التفاوض الثقافي قبل التفاوض السياسي

التفاوض الثقافي قبل التفاوض السياسي
الجمعة 5 يونيو 2015 - 04:07

طبل و زمر و هرول العديد من الفاعلين بمختلف ألوانهم و أطيافهم للخطاب الملكي الذي قدمه الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2014 بمناسبة عيد العرش ال15، و الذي دعا فيه العاهل المغربي إلى ضرورة تسليط الضوء على قيمة رأس المال غير المادي للمغرب و التشديد على ضرورة الاستناد عليه كمعيار أساسي لوضع السياسات العامة لكي يستفيد المغاربة من ثرواتهم.

و إذا كانت الخطب الملكية، في العديد من المناسبات، تحمس العديد من الفاعلين في حينها، إلا أن استحضار مضامينها أحيانا، لا يتم إلا من أجل الاستشهاد بها عند الحاجة أو الركوب عليها. و هذا يعكس قمة الانتهازية التي يعتبرها البعض رصيدا لقضاء المآرب أو تلميعا لصورة مزيفة.

فرغم ما يستحقه موضوع الرأسمال غير المادي من أهمية، و رغم ما يطرحه من نقاش عميق علمي و كوني، و رغم الظرفية التاريخية التي جاء فيها خطاب الملك، ظل (الرأسمال اللامادي المغربي) يبحث عن انتزاع شرعيته من الطموح السياسي و النظري، و ظل ينتظر النظر إليه كواقع يومي يهدم المسلمات و يمسح الغبار عن عيون النفاق الاجتماعي، لتشجيع الحوار و النقاش كإحدى الركائز الأساسية في حياتنا اليومية القائمة على فلسفة الحوار.

إن ما نسمعه و نقرأه و نراه من خلال بعض و سائل الأعمال و قنوات التواصل و بعض الفاعلين السياسيين و الجمعويين حول فيلم نبيل عيوش “الزين اللي فيك” و عروض مهرجان موازين، يجعلنا أمام أزمة حقيقية عنوانها الجهل بالتراث الفكري و الفلسفي و معطيات العقلانية و الحداثة، و تشجيع الثقافة التقليدية الجمودية و التحريض على الكراهية و العنف.

لقد صدق عالم المستقبليات “بيتر شفارتز” في تعليقه على خيارات المستقبل و تحديات التغيرات القادمة، حين قال: ” بالنسبة لأولئك الذين لا يحبون التغيير كان أفضل وقت ليولدوا قبل العام 1800 أو كان عليهم التريث حتى حلول العام 2050″.

فعلى ضوء ما حصل من صراع في “السوق السياسية” المغربية حول مطابقة و مماهاة بين الفني و السياسي، يجب الإقرار بالعديد من مواضيع الخلاف و الاختلاف التي تطالبنا جميعا بالعودة إلى الحوار، وأقصد الحوار الديمقراطي لضمان تفاوض عادل و منتج. خاصة و أن المشهد الثقافي و السياسي المغربي بات في الآونة الأخيرة يعيش أزمة حقيقية تتجلى في صمت المثقفين و النخب الأكاديمية المستقلة.

أن الاحتكاك بين الفني و السياسي قيل عنه الكثير في العديد من المناسبات، و هو موضوع قديم قدم الزمن، و شكل قاعدة من قواعد البحث السوسيولوجي و الانثربولوجي لدى العديد من أئمة هذه الميادين، أما المهم هو البحث عن المشترك بين الناس و القبول بالآخر كما هو، و مقاربة المفاهيم و محاكمتها و تصحيحها كي تصبح أداة صحيحة للممارسة، لكي لا نترك الساحة للغوغاء و لمن يبحث عن أنماط الوساطة الرجعية بين فئات الفاعلين الأساسيين في المجتمع.

نعم، قد يحتار المثقف الالتزام بهذه القضية أو ذاك، و قد يتمهل في إصدار أحكامه، و قد يصمت، وقد يتهرب..، و لكن هناك ضرورة تاريخية لا تنتظر أي كان و لا تأبى الفراغ. و ليس باسم الخوف من “الهيحان” و التوترات الاجتماعية الشديدة الناتجة عن غياب الحوار و قيم التسامح و احترام التعددية الثقافية و مرجعياتها و دعامتها المادية و اللامادية، يمكن الانحناء و الانبطاح للجهلة و أصحاب المنفعة الحالمين بخلق محاكم التفتيش في المغرب.

نعم، إن رجل السياسة كان دوما غير راضي عن الفن و الإبداع، و كلما نفذ صبره (الضيق) طالب بالطلاق وبات يشرع المنح و المنع.

إن الخطير في التعاطي مع فيلم نبيل عيوش و مهرجان موازين، هو محاولة إنتاج ماكينة التعصب الفكري أو السياسي بالمغرب، و هو ما يترجم في الواقع من خلال خطاب رديئ معادي للمغرب و لرأسماله المادي و اللامادي.

و معلوم أن كل عمل فني أو أدبي كيفما كان نوعه، يستحق النقد و النقاش و الحوار، و ليس الإدانة و السب و الشتم و التكفير. فلا ينفي اليوم أحدا أن القيم الثقافية التي خلقتها البروتستانية، يرجع لها الفضل في خلق الرأسمالية التي خلقت الثروة و اقتصاد السوق. و لا يخفى علينا كذلك، أن القيم الثقافية هي التي أسست العقلانية الاقتصادية و الحداثة الديمقراطية، أوكما يقول أنصار الأنثروبولوجية الثقافية: ” إن الثقافة هي قياس كل الأشياء”.

قد يكون من المجدي ترك الفرصة للنقاد السينمائيين و للمهتمين و الضالعين في الفن السابع أن يقولوا كلمتهم، ليجيبنا عن الأسئلة التالية:

* من كتب السيناريو؟ هل هو نبيل عيوش أم المجمتمع المغربي في لحظة تاريخية تحتوي وقائع و أحداث و ظواهر إجتماعية مغربي؟

لقد قال يوما ما السينمائي ايزنشتاين: “لسنا نحن الذين نصنع سينمانا لكن الزمن الثوري هو الذي يصنعها، و يصنعنا”.

و لهذا في انتظار الجواب عن هذه الأسئلة من طرف ذوي الإختصاص، لن نلوم الدهماء إذا تكلمت، و لن نحاسب المرجئة على إيمانهم، و لن نسائل المتنطع على ذكائه الزائد، و لن نجاحد الناصح المغفل في كلامه.

لكن، ربما آن الأوان ليرجع المثقف من منفاه الاختياري لوطنه لنبني معا المستقبل الوضاء لشعبنا، لأنه لا يستحق التدجين بالترغيب أو بالترهيب.

إن ما عاشه المغاربة في زمن الجمر و الرصاص، جعل أهل الثقافة و الفكر في “حرب استنزاف” مستمرة مع السلطة نظرا لتواجدهم في مقدمة جبهة المدافعين عن القضايا العادلة. و رغم ذلك، كانوا ( أهل الثقافة و الفكر) من بين من وضعوا اللبنات الأولى لمغرب الحداثة و الديمقراطية، و هو ما جعل أجيال بكاملها أمام امتحان عسير تدور أسئلته حول روح الابتكار و التربية على الحرية و إقامة المجتمع السياسي على التعاقد بين إرادات أفراد أحرار.

و اليوم، يعتبر تراث هذه المرحلة جزء من الذاكرة الجماعية و خزان من مخازن الرأسمال اللامادي في المغرب! و لكن من أجل الإسراع بوتيرة و بتقوية آليات الحماية في مجال حقوق الإنسان و مسار النضال التطوعي من أجل حرية التعبير و الرأي و الصحافة، و إشراك المجتمع المدني في أوراش التغيير، و نبذ مختلف أنواع العنف الاجتماعي؛ لا بد من التفاوض الجاد و المسؤول حول ما يتسم به المجتمع المغربي من وحدة و تنوع. و تعتبر الثقافة كفكر إنساني و كأسلوب الحياة مدخلا حقيقيا و ضروريا للمصالحة مع المجتمع، لأنها (الثقافة) تحولنا إلى بشر و ترتقي بنا إلى المستوى الإنساني. بل أكثر من ذلك، هناك من السوسيولوجيون من يعتبر أنه من غير الثقافة لن تكون لنا لغة نعبر بها عن أنفسنا.

من الطبيعي أن نتوقف عند سؤال الثقافي و علاقته بالسياسي، في ظل و اقع أزمة المشروع السياسي المجتمعي العاجز على إعادة المشروع الثقافي بعد انهياره اليوم.

قد نخطئ في الإجابة، لأننا نعيش شروط أزمة ناتجة عن عدم القدرة على إخضاع الرأسمال اللامادي إلى مساءلة تقويمية، حتى نعرف أسباب العجز و المرض. كما قد نعجز عن الإجابة عندما تدفن الأسئلة الحقيقية في ضباب الصراع، و حين تغيب الأسئلة التي تحاول الاقتراب من السببية الاجتماعية التي تولد الأزمة.

أخيرا، إلى جانب الآثار المباشرة التي خلقها النقاش العقيم بخصوص ظاهرة فيلم “الزين اللي فيك” و ظاهرة موازين، تبرز اليوم مخاوف عديدة من التيارات السياسية المحافظة التي تحاول الانقضاض على مكتسبات فئات واسعة من فئات الشعب المغربي، و في مقدمتها الدعاية العملية للتحريض المباشر (أحيانا) ضد النساء و التشجيع على خلق هيئة “الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر” بدل التشجيع على التربية و التعليم و محاربة الجهل باعتباره العدو الرئيسي الذي يفتح الباب للعودة إلى الجاهلية.

‫تعليقات الزوار

10
  • نجيب
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 04:58

    وهل الفيلم المذكور والسهرات الفاضحة يرومان "التشجيع على التربية و التعليم و محاربة الجهل باعتباره العدو الرئيسي الذي يفتح الباب للعودة إلى الجاهلية." ؟

  • jebli maghribi
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 10:10

    طبل و زمر و هرول العديد من الفاعلين بمختلف ألوانهم و أطيافهم للخطاب الملكي الذي قدمه الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2014 بمناسبة عيد العرش ال15، و الذي دعا فيه العاهل المغربي إلى ضرورة تسليط الضوء على قيمة رأس المال غير المادي للمغرب و التشديد على ضرورة الاستناد عليه كمعيار أساسي لوضع السياسات العامة لكي يستفيد المغاربة من ثرواتهم.

    Il me semble que l'auteur n'a pas compris le contenu du message du ROI.

  • TOUAGHED
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 10:26

    المغرب وطن يتسع للجميع والمغاربة ليسوا قطيعا يساق من طرف حراس المعبد.لن نقبل بالتنميط الفكري والثقافي لاننا بلد التنوع الثقافي والهوياتي ولاننا ناضلنا من اجل تعددية سياسية و ثقافية اقرها الدستور وراكمنا مكتسبات في هذا المجال اعطت للمغرب تميزه بين كثير من دول العالم العربي والاسلامي وحتى الافريقي.
    الخطر داهم والمتقف التنويري والتقدمي المنحاز الى هموم الوطن مطالب بفك الايديولوجيا الدينية الشمولية التي لا تريد بالوطن والمواطنين خيرا لان الطبيعة تكره الفراغ والفراغ يجعل كل الدجل والهرطقات حقيقة.تحياتي للمثقف الابي ذ.المريزق.

  • mohamed
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 11:30

    أنت طبلت وزمرت منذ البذاية،مع العلم أن خطاب عاهل اللبلاد لا يستوي مع ما قدمته لنا في هذه المداخلة.
    أقحمت كلام موزونا،دقيقا،مختورا بعناية فائقة ،موجها إلى شريحة معينة،من مثقفين،سياسيين،إقتصاديين،علماء ذين،علماء الدراسات المستقبلية، فلاسفة،منظرين…….
    أقول أقحمت هذا كله في شيئ تافه كالزين ليمفيهش ومؤخرة جينيفر.
    كان من الأجذرأن تكون مداخلتك متناسقة مع خطاب الملك.
    كما هوفي التعليق 1 أنت لم تفهم الخطاب،هرولت فقط مع المهرولين وأشباه المثقفين.

  • مغربي حر
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 11:50

    قال الكاتب" فلا ينفي اليوم أحدا أن القيم الثقافية التي خلقتها البروتستانية، يرجع لها الفضل في خلق الرأسمالية التي خلقت الثروة و اقتصاد السوق. و لا يخفى علينا كذلك، أن القيم الثقافية هي التي أسست العقلانية الاقتصادية و الحداثة الديمقراطية، أوكما يقول أنصار الأنثروبولوجية الثقافية: " إن الثقافة هي قياس كل الأشياء".
    ما هذا الهراء ؟؟ ما تتحدث عنه أنتج الاميريالية و استغلال و استعباد الشعوب الضعيفة وسرقة خيراتها و تشويه تاريخها و ثقافتها و حضارتها حتى تصبح بدون هوية . كفا كذبا .
    تستشهد بعالم مستقبليات غربي و تنسى أب علم المستقبليات العظيم البروفيسورالمنجرة لانك ببساطة تعاني من الاستيلاب
    قال المنجرة رحمه الله: "أمة لاتعرف تاريخها ترتبك في حاضرها و تجهل مستقبلها "

  • الطنجاااوي
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 12:20

    لماذا انتفض المغاربة ضد الدعارة والعهر؟

    بكل بساطة، لأن المغاربة ضد استيراد الغائط الفكري.

    المواطن هو من له كلمة الفصل، لأنه هو المغرب ولا مهرب له من أرضه، أما السياسيون فجلهم مجنّسون، و من تسميهم بالمثقفين فهم مرتزقة فرنسا الذين استولو على وسائل الدعاية والبروباغاندا التي يوهموننا بأنها وسائل إعلام….

    حتى أقرب لك المعنى:
    لكل منا مستقبلات حسية تجعله يشمئز من بعض الروائح الكريهة. فلماذا لم تتفهم امتعاض المغاربة مما رأوه من عهر؟ هل تريدهم أن يستنشقوه غصبا؟

    الحسابات السياسية في مواصيع مثل هذه لا حظّ لها.

  • FOUAD
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 13:43

    الفكر ليس حكرا على الذين يؤيدون موازين و "الزين لي فيك" بل الفكر يوجد عند من يعارضونهما مسلمين و مسيحيين و يهود و بوديين!
    الفكر يقود الامم قبل السياسة لكن الفكر يجب ان ينطلق من الواقع و يلامس هموم الشعب! و لقد عجبت عندما قرات لشخص "حداثي" يريد ان يبعد السياسيين عن وزارات الثقافة و الاعلام! و كاني بالمسكين يريد اسناد الامر لفاطمة المرنيسي او نورالدين! و اني اطرح نفس السؤال على هؤلاء! متى تدركون انكم اقلية بين المغاربة?
    اتدرون ان صاحب الفلم ينطق "حرية" "حورية" و هذا يكفيني ! ! !
    Mon salam

  • الدكتورخالد
    الجمعة 5 يونيو 2015 - 19:59

    قل بصريح العبارة "أنا مع ثقافة العري والتفسخ "وبدون فلسفة

  • RAMEN
    السبت 6 يونيو 2015 - 09:39

    كل إناء بما في يرشح … لماذا نضيع هذا الكم الهائل من الطاقة في مواجهة تفكير مطبوع بجودة عالية في أفران الفكر الصهيوني المسرطن ..هذه الافكار كانت وتظل وستبقى تحيطها قوى لا تخفي أجندتها الخبيثة الى ان يرث الله خلقه … الفيلم بئيس بالمقاييس الفنية وغيرها من المقاييس يحمل بوادر موته المعلن مسبقا وهؤلاء الحداثيون ( من الحديث = اللغو ) يراهنون دوما في انجاح بذاءاتهم وضحالة طروحاتهم منذ فودة وابو زيد ورشدي والسعداوي ووو على انفعال بعض الغيورين على أصالة قيمنا .. يستثمرون هذا الانفعال بمزايدات تجعلهم يكسبون ود بعض اللاموجودين أصلا المحايدون النائمون على هامش ما يحاك ضد هذه القيم من دسائس لا تخفى حتى على الرضع …رجائي اتركوا هذه الابواق تنعق في وديان الاهمال وحينما يرجع لها الصدى فارغا من المعنى ستتيقن ان الكل عاق …

  • قارئ
    السبت 6 يونيو 2015 - 09:51

    ن الخطير في التعاطي مع فيلم نبيل عيوش و مهرجان موازين، هو محاولة إنتاج ماكينة التعصب الفكري أو السياسي بالمغرب، و هو ما يترجم في الواقع من خلال خطاب رديئ معادي للمغرب و لرأسماله المادي و اللامادي.
    كلام جمبل : اكن أسأل الأستاد الفاضل :هل تستطيع مشاهدة الفيلم وبجلنبيك ابنك وابنتك وخلفك أمك وأختك ؟

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 1

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال