سيرة "سياسي"

سيرة "سياسي"
الخميس 21 ماي 2015 - 12:03

إنه مستعد أن يتحالف مع الجميع، مع اليمين ومع اليسار ومع الإسلاميين ومع الديمقراطيين المنفتحين والمنغلقين والليبراليين، ويستطيع أن يجد آلاف المسوغات لتبرير خلطته الإيديولوجية دونما أدنى حرج. قد يدافع عن تعدد الزوجات بكل شراسة وينافح، كما لا يفعل الإسلاميون أنفسهم، عن حق الجميع في تطبيق الشرع الإسلامي، وقد يصطف مع الحداثيين في معركتهم الحاسمة ضد المتخلفين والرجعيين، وقد تجده مع الوسطيين وهواة التوافق وعاشقي الإجماع. لم يؤسس يوما موقفا سياسيا مسنودا بقناعات سياسية: فهو يمتلك القدرة أن يصدر بيانا ناريا في العاشرة ليلا يدين فيه صحافيا أعزلا ويكيل له عشرات الاتهامات حتى قبل أن يقول القضاء كلمته، وبارع أيضا في إيجاد آلاف الأسباب التي جعلته يقفز من اليسار اليمين، ومن فوق إلى أسفل..ولا يسأله أحد.

يكره الصحافة لأنها تنشر خطاب التيئيس وتنفر الناس من السياسة، يمقتها بدافع وطني محض، فلولاها، في تقديره، لما زارت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان المغرب يوما، ولما أقصي المغرب من كأس إفريقيا ومن تصفيات كأس العالم. يحفظ عشر جمل بالفرنسية وبالعربية ويوظفها في كل المقامات حتى ولو تعلق الأمر بثقب الأوزون أو فيضانات الجنوب. الأهم أن تتضمن عبارة”المقاربة التشاركية” ممهورة ببعض العبارات الثابتة التي لا تتغير من مثل”تطوير العلاقات وتعزيز سبل التعاون”.

لا يجد حرجا في أن يدخل إلى البرلمان سكرانا ثملا، والبصاق يتطاير من فمه ثم في اليوم الموالي يقول بورع الزهاد والنساك إنه لا يدخل القبة الشريفة إلا وهو على وضوء، وفوق ذلك يمتلك القدرة على أن يوظف مصطلحات بذيئة من قبيل”الغرزة” و”سير تق..” ويشهر ما في أحشاء بطنه أمام العالم بأسره، ويحسب ذلك في الأخير بطولة حقيقية. لا يهمه أن ينتمي إلى تيار سياسي مؤمن بمشروع فكري وسياسي، ولا يقيم الفرق بين الكتاب والسنبلة والجرار والمصباح والميزان: إنها في نهاية المطاف مجرد أشكال ورموز يستطيع أن يبتكر أحسن منها.

يدافع عن موقف في الصباح وعن نقيضه في المساء، وينتقل انتقالا سلسا من موقف المؤيد إلى موقف المعارض. ولا غرابة أن تصوت الأغلبية على المعارضة في انتخابات رئاسة مجلس المستشارين وحين تسأله عن هذا التصويت السوريالي يقول لك فيما يشبه اليقين: إنه الاستثناء المغربي.

يختزل العملية السياسية في يوم واحد، ويعرف بخبرة المتمرس أن الأصوات كما المواقف تباع وتشترى، ولا شيء أهم من الاستثمار في”زرقاء” اليمامة، لأنها الوحيدة التي تقيم الحد بين الخاسر والرابح يوم الانتخابات.

احترف الكذب والتملق و”السنطيحة” سعيا نحو المناصب، يبدل اللون السياسي كما يغير أحذيته، ينسحب من حزب ليلبس قبعة حزبية أخرى كي يستفيد من حقه من كعكته الوزارية، يقترب من العائلات النافذة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لأنه يدرك تمام الإدراك أن السياسة بالمغرب كما الفقه تمارس بالمقاصد. والمقاصد عنده هو أن”يتعسل” سعده أو أن تدافع عنه “نسيبته” أو “صهره”.

لقد طور، مع توالي السنين، مناعة قوية ضد التغيير والإبداع وابتكار الأفكار الجديدة: عدو للمنافسة وللشباب ولكل شيء جديد قد يقوض نفوذه الذي شيده بالكذب والفساد والتملق والاقتراب من دوائر السلطة.

بقي لنا فقط أن نعتذر للكاتب حسن أوريد عن هذا التحوير “غير المقصود” لكتابه “سيرة حمار”.

-صحافي في جريدة المساء

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • محمود حجازي
    الجمعة 22 ماي 2015 - 14:38

    بصراحه قرأت المقال اكثر من مرة ولكن الجميل ان كل ما اعيد قرأته لا احس بالملل ما اجملك يا أحداد

  • عجنة السياسة
    السبت 23 ماي 2015 - 00:48

    تحويرة مميزة أخي محمد وأشاطرك الرأي في أن السياسي دائما يتحور مثل الحرباء تماماً يجيد فن المراوغة ويعبث بشطحاته المقلدة بدون اكتراث للمواطن المطحون..

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة