كن فاضلا كاذبا، ولاتكن سينمائيا صادقا

كن فاضلا كاذبا، ولاتكن سينمائيا صادقا
السبت 30 ماي 2015 - 18:04

في انتقاد فيلم نبيل عيوش “الزين اللي فيك”؛علينا أن نحدد ماذا ننتقد بالضبط؛فليس أي كلام يرقى الى مستوى النقد الفني السينمائي،ولو كان مضمضة لفظية من فقيه ،بفم مر؛يتحدث في كل شيء ولا يقول شيئا،لأنه يختبئ خلف نصوص ،يراها خارج الزمن الأرضي، ولا يبدع فصوصا فكرية، تفكك الواقع لتشق منه سبلا غير مطروقة.

إذا أهدرنا دم هذا الفن الناشئ عندنا، الذي يفترض فيه أنه يشتغل – بسمو أو إسفاف- على خلخلة البنيات الاجتماعية القائمة لترقيتها صوب الأفضل،كما يتحدد في مشروعنا المجتمعي الذي نريده حداثيا ؛ فسنكون قد وقعنا في الابتذال إياه الذي يعاب على الشريط.

هذا إذا كان الكلام، المباح للجميع، يتأسس على مشاهدة العمل الفني كاملا؛أو على الأقل بعض مداخله الأساسية؛أما إذا كان السند في الانتقاد مجرد سماع من هنا وهناك ،فسنكون قد ساهمنا في إثراء موسوعة السفه التي تواظب المجتمعات المتخلفة على إنتاجها ،مادامت لا تقوى على غيرها.

إن ما سُرب من الشريط – غالبا عن سبق إصرار وترصد- يندرج ضمن توظيف آليات سيكولوجية تسويقية، تعرف كيف تضرب على الأوتار الحساسة للمتلقي،لتستدرجه إلى قضيتها ،أو خطابها،ولو رافضا غاضبا.إن الاستدراج إلى شِباك الخطاب يكون أحيانا أهم من شُبَّاك التذاكر.

أحيل هنا ،كمثال،على رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي؛وهي بإجماع النقاد عمل فاشل أدبيا . لتسويق مثل هذه الأعمال ،خصوصا الحاملة لخطاب يخدم أهدافا سياسية استراتيجية لبعض الدول ؛يحتاج الأمر إلى حبكة روائية أخرى تسند الكاتب. هذه الحبكة هي التي رسَّمت سلمان رشدي روائيا عالميا ،تحت حماية التاج البريطاني؛يُقرأ بأزيد من ثلاثين لغة.

حبكة تدرجت صُعَّدا إلى أن بلغت الذروة بصدور فتوى الإمام الخميني التي أهدرت دم الكاتب .الأمثلة الأخرى لا تعوز هنا ،ولا أقرب من “شارلي ايبدو”، الصحيفة المغمورة التي كابدت الإفلاس واقعا ،لولا أن ضربت،بدورها، على أوتار حساسة،ضمن الجهاز العصبي الإسلامي المتوتر أصلا، رفعتها إلى مستوى الرمز العالمي للتضحية ،من أجل الحرية بالمفهوم الغربي؛إضافة إلى أبواب الثراء التي فتحت في وجهها.

شاهدت ،كغيري،هذا القليل الذي سرب فوجدته يشتط لفظا سافلا- لكن بكل مصداقية- في مقاربة الايروتيكية المغربية الحرام ،التي اكتسحت،لأسباب ذاتية وموضوعية، أغلب مساحات الحلال الديني المجتمعي، الزوجي ،الأسري والفني ؛حتى سحبت منه كل شيء،ولم يعد موضوعا لا للفن السينمائي ولا الموسيقي الغنائي.

صاحبة “اعطني صاكي” ،مثلا،لم تكن تتزين لزوج أو خطيب ،ولكن لتَعْبُر ،في كامل زينتها،إلى مساحة الحرام الديني، التي اختار عيوش أن يشتغل عليها،بصفتها هذه؛دون أي خطاب وعظي ضمني أو صريح .

لعل ذكاء المخرج يتجلى هنا بالضبط؛فهو لم يشغل نفسه بهذا الخطاب الوعظي المثالي ،الذي يعرف مسبقا أن المجتمع متخم به ؛ وسيقحمه في كل تفاصيل الفيلم ،حتى يغطي(المجتمع) سوأته ،بكل النصوص المزمجرة والمتوعدة،وبكل ستائر المثالية التي لم تعد تصلح إلا للزينة،خصوصا في مدن تسوق نفسها للسائح الأجنبي،دون أن تلزمه بأخلاق محددة.

إن المتلقي العادي لم يرتق،بعد، إلى مستوى النقد السينمائي المتخصص،ولا حتى إلى مجرد النقد الموضوعي المؤسس ،الذي يقصي كل المتغيرات والمؤثرات ليركز على الخطاب ؛كما يبلوره النص المعتمد ،وكما تفعله الكاميرا ،وكما يتفاعل معه الممثل؛أولا ثم الجمهور ثانيا. هذا يعرفه عيوش وغيره من المخرجين المغاربة ؛ويعرفون في نفس الوقت أن البديل النقدي السهل ،وهو يمتح من الدين ومخرجاته القيمية ،منتصب لإغراق كل عمل يقع ضمن خريطة الحرام؛ليس بالضرورة انتصارا للحلال ،والالتزام والإلزام به ؛بل جلدا لهذه الذات المنقادة ،طبعا وتطبعا،لإغراء الحرام .

كأن الحوار المفترض بين المخرج والجمهور تم بهذه الكيفية: أنا سأكشف عن سوءاتكم،وأنتم تعلمون أن ورق الجنة ليس في متناولكم لتستروا ما انفضح؛أما أنتم فأنتظر منكم أن تمتشقوا نصوصكم وقيمكم ،لتواصلوا التمثيل ،حينما يسكت الممثلون المنحرفون حد الشبق .

بهذا ينفتح الشريط ليلجه الجمهور ،مكملا نواقصه الحقيقية أو المتعمدة.جمهور ينكر الدعارة الداعرة دون أن ينفي المساهمة في إنتاجها إلا كاذبا.

من المخطئ ومن المصيب؟ أصاب عيوش لأنه صور ما لا مغربي ينكره إلا منافقا مغرضا؛و أصاب الجمهور الغاضب، أيضا، لأنه يتحدث بما لا أحد ينكره ،إلا ناكرا لدين وقيم المغاربة.

ان المخطئ من يبحث في ثوب السينمائي المبدع –ولو قارئا للقبح-عن فقيه يردد النصوص ،دون أن تتجاوز حنجرته. كن فقيها كاذبا ولاتكن سينمائيا صادقا.

لعل الشريط ،وهو لم يعرض بعد؛بل منع دون أن يعرف المواطنون ظروف إنتاجه ،والأسباب الحقيقية لمنعه،حقق مالم تحققه أشرطة مشابهة،عرضت كاملة ،مرارا وتكرارا.هذه سابقة في السينما المغربية ؛وهي أهم من الجائزة التي لم يرق إليها .

أصبح شريطا برصيد سيرفعه الى مصاف الأشرطة الدولية المناضلة من أجل الحرية وحقوق الإنسان. وعليه فحكاية أميناتو حيدر تتكرر مرة أخرى سينمائيا.

لو لم تتحرك الآلة الاشهارية التي اختارت ،هنا، أن تستفز النصوص ،وأن تنتج منعا خارج المساطر المعمول بها ؛ربما لتشنق من تحمل وزر المنع،قبل الشريط،لما انتبه أحد الى عرضه في دور سينمائية مهجورة أصلا.

من يتذكر اليوم “الأمير المنبوذ” لمولاي هشام ؟ لقد فتحت أمامه أبواب المغرب، ليخرج منها.لو منع لدخلها وسكن في تلافيف كل الأدمغة . ان الأعمال الأدبية والفنية ينعشها المنع ؛وما كان لبعضها أن يشتهر لولاه.

هل نتحدث في تفاصيل الشريط؟ لا لأنه لم يعرض بعد. من أين كل هذا النقد؟ من جلد الذات على طريقة التوابين

Ramdane3.ahlablog.com

‫تعليقات الزوار

10
  • ali
    السبت 30 ماي 2015 - 19:45

    "كن فقيها كاذبا ولاتكن سينمائيا صادقا" ليس فينا مغربي واحد يجهل الكلام اللذي في الفيلم, فهو الكلام المتعامل به في كل الاحياء والسواق الشعبية خصوصا في اياما الترمضينة

  • ابويه محمد
    السبت 30 ماي 2015 - 20:18

    بعد الاحترام للاستاذ الكريم , الذي كان واقعيا في تحليله لشريط عيوش وما خلفه من " لغط " كان في صالح الشريط بدون مقابل !!! بحيث اصبح الشارع والبيوت كلهم يتكلمون عن لقطات سربت بعناية فاءقة من (شريط متواضع) كان من الاجدر ان يبقى نكرة كبعض الاعمال الرديءة او ما شابهها !!! سواء كانت اغاني او اشرطة سينماءية !!!مرة اخرى شكرا للاستاذ المحترم على الامثلة التي جاءت في تحليله لشريط ( الزين اللي فيك).

  • chouf
    الأحد 31 ماي 2015 - 06:52

    لناخذ التجربة من الدول الاوربية.قنوات تعرض افلام اباحية و تركوا الحرية للانسان .في الواقع الممنوع يبحث عليه المشاهد.الاسلام باين .الحلال باين.اوا الي ابغا المسجد راه باين .لااكراه في الدين .والا سنكون ولا اريد ان اتفوه بالكلمة.ما ذا اقول مجتمع فيه كل التناقظات.التربية ثم التربية هي التي تردع الشخص وتجعله ياخذ السكة الجادة لاضرر ولا ضرار.اللهم ردنا اليك ردا واصلحنا ظاهرا وباطنا .امين.

  • Ali Amzigh
    الأحد 31 ماي 2015 - 12:51

    تحية لصاحب المقال.
    ما أجمل كلام العقلاء، حتى في حالة الاختلاف معهم!
    لذلك يقال: خصم عاقل أفضل من صديق جاهل، وقد انخرط حملة "الجهل المقدس" في مهاجمة فيلم لم يشاهدوا منه إلا شذرات، وكثيرون منهم قد لا يكونون توجهوا ولو مرة واحدة في حياتهم إلى قاعة سينمائية.

  • خالد ايطاليا
    الأحد 31 ماي 2015 - 15:16

    وماذا بعد الضجة .؟؟؟؟ مجرد زوابع في فنجان ,نفس الشئ حدث مع اول احتجاج لرواية محمد شكري <الخبز الحافي > وتنغير جورزاليم وعروض لطيفة احرار .ضجة تليها ضجات ,والحال هوالحال والواقع يفضح المتسترين ,واصبحنا اشبه بالنعام نخبئ رؤوسنا في الرمال .انها الحقيقة ياقوم ألا تخجلون .؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • Aywax
    الأحد 31 ماي 2015 - 15:52

    بالرغم أن فيلم عيوش قد منع من العرض حتى في الدور السنمائية إلا أنه حظي بشهرة منقطعة النظير.في رأيي،لقد أعطينا الموضوع أكثر من حقه الشيء الذي سيخول لعيوش استعماله لتبيان كم نحن بعيدون عن الحرية التي يريدها علمانيو فرنسا و أولادها في المغرب.
    Thanks Hespress

  • معربي
    الأحد 31 ماي 2015 - 17:21

    هل هذا فن ابداعي اصلا حتى يشاهد وننتقذه إذاك .الكل تحدث عنه واعطى رايه وبمن فيهم انت . اذا الكل ساهم في اطائه اكبر من حجمه حسب ادعائك . لكن المجتمع لما ينتقذ مثل تنك أعمال ليس النقذ هنا نقذا سينمائي وانما هو تعبير سخطي عن رداءة المحتوى .الدعارة منتشرة .لكن ان نظيف اليها عملا ماجنا بمبرر واه .فهنا يكمن سبب كل هذا الجدال الصحي .اي زيادة خَلْ عَلْ الخْلُولْ من الدعارية داخل بيوت مخصصة الى التلفاز السينما. ان المجتمع لا يزال يحتفظ ويتفرد بخصوصيته.الدينية والثقافية المحافظة الخلاقة الغالبة.لذا فظاهرة التنديد ظاهرة سليمة.اما ان المجتمع لا يتقبل الواقع فهي حجة باطلة تمام البطلان .لان المغاربة ليس في بيوتهم دعارة والا فالكل اذا كذلك. فالمسالة للا تحتاج الى توكيد.الدعارة حالة منحصرة في اسر معينة لها تربيتها وقيمها الخاصة لا علاقة لاغلبية ساحقة بها.بالاظافة الى حالات سببها الفقر تكون منفردة ومتفردة…

  • الحسن لشهاب
    الإثنين 1 يونيو 2015 - 17:53

    في راي ان صناع القرارات شاهدوا الفيلم ،وحيث تبين لهم ما يتير الجدل و ما يكشف عن عيوب نظام التجويع من اجل الدعارة و عمق الدعارة، خصوصا من الجانب الثقافي و الاجتماعي الدي سوف يظهر على نفسية العاهرة وعلى محيطها العائلي و المجتمعي ،فان صناع القرارات بعلاقتهم المصلحاتية مع الاجهزة الانتهازية الاعلامية و المخابراتية باعتقادهم ان عدم مشاهدة الفيلم من عموم المغاربة سيستر المكشوف الدي لا محال ات و لا محال ستشاهده عموم المواطنين المغاربة ،خصوصا مع تعدد وسائل الاعلام السمعية و البصرية الغير الحكومية، ولعل مضمون القصة السنيمائية سيحفز لدى المواطنين وعيهم الاجتماعي و الثقافي ،كما نتمى من المخرجين السنيمائيين الجرئين الاكفاء ان يأتون بالمزيد من الافلام الموضوعية الصادقة ،خصوصا في المجالات السياسية و الحقوقية الاقتصادية،لان هدا هو واجبهم الفني و هده هي رسالتهم الفنية لا محال ،وهدا التحدي الاختراعي الفني ، من الطبيعي يصب عكس ما ييرده صناع القرارات الراسمالية اللانسانية الدين لا يعترفون بعيوبهم السياسية و الاقتصادية اللتان تفرزان ازمة ثقافية و اجتماعية بامتياز.

  • الفن النبيل
    الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 08:26

    النقد السينمائي، فن أو حتى لنقول علم – مهارات تقوم على أسس منظمة-،أبدعها الإنسان للنهوض بالسينما و تطويرها، من أجل خدمة الإنسان، و ليس فنا للارتزاق أو السفسطة، دع عنك هدم الحضارة الإنسانية.
    الفن إن لم يكن له هدف نبيل، فليس فنا. و الفن الذي يبرر الوصول إلى غايات غير نبيلة، بوسائل غير نبيلة ، ليس فنا، بل هو جريمة ترتكب في حق الإنسانية جمعاء.
    ويوما ما سيندم كل هؤلاء الذين يتظاهرون بالدفاع عن الحرية ..للمجرمين،لأنهم هم أنفسهم سيتحولون إلى مجرمين، أو ضحايا للإجرام.
    و في النهاية لا يصح إلا الصحيح..و البقاء للأصلح.

  • لوسيور
    الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 13:06

    وزادني كَلَفاً في الحبِّ أن مُنِعَتْ*** أحبُّ شيءٍ إلى الإِنسان ما مُنِعا
    صحيح حب شيء الى الانسان ما منع.
    ما يحكمنا في المغرب مقدسات من يتجاوزها يحترق ( الانساب والشرع).لقد فرضت علينا قيم يجب ان نخضع لها بذل ليس عن اقتناع ومن يحاول ان يكون شاردا كان كالقاصية ياكله الذئب.
    فيلم عيوش كموازين كلها تنتج الميوعة ولا تنتج القيم.وكل الاقلام لم تنبس ببنت شفة عن السياحة وتجارة الرقيق الابيض .ضع على يوتوب.
    'مدير موازين يشتم ناشطا في 20 فبراير على الهواء'.
    عنوان المقالة مثير للاستغراب قال الرسول (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ..).
    كل المقالات التي تناولت فيلم عيوش مجتزأة وليست موضوعية .ما اثار الناس هو كلام بذيء سوقي ومؤخرة ممثلة مبتدئة .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة