عن "غضب" الجغرافيا و"جنون" التاريخ

عن "غضب" الجغرافيا و"جنون" التاريخ
الأربعاء 29 أبريل 2015 - 23:13

عنونت مقال الأسبوع الماضي بمحاولة التاريخ تطويع الجغرافيا في النيبال، وكنت كتبته في كاتماندو يومين قبل يومين من كارثة الزلزال، الفاجعة و المأساوية.ذلك الزلزال الذي دمر البلد، تفرض القول بأن الجغرافيا هي من ستُطوع التاريخ هناك…و تحدد له خط سير جديد.

وقائع الأحداث في الحياة، تعلق الأمر بالأفراد أو تعلق بالشعوب، لا تتوالى أو تتناسل على خط منتظم يقودها منطق وتذهب فيه إلى تفاعلاتها المقترحة وإلى مصيرها المتوقع…

المفاجئ، غير المتوقع، الطارئ، الصدفة، هي مسميات لما هو حادث من خارج، من فوق، من تحت، ومن هوامش، خط السير والتفاعل العادي، المنطقي والمتوقع، للأحداث والوقائع… وحتى وهي استثنائية، يفترض احتسابها قابلة الوقوع، و محتملة التأثير، و بالتالي التحسب لها ومنها.

تدبير شؤون الدولة في النيبال وما ولده من أسئلة لدى جمهور الفاعلين السياسيين، والذين تؤطرهم “دزينة” من الأحزاب، من الأقل إلى الأكثر يسارية، ذلك التدبير يختلف عن طبيعته ومعادلاته ويقينياته لما قبل الزلزال عن ما بعده… ولا أحد كان قد وضعه في تقديره…

ستختبر النيبال قدرة نخبتها و قيادتها على ابتكار صيغ جديدة للنهوض ببلد معتل زاده الزلزال اعتلالا، و لمواجهة الخصاص الذي ازداد خصاصا و التعاطي مع الهشاشة، العمرانية و الإجتماعية، التي انحدرت إلى ما تحت الهشاشة… و لها في ذلك روافع لتعبئة وطنية هي أداتها في ذلك التحدي…أهمها الوحدة الوطنية التي تلحمها الديمقراطية.

والزلازل ببعضها تذكر، زلزال النيبال الجغرافي يحيل إلى التفكير في الزلزال التاريخي لهذه الشعوب العربية. تحرك الأرض على سلم ماء مختلفٌ عن تمزق أنسجة بلداننا العربية، السياسية والاجتماعية برجة في أوضاع البلدان. نحن هنا في هذا الامتداد من ذلك الشرق إلى هذا الغرب، من ذلك الربع الخالي إلى هذا المتوسط المستعر…

كنا على “هدى” من تاريخنا، حتى نفخ في أوضاعنا، واحد أو أكثر من أولائك “المحافظين الجدد”، مغلفو مصالح الغرب السياسي، بالمسوغ الإيديولوجي والإستراتيجي، لإعلان قيام “الفوضى الخلاقة”.

من حيث لم يتوقع أحد، داهمتنا تلك “الفوضى الخرابة”… من خارج المألوف و”المقتع”، لنا من تحاليلنا وتوقعاتنا. زلزل التاريخ زلزاله. ذلك غير المتوقع، الطارئ، لم نلتقطه ولم نتبصره حتى وقعت الفأس في الجغرافيا. اهتزت دول، تمزقت شعوب، اندلعت حروب، وفي لجة تلك “الفوضى” استعرت صراعات…الدول،الحركات الإرهابية، القبائل، الفئات، الشيع، الطوائف و… المصالح والقوى الغربية والعربية… وحاصل ذلك سيول دماء، ودمار يشبه الفناء، “الفوضى”… لا تأبه بمن يعترض ولا بمن يرضى…إنها زلزال، زلزال يتدفق منه ما يدل على قوة دماره… عندك العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، وبالمفعول الارتدادي، عندك حوالي كل البلاد العربية… والتحدي لنا جميعا، إزاء ما يحدث، هو قدرتنا على ابتكار مسالك لرؤى جديدة ( عسيرة الإبتكار )، تمكن من محو آثار الزلزال، أو العدوان، وتمد البلدان بروافع للنهوض بها… و لست متفائلا و أنا أرى توغل “الفوضى” فينا و استشراؤها في أوصال “مساحات عربية ” لها تأثيرها.

الزلازل الجغرافية تتفاعل تحت الأرض، تنتجها هبات البراكين الجوفية للأرض أو احتكاك الصفائح القارية غير المرئية… بينما الزلازل التاريخية قابلة للرصد بفعالية صحوة الحاسة القيادية التي تفترض أن تقود دولة.

تلك “الفوضى الخلاقة”، لم تمتد إلى المغرب ولم تجد إليه مسارب. وإن كان المغرب، في غير منأى من شظايا حمم النيران التي تطلقها حواليه، “فوضى”، حلت بنا غير مبالية بأن تبقي أو تذر.

المغرب حمته المشتركات، من عراقة وحكمة ووطنية نخبته، وضمنها قيادته الملكية التي جست، في اللحظة المناسبة، نبض التاريخ.لتطلق ديناميكية دمقرطة الدولة و هي القاطرة لدمقرطة المجتمع.

الحسن الثاني حذر من السكتة القلبية للبلد بكل بنياته، ودعا إلى حقن الجسد الوطني بالمنشطات السياسية. الملك محمد السادس استقرأ حاجة المغرب إلى ما هو أدوم وأفضل من المسكنات والمنشطات لأدواء الجسم الوطني… فتصدى للاختلالات القابلة للارتجاج، بجرعات من وصفات تمنيع لمكوناته ومقوماته وفعالياته…المفهوم الجديد للسلطة، قانون الأحزاب الجديد، مدونة الأسرة، فكُّ الحصار عن الثقافة واللغة الأمازيغيتين… وتلك المبادرة غير المسبوقة عربيا، “هيأة الإنصاف والمصالحة”… إبطال مفعول ألغام الاهتزاز سيصل إلى ابتكار الدستور الساري المفعول… المؤطر لجملة مصالحات للمغرب، مع ذاكرته، مع مكوناته، مع طموحات شعبه ومع الديمقراطية باعتبارها مسار عميق، شامل، حق وواجب للمواطن لتجويد حياته وأنسنتها.

عوامل زلازل الجغرافية غير قابلة للتوقع، تتفاعل تحت الأرض إلى أن تهتز… وعوامل زلازل التاريخ تتحرك فوق الأرض إلى أن تتفاعل فتنفجر… والمغرب على مسار تمنيع ذاته من زلازل التاريخ… ومحتوم عليه أن يواصل على نفس المسار… إذ لا سبيل لتحدي جاذبية الارتكاس إلا بالإصرار على التقدم…و هو الواقي من غيل الدهر و من طوارئ و مفاجئات التاريخ.

‫تعليقات الزوار

4
  • Kant Khwanji
    الخميس 30 أبريل 2015 - 00:02

    ماذا عن "غضب" الجغرافيا التي تصيح في وجهكم كل طلوع وغروب الشمس قدوم الليل أنها لم تكن أبدا وليست ولن تكون أبدا عربية، بل "اطلسية" أموراكوشية أمازيغية من الشاون وتيطاوين مرورا بأgادير وتزنيت إلى إزناgان في الصحراء؟

    ماذا عن "جنون" التاريخ الذي يصرخ في وجهكم، لماذا بترتم ذيله الطويل الضارب في عمق التاريخ،لتبقوا على جزء صغير وكله تزوير وتلفيق(أول دولة اسلامية في أرض أموراكوش هي دولة نكور لمؤسسها النفزي الأمازيغي صالح (حسب رواية المؤرخ اليعقوبي الذي استقى شهادته من أهل البلد في تمسمان/الريف حيث تستقر فروع من قبائل نفزة الأمازيغية التونسية) وذلك 78 سنة قبل دولة الأدارسة (عشرات من اللاجئين السياسين الهاربين من مذابح اشقائهم يؤسسون دولة "عربية" وسط بحر من ملايين الأمازيغ))!

    فكيف لمن كان خارج دائرة الحضارة الإنسانية -وأد وزواج التبضع والرهط وشرب بول الإبل وغمس الذباب وأكل قمل الحجاج- و إنتاج أول كتاب في ق 8 وهو منتحل عمن سبقهم من الشعوب, أن يخرج من "الكهوف" من كان يؤلف منذ 9 قرون في العلم والفن والعمران؟
    سيتم عاجلا أم آجلا محاكمة تاريخية لهؤلاء المجرمين المفترين النازيين!

  • Zeggo Amlal
    الخميس 30 أبريل 2015 - 10:19

    دولة إدريس الهارب le fugitif دولة وهمية، حلقات مسرحيتها من نسج الخيال، , و اليوم ، و بعد أن أصبحت بطائق الإنتساب إليهم عبارة عن صكوك إئتمان تباع في المزاد العلني و تمنح صاحبها امتيازات و حصانة واسعة ليعيث في البلاد و العباد على هواه،حان الوقت للكشف عن ملابسات عديدة و حقائق تاريخية مسكوت عنها.
    فإذا افترضنا صحة هروب الشيخ المسن إدريس من الشرق و وصوله إلى المغرب الأقصىو زواجه بأصغر بنات أغنى شيخ من شيوخ أغنى قبائل المغرب (أوربة) و أكثرها احتكاكا بالحضارة الرومانية و ما واكبها من أحداث و صراعات ضد الأمازيغ، نستنتج بسهولة أن الأمر يتعلق بدهاء سياسي خارق للشيخ الأوربي الذي عرف كيف يستغل حدث استضافته لقرينه الشيخ الهارب بتزويجه أصغر بناته كيدا و دهاء و ربما تدبير حملها بعد ذلك ليتوفى االرجل الملقح أو يقتل وبالتالي وصول إسحاق و بنته المشكوك في إسمها الحقيقي إلى كسب المشروعية باسم الدين الجديد حديث الساعة آنذاك وسط قبائل المنطقة القوية آنذاك. و ما انتقال أسرة إسحاق و ربما شطر من قبيلته من زرهون صعودا إلى موقع أكثر حصانة لتأسيس إمارته إلا من أجل إتمام مشروعه في أحضان قبيلة أخرى غير منافسة له.

  • arabia felix
    الخميس 30 أبريل 2015 - 19:11

    الى 1 – Kant Khwanji
    بل عربي من اليمن حسب ابن خلدون
    حيت قال:
    لما استولى المسلمون أيام الفتح على بلاد المغرب وعمالاتها واقتسموا وأمدهم الخلفاء بالبعوث إلى جهاد البربر وكان فيهم من كل القبائل من العرب وكان صالح بن منصور الحميري من عرب اليمن في البعث الأول وكان يعرف بالعبد الصالح فاستخلص نكور لنفسه وأقطعه إياها الوليد بن عبد الملك في أعوام إحدى وتسعين من الهجرة

  • Maghribi
    السبت 2 ماي 2015 - 00:08

    اقتباس :
    "عندك العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، وبالمفعول الارتدادي، عندك حوالي كل البلاد العربية… والتحدي لنا جميعا، إزاء ما يحدث، هو قدرتنا على ابتكار مسالك لرؤى جديدة ….."

    بالله عليكم هل استطعتم تغيير واقع "المغرب" لبناء مغرب ديمقراطي يتسع لكل ابنائه…..فكيف لكم ان تغيروا واقع سوريا او العراق و التي لن انعتها مثلك ب"الارض العربية" احتراما لشعوب عديدة من كورد و اشوريين و سريانيين ووو….

    هذه القراءة الشمولية لما تسمونه عبثا "عالم عربي" هي التي ادت الى ما هي عليه الاحوال اليوم من دمار و خراب و شلل اقتصادي و فكري…..فلكل منطقة خصائصها و ثقافتها فكيف لك ان تتكلم عن الكل و كانه كيان واحد…بينما هو كيان وهمي لا وجود له على ارض الواقع…..

    لماذا لا تاخدون العبرة من اوروبا و اتحادها…فيمكنك سماع اقتصاد دول الجنوب… و تسمع عن خصائص دول شرق اوروبا ووو….في تجزيئ و تخصص متناهيي الدقة…للمحافظة على حضارات الشعوب في اتحاد اقتصادي قوي…

    اما افكار البعثية الناصرية و انتصاراتها الوهمية….فلم يبقى لها مكان في وقتنا هذا…..

    و اجابة عن الاخوة:

    دولة الادارسة ما هي دولة و لا هم يحزنون

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس