الحمار والوطن وأشياء أخرى

الحمار والوطن وأشياء أخرى
الجمعة 27 فبراير 2015 - 06:15

أنْ تنفقَ الحمير فتجدُ منْ يبكيها بيننا، في زمنٍ يجزُّ بنُو البشر رقاب بعضهم البعض طلبًا لمرضاة السمَاء، فذاك نبلٌ ما بعدهُ نبل، لكنَّه نبل يستحيلُ ممزوجًا بالخجل عند مسؤولينا، بعد شيوع الصور التي نقلتها وكالة “رويترز” في قريةٍ قصيَّة منْ الأطلس.

لكأنَّ سفرًا عبر الزمن سحب مغاربة منْ العام الخامس عشر بعد الألفين للميلاد، وزجَّ بهم في غياهب القرُون الوسطَى، نساءٌ “يحممنَ” طفلًا في العراء، والثلوج تكسُو الجبال، وجوهُ متشققة منْ البرد، فيما لا تكادُ الأقدام تجدُ حذاءً، يحميها منْ وحل الأرض وزمهرير الجبل، أمَّا سيدةٌ أخرى فتنتحبُ على حمارٍ قضَى أمامهَا، كان ذاك المشهد المنقُول للعالمِين.

مشهدُ بؤس قرانا وافتقار أهلنا، الذِين يقاسمُوننا بطاقات، ربما لمْ يستصدرها أكثرهم، ينسفُ ويمسحُ كثيرًا من المساحِيق الذِي تطلي به الدولة واجهتها أمام الخارج، ويصورها فاشلة بشكلٍ ذريع، في تأمين أبسط شروط العيش الكريم منْ طرق معبدة، ومرافق للتداوِي وفصول للتمدرس.

للحظةٍ يتساءلُ المرء، هلْ يعيشُ المغاربة جميعهم عصرنا بمقتضياته، أمْ أنَّ كثرًا منَّا لا زالُوا يحيونَ كما قضى الناس قبل آلاف السنين، تسقي النساء جرار المياه من العيُون والأنهار، ويحطبن من الغابة، ثمَّ يطبخن الطعام فوق النار وسط بيوت كالكهوف، ما الفرقُ وأيُّ انطباع لوْ سحبتَ شخصًا منْ أيَّامنا هذه وقذفت به في سفرٍ افتراضي إلى قرون خلتْ !

لسنا الوحيدين في العالم، ممنْ ينقسمُ حيزهم الترابي بين مدن وقرى، ولئنْ كان مفهومًا أنْ تفتقر القرى بحكم تشتتها وصغر مجالها إلى بعض الأمور التِي تتوافرُ للمراكز الحضريَّة، فإنَّ حدًّا أدنى من الخدمات، يفترضُ أنْ يكون متأتيًا، وإلَّا ما مسوغُ وجود دولة، إذا ما تركَ الناس لجبالهم وبردهم وأميتهم، على فطرة الخلق وبكارة الأرض؟

الدولة التي لا ترى في شريحة واسعة من أبنائها سوَى عالة يستحقُون بعض البطانيات وقوالب السكر، لدى وقوع الكوارث الطبيعيَّة وسوء الأحوال الجويَّة، كيفَ لها أنْ تقنع أبناءها في باقي الربوع، أنَّها حريصةٌ على كرامتهم، وأنَّها تسنُّ النصَّ بعد الآخر لحفظ حقوقهم، انقعُوا تلك النصوص واشربُوا ماءها، فشقُّ طريق سالكة أفيدُ لكرامتنا وأكثر صونًا لحقوقنا ممَّا تهرجُون به في محافل الأمم المترفة.

ليس لأحد منا أنْ ينسى أنَّ الدولة التي تذرُ أبناءها يحملُون على النعوش هي الدولة نفسها التي تبني قطارات السرعة الفائقة، وترصدُ الملايين كيْ تؤمنَ لـنوام الأمَّة ألواحًا إلكترونيَّة وإقامات فندقيَّة وتذاكر طيران وتعويضات كيْ يحضرُوا إلى الرباط، كما أنها الدولة ذاتها، التي يجيبك مسؤولها، حيث تحدثهم عنْ مآسي الوطن “إمكانياتنا متواضعة، وعلينا بانتظار السنوات”.

ربَّ قائل قدْ يقُول إنَّ من الشعبويَّة الخلطُ بين مرثيَّة ذاك الحمار في الأطلس ودموع مالكته، وبين التشريع والأوراش والدولة التي تكابدُ لتحقيق تنمية شاملة، فنجيب أنَّ سياسات الدولة في التنمية، وإخفاقات مسؤوليها الكبار كما المحليِّين هي التي رسمتْ بؤسنا اليوم، وأنَّ ما نتخبطُ فيها ليس قدرًا حتميًّا، وأن بقاء مئات القرى أوْ ربما الآلاف على حالها، كما لوْ أن الزمن، لم يتحرك، لا يسوغهُ شيء بعد انصرام ستين عامًا من خروج بوط المستعمر.

إلى الخالة التي بكت حمارهَا..

لا تجزعِي كثيرًا، فليس حمارُك الوحِيدَ الذِي نفق، فقبلهُ غرقَ أبناؤنا في المتوسط منْ القسوة التي ذرفتِ دمعك لها، وقبلَ حمارك ماتت المعانِي في نفُوس كثيرٍ منْ منفوخِي البطن عندنا، إننا نستحقُ مواسم أكبر للبكاء، أيتها الحُرَّة، لنبكي الحمار والوطن وأشياء أخرى !

فلترقدْ بسلام أيها الحمار، فلتكفكفْ دموعكَ أيهَا الوطن !

https://www.facebook.com/syphax.tassammart

‫تعليقات الزوار

12
  • شوف
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 06:45

    والله لشيء يحزن وعشت ايام في نواحي بين ميدلت وتنففيت في الجبال وعرفت منذ الستينات من القرنالماضي ما يعانيه الساكنة لتلك القرى الجوع والعراء والبرد…وماذا افول الله اكون في عون تلك الساكنة ويرطب القلوب واهل الرحمة للاخذ بتلك الساكنة وتحسين العيش لهم على كل حال همةاخوان لنا ولا ننكر ولا يضيع الله اجر من احسن عملا.

  • hammouda lfezzioui
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 09:01

    تجوز المقارنة في هذه الحالة بين تلك السيدة التي تبكي حمارها وبين مستثمر فقد كل شيء في رمشة عين ويرى السجن امامه.فالحمار بالنسبة للاولى هي رجليها ,به تحطب,به تسافر,به تجلب الماء,به تشق الطرق المليئة بالثلوج,به يذهب الاطفال الى المرسة البعيدة,به يحمل المرضى وخصوصا نساء على وشك المخاض به وبه وبه وبه……….فلما لاتبكي المسكينة حمارها ونكبي معها لاننا شركاء مفترضين في هذا الوطن.وكما يقول المثل الامازيغي :touf tghawssans attig ns.بمعنى خدماته افضل ثمنه.

  • اين الثروة
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 09:26

    اين الثروة اسالوا مكتب الصرف عنها. بن زيدان رئيس وزراء النابوبي وامبراطور المدارس الخاصةيصرف اموال الشعب في خلوات خمسة نجوم مع وزرائه في ايفران وفي تسمين اجور البرلمانيين والوزراء حتى فاحت منهم رائحة الشكلاط الذئاب الملتحية او المكرطة ما هم الاانتهازيون يمتصون دماء هدا الشعب مرة بقناع ديني مرة تحت جلباب محاربة الفسااد لا تعليم ولا صحة ولا كرامة الى متى هدا الخنوع المخجل

  • ملاحظ
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 09:30

    شكرا سي هشام على هذا التقرير وأقول أن ما خفي أعظم…….
    تلك بكت حمارها وتلك بكت أولادها والأخرى بكت كرامتها وما أكثر من جفت عيونهن من البكاء……

  • albatros
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 10:27

    Ce texte, à lui seul est beaucoup plus véridique , bc plus choquant ,bc plus sincère , bc plus franc , bc plus touchant et bc plus réaliste que tous les discours mensongers hypocrites, oiseux , creux ,vides de toute la classe politique marocaine périmeé et vieillie ( toutes tendances comprises).la vérité cruelle du contenu du texte par elle d'elle même.

  • مشارك
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 11:11

    مازلنا نحلل بمنطق السبعينات بينما الحال هو الحال
    اتدري يا اخي لمادا لان المعركة على السلطة وليست على تخفيف المعانات
    جهة تقول لهده الشريحة :
    نحن مع الطبقة الكادحة وضد الراسمالين ومع تعميم كل شيئ وعندما وصلوا الى السلطة تحالفو مع اصحاب المصالح واستحودوا على كل شيئ, حتى على عقد الازدياد, انت تسكن في بيمزكان يقول لك ادهب الى بيفادن.
    وجهة تقول نحن المستتمريين ونحن الدين يؤدون الضرائب ونخلق فرص الشغل
    حافضو على تقاليدكم وحماركم سناتي بسياح من المريخ واستديوهات وكزينوهات وبيفوكات ارقصوا احواش ايوا هاي ايوى هاي اش ارا.
    واخيرا وليس اخرا
    جهة هجينة اخدت من "الاولى الدين افيون الشعوب " وسحرت اعين الناس واسترهبتهم لحاجة في نفس يعقوب…
    واخدت من التانية لا تنفقوا على الحمير حتى ينفضوا عن وطنيتهم وعن توابتهم
    وعن اخر ما يمكن ان يستنجدوا به … الفيضان حتى البحر.
    وعندما تاتي الانتخبات يخرج النمل الاصفر بجيشه: تمزغا, العلمانية, صحاب الشكارة, البلطجية, الرشوة,التزوير, السبان. ويرسلون جمعياتهم الى الخالة فالخلا يطمانونها بالزرو عفوا بالرزو.
    لم يبقى لدي كتير من الروشارج الو خالتي سلمي على

  • السيد الواقعي
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 14:39

    السلام أخي الكاتب ما كتبته الآن أقوله يوميا مع أصدقائي و مع نفسي .و أتطرق الى احد النقط المهة غالبة انفصاليو الصحراء يقولون لو لم نطالب بالانفصال لما نظرت إلينا الدولة و لما كنا نحظى بهذا الاهتمام .يقولون لو كنا كالمواطنون الآخرين لكنا نعيش في الصحراء لحد الآن بدون أي شيء و لكنا نعيش اكفس مما يعيسونه إخواننا في المناطق النائية و انا أتفق معهم .و السلام

  • Kant Khwanji
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 16:04

    أخشى ما أخشى أن تستحضر الخالة صور نساء من بني جلدتها يُنزع رضعن من فوق أثدائهن ويُسحب صغارهن من تحت تلابيبهن ليساقوا مع آلاف الرؤوس كقطيع ليباعوا في سوق النخاسة المقدس، وهن يسحبن – نحو الماخور المقدس- على وجوهن على ارض ارتوت بدماء أزواجهن و ابنائهن الراشدين، كل هذا بإسم رب النور و السماحة والرحمة والرأفة و السلم و قربان له!
    أخشى ما أخشى أن ينتفض الفينيق الأمازيغي ليمزق صمت الجبال والسهول والشوارع ليعلن سخطه على طغيان الهة النور و السماحة والرحمة والرأفة و السلم!
    أخشى ما أخشى أن يزحف " النمل الاصفر بجيشه" -Ricochet au parasite nazi fasciste que je nommerai pas – ليقبل يد الخال و يهدأ من روعها، ويعيد لها قيمتها واعتبراها على أنها ملكة في ارضها لا منسية، منفية في بلدها ، ويعيد توزيع خيرات البلد على أهل البلد، ضدا على جشع خفافيش الظلام وأزلامهم من البرابرة الموالي المخصيي الهوية

    حذار من غضب من تسامح كثيرا

  • berbere
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 16:52

    ما كايهز الحمار غير ما ساستو المرأة من كتافها .
    المرأة تاتركب الاولاد تاايدلدلوا رجليهم كايهزهوم الحمار.
    كاتهز البادز دلما على كتافها عاد تحطهوم على ظهر الحمار .
    تاتجمع الثقل فوق كتافها عاد تحطهم فوق ظهر الحمار .
    ك كاتقولوا المرأة هي المادرية نتاع المجتمع
    ادن الوطن كله فوق كتاف المرأة ملي تسوس كتافها يهزوه الحمير.

    وكانقولوا في بلاد النسا كايتهز التيلاد 9 شهور في كرش المرأة و9سنين في الشواري .
    وفي بلاد الرجال كايتهز التيلاد 9 شهور في كرش النسا و9 سنين في راس الرجال.
    ادن هديك المرأة الا بكات على الحمار لحقاش ياتبكي على بوشلاغم لي حطات فوق الحمار وفاتهم بزوج اوتبكي على الثقل لي غايرجع على كتافها ملي مشى عليها الحمار .
    +
    المساعدة في المغرب هي الخبز والسكر مي كي تهضر وتبغي اطباء ومعلمين بلسانهم ومن جهتهم الكل يجن ويخاف على مستواه اللغوي مع ان الاغلبية تلج لمدارس خصوصية وكاع يشدو العكوس وتاحد ما يبغي يتجيح لدوك المناطق كلها فين يعمل ملف نفسي ومرضي ونقابي ويفكر غي في ولادو.
    لدلك حتى حد ما بقى يتيق تباكي الناس .

  • abou hajar
    السبت 28 فبراير 2015 - 08:19

    لا ادري من اين ابدا ..ااقول ان الوطن تخلى عن ابنائه او تنكر لهم بعد ما عانى من ويلات الاستعمار وبعد ان دفع ابناءه الغالي والنفيس من اجله ..لمن سنحمل المسؤولية للحكومة طبعا سواءا السابقة منها والحالية.. ولا ندري ام لا نريد ان ندري ان البلد مقسم الى طبقات .. الطبقة …. والطبقة الموالية والطبقة اصحاب النفود وو..والاخيرة المهمشة والمحتقرة والتي لا تكن على بال احد …المنسيين.. رغم انهم هم المواطنين بحق..رغم انف المستبدين لانهم اصليين ومؤمنين بقدر الله وحامدين الله على كل حال ..وليسوا كاللصوص المستهترين يخرجون علينا في كل وقت وحين في وسائل الاعلام ويقولون ويتشدقون باتفه المعاملات بان الوطن يعرف تقدما وبان الامور كلشي 100…100.. اقول ان الله يمهل ولا يهمل ..ان لم يتحرك المسؤولين ويحاربوا جشع الطامعين فلاشك ولاريب ان مصير هدا الوطن سيكون كباقي بلدان الجوار لا سمح الله ..الديموقراطية هي الحل ..يكفي قول الرسول صلى الله عيه وسلم …اعطوا لكل دي حق حقه…حديث شريف…هده هي الديموقراطية يا من تدعون المساوات ..والتقدم..

  • Jaouad Zagora
    السبت 28 فبراير 2015 - 10:56

    إلى الخالة التي بكت حمارهَا..

    لا تجزعِي كثيرًا، فليس حمارُك الوحِيدَ الذِي نفق، فقبلهُ غرقَ أبناؤنا في المتوسط منْ القسوة التي ذرفتِ دمعك لها، وقبلَ حمارك ماتت المعانِي في نفُوس كثيرٍ منْ منفوخِي البطن عندنا، إننا نستحقُ مواسم أكبر للبكاء، أيتها الحُرَّة، لنبكي الحمار والوطن وأشياء أخرى !

    فلترقدْ بسلام أيها الحمار، فلتكفكفْ دموعكَ أيهَا الوطن !:')

  • karim
    السبت 28 فبراير 2015 - 19:34

    شكرا لكاتب هذا المقال الذي أتر في شخصيا رغم أنه واقع مغربي تعيشه المناطق المغربية حيت تختلف فقط في المكان. هناك منطقة حباها الله بكل شيئ ، حباها بالبحر وخيراته ورماله الدهبية وبفلاحته دات الجودة العالية ــ أولاد غانم بالوالدية ــ لكن تسلط عليها بني البشر وكأننا نعيش في زمن المعمر . سكانها مهددون صباح مساء في حياتهم وأبنائهم وفي فلاحتهم فقط من طرف شخص واحد لا يريد لبني البشر أن يسكنوا تحت سقف آمن ، ولا أن يركبوا سيارة جميلة ، ولا أن يخالفوه الرأي وحتى من لم يقبل يده . ففي أي زمن يعيش هذا المواطن ؟ ومن له الجرأة بأن يوقف هذا الإنسان عند حده ؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة