أي قيمة لعدد السكان بالمغرب؟

أي قيمة لعدد السكان بالمغرب؟
الإثنين 23 مارس 2015 - 13:00

بعد ظهور نتائج الإحصاء العام للسكان و السكنى : أي قيمة لعدد السكان بالمغرب؟

بعد الكشف أمام جلالة الملك عن نتائج الإحصاء العام الذي أجري ببلادنا من فاتح إلى 20 شتنبر من السنة الفارطة، أصبح عدد المغاربة رسميا 242 848 33. ما أهمية هذا الرقم ؟ هل يشكل ثروة أم عبئا ؟ هل نسبة السكان العالية مفيدة للتنمية الاقتصادية ؟ أم على العكس، يجب تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال “السيطرة” على النمو الديموغرافي. لماذا معظم الدول الصناعية الكبرى تتوفر على نسبة سكان عالية، في حين تنصح المنظمات الاقتصادية الدولية الدول النامية بخفض نموها الديموغرافي ؟

تباينات نظرية و واقعية

لمدة طويلة تم اعتماد النموذج المالتوسي (1) مرجعا رئيسيا بل وحيدا في دراسة العلاقة بين نسبة السكان و التطور الاقتصادي، وبناء عليه عملت المؤسسات الدولية العاملة في المجال الاقتصادي والاجتماعي (صندوق النقد الدولي والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة) على إقناع الدول النامية أن ارتفاع نسب السكان بها يشكل السبب الرئيس في تخلفها.

لا جدال في أن هذا النموذج قديم بما يكفي لتتم مراجعته اليوم أو على الأقل تحيينه ، على ضوء ظهور نظريات رأس المال البشري ، نظريات حديثة تشكك في النموذج الشهير و ترى في عدد السكان ثروة يجب استغلالها وتأكد على دور الأفراد في التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن واقع التوزيع العالمي للسكان يظهر أن العلاقة بين نسبة السكان و التطور الاقتصادي ليست دائما عكسية، فمعظم الدول الصناعية المتقدمة تحتفظ بنسبة سكان مرتفعة : الصين أكثر من مليار نسمة، الولايات المتحدة الأمريكية 316 مليون، ألمانيا 80 مليون، فرنسا 68 مليون، كوريا الجنوبية 50 مليون، اسبانيا 46 مليون … في مقابل ذلك تظل العديد من البلدان “نامية” رغم توفرها على نسبة سكان منخفضة : جيبوتي 000 860 نسمة، موريتانيا 3.5 مليون، جمهورية الكونغو 4.3 مليون، جمهورية أفريقيا الوسطى وسيراليون 5.2 مليون، إريتريا 6.2 مليون…

السكان: سواعد لبناء المجد أم أفواه تنتظر الإطعام ؟

مصدر الجدل هو وجهتا النظر المتباينتين إلى نسبة السكان، نظريتان اثنتان تتمايزان في هذا الصدد : الأولى تعتبرهم مصدر ثروة الأمم و منتجة للقيمة، ميزة تنافسية في شكل عقول و سواعد للعمل و سوقا للاستهلاك، الساكنة حسب هذه النظرية دعم للاقتصاد الوطني (تسمى أيضا : “الأطروحة التفائلية”). في المقابل تبقى النظرية “التشائمية” سائرة على نهج توماس مالتوس معتبرة نسبة السكان عبئا على عاتق الدولة، أفواها تنتظرالإطعام، أجسادا مرضى يجب تطبيبها و عاطلين ينتظرون توظيفهم.

مهما يكن فإن النقاش حول نسبة السكان ودورها في التنمية الاقتصادية لا ينبغي أن يركز على العدد و لا على التركيبة الديموغرافية و إنما على نوعية السكان، خصوصا مؤشرات التنمية البشرية.

إنها مسألة تعليم

تعتمد التنمية الاقتصادية على رأس المال البشري، انه “مجموعة الكفاءات والمؤهلات و القدرات الأخرى التي يمتلكها الأفراد لأغراض إنتاجية داخل البلد”. نظرية رأس المال البشري تبدأ مع افتراض أن الدول (و الأفراد على المستوى الجزئي) تقرر توجيه إنفاق في الحاضر على مشاريع تربوية لا تستطيع تحصيل مردودها إلا في المستقبل، في منطق مشابه مفهوم الإستثمار.

البلدان (كما الأفراد) تنفق على تعليم مواطنيها، والرعاية الطبية و تشجيع الرياضة وغيرها من الجوانب التي يمكن أن تحسن قدراتهم ومهاراتهم لاستتمارها في التقدم. عوائد هذا الاستثمار تكون مكاسب حضارية و تكنولوجية غيرنقدية تترافق مع تعزيز الإيرادات و تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، أي صناعة التقدم المتأصل و المبني من الداخل.

بهذا المعنى، فإن رأس المال البشري يتيح جذب الاستثمار وتلبية احتياجات الشركات و إدراج البلاد في اقتصاد المعرفة و يوفر قاعدة لرجال الأعمال الشباب.

يقارن الجدول التالي بين بلدين قريبين للمغرب من حيث عدد السكان، ولكن مع تفاوت على مستوى التنمية البشرية :

المصدر: تقرير التنمية البشرية 2014 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية و تقرير التنافسية العالمية 2014-2015 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

1- نسبة لتوماس مالتوس (1766- 1834) الذي نشر عام 1820 نظريته الشهيرة التي لاحظ فيها أن نسبة السكان تنمو حسب متوالية هندسية ، بينما تزيد موارد العيش حسب متوالية حسابية، وبالتالي فإن النمو الديموغرافي هو مصدر المجاعة والحروب و البؤس. ويرتبط تحسين الظروف الاقتصادية في الدول النامية الآن بسياسات ترمي إلى “تبطيء” النمو الديموغرافي

*أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش

باحث مشارك بمركز البحوث و الدراسات في التسيير جامعة بو/ فرنسا

‫تعليقات الزوار

6
  • KITAB
    الإثنين 23 مارس 2015 - 14:13

    الأستاذ يعرف جيدا أن الإحصاء بمفهومه الأكاديمي يعني مدخلا حيويا للتخطيط ورسم نظرة على المدى البعيد لدولة أو أسرة… والإحصاء بهذا المنظور أصبح أداة فعالة لاستقراء مؤشرات هامة تبعا لمحتوى الاستمارة ، ولكن مع الأسف فالدول السائرة في طريق النمو ومن بينها المغرب لا ترى فيه إلا واجهة للتكسب وراء طرقها لأبواب الأبناك والصناديق الدولية بقصد الحصول على القروض… بينما استثمارها لنتائج الإحصاء يضل معطلا وغائبا حتى عن المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية..

  • اسماعيل89
    الإثنين 23 مارس 2015 - 19:53

    معرفة الحقيقة تؤدي الى تاجيج الاوضاع . لنفترض ان سكان المغرب عددهم 50 مليون. وبما ان التقشف طال كل القطاعات التوظيف مثلا . الصحة فان المواطن سيطالب عن رفع الاقصاء والتهميش عنه . وبالتالي سيحدث مالا يحمد عقباه . وتلافيا لذالك خرجت الداخلية بقولها ان العدد 32 مليون . الرقم الذي يشك فيه كل المغارية بقولهم مازحين ان العاصمة الاقتصادية وحدها تتوفر على هذا العدد

  • mistral
    الإثنين 23 مارس 2015 - 22:16

    عدد السكان في الدول المتخلفة يسهل معرفته وذلك بطريقة حسابية بسيطة و لا داعي لعمليات الاحصاء المكلفة, فاذا تمكنت من عد البوليس العلني, اضف اليهم العدد السري, زائد عدد المخابرات ثم قم بعملية الضرب في الصفر, بعد ذلك بعملية الكسر واحد على واحد مع الاحتفاظ بالباقي في حسابات قادمة …
    اخيرا تظهر لك النتيجة.

  • الرائد
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 01:58

    نحن امام اشكالية تطرح نفسها يا استاذ هو كيف ستتاعمل الحكومة مع هذا النمو الديموغرافي؟ هل ستعتبره مصدر و دافع للنمو الإقتصادي في المغرب أم هذا النمو هو عبء على الحكومة؟
    للإجابة عن هذه الإشكالية يجب أخذ مجموعة من الآراء و مناقشتها، الإطلاع على تجارب دول اخرى في هذا الصدد كم ذكرت يا استاذ و اخيرا القيام بدارسة دقيقة على السكان لتحديد نقاط القوة و الضعف و وضع الحلول لاستغلال ثروتنا البشرية في ما يخدم المصلحة الإقتصادية للبلاد

    شكرا يا استاذ على المقال

  • ١محمد١
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 10:43

    لم تذكر أهم رقم في ما يخص عدد السكان

    لا يمكنك مثلا مقارنة كندا بالمغرب بسبب فرق مساحة كندا مقارنة بالمغرب و فرق الموارد فكندا بلد ينتج النفط و الغاز و المغرب مستهلك له و يستهلك الحصة الأكبر من عجز الميزان التجاري…

    المغرب يعتمد على السكان المحليين اما كندا فتعتمد على "إستيراد" افضل العقول في العالم من خلال فلترة طالبي الهجرة… و اختيار أفضلهم وفق معايير محددة…

    أما أهم معيار يجب استخدامه هنا هو "نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي" أو GDP per Capita
    و العدالة في توزيع الثروات بين الطبقات الغنية و المتوسطة والفقيرة
    فكلما زاد النصيب الفرد و عدالة التوزيع كلما زاد الرخاء في البلد بغض النظر عن تعداد السكان و كلما زادت الإنتاجية الفعلية لكل فرد…

  • Citoyenne du Monde
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 21:38

    Trés bonne question: Est-ce qu'une croissance démographique sauvage et débridée sans stratégies claires pour le développement humain peu apporter une valeur ajoutée ou bien est-ce un fardeau pour un pays qui a encore beaucoup de problémes à résoudre. Quand il y'a une défaillance totale de l'éducation qui produit des chomeurs, des criminels et des extrémistes, cela devient un fardeau et pour la societé et pour le monde entier (comme on le voit). Quand un pays exporte plus de criminels, de prostituées et de terroristes que de cerveaux il y'a surement un probléme de saturation. Le but ce n 'est pas de donner vie à des individus sans leur donner la possibilité de vivre dans la dignité, ce qui compte c'est de créer des citoyens de qualité qui peuvent contribuer au rayonnement de leur pays et dont on peut etre fiers. Et pour les pays qui sont sous-développés malgré une faible croissance, la réponse est dans la haute mortalité parmi les femmes et les enfants. Il ly'a aussi l'immigration.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات