كيف حل الربيع؟ (تتمة)

كيف حل الربيع؟ (تتمة)
الأربعاء 24 يونيو 2015 - 01:26

يبدو أن سعي الو.م.أ لإحداث نوع من التوازن والاستقرار الدولي هو وحده الكفيل بضمان وجود مميز للإدارة الديمقراطية، إن لم أقل وحده الكفيل بإبقاء الو.م.أ. دولة عظمى في الأفق المنظور1.

لا ريب في أن الأزمة المالية والأزمات السياسية والعسكرية المتتالية، ستدفع الإدارة الديمقراطية إلى التخلي عن الدعم المادي والمعنوي للأنظمة التقليدية الحليفة، حتى ولو قاد هذا المسار إلى صعود أنظمة جديدة تكن العداء لإسرائيل، لأن الأمر يتصل بالقضية الفلسطينية التي طالما كانت سببا رئيسا يستعدي العرب والمسلمين، ويستنزف الرصيد الديمقراطي للولايات المتحدة، ويشكك في جدارتها بقيادة العالم.

أمام هذه المقاربة الجديدة، سيصير من اللازم إزالة الأنظمة التي لا تحسن الضغط على إسرائيل، والتي تنتظر القرار الأمريكي أثناء الطوارئ، الشيء الذي لم يعد ممكنا أمام إدارة ديمقراطية، من أولوياتها الملحة، السعي لتثبيت موطئ قدم في عالم يكبله التحكم!

إن الإدارة الأمريكية الحالية تريد وضع شروط قيام أنظمة عربية جديدة تشاكس إسرائيل2 لتكسب استحقاقين كبيرين: الأول يتصل بتقوية موقعها التفاوضي عبر التحكم في أمن إسرائيل أمام اللوبي الصهيوني داخل الو.م.أ، والثاني يتعلق بمحو العار الذي ظل يلاحقها جراء انحيازها التاريخي للكيان الصهيوني، وما مجاراة الإدارة الديمقراطية الحالية لخطط إسرائيل في فلسطين، خلال هذه المرحلة، إلا تمويه للوبي الصهيوني وصده عن التشويش على تنزيل استراتيجيتها الجديدة.

ويمكن استنتاج ملامح هذه الإستراتيجية من خطاب “أوباما” يوم 2011/05/02، عقب مقتل “أسامة بلادن، حيث استهل كلمته بالإشارة إلى فشل نموذج “بلادن”، وأعقبها مباشرة إشادة بنموذج “البوعزيزي” والثورات السياسية السلمية، ملمحا لكل من يروقه نموذج “بلادن”، أو كان يراهن على توظفيه في إستراتيجية ما لقيادة العالم تحت ضغط هاجس الإرهاب، بأن ثمة إستراتيجية جديدة شرعت في أجرأتها إدارته الديمقراطية.

كان من الضروري التفصيل في إبراز المعطى الخارجي، والمناخ الدولي، المرافق لأيام الربيع الأولى، وقد أغفله الباحثون إما لكسل في التحليل، أو وفاء لقراءة جامدة للوضع الدولي، أو ربما بدافع الابتعاد عن شبهة ارتباط الربيع الديمقراطي بأيادي خارجية. لكن على من يتصدر التنوير أن يلتزم الأمانة العلمية مهما كانت الظروف، وأن يعرض الصورة كاملة، إذا ما بدت الرغبة بوضع تشخيص دقيق واستشراف مستقبل واضح المعالم في الأفقين القريب والمتوسط.

وإذا تأملت معي الصورة التي رسمْتُها عن إدارة “أوباما” تدرك أن العالم العربي-الإسلامي ليس معنيا لوحده برغبة التحرر والانعتاق، بل هي رغبة باتت تغمر فاعلين عظماء داخل النظام العالمي الجديد.

ولذلك فإن الإقرار باتجاه قوى عالمية إلى تكريس مزيد من الديمقراطية يجعل من غير المعقول التنبؤ بتلاشي الربيع. ولا ريب في أن هذا “الربيع العالمي” سيواجه عقبات ومنعطفات، لكن ليس بمقدورها إيقاف زحفه. ألم يعلق أحدهم على قمع ربيع الشعوب الأوروبية قائلا:

“دُس ما شئت من الزهور فإنك لن تستطيع أن توقف الربيع”؟ !

1 – يعزز هذا الاستنتاج ما ورد في الملخص التنفيذي للإستراتيجية الأمنية إذ يضع الاستقرار شرط لتصدر الولايات المتحدة المشهد العالمي، وجاء ذلك حين تحدث عن القوى المنافسة (الصين والهند): “تبقى الولايات المتحدة اللاعب الأكثر قوة…إلا أنه سيتعين عليها الاعتماد بشكل متزايد على الحلفاء والشركاء الرئيسيين لكي تتمكن من الحفاظ على الاستقرار والسلام.” فضلا عن ذكره لمعالم “نظام عالمي يروج للعمل التعاوني” ويعمل على تقديم مصالح أمريكا “من خلال تعزيز حقوق وواجبات جميع الدول.” راجع الملخص التنفيذي، ص:3.

2 _ تفكر النخب الإسرائيلية اليوم في تحالف بديل للولايات المتحدة، وتتطلع إلى تحالف مع مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت والبحرين. ، راجع مقالة “إسرائيل لن تنضم إلى حلف أمريكا لمواجهة داعش”، صحيفة إسرائيل اليوم.

b[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • منا رشدي
    الأربعاء 24 يونيو 2015 - 21:44

    حاليا لا توجد قوة يمكنها منافسة الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا ! سيطرة الأخيرة وحاجة العالم لها ستمتد لعقود قليلة !
    في المجال الإقتصادي ؛ يظهر أن النموذج الأمريكي هو الذي فرض نفسه ! وتتجلى خطوطه العريضة في إنضمام معظم دول العالم لمنظمة التجارة العالمية ! حيث إقتصاد السوق يفرض نفسه ولا تعارضه القوى الصاعدة الهند والصين والبرازيل نموذجا ! بل وتتبناه وتقول علانية أنها وجدت عمقه في تاريخها الممتد لٱلاف السنين ( الهند ) ! إقتصاد السوق سينتهي إلى تفكك الدول الوطنية تحت ضغط فئات عريضة تجد نفسها خارج منافعه ! وبإنهيار الدول الوطنية ستنهار الديمقراطية كنظام للحكم يدبر تناقضات المجتمع ! ليفتح الباب أمام حروب لا حصر لها ! هذا هو النفق المظلم التي تتجه الإنسانية نحوه !
    بعد نجاح إقتصاد السوق وتجريف الديمقراطية وحقوق الإنسان وخلق فيلة جديدة تحمي نظاما ظالما إجتماعيا ؛ وبعد دخول العالم في فوضى لم تشهدها الإنسانية قبل ! ستنمحي دول وتظهر أخرى ! ليعاد بعث الديمقراطية لتدبير العالم الجديد ! عالم جديد لا أظن أن يستفيد منه إلا من سهر على ولادته ! أين محل ( العالم العربإسلامي ) من الإعراب !!!!

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج