حرب اليمن وضرورة الحل السياسي

حرب اليمن وضرورة الحل السياسي
الإثنين 20 أبريل 2015 - 13:05

اصبح الحديث عن أسباب «عاصفة الحزم» التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين وحلفائهم في اليمن، لا يفيد كثيراً في قراءة المشهد الراهن. العنوان الرئيسي للنزاع إقليميٌ متعدد الجوانب: هناك رغبة سعودية بمنافسة دينامية إيران والتغلب عليها في منازلات اقليمية كبرى، بما يخفّف من سقف التوقعات الخاصة بتسوية يجري العمل على تحقيقها في الأفق بين طهران وواشنطن. بينما التطلعات الإيرانية تنطوي على رغبة في تدعيم نقاط الحضور في المنطقة أو تطويرها، حتى لا تجبر، بموجب التسوية المتوقعة، إلى تقديم تنازلات تضعف من هذا الحضور وتؤثر عل إمكانيات تمديده .

اضافة الى أن إيران تحاول تعميم نموذج الفاعل المحلي الذي في مقدوره إدارة بنىً تنظيمية شبه دولتية داخل عدد من كيانات المنطقة، فتُراهن لهذا الغرض على حالات أو قوىً افرزتها الظروف الموضوعية لبلادها. وانصار الله في اليمن (وهي حركة موجودة قبل الاحتواء الإيراني) ليست استثناءً على القاعدة .

بينما تبغي السعودية، كما كانت دائما منذ تأسيس المملكة، بإبقاء اليمن تحت سيطرتها، حتى يتبث الأمر لها في شبه الجزيرة العربية، ذات التمازج السكاني الذي بامكانه تغيير الحدود في فترة اختلال موازين قوى، وتناسبِ متغيرات دولية ما.

على أن الابعاد الإقليمية للنزاع هي امتدادٌ عضوي لرواسب تاريخية. فالغارات التي تشن على اليمن طيلة الايام السابقة، تذكر ببد يهية يكاد ينساها البعض في خضم الحرب ومشهدها الكبير: هناك دولة ضخمة القدرة الاقتصادية تجاوِرُ آخرَى ذات وضعية بالغة السوء، وقد تمحورت سياسة الأولى حيال الثانية منذ عقود، على مبدا الإبقاء على ضعفها وتبعيتها لها. لاغرابة إذاً في دخول طرف ثالث ساحة الدولة الضعيفة، اقتصادياً وأمنياً، وترويج تطلعات سياسية فيها حول احتمالات مستقبلٍ زاهر.

توضح هذه المعادلة، بايجاز مبسط ، العلاقة الثلاثية بين ايران والسعودية و «الوضع» اليمني بمكوناته المختلفة.

وللإنصاف فان الازمة التي بلغها اليمن لم تكن من مسؤولية الحوثيين فقط، فالاتفاق الذي اسفر عن عزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح باشراف خليجي بعد حراك اليمن عام 2011، اتاح لصالح الابقاء على نفوذه المادي والسياسي القوي في اليمن، كما تم اسقاط المتابعة السياسية والقضائية عنه. لقد استغل الرئيس المخلوع ثغرات الاتفاق المذكور ببقاءه داخل اليمن لاسترجاع سلطته بأي شكل، وقد وجد قبولا كبيرا في أكثر من مجال عربي خاصة في ظل التنافس مع تركيا وقطر و«الإخوان المسلمين» الذي طبع الاجواء عقب ثورات الربيع العربي. وساهم في تصدع حصون العالم العربي أمام الاختراقات الإيرانية ما سمح للمزيد من التشظي والتوثر في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن وبشكل اقل في لبنان.

لقد اتت الخطوة السعودية في جانب منها في اطار السعي إلى معالجة أخطاء المرحلة السابقة وتداعياتها منذ ثورات الربيع العربي. لكن هذه المواجهة كما هو شان كل مواجهة: تندلع بشكل ثم تنتهي بشكل أخر، تبدأ وفق توقع لمكاسب ثم تنتهي بتداعيات أكبر منها. الأخطر في المواجهات العسكرية هو السقف الذي يتم وضعه لها. وحتى الآن يتضح أن عاصفة الحزم ساهمت في تنشيط القوى والتكثلات اليمنية المناوئة للحوثيين. لكن هذا الوضع سيجبر الحوثيين على الاعتماد بشكل أكبر على إيران مما سيزيد في تعقيد الصراع واعطاءه أبعاداً جديدة تصعب السيطرة عليها. لهذا يجب ان لا تهدف هذه الحملة الى القضاء على الحوثيين وإنهاء دورهم،، فهذا يعني حربا طويلة اضافة الى كونه مستحيل من دون «سورنة» و«عرقنة» اليمن. إن محدودية اهداف الحملة إذن مطلب اساسي لاتمام المهمة الجديدة. فالافق السياسي ل «عاصفة الحزم» يجب أن لا يتخطى تعديل موازين القوى اليمنية للسماح بمشاركة كل المكونات في توافق مشترك، وهذا يستوجب الاعتراف بالحوثيين والاقراربحقوقهم ودورهم، وتثبيت الشرعية من جديد واقامة نظام عادل لكل الفرقاء. هذا سقف قد يبدو صعبا ، لكن عدم بلوغه سيطيل امد الحرب ويجعلها بؤرة استنزاف تشبه الى حد كبير الوضع في سورية والعراق.

من جهة أخرى إن اتهام كل من له موقف مع أو ضد الحملة (عاصفة الحزم بتهم العمالة والتبعية والطائفية سوف يحول دون استفادة المنطقة من نقاش مفتوح حول الازمة اليمنيي وآفاقها وسبل الخروج منها. لا انفي مسؤولية إيران في توظيف اللغة المذهبية والطائفية ، فهي وظفتها على مر الفترات بزخم، لكن ينبغي في الوقت ذاته عدم الانجرار الى صراع طائفي/ديني يؤدي إلى التعدي على الحقوق وضياع الأوطان.

إن النزاع في اليمن ليس نزاعا مذهبيا بين السنة والشيعة في جوهره، والحوثيون غير موالين بالمطلق لإيران حتى لو تلقوا منها الدعم والمساعدات. ازمة اليمن بالأساس هي صراع قبائل وعشائر بين جهة وجهة وبين تهميش وعدالة، وبين جيل قديم وأخر جديد وبين نظام بائد يقوده علي عبدالله صالح وشعب يمني نفسه بانطلاقة جديدة ويعيش حالة تخبط شديد. لهذا فالنظرالى هذا النزاع من زاوية سنّي شيعي يتخطى ظروفه السياسية والاجتماعية. في اطار هذه المواجهة الدائرة ينبغي أن ينصب التفكير في إعادة بناء اليمن حاضرا. فالتورط في حرب بلا افق وبلا تصور لما سيحدث بعد الحرب، مثل اعادة بناء الدولة واستعادة الامن والاستقرار، سيترك آثاراً سلبية على الجميع، مما سيجعل مسلسل الحروب بلا نهاية. هذا التوجه متوفر بلا شك عند القيادة السعودية، لكن الحروب كثيراً ما تتجاوز التصور الأساسي وتسحبنا نحو زواريبها التي يصعب الخروج منها. فاليمن يعاني من الفقروالهشاشة بينما البطالة تتجاوز معدلات مرتفعة ونصف السكان البالغين أميون، كما أن اليمن يحتل مراتب متاخرة على جدول التنمية الإنسانية .هذه كلها ظروف تساهم في اذكاء اتون حرب طويلة وحالة توثر إقليمي في ظل فشل الدولة وتفككها.

في الوضع العربي ارهاصات قوة وحركة. في الشرق الأوسط يبرز النموذجان التركي والإيراني كمشروع لكيانات اقليمية قوية تملك مؤسسات قوية، لكن النموذج العربي ينافس احيانا من خلال الثورات بعد عام 2011، واحيانا بانقلاب عسكري ضمن تصور ينتهي بتوثر أهلي، ومرة بتدخل للنظام السعودي لإخماد حريق ممتد، لهذا فالمشروع العربي متازم بينما يزداد الشارع العربي احتقانا وتطرفا. المشهد كثير التعقيد، والتعامل مع الوضع اليمني يفرض تعاملاً متزنا مع الاوضاع الاخرى في سورية والعراق وليبيا إضافة إلى النزاعات المستترة ومشاكل العنف في مناطق تبدو مستقرة .كلها صراعات متصلة متداخلة بمشهد ممتد عبر جبهات ومناطق. سيظل مشروع الدولة في الديمقراطية والمواطنة الحقة اساس بناء المناعة العربية في الفترات المقبلة. فالبديل عن الديمقراطية و الحقوق والحريات هو التسلط الذي يولد التطرف والعنف وثقافة الكراهية. إن الحرب تزرع بذور الخراب، والمتضررون منها دائماً هم الشعوب والاوطان. لهذا يجب أن تحدد الحرب الدائرة في اليمن داخل إطار لا تحيد عنه بينما تظل سبل الحوار ممهدة من أجل استعادة التوازن المفقود.

‫تعليقات الزوار

4
  • منا رشدي
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 14:02

    لا توجد حرب لا تضع لها أهدافا سياسية ! حرب السعودية على اليمن تدخل ضمن هذا الإطار ! لكن ؛ هل تملك السعودية في قلب اليمن من يستطيع ترجيح كفتها على الميدان ! فإلى حدود الساعة لو وجود لتيار سياسي على أرض اليمن قادر على فرض نفسه بين الفرقاء الأخرين إن علمنا تحالف الحوثيين مع " عبد الله صالح " وغياب شبه تام ل " الحراك اليمني الجنوبي " !
    تركيبة المجتمع اليمني قبلية ! فإن أفلحت السعودية في إستمالة بعضها سيسهل عليها النفاذ إلى السياسة ! لكن مخاطر الإشتغال على القبلية مجازفة سياسية قد تلقي باليمن داخل أثون حرب أهلية تنعكس سلبا على منطقة شبه الجزيرة العربية برمتها ما قد يعطي مبررا للقوى العظمى بالتدخل وهي على أهبة الإستعداد إن علمنا مرابطتها قبالة سواحل الصومال منذ أمد بعيد لمحاربة القرصنة !
    في ٱخر تدخل له ؛ لم يترك " حسن نصر الله " من خيار للحوثيين إلا الإستمرار في الحرب ! فهجومه الحاد على " ٱل سعود " ستبعد إيران من أي حل سياسي ! بمعنى أوضح سقوط الأزمة اليمنية في صراع المحاور ! وحده السلاح قادر على الحسم كما الحالة السورية ! لا وجود لحل إلا ب ( إبادة ) الخصم ! وما أدراك ما حرب إبادة !!!

  • sahih
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 14:52

    Les cultures et les idéologies et les traditions des Arabes et des Al Force c est Al Ghazaouattes
    Les Arabes Al ghazaouattes au pays des Maghreb
    Les Al Force c est la idéologie Chiit au moyen orient
    Ils n y a pas de paix entre les deux toujours il aura des guerres entre Ahl Sounna et les Chiittes

    Amazigh Marocain

  • أخطاء تتكرر
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 17:28

    في القرن الماضي أدى الصراع بين الليبيرالية والإشتراكية أوالإعتدال و التطرف إلى إسقاط ملكيات وتأسيس جمهوريات فاغتصب العسكر في كثير من البلدان السلطة، جرف التيار اليمن 1962 وقامت الحرب بين الملكيين الذين ساعدتهم السعودية، والجمهوريين الذين ساعدهم عسكر مصر دامت 6 سنوات.
    إنقسم العرب إلى حلفاء للغرب وحلفاء للشرق وخاف بعضهم بعضا فضعفوا تجاه إسرائيل.
    فجاء حاليا الصراع على النفوذ بين ولاية الفقيه والشيطان الأكبر (أمريكا وحلفائها) ، ليمزق البلاد الإسلامية بالإقتتال بين السنة والشيعة . حيث جعلت ولاية الفقيه من الأقليات الشيعية أينما وجدت أذرعا لها إبتداء من لبنان مرورا بالعراق وسوريا وإنتهاء باليمن ودفعتها للإستيلاء على السلطة.
    وهكذا صارت إسرائيل هي المستفيد الوحيد من إقتتال العرب بينهم وقد حدث ما لم تكن تحلم به من إنهيار كل القوى العربية المعادية لها والمحيطة بها.
    برهن فقهاء إيران على جهلهم بالسياسة وهم يتحالفون مع الإستبداد (بشار الأسد و عبد الله صالح) مما قوض التوازنات القائمة، وتحولوا عن غير قصد من أعداء إسرائيل إلى حلفائها.
    وهكذا يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.

  • عمران خان سردار
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 13:57

    السعوديه عنصر دخيل على شبه الجزيره العربيه
    وكذلك ما يسمى الحوثى ما يسمى السعوديه تسببت فى اعطاء الشهره لهؤلاء الجماعه الزيديه وهم لايمثلون خطر لاى احد سواء فى اليمن او خارجه
    وتم استفزازهم من قبل ما يسمى بالسعوديه و انظم اليهم اعداد كبيره من
    اليمنين لاسباب الدفاع عن اليمن وحققو انتصار فى الحرب الاولى
    وهذه الحرب تم تضخيمها والاعداد لها واختراع المبرر لشنها على بلد ضعيف
    والصقو ايران بها ولن تستطيع ايران ان تضع قدمها فى اليمن لاسباب كثيره
    اولها طبيعة الشعب اليمن الذى لايمكن لاى قوى خارجيه التحكم به
    الخلاصه
    لان ما يسمى السعوديه لاتمثل شعب فى منطقة نجد والحجاز وانما تمثل عائله
    ال سعود وهى صنيعة التاج البريطانى وتحد مظلة الناتو الامريكى
    فان مؤشر البقاء هو لليمن لانه معتدى عليه ولايوجد تفويض دولى لهذه الحرب
    ولا اليمن يمثل خطر لاى جهه
    وهزيمة المعتدى واضحه وجليه من تخبطه واعتدائه على المدارس والاحياء
    السكنيه وهذا مؤشر لفقدان الوعى والضمير
    والله لايخفى عليه الامر وننتظر امره بين الكاف والنون

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال