عندما يفلس التواصل السياسي...

عندما يفلس التواصل السياسي...
السبت 7 مارس 2015 - 17:10

التواصل اليوم هو قطب الرحى في المعارك السياسية. هذه حقيقة قائمة منذ عقود في القطاع الخاص المعروض بشكل مباشر للمنافسة والخاضع لسلطة المستهلك، مما جعله يحتل بشكل متصاعد نفس المكانة في الميدان السياسي. إن كل المؤسسات ذات الصبغة السياسية أو الإدارية أو الجمعوية أصبحت خاضعة لإملاءات التواصل : الأحزاب السياسية، الحكومات، الفرق البرلمانية، الجماعات المحلية، الإدارات المركزية، المنظمات الدولية، المنظمات غير الحكومية، إلخ… كل هذه المؤسسات أصبحت ملزمة بالتحكم في رهانات التواصل المرتبطة بأنشطتها، تحت طائلة مواجهة الموت الإعلامي، أو الانتخابي، بالنسبة لمن يرتبط نشاطه بالاقتراع العام مما يفرض عليه وضع استراتيجيات للتواصل وأدوات للاتصال تستخدم وسائل كلاسيكية (منشورات، ملصقات، لقاءات، حملات إشهارية، مجلات مؤسساتية، وسائل إعلام مرئية ومسموعة، صحافة مكتوبة)، أو وسائل حديثة (إنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي). في هذا التمرين الجديد، لا يقتصر التحكم في استراتيجية التواصل على إشكاليات مرتبطة بالتقنيات أو الأدوات، وإنما بالقدرة على التفكير والتحليل واستشكال الرهانات الوطنية والدولية. إنه يتطلب ثقافة عامة ومعرفة معمقة بالملفات الكبرى الآنية، التي لها في نفس الوقت بعد سياسي، اقتصادي، اجتماعي، مالي، ضريبي ودبلوماسي … كما يفرض تدبيرا محكما للآثار السيميائية أو الرمزية للخطاب العام المنقول من قبل السياسيين. ويتطلب أيضا كفاءة في طريقة الإلقاء، نوعا من المهارة في لغة الجسد وقدرة على المقارعة في مواجهة أي منافس سياسي محنك أو مناظر محترف في مجال الإعلام.

ما هو وضع التواصل السياسي في المغرب بالنسبة لهذه المعايير ؟ إنه بكل بساطة في حالة إفلاس ! هناك عدة أمثلة توضح حقيقة هذا الاستنتاج الذي ينطبق على الطبقة السياسية برمتها. ولنكرم الأسياد أولا ! دعونا نبدأ أولا برئيس الحكومة، الذي يستحق شخصُه والوظيفة التي يمثلها كل الاحترام الواجب لهما، إلا أن لغته السياسية تشكل، على الأقل، ضررا بالنسبة لرزانة النقاش السياسي وظهور ديمقراطية حديثة غير متشنجة في بلادنا. فالمفردات المستخدمة بشكل عام من طرفه، تجد مصدرها في المعتقدات الشعبية الخارقة أكثر ما تجده في قاموس آخر من مجالات الاقتصاد، القانون أو الجيوستراتيجية، وهو ما قد ينعته البعض بالشعبوية. إن الكلام المنتقص من دور النساء في حياة المجتمع، الذي يقارنهن ب “الثريات اللامعات” أو الإجابة اللاذعة، ذات الدلالة الجنسية، ردا على رئيسة الفريق البرلماني لحزب الأصالة والمعاصرة في جلسة عمومية لمجلس النواب، ستترك آثارا لا تُمحى عند الرأي العام ولدى المراقبين الأجانب. فلا التفسيرات المرتبكة للمعني بالأمر، ولا الإنكار الولهان لأتباعه المناصرين بإمكانها إصلاح الأضرار الناجمة عن الصورة التي سببها هذا النمط من التواصل السياسي. إن أول درس للتواصل ينبغي أن يستخلصه هؤلاء هو أولوية الإدراك على القصد. فمحتوى الخطاب السياسي أقل أهمية من إدراكه من قبل الجماهير المستهدفة. إذ إذا تعلق الأمر بالتوجه حصريا لهيئة ناخبة تقليدية، أبوية، رجعية ومبغضة للنساء، فقد يتملق الخطابُ موضوعُ الخلافِ الشريحة َالمستهدفة. ولكن إذا تعلق الأمر بالتوجه لجميع القوى الحية للأمة، لكل أبنائها، رجالا ونساء، شبابا وكبارا، حضريين وقرويين، محافظين وتقدميين، مؤمنين متدينين وعلمانيين، ناطقين بالعربية الفصحى،أو الأمازيغية، أو الفرنسية والإسبانية، باختصار، للمغرب بكل تنوعه وبكل ثروته البشرية، فالخطاب غير ملائم وإدراكه كارثي.

مثال آخر : حضور وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية بالإذاعة الفرنسية ذات الخمس ملايين مستمع، أوروبا/1، كان لحظة عزلة كبرى بالنسبة للمعني بالأمر، ولحظة تلذذ حد الانتشاء بالنسبة للصحفي السياسي، ولحظة ضحك حد الاستلقاء بالنسبة للمستمعين الفرنسيين. لكنها كانت لحظة حزن شديد بالنسبة للمغاربة. لقد غابت أشياء كثيرة وبشكل قاس في تلك اللحظة البغيضة من التواصل السياسي المغربي: التحكم في لغة موليير، الإلمام بالملفات، الشجاعة السياسية وخفة الدم. هذان المثالان ليسا إلا الشجرة التي تخفي غابة بؤس تواصلنا السياسي : مشادات داخل قبة البرلمان، إفراط في خطاب الشتم والتشهير، التركيز على الصراعات الشخصية، عدم الدراية بالملفات التقنية، غياب المناقشات حول الأفكار، انعدام المواجهات البرنامجية، تنافر عام حول حالات وزراء “فاشلين” (فضيحة أرضية ملعب/مسبح المجمع الرياضي مولاي عبد الله، قضية وزير في حالة إدمان على الشوكولاته ..).

على التواصل السياسي لبلدنا أن يصبح احترافيا وأن يعاد بناؤه حول ثلاثة أهداف أساسية هي : بلورة الأفكار السياسية والقيم، تصميم مشاريع للسياسات العمومية وترقية سياسيين وسياسيات يتطلعون إلى مصير وطني أو يطمحون للظفر بأصوات مواطنيهم على المستوى الإقليمي. إذ يجب أن يُصبح تطور التواصل السياسي، السبيل الوحيد للوصول إلى مراتب السلطة في بلد ديمقراطي حيث الرأي العام هو الحكم الوحيد على المنافسة الانتخابية. يلزم من أجل ذلك شرط أساسي : حماية المجتمع المغربي من الخطر الشعبوي عن طريق التعليم وسيادة القانون !

-عضو المجلس التنفيذي لجمعية ضمير وعضو المجلس التنفيذي لرابطة الاقتصاديين الاستقلاليين.

‫تعليقات الزوار

5
  • النوقي حمودة
    السبت 7 مارس 2015 - 17:53

    اليوم نسير نحو استبدال ثقافي في المغرب اي توطين ثقافة اجنبية و هي التقاليد و العادات المشرقية في شكلها الاكثر سلبي و همجي- و رواد و دعاة و ادواة الاستبدال الثقافي تقوده جماعات و حركات تدعي الدين في صفته الايديولويجة الخ- اي انهم يريدون اجثات كل تعبير مختلف و اصيل في المغرب بامور ترعرت و تعبر عن شعوب بعيدة مكانيا و زمانيا- اننا امام استبدال نتيجة التناسل المذهل (في الاكواخ، في العراء، في الطرقات، في الشوارع و الازقة، في السيارات او الهوندات و البيكوبات، في بيوت بلاستيكية او خيام من القش الخ) لشعب باخر او لساكنة بأخرى- مما نتج عنه ساكنة غالبيتها من المعتوهين و المشوهين و المعطوبين و المجانين و اللصوص و المغتصبين و المجرمين الخ اي ساكنة لا فكر و لا اخلاق و اي شيئ تحمله عدا الدمار و الخراب و التزايد الملفت حقا للنظر حتى لان الارض تضيق و تضيق لدرجة تعطيل المشي الخ- و هو ما ولد او أنشأ وجوج سياسية جديدة تذكرنا بالشرق حيث الصراخ و الصراخ و الضجيج و الفوضى و انعدان الثقافة و التمدن و التحضر اي ساسة رأسمالهم هو الصراخ و السب و البكاء و القهقهات و التضخم الفمي و الهجاء:الثقافةالوحيدة لديهم

  • منا رشدي
    السبت 7 مارس 2015 - 19:16

    عالم أرصاد جوية تنبأ أن تضرب عاصفة ثلجية مدينة نيويورك الأمريكية ! مطلقا عليها " عاصفة القرن " إلا أن العاصفة الثلجية لم تكن من القوة التي تنبأ بها عالم الأرصاد الجوية ! فظهر على وسائل الإعلام معتذرا للشعب الأمريكي ولإدارة البيت الأبيض عن سوء التقدير الذي صدر منه ! مع العلم ؛ أن ٱلاف المكالمات الهاتفية تهاطلت عليه مؤكدة ما توقعه لكن على بعد مسافة قريبة من نيويورك !!!
    سياسيون غربيون ما أن تكتشف في حقهم فضائح مالية أو أخلاقية حتى يدفعوا الحساب للمجتمع ( كاش ) !
    في المغرب ! تقنيوا أرصاد جوية كثيرا ما يخطئون قليلا ما يصيبون ولا يوم واحد تقدموا بإعثذار للشعب المغربي عن خطإ في التقدير أو تأخر في إبلاغ إنذار ! من أوريكا إلى كلميم الأخطاء تتكرر والضحايا في إرتفاع !
    سياسيونا ما شاء الله ؛ يسار راديكالي لم يقدم إعتذارا لملايين المغرر بهم بعد سقوط جدار برلين ! قوميون لم يعتذروا وقد أظهرت الأحداث كم جنت الأنظمة القومية على مجتمعاتها ! مبلسون منتحلوا صفة متدينين من زلة إلى زلة ! ولاءهم للقرضاوي أكبر من ولاءهم للوطن ومع ذلك ( كيقتلوك بالجبهة ) مكان هؤلاء السجن سواء ا إعتذروا أم لا !!!

  • KITAB
    السبت 7 مارس 2015 - 19:41

    المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، في رأي حفنة من ناهبي المال العام والسرطان الذي ينخر أحشاء المغرب ، ما هي إلا مكاتب خاصة بهم كلما تعلق الأمر بتفويت ميزانية أو الحصول على امتيازات يسيل لها اللعاب أو التنصل من أداء الضرائب ،،، وهم فوق هذا وذاك يستثمرون أموالهم المنهوبة في أبناك ومصالح خارجية ، كم هي عدد المجالس والجمعيات لمحاربة الفساد في المغرب …ولكنها تظل مقيدة في عملها وتتلقى أوامر تحركها من فوق ،،،، مؤسسات بهذا التوصيف والفراغ من النجاعة ، لا يمكن إلا أن تذهب بالمغرب إلى الإفلاس ومزيد من الكوارث. ..!

  • مواطنة
    السبت 7 مارس 2015 - 20:42

    هل بن كيران مصطفى الخلفي هم من يمثلون المشهد السياسي بالمغرب ، نسيت الخطاب الشعبوي والرخيص الذي يتحدث به السيد شباط

  • citoyen
    الأحد 8 مارس 2015 - 18:52

    التواصل السياسي، السبيل الوحيد للوصول إلى مراتب السلطة في بلد ديمقراطي حيث الرأي العام هو الحكم الوحيد على المنافسة الانتخابية.
    vous avez completement raison les promotions dans les partis politiques est basée plutôt sur l'allégeance que sur le mérite . il faut loyal au gourou du parti et s n'a pas d'importance si on est analphabète. quelle drôle de mentalité il n'y a pas un seul parti qui applique le contraire

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات