حفر في الطريق وألم في قلب سائق الطاكسي

حفر في الطريق وألم في قلب سائق الطاكسي
السبت 16 ماي 2015 - 00:08

يسرع سائق الطاكسي الصغير ليوصل الزبون ويحمل غيره. تقع عجلة السيارة في حفرة وسط الطريق الإسفلتي. يخفض السائق السرعة، يمشي بحذر كلما اقترب من حفرة، يمسك شفته السفلى. يقع في الحفرة فينكمش وجهه. يعبر الحفر في شارع الأديب محمد زفزاف فيدعوا على عمدة الدار البيضاء بما لا يمكن تصوره. لكن العمدة رجل أعمال كبير توحدت فيه سلطة المال وسلطة السياسة لذا فهو محمي بالحصن الحصين.

الحفر مثل أفواه مفتوحة تعض العجلات. والحفر حين لا تصلح يزداد اتساعها، حفر صغيرة تمر بها شاحنات عملاقة فتتسع، بعضها مستدير وبعضها مستطيل وبعضها لا قعر له. مع طول الإهمال صارت هناك حفر مشهورة لدى السائقين يتجنبونها وهناك حفر محدثة يقع فيها السائق فجأة فتصيب الضربة قلبه مباشرة وقد تطير عجلة سيارته فتتسلط عليه أزمة اقتصادية.

مع كل ضربة تتآكل العجلات وممتص الصدمات amortisseur، عندما تمر السيارة فوق حفرة تتزعزع قاعدة الراكب، أما عندما تكون الراكبة امرأة حامل فالمخاض يداهمها في الحين ويدعو الجنين على العمدة “اللهم سلط عليه إيبولا”.

يتكرر هذا آلاف المرات في اليوم. فشارع الأديب محفّر فيه تراب وأزبال… تحصل طفرة حفر في الشتاء خاصة وأن الشبكة الطرقية عاجزة عن تحمل كثافة الحركة الناتجة التطور السكاني والاقتصادي. وكلما كانت الحفر كبيرة كان ضررها على السيارة كبيرا. وكلما كان الضرر كبيرا كان دعاء السائق قانتا. سائق الطاكسي يشتم ويدعو للعمدة بالعقم والسرطان والكوليرا. لا ملاذ للسائقين غير الله.

كم من حفرة في شوارع الدار البيضاء؟ ليس أقل من شعيرات رأسك. لو تحول المحيط الأطلسي إلى مداد ما كفى لوصف الغضب والألم والخسائر التي تسببها الحفر لسائقي سيارات الأجرة خاصة. كيف هي سيارات الأجرة؟ مهترئة مفككة قديمة… ماذا أضيف؟ شاخت بعد ثلاثين سنة من الجري بين الحفر. تقول الحكومة أنها ستجدد أسطول الطاكسيات. تقول.

بعد عام من الجري بين الحفر يكون السائق مجبرا على فحص السيارة لتأكيد أهليتها للجولان. هنا يدفع السائقون ثمن كل الدمار الذي سببته الحفر لسياراتهم. دخلت هذه الدوامة بعد أن تجاوز عمر سيارتي خمس سنوات فصرت ملزما بإجراء فحص دوري لها. لتجنب المفاجآت أخذتها للمحل الذي اشتريتها منه وفحصوها. بعدها ذهبت للدكان الذي كلفته وزارة النقل بمنح وثيقة الفحص. من لا يحمل وثيقة فحص إيجابية ستوقفه الشرطة وتعقد حياته. لهذا يقلق السائق على صحة السيارة أكثر مما يقلق على صحته. يفحص السائقون سياراتهم أكثر مما يفحصون أجسادهم. لم يسبق لي أن أجريت تحاليل طبية.

وصلت باب مركز الفحص في الثامنة إلا ربعا. كان هناك طابور سيارات بعضها مهترئ. على المركز أن يفحص يوميا أربعين سيارة فقط. وبما أن ربع سيارات المغرب توجد في الدار البيضاء فيمكنك تخيل زحام التسابق… بعد ساعتين حل دوري. سيارتي بخير. فقط طلب مني المراقب تغيير لوحة الترقيم لأن الشرطة قررت تغيير البنط الذي كتبت به ليكون أوضح. كلام الشرطة لا يرد.

بعد الفحص يجب انتظار ساعتين لطبع الوثيقة المجيدة. لكي لا أنفجر ضد نفسي جلست في شرفة مطعم يطل على البحر. انسحبتُ من قلب المشكلة للحظة لرؤية الوضعية من الخارج وأكتب. يوجد مركز الفحص التقني في الحي الصناعي. ويوجد الحي الصناعي على الشاطئ لذا ليس غريبا أن يصير الشاطئ مزبلة. وعلى بعد أمتار من الماء أكواخ قصديرية واطئة على الرمل حولها كلاب وأطفال. الدار البيضاء ليست عالما واحدا، إنها عوالم متجاورة متداخلة متناقضة والأمكنة تفاجئ باستمرار… حتى في قلب المدينة خرابات. هناك محطة تحويل كهربائي حديدية على قاعدة خشبية تتفكك. وعلى باب الصندوق الحديدي الكبير تحذير “خطر الموت”.شارع الأمير مزبلة. جرى التآلف مع القبح بسبب رمي الأزبال لأن الشارع ملك عمومي. ليس بمعنى أن للجميع الحق فيه وتجب المحافظة عليه بل عمومي بمعنى أنه ملك مشاع يفعل فيه كل شخص ما يريد، ومن يلوم شخصا على ذلك يجيبه “وهل هو شارع أبوك؟”. يحكى أن شخصا مثل هذا اشترى سمكة وبدأ يشمها من ذيلها. قال له البائع شُمْ الرّأس. أجاب: أعرف أن التعفن وصل الرأس أريد أن أعرف هل وصل الذيل.

وصل. يقول جورج أورويل “إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة”.

مر عام ونصف على نقد الملك محمد السادس لتسيير مدينة الدار البيضاء ومع ذلك لم تزل الحفر والمزابل. وهنا خرجنا من الحفر إلى سياستها. ينفق المغاربة الكثير على السكن والتنقل ولا يتبقى لهم ما ينفقونه على الثقافة وهي أم السياسة. وبما أن السياسة محفرة ستبقى الطرق كذلك. صحيح أنه قبيل زيارة الملك للمدينة رقعت البلدية الحفر التي قد يجدها في طريقه وتركت أخرى. وهذا الترقيع استهتار رهيب بمصالح الناس وكرامتهم. وبنود فلسفة الترقيع هي:

أولا استغباء الناس. ثانيا قصر النظر. ثالثا شطارة المسئولين. رابعا الاقتصاد في التكاليف. خامسا سرعة إنجاز الترقيع بينما الإصلاح الحقيقي يحتاج زمنا. سادسا الشعب تعود على الحفر وسيقبل كل ما يحصل له.

وتعمل هذه البنود باستمرار في مجالات كثيرة في المغرب. من يراقب طريقة الترقيع يستنتج أنه توجد حفر في العقول وفي الطرق. في بعض الأماكن تكفي إصلاحات صغيرة ولا تنجز. هذا الإهمال ليس صدفة أو لنقص التمويل، إنه تعبير عن احتقار المسئولين للناس بوصفهم أغبياء. بدليل أنه ما أن تقترب الانتخابات حتى تنطلق حملة شرسة لترقيع الواجهة ليلا ونهارا وحينها لا تكون الميزانية مشكلة.

أين الخلل؟

تجري السياسة في الدار البيضاء في زحام شديد لأن هناك 220 منتخبا موزعين على 16 مقاطعة انتخابية يسيرون من خلالها المدينة. وهم الآن غاضبون لأن وزارة الداخلية ستغير البنية الانتخابية للمدينة. ستقلصها إلى 8 مقاطعات وستخفض عدد المنتخبين إلى 137. سيفقد هؤلاء 83 مقعدا وتعويضا في انتخابات يونيو 2016. من حق المنتخبين أن يغضبوا لخسارة الولائم. واضح أن العمدة مشغول بحفر السياسة عن حفر الشوارع. ثم إنه لماذا سيصلح العمدة الطرق بينما الناس لا يأتون بكثافة للتسجيل في اللوائح الانتخابية رغم الدعاية في كل المنابر ورقية ومرئية وإلكترونية؟

يتوقع أن يسهّل ويحسّن تقليص المقاطعات وعدد المنتخبين تسيير المدينة. من يقول هذا؟

أنا. لكن حين أستمع للناس أكتشف أن الأمل الداخلي في الانتخابات مات لديهم. يدركون انه لا علاقة بين الحفر والتغيير المستمر لقوانين اللعبة الانتخابية. تتغير القوانين وتبقى الحفر أو تزيد. تتغير القوانين للحفاظ على السيطرة. فبعد جاذبية اللامركزية تعود جاذبية التمركز. فهل ستقل الحفر في السنة القادمة؟ لدى سائق الطاكسي جواب لا يتزحزح.

لا ملاذ لسياراتنا إلا الله. لذا فالمرجو من عمدة الدار البيضاء أعزه الله أن يسارع إلى إصلاح الحفر لكي يتوقف سيل الدعاوي الشريرة ضده. وليكون شارع الأديب محمد زفزاف الكبير مشرفا لعشاق الحكي.

‫تعليقات الزوار

5
  • رشيد
    السبت 16 ماي 2015 - 03:20

    كيف ننتظر من محفوري الأخلاق الذين سقطوا في حفرة الدنيا و نسوا حفرة القبر أن ينتبهوا إلى حُفر الطرقات و قد ألهتهم حفر جيوبهم؟

  • محند
    السبت 16 ماي 2015 - 22:23

    اغلب المدن والقرى المغربية تعيش في تناغم تام بين سياسة الاسترخاء والاستخراء حتى اصبحت المملكة بكاملها حفرة كبيرة وكما ذكر الكاتب الحفر في الطرقات والغش في القناطر والمزابل ومختلف الرذاءل والكوارث تعكس الحفر الكبيرة في عقول وذهنية وثقافة وسلوك وممارسات المسؤولين في مختلف القطاعات وهذه المرض والفيروس انتقل الى المواطن العادي. خلاصة القول المجتمع مريض بمرض مزمن. يجب على المغاربة الرجوع الى اصولهم وثقافتهم الاصيلة المتمثلة في ثقافة العز بالعقل والجسم والحفاظ على البيءة. الثقافة الساءدة الان هي ثقافة الكنز والخنز: الاستغناء بختلف الوساءل وكنزها في الداخل والخارج وبالمقابل تدمير كرامة المواطنين والطبيعة بالرذاءل والازبال وانتاج شعب جاهل امي كسول وسخ وغير منتج. على العموم هذه ثقافة العرب والمسلمون في الداخل والخارج. يدعون خيرامة اخرجت للناس ولكن بالشفوي فقط. يقول جورج أورويل "إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة". وهذا ما حدث ويحدث في المغرب واغلب الدول العربية حتى انتجوا مزابل النفاق السياسي والديني.

  • aziz
    الأحد 17 ماي 2015 - 03:04

    "إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة"
    صحيح

  • جلال
    الأحد 17 ماي 2015 - 08:05

    كلما وقع خطب أو مصيبة لا بد من كبش فداء….. والعكس صحيح كما جاء في استشهادكم يقول جورج أورويل "إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة".
    اذا الخلل في الفئة التي تساوم في الانتخابات ب 100 أو 200 درهم أو وعد بمنصب أو … ناهيك عن سلوك بعض الشركات التي تقوم ببعض الاصلاحات تم تترك الشارع كله حفر ،أتساءل هنا لماذا لا تبرمج بنظرة مستقبلية احتياطا قنوات لربط طرفي الشارع من أجل مد أسلاك الاتصالات أو الكهرباء أوما شابه ذلك ، و عند ما تريد أي شركة أن تستغل أي قناة لابد من الأداء و يبقى الشارع أقول الزفت في حلة جيدة…..

  • abdo
    الأحد 17 ماي 2015 - 19:30

    ليس شارع محمد الزفزاف لوحده الدي تكاترت حفره بل شوارع المدينة كلها محفرة وان لم يكن هناك حفر تعمد, بعض الساكنة الى بناء فوق الطرقات مايسمى بظهر الحمار باعداد كثيرة وعالية فيها ما وصل الى اكتر من عشر سنتمترات تحت دريعة الحفاظ على سلامة ابنائهم الدين في الطرق…
    وحكى لي احد السائقين انه كلما وجد حفرة او ظهر حمار على كان لزاما عليه ان يعمل كلاكصون مرات عدة كردة فعل تزعجني فلما لا ازعجك

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس