الشَّاعِرَة ميِرْيَام مُوسْكُونَا..شَهْرَزَاد مِكْسِيكِيَّة مُعَاصِرَة!

الشَّاعِرَة ميِرْيَام مُوسْكُونَا..شَهْرَزَاد مِكْسِيكِيَّة مُعَاصِرَة!
الخميس 16 أبريل 2015 - 22:49

الشّاعرة المكسيكية ” مِيرْيَام مُوسْكُونا “- التي شاركت في المهرجان المتوسّطي للشّعرالمنعقد ببلادنا فى مدينة الرّنكون (المضيق) السّاحليّة الجميلة فى الفترة المتراوحة ما بين 19 و22 من شهر مارس المنصرم – تنحدر من أصول بلغارية سفردية، وهي من مواليد مدينة مكسيكو سيتي (11 مارس (آذار) 1955) ، تُرجمت أشعارُها إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والبرتغالية، والسّويدية، والعربية ، والرّوسية، وبعض اللغات الأخرى. وهي مُدرجة فى ما ينيف على ثلاثين أنطولوجيا حول الشّعر المكسيكي المعاصر. وقد نُشِر أحدُ كتبها مؤخّراً باللغتين الإسبانية والإنجليزية فى آن واحد، وهو يحمل عنوان:” العاج الأسود” ، بعد أن نقله إلى هذه اللغة الكاتب الأمريكي ” جان هوفر”.

وقد قامت الشاعرة من جهتها بترجمة بعض الكتب، والدواوين الشعرية لكتّاب، وشعراء من البرتغال، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وسواها . وهي حاصلة على العديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة “هارولد مورتون لاندون” من ألأكاديمية الأمريكية للشّعراء، كما أنها حاصلة على جائزة “المياه السّاخنة” (أغْوَاسْ كاليينتيسْ) المكسيكية عن مجموعتها الشّعرية “الزّائرات”.

فى البّحث عن الماضي الضّائع

حصلت ميريام موسكونا مؤخّراً عن روايتها الوحيدة ( نسيج سِيبُويَا) على جائزة رفيعة فى بلدها المكسيك ،وهي جائزة ” خابيير فيارُّوتيا” ،وفى حديثها عن هذه الرواية جاء على لسانها: “إنّها تاريخ طفلة يافعة كانت تتحدث لغة (اللاّدينو) وهي لغة اليهود السّفاراديم،أوالسّفراد الذين هاجروا إختياراً، أو قسراً من إسبانيا مع المُوريسكيين المسلمين الذين أُبْعِدُوا من وطنهم، ودُورهم، وأراضيهم قسراً وقهراً، بعد سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس، تعلّمت هذه الطفلة هذه اللغة من أجدادها ، ولقد سافرت إلى بلغاريا بحثاً، وتنقيباً عن أصولها، وجذورها البعيدة التي تعود إلى ما ينيف على خمسمائة سنة من الزّمان،هذه الرّواية جاءت فى قالبٍ سردي، أي أنها تقوم على شكلِ سيرةٍ ذاتيةٍ لتجربتها، أو حياتها الخاصّة، تتخلّلها غير قليل من مظاهر الخيال المجنّح، ،وهي رواية أو ترجمة ذاتية مُفعمة بالعديد من الأشعار المكتوبة بالإسبانية المعاصرة التي تمتزج باللغة الإسبانية القديمة، إنّها تداخلٌ، وتمازجٌ، وتلاقحٌ،وتشابك، وتلاقٍ بين سّردٍ ذاتي،وحوارٍ متواتر بين ماضٍ مُعاش، وحكايات مَروية، تتأرجح بين الذاكرةٍ والخيال، والأكثر من ذلك إنها تبدو فى آخر المطاف، وكأنها حوار بين الأحياء والأموات.

وقد وصف الكاتبُ، والشّاعرُ الأرجنتيني ” خوان خيلمان ” روايةَ ميريام موسكونا قائلاُ : ” إنها نصٌّ فى مُنتهى الرّوعة والغرائبيّة، أمكن فيه للشّاعرة موسكونا أن تمزج فى آنٍ واحد، وفى فضاءٍ واحد بين الماضي والحاضر، والموت والحياة، والذاكرة والخيال ” .

الزّائرات

ونتوقّف مع ديوان الشّاعرة ميريام موسكونا “الزّائرات” الذي يعتبره الناقد المكسيكي “عمر غونساليس” رحلة شعرية، سديمية فى الزّمان والمكان، لإكتشاف ماضيها، وبنات جنسها، والغوص فى أيامهنّ ،ومعايشة حياتهنّ،وملامسة معاناتهنّ اليومية المتواترة .

تركّز الشّاعرة فى هذا الدّيوان على المرأة ليس فى المكسيك وحسب، بل فى مواطن نائية، وأصقاعٍ أخرى بعيدة عن بلادها مثل العالم العربي، تتوقف بشكلٍ خاص فى المغرب الذي سبق لها أن زارته من قبل، فالباب الأوّل من هذا الديوان يقع تحت عنوان” نسيج ” وهو يدور برمّته حول المغرب، بل إنّ عناوين القصائد فى هذا الباب تحمل أسماءَ مدنٍ مغربية شهيرة مثل طنجة، وفاس، وتطوان، وتتقمّص الشّاعرة فى هذا الديوان دورَ شهرزاد، بل إنّها تغدو فى أشعارها بمثابة شهرزاد مكسيكية معاصرة، تحاول أو تعمل على إنقاذ بنات جنسها، وهي تتحدّث بالتالي بلسان جميع النّساء، فهي تفتح ديوانها بكلمة للشّاعر المكسيكي “إنريكي أوتشو” الذي يقول على لسان بطلته : “سأكون أبداً تلك المجهولة القاتمة المنفيّة”..!

“الزّائرات” – حسب هذا الديوان – هنّ النِّساء اللاّئي يمررنَ بنا مرورَ الكرام، سواء كُنَّ واعيات، أم غيرَ واعيات بمعاناتهنّ أو بمأساتهنّ التي يَجرُرْنها خلفهنّ من جرّاء النفي، والإغتراب، والإستلاب، والتشرّد،والتّيه، والضياع، إنهنّ بين “ذهاب وإياب” دائميْن يتطلّعنّ إلى الماضي البعيد لإسترجاع ما فاتهنّ من ذكريات، ومعايشات، إنّ الشاعرة فى هذا المجال تضمّ صوتها إلى أصوات شاعرات أخريات من كلّ جنس ،إنها تضخّم هذا الصّوت،وتتجاهر به، وتجعله أحدّ رنيناً ،وأكثر أنيناً، فهي أبداً إمرأة تختفي فى جُنح الليل ،إنها شبيهة بغجرية تائهة،قارئةٍ للأكفّ، والفناجين، كاتمة للأسرار، والأعمار،غير مُفصحةٍ عن الإرهاصات، والتوقّعات،والأخطار .

“إنّها إمرأة تُخفي قلبَها،لتمشي فى الصّحراء،ترسمُ إسمَها على الرّمال،وتنتظر سدول الليل، وقدوم الظلام”، إنّ الشّاعرة تتساءل على لسان بنات جنسها : “ماذا تخلق فيها مشيتّها الطويلة،إنها تعرف قساوةَ جولاتها، تعرف ذهابَها وإيابَها فى المَمرّات، والأزقّة، والشوارع ،والدّروب، تعرف كذلك المخدعَ الذي يُرغمها على النّوم، والصّحو و اليقظة، ثمّ القيام ” ؟!.

المرأة فى كلّ مكان

يعود،الناقد المكسيكي “عمر غونساليس” ويؤكّد لنا أنّ المرأة فى كلّ مكان هي لبّ موضوع ديوان “الزائرات”، فالشّاعرة تتحدّث عن تجربتها الخاصّة، لأنّها ترى نفسَها فى الأخريات، ففي الباب الاوّل من الديوان نجدها تلتقي كسائحة فى عالم النساء فى المغرب، ولا تلبث أن تبدأ فى طرح جملةٍ من الأسئلة شعراً مشحوناً بالرموز البعيدة الغور، ومُبطّناً بالإشارات الحاذقة العميقة، والإيماءات الذكيّة الموفية :

..آهٍ، من تلك العيون ،كيف السّبيل

إلى ملئها بأريجِ الشَّذىَ والعِطر

عندما يلتفت أحدٌ إليها

تلتفّ فى طرحتها

تقارن جسمَها بالصّمت،

تتظاهر بمُصانعة السَّأم

تُخفي حبَّها الضائع تحت خِمَارِها

هذا الديوان، حتى ولو بدا لأوّل وهلة إنّه يميل نحو”الأنوثة المفرطة” ،فالحقيقة عكس ذلك،لأنّه مُنتدى، حتى وأن كان ظاهريّاً لا مكانَ للرّجال فيه، فإنّ ما تكتبه الشّاعرة فى العمق قد يكون مُوجَّهاً فى العمق للرّجال،أكثر ممّا هو مُوجّه للنساء !.

فالشّاعرة تصيح فى وجه المجتمع الذي يتألف من النّساء والرّجال معاً ،فى وقتٍ أو زمنٍ يُعتبر بالنسبة لها، ولنا كذلك حدّاً فاصلاً فى التاريخ، فتقول :

تَضرّعيِ فى أبياتك الشِّعرية يا إنريكيتا،

من أجل النِّساءالصّابرات القويّات

اللاّئي تُرَاهِنّ كما تُرَاهِنِينَ أنتِ،

اللاّئي َيتُقْنَ إلى تحطيم الإدانة،

برقّةِ ورَهافةِ طائرِ الكنار،

وقوّةِ وصَلابَةِ الصَّقر .

تطوان..الحَمَامَةُ البَيضاء

ونقدّم فيما يلي كنموذجٍ من أشعار هذه الشّاعرة الرقيقة قصيدةً تحت عنوان :” تطوان” (من ترجمة كاتب هذه السّطور عن اللغة الإسبانية) إنّها تقول فيها :

لونُ الخَشَب، العيونُ، صلبةٌ كالجُوز،

فى عُمقها لُبٌ من سُكون،

تَذْكُرُ الأقوى ،الذي تربّت فى ظلّه،

أرجلهنّ، بنانُ أرجلِهِنّ كحشرات،

تشعر بالطريق، كبوصلة أرضية،

أبدانٌ فارغة،أجسامٌ قميئة،

تقف جنباً إلى جنب،كأنّها جنبٌ إلى جنب،

كأنّها بناياتٌ، أو مدنٌ من ريبة،

أنسِجةٌ ولوحاتٌ من القرن السّادس عشر،

أينَ يُخْفِينَ المرأةَ التي تَحُولُ دون رؤية التفاصيل،

يعلّقن فى عزّ النّهار رموزَ أقفالهنّ،

يَخْرُجْنَ طائراتٍ بين ضَحْكةٍ وَضَحْكة،

هل هي نقلةٌ لطفولة لا تنتهي؟

يَسِرْنَ على هَدْيِ أصَابِعِهنّ،

يَعْدُدْنَ بأصَابِعِهِنّ،

يَهِمْنَ فى أمِّ أربعِ وأربعين،

يَنْسُجْنَ الأطفالَ فى قماشٍ من قُطن،

إنّهُنّ كريماتٌ،غارقاتٌ فى الصَّمْت،

يَصْرُخْنَ،يَغْرقنَ،

فى عُيُونِهنّ المُشَبّبة

لحنٌ مكتوبٌ بموسيقىَ عينيّة،

هلْ يعودُ للظهورِ فى اللّيل.؟

عندما يبللنّ أرجلَهُنّ فى صَهَارِيجِ الأريج،

مَا زِلْنَ فى المَوتِ يَرْقُدنَ مَلفوفات.

من أبواب هذا الديوان : نسيج،أساطير، صُوَر،الزّائرات، وقصائد الزّائرات،ومن أعمال الشّاعرة ميريام موسكونا الأخرى ” الخِمَار الأخضر” . و” السَّطح الأزرق”، ( أنطولوجيا شعرية نُشرت فى كوستا ريكا)،”االحديقة الأخيرة”،” تساؤلات ناتاليا “، “شجرةُ الأسماء” وسواها من الأعمال الأخرى فى مختلف مجالات الخَلْق، والإبداع، والبحث، والدراسة، والترجمة.

*عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- (كولومبيا).

‫تعليقات الزوار

1
  • ali
    الجمعة 17 أبريل 2015 - 17:14

    شكرا للأستاذ الخطابي لتعريفنا بهذه الشاعرة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش