح مجلس المستشارين، وذلك راجع إلى كونها من صميم اختصاصه بالنظر إلى طبيعة تركيبته (المنتخبين الكبار، والمنظمات النقابية والاجتماعية). لكن الحكومة بإحالتها مشاريع قوانين تنظيمية تتعلق بقضايا بالانتخابات الجماعية على مكتب مجلس النواب أولا، تكون قد جانبت الصواب ووقعت في خرق دستوري، وهو ما تحاول هذه المقالة المقتضبة توضيحه:

أولا: ينص الفصل 78 من الدستور على ما يلي: “لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين. تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين”. فالواضح من هذا النص أن المشرع لم يمنح مجلس النواب الأسبقية في ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بمجلس المستشارين؛

ثانيا: إن الدفع بكون الأمر يتعلق بمشاريع القوانين العادية وليس بالقوانين التنظيمية، لا يغير من الأمر شيئا، على أساس أن الفصل 78 لم يميز بين القوانين العادية والتنظيمية فيما يتعلق بأسبقية التداول، كما لا يوجد هذا التمييز في أيٍّ من بنود الدستور الأخرى ما عدا ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 85 حيث “يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق بين مجلسي البرلمان، على نص موحد”، وذلك يُعد استثناء من المسطرة التشريعية المعتمدة في باقي القضايا التي يحسمها مجلس النواب دون اشتراط الصيغة الموحدة؛

ثالثا: إن ارتكاز الحكومة على مسألة التمييز بين مشاريع القوانين التنظيمية ومشاريع القوانين العادية، يفتقد إلى الأساسي القانوني، مادامت البنود الدستورية لم تُقِم هذا التمييز، كما أن الفصل 78 واضح في هذا السياق. علاوة على أن محاولة تأويل هذا الفصل لكي يَصُبّ في إطار التفسير الذي أوردته الحكومة غير ممكن، لأن الفصول اللاحقة تؤكد أن المُشرّع عَمد إلى منح مجلس المستشارين الأفضلية فيما يخص بعض القضايا، وذلك لإضفاء نوع من المشروعية على هذه المؤسسة، وهذا ما يمكن أن نستشفّه من كون مسطرة الذهاب والإياب لم تعد معتمدة إلا في ما يخص إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين؛

رابعا: لا يمكن أن نجعل من سابقة معينة عرفا دستوريا، لأنها لم تحُز شروط العرف الدستروي، كونها لم تتكرر بالشكل الكافي. فليس لأن القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الصادر سنة 2011، قد تم تداوله أمام مجلس النواب أولا، فإن ذلك لا يمكن أن يُقاس عليه، لأن الخطأ لا يمكن أن يتحول إلى عرف دستوري، وإلا فإن العديد من الأخطاء الدستورية قد حدثت في اللحظة الانتقالية والتي لا يمكن أن تتحول إلى سوابق صحية، إذ مثلا لا يمكن اعتبار واقعة استلام وزراء الحكومة الحالية مسؤولياتهم قبل التنصيب البرلماني للحكومة عرفا دستورا يُبنى عليه، بل هو خرق دستوري ينبغي ألا يتكرّر.

على سبيل الختم، وبما أن الحديث عن مجلس المستشارين فإنه لا ضرر في التذكير بأن أعضاء هذه المؤسسة فاقدون للشرعية منذ دورة أكتوبر 2012، فمجلس المستشارين الحالي منتخب بناء على دستور 1996 ويخضع في تجديد تركيبته لفصوله، وخاصة الفصل 38 الذي يحدد مدة انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في تسع سنوات، ويجدد ثلثه كل ثلاث سنوات، إذ إن موعد تجديد الثلث المنتخب سنة 2003 هو افتتاح دورة أكتوبر 2012 كما هو منصوص عليه قانونيا وكما جرت عليه التجديدات السالفة.

وبما أن طريقة تجديد مجلس المستشارين السابقة لا يمكن تطبيقها بعد إقرار الدستور الجديد الذي ألغى الدستور السابق، وبما أن تركيبة مجلس المستشارين في ضوء الدستور الحالي وأسلوب تجديده غير متوافرة في المجلس الحالي، وبما أن الدستور الحالي لا ينص على مسألة التجديد الجزئي لمجلس المستشارين، وبما أن مدة تفعيل دستور 2011 تجاوزت 3 سنوات فإن ثلث اعضاء مجلس المستشارين يفتقدون للشرعية القانونية لأنهم قضوا أكثر من 12 سنة في البرلمان دون تجديد، كما أن هذا الأمر يساهم في إهدار المال العام. إذ يستمر المجلس بـ 270 مستشارا بدل 90 مستشارا بناء على ما جاء في الفصل 63 من الدستور المعدّل، أي بفارق 180 مستشارا. وهو ما يكلف ميزانية المغاربة أكثر من 650 مليون سنتيم في الشهر (أجور فقط).

*باحث في العلوم السياسية

[email protected]

https://www.facebook.com/pages/Abderrahim-Alam/399398136753078

‫تعليقات الزوار

4
  • فيلسوف
    الأحد 22 فبراير 2015 - 03:12

    …ضعف الطالب والمطلوب…!!!…لا وجود للدستور والحجة بادية للعميان…!!!…حتى الفراغ لم يعد له وجود و البعض منشغل بإيجاده…!!!…فراغ الفراغ لرُبَّما…!!!

  • منا رشدي
    الأحد 22 فبراير 2015 - 10:11

    وبما أن الدستور إنتبه مبكرا إلى الخلل الذي قد يحدثه في الغرفة الثانية ؛ أفرد لها فصلا يمدد شرعيتها إلى أن يخرج القانون التنظيمي للغرفة الثانية وتجرى الإنتخابات الجماعية والجهوية والنقابات المهنية ! المشرع إستبق الفراغ الذي كان سيحدثه الدستور المراجع أو المعدل أو الجديد !!! لم يحضى مجلس المستشارين وحده بهذا التمديد ؛ فالحال إنطبق أيضا على المجلس الدستوري الذي تحال عليه القوانين قبليا ؛ فلو جمدت هذه المؤسسة الدستورية كما كان يطالب أصحاب الرحلات المكوكية من وإلى قطر وتركيا ! إلى حين خروج المحكمة الدستورية ! لعمت البلاد الفوضى ! الفوضى مدخلها في كثير من الأحيان العناد فقط ( طارت معزة ) ! كمعاندة الحكومة بأن لا تعطي مجلس المستشارين ما كلفه به الدستور !!!

  • احمد المي
    الأحد 22 فبراير 2015 - 15:22

    يمكن ابداء ملحوظة على جزيئية من مقالكم، حيث كتبتم ما يلي:
    "فمجلس المستشارين الحالي منتخب بناء على دستور 1996 ويخضع في تجديد تركيبته لفصوله، وخاصة الفصل 38 الذي يحدد مدة انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في تسع سنوات."
    تجديد تركيبة مجلس المستشارين حسم فيها القاضي الدستوري بشكل قاطع و قضى في غيرما مرة باستحالة التجديد. ذلك ما يستشف من قرارات صرح فيها بشغور مقاعد عدة بمجلس المستشارين لأسباب اختلفت وتباينت ، ومع ذلك لم يلجأ الى تحريك النصوص المفتوحة على امكانية التعويض والموجبة له..

    الفصل 38 من دسور 1996 والذي دفعتم به كأساس لتأطير تغيير تركيبة مجلس المستشارين هو الاخر مردود عنه، القاضي الدستوري في حيثية من قراره اعتبر دخول دستور 2011 حيز النفاذ إفقاد للاحقه اي قوة للعمل بما فيه النصوص المرتبطة بتجديد التركيبة التي لم تعد تصلح للتأطير، اذ اعتبر إن
    "يستفاد مما قرره الدستور في فصله 180، من أنه، مع مراعاة أحكامه الانتقالية، ينسخ نص الدستور الصادر في 7 أكتوبر 1996، وهو النسخ الذي يفقد هذا الدستور كل وجود قانوني، الأمر الذي لا يجوز معه إحياء بعض أحكامه والعمل بها أو الاستناد إليها"

  • الدكتور حالد
    الإثنين 23 فبراير 2015 - 09:42

    لا أعلم أين يوجد هذا العلامة الفقيه العبقري لنصوص الدستور، ارشدوني إليه وجزاكم الله خيرا

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 1

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”