كلام في طلب التحكيم الملكي

كلام في طلب التحكيم الملكي
الخميس 9 أبريل 2015 - 13:54

ثمة استعصاءات وعوارض جمة تنتصب في مسارات إمكانية بروز وبزوغ النزوع الايجابي في التعاطي مع الوثيقة الدستورية،أبرزها هذه السلوكيات الارتجاعية والمتطاولة على النص الدستوري والتي تقع في صميم تكريس اللامعنى في الدستور وفقده الدلالة المرجوة في سياق الحديث عن البناء الديمقراطي الحقيقي،فنحن أمام سيناريوهات تنزيل لا ديمقراطي موؤود بفعل سلوكيات موبوءة للفاعل الحزبي ،تنم على عدم نضج العقل الدستوري الحزبي بفعل تشوهات خلقية تعتوره وتلازمه.

فبالإضافة إلى جعل المقتضيات الدستورية مقفلة عن كل بيان أو تفسير يمكنه أن يدفع في اتجاه الدمقرطة،والتفسير الايجابي الذي يخدم التطور الحداثي للنظام السياسي، من خلال تكريس دولة القانون والمؤسسات ،تتم عملية الالتصاق بكل ماهو تقليداني وتكريس مقومات “الشخصنة” وتحصينها في وجه أي عملية بنائية للمأسسة السياسية،من خلال استدرار كنه النظام الباتريمونيالي/الأبوي أي الارتماء في أحضان السلطة الأبوية وبمسوغات دستورية مغلوطة،القائم على قيم الطاعة والخضوع والأوامر والتعليمات، ولعل في سلوك حزب الاستقلال ولجوئه إلى التحكيم الملكي بخصوص نزاعه مع حزب العدالة والتنمية أيام تواجده في حكومة ما بعد دستور 2011،من خلال الاحتماء بمقتضى دستوري (الفصل 42)،الذي لا يمت بصلة إلى الواقعة الحاصلة، وأيضا ما خرجت به المعارضة البرلمانية مؤخرا من تقديم مذكرة لطلب التحكيم الملكي بخصوص خلافها مع الحكومة وخصوصا التظلم من خطابات رئيس الحكومة “السيد بنكيران” ،فيه مبلغ التأكيد عن حالة من التوهان والتخبط ،والمسالة عادية ومنتظرة في ظل هشاشة النسق الحزبي ومحدودية فعله.

والملاحظ أن السياق التفاعلي في النسق السياسي بين الفاعلين تبرز فيه إرادة الاستقواء بالملك على المستوى الخطابي والفعل ،إلى حد التسابق على كسب ثقة الملك ،فنجد مثلا ان رئيس الحكومة “السيد بنكيران “لا يتوانى في التأكيد على علاقات الثقة التي تجمعه بالملك ،وانه من غير الممكن الدخول في صراع مع الملك حول ممارسة الاختصاصات ويرمي بمنتقديه في خانة من يريدون تقويض مقومات وأركان الدولة لدرجة تخوينهم ،في حين أن الدستور رسم مجالات الاختصاص لكل طرف ،الملك من جهة ورئيس الحكومة من جهة ثانية.وحتى في عز الحديث عن حكومة صاحب الجلالة وانتقادها بما تفرزه من إشكاليات على مستوى الأداء الحكومي يخرج الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي السيد “ادريس لشكر”ليرد بمعارضة صاحب الجلالة” في مضمار النقاش السياسي الفارغ المحتوى.

إن من شأن التواتر على هذه الأفعال والسلوكيات والتهافت على الفصل 42 من الدستور فيه خطر تضخيمه وجعله في موقع النفاذ والقوة التي كان يتمتع بها الفصل 19،والذي كان يثير الكثير من الإشكاليات الدستورية والواقعية ،حيث كان يعتبر دستور داخل دستور،وهذا من شانه أن يجهز على باقي نصوص الدستور ويعزز من تثبيت حالات “اللامعيارية الدستورية” ،وهو ما لا يمكن استحبابه في عز الحديث عن التنزيل الديمقراطي للدستور.وهذا يجعلنا نعود إلى نفس الحلقة المفرغة والى نقطة الصفر في تثبيت ممارسات معيبة كنا في أمس الحاجة إلى القطع معها في ظل دستور 2011.

وهذا لا يساهم أيضا إلا في إنتاج فائض السلطة لصالح الملكية وتضخيم رمزيتها في معترك السياسة والاستفراد بالسلطة ،والزيادة في إضعاف باقي الفاعلين السياسيين،وهو المعطى الذي لا يخدم تطور النظام السياسي في حد ذاته والمؤسسة الملكية أيضا في ظل متغيرات المحيط الداخلي والخارجي ،وهي مرحلة تستوجب تدبيرا تشاركيا للسلطة .

فهذا التحوير الواسع و”النزعة التلفيقية” في التعاطي مع الفصل 42 من خلال إسناد وقائع سياسية لا تمت بصلة إليه،من شانه أن يجعلنا أمام مأزق دستوري فعلي تثار في خضمه إشكالية محورية تتعلق بدور الفاعل السياسي في التنزيل الديمقراطي للدستور ،وهو إشكال يجعل مسالة تفسير الدستور معوجة من أساسها ومنطلقاتها مع تشكيل جبهة من الفاعلين تعد بحق كمعوق لإمكانية التفسير الصحيح للدستور.

إن تعطيل “الجوهر الديمقراطي “الذي يمكن استقاؤه من الوثيقة الدستورية والذي يمكن أن يخدم الوجه الحداثي للنظام السياسي في إطار التأسيس لعلاقة انتظامية دستورية بين مختلف المؤسسات والفاعلين ،بدل تكريس تيمات معتلة في الممارسة السياسية لا تخدم الدستور في حد ذاته .وتساهم في زيادة منسوب وسيران جملة من الموانع والكوابح التي لا تخدم تحديث الدستورانية المغربية بقدر ما تسير بها نحو الهاوية.

إن حضور الأنا التمجيدية والنظرة الاقصائية /التحقيرية للآخر على مستوى الخطاب والممارسة ،لن تفيد في تحديث الممارسة السياسية بقدر ما ترهنها لأفعال مرضية معيبة ،والتي لا تعيد إلا ترسيم مقومات الاستبداد والاستئثار بالرأي ويصبح الفضاء السياسي مجالا للعراك والصراعات الضيقة غير المجدية في شيء،وهي كلها عوامل معطلة للانتقال نحو الممارسة الديمقراطية الجيدة ،فلا يمكن أن نجد ديمقراطية بدون ديمقراطيين وهي الحلقة المفقودة في البناء الديمقراطي المغربي.

إن المعارضة البرلمانية غير مطلوب منها أن تستكين إلى ممارسة نوع من المظلومية المقيتة ،فكان بالأحرى أن تقوم باستثمار الأدوات الدستورية التي تمكنها من ممارسة دورها الرقابي والضغط على الحكومة والعمل على إحراجها أمام الرأي العام الوطني ،فأمام ضعفها الذاتي تستنجد بالملك والهروب إلى الوراء والتخاذل في أداء مهامها وأدوارها وإلصاق ضعفها بالأخر/الحكومة ،وبالتالي وجب التخلي عن تبني إستراتيجية المظلوم الذي ينتظر إنصافه عن طريق الملك.

‫تعليقات الزوار

8
  • Ahmed52
    الخميس 9 أبريل 2015 - 16:31

    طلب التحكيم الملكي ام المراهقة السياسية؟.

    هده دولة الحق والقانون والدمقراطية ودستور 2011 يا مناضلين.

    لكن مع الاسف اين هم الحقوقيون والدمقراطيون بدولة الحق والدمقراطية
    " الا مر رحم ربك".

    عندما تلجا احزاب المعارضة للاستقواء بالملك على الاغلبية مع الاسف فانها تعطي للمواطن مثلا سيئا في تطبيق القانون وممارسة الدمقراطية.

    تربية سياسية فاسدة بائسة تشجع على المحسوبية والزبونية والحزبية الضيقة لصلحة فئة على فئة اخرى.

    وهده هي الممارسات التي نريد ان نقطع معها والمستشرية في المجتمع المغربي "يا عيادو بالله".

    هده الممارسات هي التي تشجع التدخلات لصالح فلان ضد فرتلان ومع الاسف في بعض الاحيان ضد الحق والقانون .

    هده الممارسات الصبيانية هي التي اطاحت بالرئيس النيجيري عندما رفض جلالة الملك مكالمته هاتفيا.

    هده الممارسات الصبيانية سيكون لها انعكاس خطير على المسيرة الدمقراطية والاول الدي سيتضرر منها هم احزاب المعىرضة

    وشكرا.

  • ياسين موسى
    الخميس 9 أبريل 2015 - 16:52

    تحليل جيد نعم فازمتنا ازمة الديمقراطيين ان الالتجاء الى التحكيم الملكي في ظل الدستور الجديد هو تفسير سيء لهذا الأخير ويعتبر تراجع كبير عنها وتكريس للدستور القديم فمتى يصحو ديمقراطيينا من غفلتهم واستعمال آليات ديمقراطية المتاحة لهم لحل خصوماتهم ونزاعات هم؟؟

  • منا رشدي
    الخميس 9 أبريل 2015 - 17:01

    كل ما إنتعش الخطاب الشعبوي في مجتمع ! فإعلم أننا بصدد فشل السياسي في الإستجابة لمطالب المواطنين ! من غايات الخطاب الشعبوي تهريب وعي المواطنين إلى ما لا نفع فيه ! قد يجد العامة ضالتهم فيه ! لكن إستهلاكه محدود في الزمن وسرعان ما تعاود المطالب الإجتماعية ( المستعجلة ) فرض أجندتها على السياسي !
    " بن كيران " كما غيره من سياسيي اللحظة ستنفذ ذخيرتهم الشعبوية وتعريهم رياح الواقع ! العبرة بمن يستفيذ من هذا الفراغ السياسي الذي أحدثته الأغلبية والمعارضة ! والمفارقة أن لا وجود لطرف ثالث يمكنه ملء هذا الفراغ !
    حين أقول أن كل المبادرات الإصلاحية تأتي من المؤسسة الملكية ! وكل المبادرات التخريبية تأتي من الأحزاب ! فإني أعي ما أقول ! وما حادثة سير المعارضة والأغلبية خير دليل على فشل السياسي في إستيعاب وتفعيل دستور أصبح ينتظر هو الٱخر مع المنتظرين !

  • محمد سيفى
    الخميس 9 أبريل 2015 - 17:16

    أصبتم معالي الدكتور,تحليل دقيق للخطاب السسياسي العقيم الذي يخوض فيه السياسيون المغاربة اليوم. هذا ما لاحظته أمس البارحة في حوار مجموعة من الساسيين في برنامج مباشرة معكم على القناة الثانية حيث كل منتمي لأي حزب يرمي اللوم على الآخر و الكل يجري حول الرغبة في التحكيم الملكي المنتضر دون اللجوء الى ما يخوله الدستور من صلاحيات لكل الفرق السياسية سواء من داخل الحكومةأو خارجها. حوارات مهينة للمواطن وللعمل و الممارسة السياسية نفسها. المرجومنصاحب الجلالة الملكمحمد السادس أن يقوم بعزل مجموعة من الأحزاب العديمة النفع من داخل الساحة السياسية المغربية حتى ترتقي السياسة الى ما يطمح له الشعب المغربي.

  • ex USFPEISTE
    الخميس 9 أبريل 2015 - 22:52

    L'Istiqlal et l'Usfp ont passé des années à gouverner et des années à s'opposer, malheureusement, ils ne sont bons ni pour l'un ni pour l'autre.
    Il ne reste plus que ce gouvernement avec tous ces composants. Leurs choix stratégique ne serait-ce que pour défendre leurs intérêts prouvent qu'ils sont plus intelligents et plus mûre.
    Que pensez vous qu'il nous arrivera si Chabat et Lachgar nous gouvernent: tous les chômeurs vont travailler? tous les prix vont baisser? ….pourquoi il ??n'ont pas fait cela quand ils était au gouvernement

  • كريم
    الجمعة 10 أبريل 2015 - 13:27

    من الطبيعي أن تتقدم أحزاب المعارضة بطلب التحكيم لدواعي كثيرة أذكر منها : انشقاقات على مستوى بيتها الداخلي، مما يؤدي حتما إلى ضعف أدائها هذا إن سلمنا أن لها أداء أصلا، فقد الثيقة في ما تتبناه أحزاب المعارضة من خطابات وادعاآت باطلة من لدن المتتبعين لشأن العام على اعتبار أن أغلبهم شاركوا في حكومات سابقة ضعف وانعدام التكوين السياسي والأكاديمي لقادتها، إذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظر الساعة وساعة انقضاء أحزاب المصالح الشخصية والنفعية والانتهازية على حساب مشاكل وهموم الشعب آتية لا ريب فيها، فبناء على ما سبق جاز لمن أنهكت قوته وانعدمت شعبيته والكل عاق به إن صح اللفظ أن يحتمي بالمؤسسة الملكية باكي شاكي يمتلكه الشعور بالظلم والتهميش والإقصاء بغية إنصافه ومنحه الثقة بنفسه ومواساته حتى يتجاوز المحنة بسلام وبأقل ما يمكن من الخسائر وهذا ما لا أتوقعه بالمرة،وفق الله حكومة الشعب وجلالة الملك لخدمة هذا الوطن الحبيب…. وأتمنى من العالي القدير أن يرزق أحزاب المعارضة الصبر والسلوان وأن يعوضهم خيرا من المشاركة في الحكومة..

  • ابو محمد
    السبت 11 أبريل 2015 - 02:28

    التحليل موضوعي لكن علينا ان نعلم ان لا ديموقراطية بدون احزاب ديموقراطية وان احزابنا انعكاس لمستوى نضجنا كشعب. وبالتالي علينا ان نكف عن لعن الاحزاب. وان كان كل مجتمع تقوده نخبه المتنورة فنحن امام حالتين: 1- ان نخبنا فاسدة اوعاجزة وهو ما يظهر في كثير من احزابنا وهيئات مجتمعنا المدني فليس لنا ان نحتج على ذلك لأننا نحن من أفرز هذه النخب. 2- أن نخبنا منسحبة فعلينا أن نفرز نخبا حقيقية تمثلنا ونسحب البساط من تحت ارجل الوصوليين. وإن كنت أرى أن بعض الأحزاب تضم نخبا حقيقية ويتجلى ذلك في ديموقراطيتها الداخلية ومستوى تنظيمها , وأخرى تسسللت إليها ادرع مؤسسة الفساد فهي تقودها الى الإفلاس.

  • عُش النسر
    السبت 11 أبريل 2015 - 07:25

    لماذا يا أستاذ لا نختصر الطريق ونقول بدل انتقاذ تدافع لشكر وغيره طلبا للتحكيم الملكي، أن الرجوع إلى الوثيق هو تمويه جسيم لربح الوقت. النقاش لا يجب أن ينصب على دستور2011 ولا الأحزاب السياسية، يجب أن نناقش المسألة من الأساس، أي الجهة التي تدير اللعبة، فهل الجهة التي تيديرها ساذجة حتى تضعف نفسها؟ بمعنى هي من تصنع نخبا على مقاسها، وهي من تصنع العقليات السائدة، وهي التي تبيدها كالحشرات متى شاءت، وهي من تشتريها متى شاءت وتهينها متى شاءت كما فعلت بلشكر الذي جازته بالوزارة وبما فعلته جعلته يهاجم كل من يحرج. ولتعلم يا دكتور أن لشكر و بنكيران ولا انت ولا أنا ولا غيرنا لنا سياج نرعى فيه مع القطيع لا يسمح لنا بالخروج عنه ومن خرج عنه خرج عن إجماع القطيع بمعنى أن السيادة على الواقع هي سيادة على كل شئ فلن يكون هناك سياسي كارزمي ولا مثقف كارزمي أبدا لأنه غير مسموح له بذلك وما تبقى سباحة في مياه عكرة تسمى المجاز السياسي والأدبي ومن رفضهما بقي أمامه طلب التجنيس فيه أرض الله الواسعة: ألم يقل اليوسفي المحكوم بالإعدام أن أرض الله واسعة؟ دمنا قطيعا يبعبع شكر الله لنا بعبعتنا آمين وباللاحقين معين آآآآآآمين

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش