ماهر زين ومنهج البناء

ماهر زين ومنهج البناء
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 05:52

تضافرت سفاهة السياسة وسفالة الفن لتضع المغرب في أعياد موازين أمام مشهد يندى منه الجبين، غير أن حكامة السياسة وتسامي الفن أشاع من موازين نورا يضيء مسالك الظلام.

يَكِد نشطاء في التصدي لكل انحراف يهدد هوية وقيم المجتمع المغربي، وهذا حقهم، لكن ماذا عن واجبهم؟ ! هل يكدون بنفس الدرجة لمضاعفة قبسات النور اليتيمة، أم لا يحسنون سوى سب الظلام؟ !

يبدو أن ماهر زين اختار منهج البناء، ولو استبد به منطق الهدم لانضم منذ زمان إلى زمرة الساخطين الصاخبين، ولاستغرقته معاول الهدم وشغلته عن الإبداع المستنير.

إن أصحاب الصخابة والهدم إذا رأوا منشدا لغناء أو عازفا لآلة أو قارعا لطبل قاموا منه ينتقصون وعن سبيله يصدون ولعمله مهملون. أوَ يظنون أن هذا المجال يقبل الفراغ؟ ! أم يعتقدون أنهم على قمع أصوات الفن ومحو صور الإبداع لقادرون؟ ! كلا إنهم عن الرشد والصواب بعيدون.

من تابع سهرة ماهر زين ضمن فعاليات مهرجان موازين ليلة 01 يونيو 2015، يدرك مدى الجهد الكبير الذي بذله هذا الفنان الواعد ليرتقي بقيم ينشدها إلى مستوى المنافسة التي تفرضها فنون ثقافة العولمة.

كانت مضايقات ماهر زين بادية من خلال بعض جزئيات نقل حفله على القناة الثانية: مدة العرض القصيرة، مستوى الإنارة، تفاوضه السلس والسريع مع المخرج لإضافة أنشدوة … لكن ذلك لم يمنعه من الظهور بوجه مشرق وقوي فنيا وتقنيا.

أطر حفله بتقنيات تناسب السهرة وأبان فيه عن احترافية أداء فاقت فنانين كبار ظلوا أسيري نمط أداء كلاسيكي على المسرح.

مَزَج بين الفرجة الموسيقية الخالصة والمتتاليات الغنائية المحكمة، والإشراك الفاعل والموفق والسليم للجمهور.

وظف كل الآلات الضرورية وعرض موسيقى تتكامل فيها الأصوات الحادة والمتوسطة والغليظة، وأبرز إيقاعا متعدد الروافد يعكس مختلف أحجام القرع، كل يتفاعل ويمتزج في غاية التناسق.

أما غناؤه على المباشر فكان شبه خال من أصوات النشاز ومرافَقا بإحساس جميل لامس دواخل الجمهور.

بل لم تفته حتى مؤثرات الضوء التي جعلها تتناسب وإيقاعات الأغاني، كما ركز على حركة مدروسة رشيقة فوق المنصة، ولم يفته غير تصميم رقصة أو رقصتين ترافق أغانيه، طبعا لن تكونا على شاكلة رقص جماعة “جينيفر” المهووسة بالجنس، ولا رقصا على شاكلة الأحباش في مسجد رسول الله لأن أحدا لم يشاهد كيفيته، إنما تكون إبداعا جديدا يراعي القيم الثابتة ويطير مرحا في الفضاء.

وبالرغم من حضور جمهور واسع لحفل ماهر زين، فإنه لم يَرْق إلى شساعة جمهور فنانين آخرين، قد يرجع ذلك إلى تحكم ما في الحضور، أو ربما لقلة مناصري منهج البناء الذي يتبناه ماهر زين، أو لسبب آخر راجح يتمثل بالعجز عن إلباس هذا الصنف من الفنون بعدا اجتماعيا يلامس كافة القضايا الدينية والاجتماعية والعاطفية والسياسية والإنسانية.

لست أبدا ضد احتجاج ينهض غاضبا من تجاوز القيم وخرق القانون، لكني أحب التفاعل بمنطق البناء على شاكلة ماهر زين. كم كان سهلا أن يقاطع ماهر موازين أو أن نستسلم معه بشعارات الشجب التي تخبو بعد تفرق الحشود، لكن تخيلوا مدى الصعوبة والمشقة التي كابدها ليُلهب ويهذّب مشاعر جمهور يتابعه: دراسة علم الموسيقى وإبداع الألحان والكلمات وتشكيل فريق موسيقي محترف ومتجانس، وتصميم الأغاني وترتيبها بشكل يناسب امتداد فترات الحفل… ! نعم كذلك يكون منطق البناء.. لبنة لبنة.

فهاهو ماهر يضع لبنة محكمة الرَصّ، فهلا انتفض الصخّابون في هدوء وقدموا للفن دعما وافيا يؤسس لبنات صلبة لتشييد فضاء فني عالمي، ويراكم إنتاجا يشغل مساحة يشعر في أرجائها الإنسان بالطمأنينة النفسية والسمو الروحي ؟ !

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • أميرة
    الأربعاء 3 يونيو 2015 - 20:12

    بارك الله في كاتب هذا المقال فعلا أحسنت القول ماهر زين يختار الفن البناء لا المهدم و يريد تقديم رسالته للمسلمين و جلب الآخرين لديننا الجميل
    و كما قال فالإسلام ليس صلاة و صياما فقط
    بل الإسلام يشمل جوانب الحياة كلها بحسب النية
    تحياتي

  • سارة
    الخميس 4 يونيو 2015 - 13:51

    نعم الفنان هو .التزام ,مصداقية في الاداء ,كريزما ملئية بنفحات دينة , كلامات هادئة اكثر الله من امثاله

  • bouddiouan
    الخميس 4 يونيو 2015 - 16:45

    الفن لا دين له ، اما الدين فكله فن. زما كان يبحث عنه صاحب التعليق الثاني لم يجده، وأنا لا أسعى إلى جر الناس إلى الحديث عن الحلال والحرام، بقدر ما أوحي إليهم بمعالم فن التدين في عصر العولمة، كما أدعو كل حاقد إلى التحلي بروح التسامح وقبول الآخر كما هو، وله أن يدعو إلى ما يشاء والناس لها أن تختار, لكن للأسف أشعر أن بعضهم بعضهم يسعى إلى إكراه الناس على الايمان بما يؤمن به وهذا خطير. فلا إطراه في الدين فكيف بالاكراه الناس على شيء آخر.

  • nabnab
    الخميس 4 يونيو 2015 - 20:31

    في بداية المقال خلت للحظة انها طريقة اخرى يسخط فيها هذا الكاتب من الاوضاع بهمجية وسخرية….لكن استمريت في القرائة ولم اكن إلا متبسمة و مقتنعة بما قاله…الله ايكثر من امثالك

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة