اعترفت رئيسة مؤسسة هانس سايدل الألمانية الدكتورة أورزلا مينيلي في مداخلة لها في ندوة علمية بمدينة مراكش تحت عنوان ” دور المرأة في التنمية الديمقراطية بألمانيا” المنظمة من طرف مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن بجامعة الحسن الأول بسطات حين قالت ” ما وصلت اليه المرأة في ألمانيا لم يتحقق من فراغ وإنما جاء نتيجة نضال وكفاح متواصلين” وأضافت ” انتظرنا 50 عاما ليتم ترشيح المرأة في البرلمان ولم نحرز سوى على 9 مقاعد، أما في عهد هتلر لم يكن للمرأة الحق في الانتخابات “.هذا مجرد مقتطف صغير يبرز بوضوح أن تاريخ نضال المرأة في ألمانيا، لم يكن مفروشا بالورود، وأن ما حققته من مطالب جاء نتيجة صراع مرير مع آلة ووحش مفترس اسمه الرجل والعادات الألمانية.
فراشات المغرب سوف ينزلن إلى الشارع ويملأن فضاءاته يوم 8 مارس ليسمعن صوتهن ويعلن عن تشبتهن بحقوقهن التي يعتبرنها مشروعة تحت شعار طويل عريض ” المساواة والمناصفة ، ونحن من يصنع الرحيق في هذه البلاد ” ولكن السؤال هل فعلا كل نساء المغرب يساهمن في صناعته ؟ ومن يستفيد من النساء فعليا من عملية الإنجاز ؟عندما يتم وضع المجهر على الوضع الحقوقي للمرأة بالمغرب ، نجده وضعا طبقيا بامتياز، فهناك نساء من الدرجة الأولى وهن من العائلات الراقية والتي ليست في حاجة لا إلى حقوق ولا إلى واجبات لأنها هي من تصنع الحدث وهي من تختار لون الحياة لأنها بكل بساطة تقدم نفسها من شجرة عريقة وجذورها ممتدة في الزمان والمجال، وشعارها الحقيقي هو المال والمتعة والامتيازات التي يستفدن منها من فيض الريع.
أما الفئة الثانية وهي من الطبقة الوسطى من النساء اللواتي انخرطن في الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية وركبن سفينة النضال كل واحدة من موقعها وفي المجال الذي يغريها أو يحقق لها موقعا اجتماعيا أومعنويا يجعلها تتقلد منصبا يشبع رغباتها. وهذه الفئة هي الأكثر تأثيرا على الجسم الحقوقي لأنها تتحرك على كل الأصعدة وتتوفر على إمكانيات الترافع لتحقيق مطالبها. و منها شريحة واسعة تنزل إلى الشارع من أجل التدافع عن الصفوف الأمامية في المسيرات الاحتجاجية والتقاط الصور وإعطاء التصريحات النارية بنوع من الحماسة المصطنعة، لكن هذا لاينفي أن هناك فئة من المناضلين والمناضلات من يدافعون بصدق وأمانة عن المرأة كقضية إنسانية ، وهم للأسف قلة.
الفئة الثالثة وهي الطبقة المسحوقة من النساء و التي تشكل الأغلبية في المجتمع وأهمها ، نساء العالم القروي ، الأرامل ، العاملات في المعامل و خادمات البيوت ، والعاهرات، والمتسولات، والكادحات في الحقول والمداشروغيرهن…هذه الطبقة أغلبهن ، لايتقنن القراءة والكتابة ، لاينخرطن في أحزاب وجمعيات ولا يعرفن شيئا عن التنظيمات المهنية ، وليست لهن شبكات للتواصل والحوار وهذا هو أخطر عنصر تعاني منه أغلبهن، فحين تسقط امرأة من هذه الفئة، في مشكل من المشاكل سواء تحرش أو اغتصاب أو تدليس أو تزوير أو ابتزاز فإنهن لا يعرفن الجهة المختصة لعرض مشاكلهن، بالإضافة إلى عنصري الخوف والترهيب الذي يمارس عليهن، وكذا قلة الحيلة، كلها عوامل تجعلهن غائبات بامتياز عن المطالبة بحقوقهن رغم أن هناك من يركب على معاناتهن وبؤسهن محاولا إيهامهن أنه يدافع عن تحقيق مطالبهن وهذه أكبر خيانة تمارس على هذه الفئة المغلوبة على أمرها، في حين أن الجميع يعلم أنها تبقى حبيسة مرقدها لاترى النور ولا تدخل الشمس من شقوق جدرانها. والسؤال، هل هذه الفئة ستكون حاضرة ورافعة شعار المناصفة ؟ وهل هناك فعلا من يمثلها ويشعر بآلامها وأوجاعها ؟
إن يوم 8 مارس هو يوم وجودي، ترفرف فيه صور المرأة ، وتصدح بشعاراتها القريبة إلى قلبها، والتي تجعلها ملكة النحل في ذلك اليوم المشهود، ولكن بعد أن تطوى الصحف وتجمع اللافتات وتعود الفراشات إلى الحقل تجده كله حرائق .رئيسة مؤسسة هانس سايدل في مداخلتها السابق ذكرها ختمت بالقول ” أن 40 في المائة من الجامعيات والمثقفات المتزوجات بألمانيا أصبحن يرفضن الإنجاب ويطالبن حكومة المستشارة ميركل بإصدار قانون يسوي بين الرجل والمرأة في تحمل أعباء البيت حتى يستطعن أن يصلن إلى مراكز القرار مثل الرجل، لان هذه الأعباء المنزلية تعطلهن على تحقيق ذلك “
مطلب كهذا من نساء المانيا، يعكس بشكل جلي سقف المطالب التي بلغت إليها المرأة في هذه الدولة الديمقراطية، وعندما نريد أن نقارن وهذا من باب المستحيل، فإننا نجد الحركات النسائية في المغرب لازالت تطالب بالمناصفة والتمييز الايجابي. انزلي إلى الميدان، كالفراشات إذا أردت فعلا معرفة وضعية المرأة ومطالبها الحقيقية.
