ماذا يحدث في مدارسنا؟؟

ماذا يحدث في مدارسنا؟؟
الجمعة 20 فبراير 2015 - 22:15

ظهرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي عدد من الفيديوهات التي تعكس طبيعة العلاقة التي أصبحت سائدة بين عدد من المدرسين وتلاميذهم، والتي تعطي صورة عن العنف المتبادل رمزيا أو ماديا بينهم. والحقيقة أن مظاهر العنف هذه، في صيغتها الجديدة، اكتسحت المؤسسات التعليمية بشكل متنام منذ فترة غير قصيرة أمام تجاهل الوزارة المعنية ودوائرها التربوية، إلا أن انتشار وسائل التوثيق السمعي البصري ومواقع التواصل الاجتماعي نقل هذه المظاهر المشينة إلى العلن لتدق ناقوس خطر محدق، لن ينفع معه بعد اليوم تجاهل الوزارة لواحد من تجليات أزمة المدرسة والتربية والتعليم.

ولا يمكن أن نفصل هذه المظاهر عن مثيلاتها في باقي المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والتي تمارس على المواطن عنفا وقهرا متعدد المستويات. ذلك أن المدرسة ما هي إلا امتداد للمجتمع، حيث أن مرتاديها من تلاميذ وأطر إدارية يأتون إليها محملين بمختلف الخصائص السلوكية المنتشرة داخل المجتمع والتي يتم تناقلها وتوريثها عبر آلية الاندماج الاجتماعي وديناميكية توزيع الأدوار لتتحول إلى ثقافة وسلوك جمعيين. وإذا كان للمدرسة دور في قيادة التغيير داخل المجتمعات، من خلال تقويم السلوكات والتمثلات غير المقبولة في معيارية القيم الإنسانية فإن ذلك يتطلب تمكين المؤسسة التعليمية من وضع اعتباري ومكانة مميزة ضمن نسيج المؤسسات الاجتماعية، وهو ما باتت تفتقر إليه المدرسة المغربية الغارقة في لجج الأزمات المتراكمة وحضيض اختلالات الإصلاح المتعاقبة.

أبرز ما يجب الانتباه إليه هو أننا أمام جيل جديد من الشباب مختلف في مناحي كثيرة عن جيل الألفية الثانية، من حيث اهتماماته وطريقة تعبيره وتواصله ومن حيث مستويات احتياجاته وطموحاته ومن حيث نظرته لذاته ولمحيطه وعلاقاته. إذا استحضرنا هذه التحولات إلى جانب القلق النفسي والاجتماعي الذي يميز هذه الفئة العمرية، نكون أمام كتلة نفسية متشنجة وتوتر داخلي يزيد من شدته عجز سياسات الدولة اتجاه الشباب على إيجاد مجالات للتخفيف منه وتصريف طاقته وتوجيهها للفعل الإيجابي الذي يرفع من الثقة في النفس ويبعث الطمأنة والتفاؤل في نفوسهم. لذلك فالمؤسسات التعليمية بآلياتها المتقادمة شكلا ومضمونا، أصبحت في تمثل الشباب فضاء للقمع وتقييد حرية السلوك أكثر منها مؤسسة خادمة ومساعدة له على تجاوز ضغطه النفسي والاجتماعي، فاتخذها مجالا يمارس فيها عدوانيته ويعبر فيها عن تمرده ضد القوانين المادية والمعنوية التي لا تتجاوب مع طموحه في فضاءات أفضل وأكثر تفهما واستيعابا له وللقضايا التي تشغل باله وتثير قلقه من الحاضر والمستقبل. تصريفُ وتخفيفُ هذا الضغط النفسي يطفح عنفا إما ضد تجهيزات فضاء المؤسسة أو اتجاه أطرها التربوية إداريين ومدرسين أو اتجاه الأقران. هذا طبعا دون تعميم ومع مراعاة اختلاف حدة هذا العنف من شاب إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى.

الأمر الثاني المفسر لهذه الظاهرة هو الضعف الشديد لآليات التواصل والحوار داخل الفضاء التربوي. ذلك أن أول خطوة تقتضيها أي معالجة تربوية تفترض تواصلا بين مختلف المعنيين، وهو ما يتيح الاستعداد لتقبل التلميذ والتفاعل مع رسائله اللفظية والسلوكية بما يوجهها نحو تفهم وتجاوب إيجابي يغلب الإنسانية على الضوابط القانونية والحوار على السلوكات الصدامية. إلا أن واقع مؤسساتنا التعليمية يعكس نوعا من التذمر الشامل والاتهام المتبادل بين الفاعلين التربويين، في حين أن الإشكال يكمن أساسا في الرؤية العامة لموقع وأدوار فضاء المؤسسة والعاملين فيها. رؤية تفتقر للانسجام والوضوح تعكسه طبيعة البرامج التلقينية التي تقدم في جو غارق في النمطية والتقليدية تقيد دور المدرس، وبيروقراطية ورقية تشغل كل الزمن الإداري، في وقت ينظر للأنشطة الموازية ونوادي التوعية والاستماع وحصص التوجيه والإرشاد النفسي والدراسي كحصص ثانوية زائدة، تغيب وتحضر وفق المبادرات التطوعية لأطر هذه المؤسسة أو تلك. فضلا عن سياسات الدولة في التكوين الأساسي والتكوين المستمر التي تغفل حاجة المربي إلى تأهيل متخصص ومستمر ومتجدد وفق المستجدات المجتمعية. كل ذلك يجعل فضاء المؤسسة غير مؤهل للتعاطي مع صعوبات فئة خاصة من التلاميذ، والصبر على شغبهم ومشاكستهم وتعبيراتهم العنيفة بما يتيح إمكانية فهم حالتهم ثم تحليلها ثم التفكير في السبل المناسبة لعلاجها في إطار مقاربة علمية تربوية تشاركية يتواصل بشأنها الأطر التربوية والإدارية وأولياء الأمور، بدل ردود الأفعال الانطباعية والتلقائية المتسرعة التي لا تساهم في تجاوز الإشكالات بقدر ما تزيد في تفاقمها.

إن هذا يظهر أن ما يحدث في مدارسنا هو أزمة معقدة ومركبة، لا تمثل فيها مظاهر العنف إلا رأس الجبل الجليدي. أزمة تجد جذورها في أرضية إشكالاتنا المجتمعية السياسية والاجتماعية والقيمية، وتمتد فروعها لتجلي بعض المظاهر الجزئية داخل المنظومة التعليمية. وهو ما يجعل كل المقاربات الإصلاحية بمداخلها التقنوية عاجزة عن ملامسة الأبعاد العميقة وبالتالي غير قادرة على تحقيق أي من أهدافها المعلنة.

‫تعليقات الزوار

14
  • أستاذ
    الجمعة 20 فبراير 2015 - 23:15

    يجري أن كل الآباء والأمهات يتنافسون في إعطاء أقدح الأوصاف حول التعليم والمعلمين والأساتذة أمام أبنائهم وبناتهم. فكيف تريدون أن يكون التواصل. الكل تفنن في إسقاط المنظومة التعليمية. بالمناسبة وعلى صعيد الجامعة، إبتداءا من إبحثوا عن من يعلم فلدات أكبادكم!

  • ABBES
    السبت 21 فبراير 2015 - 10:27

    ما ذكرته ياسيدي في مقالك ،يمكن محاربته وبسرعة إذا تظافرت الجهود وإعادة سلطة المعلم والمدرسة وإشراك الآباء في عملية الإصلاح ، ولكن هناك شيء أخطر ينتشر بسرعة في مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا،فما عليك إلى الإستماع إلى فيديو بيوتوب تحت عنوان / كراهية الآخر في الكتب المدرسية في المغرب .

  • محتسب
    السبت 21 فبراير 2015 - 10:50

    هو مخطط منذ زمن بعيد بدأ يؤتي أكله ،هنيئا للمسلمين لقد ساهمتم في إنجاح ما يريده عدوكم.

  • منا رشدي
    السبت 21 فبراير 2015 - 12:33

    فاقد الشيء لا يعطيه ! لو كانت مدارسنا تفرش الحصير مقابل أطر عالية التكوين لخرجت أجيال تفترش الحرير ! لو بنيت للجيل الحالي أقساما من ذهب ! لهدموها ليقايضوها بالحشيش أو ما يعطيهم نشوة لحظة !!!
    لحسن حظ هذه البلاد ! أن قلة قليلة لا تزال تقاوم وسط الإعصار ! وما لم تلتفت البقية لتضحيات القلة وتتدارك نفسها ! سينهار الصرح على رؤوس الجميع !
    أما الذين يشغلون سوق إصلاح التعليم تحت عناوين شتى ! فيوم يدركون أن من كان سببا فيما نحن فيه ! لا يمكن أن يطرح نفسه مصلحا ! سيتنابون على المنابر لتقديم الإعتذار للشعب المغربي ! ثقافة الإعتذار هي التي تنبهنا أننا كنا مخطئين ! أما الإستمرار في الذهاب داخل متاهة الفشل لمجرد العناد فقط ! فالمصير لا يختلف عن الصومال !!!

  • momo
    السبت 21 فبراير 2015 - 17:49

    المشكل أن الكل يفهم في التعليم و ينظر له.
    فالسؤال الذي يطرح نفسه هل ما يناقشه المقال ظاهرة؟ بل يجب مسائلة الكاتب عن معنى الظاهرة؟ و عن الاحصائيات التي اعتمدها لاستنتاج أنها ظاهرة؟
    علما أن عدد التلاميذ جد مهم وعدد المدرسين كذلك كبير.

  • استاذ
    السبت 21 فبراير 2015 - 20:32

    بلا ما تصدعو روسكوم راه لا اسرة لا مناهج لا علم النفس التربوي لا مرحلة المراهقة لي كاين ان الدولة مع العنف لان هي بغات خوصصة القطاع او باش من طريقة لهي التشجيع العنف المدرسي

  • awsim
    السبت 21 فبراير 2015 - 21:02

    -الفرق بين جيل كنا نعتقده مثاليا وجيل اليوم الذي نراه قد انحرف اوكاد يمكن ايجازه فيما يلي:
    1-الجيل"المثالي"جيل زمن سلطة الكبير على الصغير جيل الذي لاحق له في الحديث امام الكبار..اما اذا كان ابا اومعلما/فقيها فالخنوع والخضوع الى درجة المذلة..اما جيل اليوم فهو جيل حقوق الانسان والطفل والمرأة..جيل الحرية والانعتاق من سيطرة الكبار على اختلاف درجات قربهم اوبعدهم عنه..
    2-الاشكال ليس في انعدام التواصل بين اطراف العملية التربوية في الفضاء المدرسي..بل في الخلل الموجود بين المدرسة والاسرة باعتبارهما معنيتان بالتربية..المدرسة العصرية الآن تتبنى قيم الحداثة والديمقراطية الى غيرها من المفاهيم التي اصبحت الآن متداولة في الحقل التربوي داخل المدرسة..وهي منعدمة في البيت والاسرة..اومفهومة على غيرحقيقتها..اما قبل هذا فالمدرسة انما تعيد انتاج ثقافة المجتمع المبنية على مبدأ"ذبح وانا نسلخ"..هذا التناقض هو الذي ولد هذا النوع من العصيان اوالتمرد عند الاجيال المتعلمة..ينضاف الى هذا الاجواء غيرالملائمة التي لاتساعد الاطر التربوية للقيام بمحاصرة هذه الظواهروالقضاء عليها..وهو موضوع آخر يحتاج الى نقاش خاص به وحده

  • fatima
    السبت 21 فبراير 2015 - 21:50

    اليك الجواب من اهل الدار:نصنع فيها جيلا من اشباه الرجال ولا رجال وجيلا من عقول ربات الحجال .من منكم يعرف من اين اقتبس الجواب…..
    نشاهد الفيديوهات ونتخذها فرجة نستنكر في صمت اخرس السنتنا .نحن ندفع بمستقبل ابنائنا واحفادنا الى الدمار ولا استثني احدا حتى من يصرفون اموالا طائلة لتدريس ابنائهم في المدارس الخاصة ويظنون انهم انقذوا ابناءهم .الكل سيلتقي فيrondpointوسيختلط الحابل بالنابل.وقد اعذر من انذر .اذا كان وزير تعليمنا"ne connait pas l'arabe"كما صرح لقناة فرنسية فكيف ننتظر اصلاح التعليم احدى دعامات التنمية البشرية ????اعطوني جوابا

  • oustad
    السبت 21 فبراير 2015 - 22:42

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    يكمن حل مشكلة التعليم في :
    -الغاء الازدواجية :خاص و عام.
    -اعادة النظرفي اختيار لغة التدريس وتوحيدها بين الثانوي و العالي
    -مراجعة السياسة العامة في كل المجالات:السمعي البصري ،الرياضة،الثقافة ,الخ و ذالك بتشجيع الاعمال الجادة و محاربة الغش و الفساد في كل المناحي.
    – مراجعة مساطير التوظيف في الادارة التربويةلان الادارة أصبحت فقط تضبط غياب الأطر غير أبهة بالمشاكل الاخرى.المدير هو مقدم النيابة فقط يخبرها بغياب الأساتدة و يعطي الشواهد المدرسية.
    -الاهتمام بالتلميذ بين السن (5) و(12)
    و-و-و-و
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • سعيد
    الأحد 22 فبراير 2015 - 00:54

    الصدق هو المخرج الوحيد من كل الازمات قال تعالى : يأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين . فلو التزم كل متدخل في الشان التربوي بهذه الخاصية التي شيدت حضارات وهدمت اخرى .
    فالاسرة ما مدى استيعابها لدور المدرسة و المدرسة ما حجم استعدادها معرفيا وبيداغوجيا ومنهجيا لاستقبال التلميذ والحكومة ما درجة صحة نواياها .

  • مغربى
    الأحد 22 فبراير 2015 - 01:15

    اختلاط الجنسين
    ا ضن ان اصل الشغب فى المدارس هو سن المراهقة زائد اختلاط الجنسين مع نقصان التربية الاسرية .

  • la fermeté des parents
    الأحد 22 فبراير 2015 - 10:11

    les parents sont les tous premiers responsables des comportements insupportables de leurs enfants,
    ils ont corrompu tout le système d'enseignement en gatant à outrance leurs enfants,à tel point que beaucoup d'enfants insultent leurs parents,
    les enseignants se sont soumis à ces mauvais comportements et ils en ont profité pour faire des cours de "choutiens" un commerce florissant!
    comment comprendre que des jeunes sont attirés par les assassins de daech ,
    comment admettre des incivilités partout,
    les parents doivent reprendre leurs responsabilités sans attendre:la fermeté,
    la discipline à l'école,
    les parents loin de l'école, ne faisons pas comme en france qui exige une minute de silence pour charlie dans les écoles primaires de petits enfants ,une betise d'un pays hors de lui,
    pas de politique dans les écoles, après le bac, l'étudiant est responsable de lui meme

  • احمدي235
    الأحد 22 فبراير 2015 - 16:25

    القصة 1:
    ذات يوم كان لأحد التلاميذ مشكل داخل الثانوية
    استدعت الإدارة ولي الأمر لتتداول معه في الموضوع
    لما حضر الأب الى المدرسة بدأ الحارس العام يستعرض المشكلة أمامه
    لما هم الأب بأخذ الكلمة للحديث قاطعه التلميذ ونهره قائلا بصوت مرتفع : أصمت دعني اتكلم …… فصمت الأب
    لما ينهر التلميذ أباه ماذا تنتظرون ؟؟؟
    القصة2: جاءت تلميذة الى الثانوية بلباس فاضح فاستدعى الحارس العام ولي أمرها
    حضر الأب إلى المدرسة فقال له الحارس العام: أيعجبك هذا اللباس الذي تأتي به ابنتك الى الثانوية ؟؟؟
    ماذا كان جواب الأب يا ترى ؟؟؟؟
    والله يا سيدي حتى غلبونا هذا الأبناء عافاكم عاونونا عليهم
    حينما تُغلب الإدارة والاستاذ والدولة والأسرة فماذا تنتظرون ؟؟؟؟
    القصة 3: تلميذة أخرى حضرت بلباس فاضح لكن هذه المرة جاء الأب ونهر الحارس العام وأرعد وأزبد في الإدارة قائلا: ادخلوا سوق رؤوسكم أنا الذي اشتريت لابنتي ذالك اللباس
    حينما يفتخر الأب بالسروال اللاصق لابنته والميني جيب ويتباهى بأنه هو من اشتراه لابنته فماذا تنتظرون ؟؟؟؟

  • sais
    الأحد 22 فبراير 2015 - 21:54

    يجري أن كل الآباء والأمهات يتنافسون في إعطاء أقدح الأوصاف حول التعليم

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 1

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس

صوت وصورة
المغرب وبلجيكا والحرب على غزة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:45

المغرب وبلجيكا والحرب على غزة

صوت وصورة
بلجيكا تدعم الحكم الذاتي بالصحراء
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:20 4

بلجيكا تدعم الحكم الذاتي بالصحراء