الميثاق السياسي بين الاختيار والاضطرار

الميثاق السياسي بين الاختيار والاضطرار
الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 12:50

تـأطير:

ألم تُظهر مساراتُ ثورات الربيع العربي الحاجة إلى ميثاق بين مختلف الحساسيات المجتمعية تفاديا للارتدادات وقطعا للطريق على الثورات المضادة؟ أليس غياب ميثاق بين الفرقاء السياسيين يبدد المخاوف ويبني الثقة كان سيحسم الصراع لصالح الشعب، سوريا نموذجا؟

ألا يُسهم الميثاق بما هو توافق على تدبير المراحل الانتقالية في تقصير عمر الاستبداد وتقليل كلفة التغيير؟

لماذا يراد لنا ـ نحن العرب والمسلمين وشعوب الجنوب عموما ـ أن نكون استثناءً بين الشعوب الطامحة للتغيير ومعانقة الحرية والكرامة والعدل، فتتمنع نخبنا السياسية عن السعي لبناء الميثاق وبلورته، وتُرْجئه إلى الوقت بدل الضائع، مما يهدد العباد والبلاد بالفتن والقلاقل وطامة التدخل الأجنبي ورهْن إرادة الشعب؟

تعريف الميثاق:

لغة: العهد والاتفاق. والتوثيق الضبط. موثوق فيه أي عدل حاز الثقة. والميثاق على وزن “مِفْعالٍ” اسم آلة وأداة لبناء الثقة.

اصطلاحا سياسيا: التوافق بين مكونات مجتمعية على أساس المشترك والمتفق عليه: رفض الاستبداد من حيث المبدأ، وبالتالي السعي من طرف الجميع لتوسيع المشترك وتضييق المختلف عليه لتكوين جبهة ممانعة ضد الاستبداد ابتداءً، وتصديا للثورات المضادة خلال تدبير المرحلة الانتقالية.

دواعي الميثاق:

حصيلة قرون الاستبداد وجنايته على الأمة في سائر المجالات وإحالتها غثاءً وقصعة مستباحة، فقد صادر إرادتها وبذر مقدراتها وقايض سيادتها ومقدساتها وتنميتها بتوريث العروش للذرية، ويبقى اختلاف تسميات الأنظمة شكليا.

ابتلاء الأمة بعد عقود الاستعمار، وما تمخض عنه من التفاف على استقلالها بالعقلية الانقلابية المتهورة التي نكلت بالقوى الحية في الأمة، التي لم ولن تتوانى في قمع المعارضين والتنكيل بهم ونهج مخططات مسخ الأجيال وتدجينها صناعة لنخب فكرية ودينية وسياسية وفنية ورياضية تماليء الاستبداد و”تشرعنه”: انقلاب عسكر مصر نموذجا.

وظيفة الميثاق:

آلية لتدبير الخلاف على أساس المشترك تجنبا للقلاقل والفتن. فما يجمع بين الحساسيات المجتمعية أكثرُ مما يفرقها، وما يُختلف فيه تخفف حدته متى توفرت النيات الحسنة والبيئة الصحية للحوار، توافقا على ضوابط الاختلاف لتحصين التعايش بين جميع أبناء الوطن الواحد، وضمان الاحترام لجميع المرجعيات، وتسييج كل ذلك بضمانة أساسية وهي التداول على السلطة احتكاما للإرادة الشعبية لتجنب أسلوب الإكراه من أي طرف كان.

آلية لتنزيل المقاربة الجماعية أو التشاركية حشدا للجهود وبلوغا للأهداف المشتركة.

شروط الميثاق:

الوعي بخطورة الاستبداد على حاضر الأمة ومستقبلها.

التسليم بحتمية المقاربة التشاركية كخيار عملي مصيري، ذلك أن الحصاد النكد لقرون الاستبداد وإرثه الثقيل إفسادا للذمم وتبذيرا لمقدرات الشعوب ورهنها بالديون، ناهيك عن تسميم العلاقات بين الفرقاء السياسيين، يجعل تصدي مكون معين من مكونات الشعب ــ مهما بلغ من قوة عَددية وعُدَدِية ــ لأوزار الماضي وكوارث الحاضر وآمال المستقبل انتحارا سياسيا.

التشبع بقيم الحوار وفضيلة الإيمان بالحق في الاختلاف.

التعدد مرجعية ومشاريع مجتمعية، إذ لولا التعدد، لما كان للميثاق ضرورة.

الحوار الصريح والمسؤول ودون إقصاء أي طرف إلا من أقصى نفسه، على مرأى ومسمع من الشعب.

على سبيل الختم:

الميثاق مطلب الأمة الآني والمستقبلي، فهو بقدر ما يُسعف في تدبير اختلاف المراحل الانتقالية المشحونة بالتوتر، يقدم خدمة جليلة للتفرغ للبناء والإعداد لمستقبل آمن للأجيال وتحصين الأمة من الانقلابية فكرا وسلوكا وفعلا. وإلا ما الذي يقي الشعوب المتحررة ــ أوروبا الغربية مثالا ــ من الانقلابات العسكرية؟ ألم يضمن لها الاستقرار السياسي الحقيقي التفرغ لتحسين ظروف عيش شعوبها وتقوية تنافسية اقتصادها؟

لذلك، يُعتبر الميثاق أو الجبهة التاريخية ــ لا تهم التسميات ــ ضرورة وجوب، يؤسس له حوارٌ غير مشروط، ودون خطوط حمراءَ بين فضلاء المجتمع؛ حوارٌ هادف يتسامى على الأستاذية والاستعلاء والتشكيك في النوايا الناتج عن سوء الفهم؛ حوارٌ بناء يبني الثقة ويبدد المخاوف ويؤسس لتعايش سلميٍّ يُجَنِّب البلاد خطر ركوب المجهول والمغامرة بمستقبل الأجيال ورهن إرادتها للأجنبي ردحا إضافيا من الزمن.

‫تعليقات الزوار

5
  • محمد
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 16:43

    السلام عليكم ورحمة الله
    ارى ان هذا المقال كلام نفيس يحتاج لارادات حقيقية للتغيير ولتقعيده على الواقع، وهذا الكاتب اراه من الوطنيين الحقيقيين الذين يريدون الخير للبلاد والعباد عكس الذين يطبلون للظلم والظالمين والمفسدين والمستبدين ، الم يان للعقلاء والفضلاء ان يجلسوا دون اقصاء اي فاعل سياسي ويستقرؤوا التاريخ ويستشرفوا المستقبل بكثير من الوعي والاعتراف بالاخر والتمسك بالحق عل ذلك يخرجنا بما فيه من ظلم بعضنا لبعض وبداية تغيير حقيقي لنا وللاجيال القادمة.

  • الأمير الأرضي
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 19:38

    مبدأ الميثاق بين فعاليات المجتمع شيء جميل. لكن عند نقاش التفاصيل سنجد الشيطان لنا بالمرصاد. لأن أساسيات التعايش المتحضر لا زالت غائبة عن ثقافتنا. الإسلاميون لا زالوا يعتقدون أنهم الممتل الوحيد لفهم ألدين (رغم تكفير بعضهم البعض أيضاً)، و الفعاليات المدنية الأخرى لم تتشرب ثقافة الشعب المسلم لكي تخاطبه بما يفهم عبر دراسة لمرتكزات مقدساتنا، تمكنهم من تأكيد أن الإسلام المنقا من كثب حدتنا المستحدتة، لا يعادي العقل و لا كرامة الإنسان بل هو يدفع في هذا الاتجاه.
    للأسف الميثاق ليس حلاً سحرياً خصوصاً لكم في العدل والإحسان الذين لازلتم تقدسون كلمات أرضية مثل أمير المؤمنين، الفارغة من أي مضمون حقيقي. توقفت عجلتكم لثلاثين سنة فقط لكلمة جوفاء اخترعها البشر لكسب الهالة على الحاكم و تجاوزها الزمن. فليكن أميراً للمؤمنين.. وماذا بعد؟!
    أقول هذا رغم اعتقادي أن مشارتكم في الحياه السياسية ستبين مدى انسانيتكم و انكم جزء من هذا الشعب الذي لازال في أطواره الأولى نحو الحضارة. لكل شيئ بداية… قريب منكم عارف بفكركم..

  • متضرر
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 20:23

    العدل و الاحسان اكبر منافقين وغشاشين ومرائيين وارهابيين يشكلون خطر على الأمة لذا أطالب من الدولة بجميع وسائلها أن تحارب موقضي الفتن قبل اندلاعها

  • Othmane
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 20:54

    أين هو غوت الزمان ؟ شيخ صمدي قال أنه سافر من إلى في مدة زمنية قليلة ، شيخك قال نفس الكلام و أيضاً قال رداً على مغربية في إسبانيا عندما رأتهم يتجول في بيتها ويطير أكد لها هاد الكلام
    عرفت أنها هلوسات عندما أكلت الفطريات المهلوسة ورأيت نفسي أطير في فضاء ومعي السيارات ههه كانت تجربة جميلة ، من يهلوس لا سياسة له ولا صدق له

  • قاعدي
    الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 22:36

    المغاربة يعانون جراء ظلم الاقلية اي العصابة الحاكمة التي تتحكم فينا بسياط التجهيل والتخويف والتفقير و التجويع لاجل ذلك لامفر لنا ولكم ايها الإسلاميون من الجلوس و التوافق على الخطوط العريضة للمغرب الذي نحب ونريد ان نعيش فيه.
    لا مفر لنا ولكم من العمل سوية لنخرج سوية من عنق الزجاجة.
    تحياتي لبنبركة و علي يعتة و عبدالسلام ياسين كعربون حسن نية…

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب