حدث ذات زمن بالمريخ ....

حدث ذات زمن بالمريخ ....
الأحد 5 يوليوز 2015 - 23:03

أقول لكم من هذا المنبر المحترم : الكتابة يا أحبتي مسؤولية وليست ضربا من عبث الأطفال ، مسؤولية في تقطيرالحروف والكلمات ومسؤولية في تلقيها والتفاعل معها من طرف القراء والمبحرين ولا أتكلم عن الكتبة أو الكذبة أو أصحاب المدائح والمصالح أو الشتائم المدفوعة الأجور.. هؤلاء لا شأن لي بهم ..ولا يهمني أمرهم من قريب أو بعيد ……

حينما تكتب عن شأن يمس الأخلاق العمومية مثلا أو الحريات الفردية أو زواج هذا الصحفي الأجنبي وذاك الوزير المغربي وتنورتي تينك الفتاتين المغربيتين فأنت بالضرورة تدلي بدلوك في الدلاء دون أن تتساءل وما نفع ذلك وما جدواه ؟ وما شأني أنا به ؟ وما شأن الآخرين به ؟ بل وما شأن الشعب به ؟ ثم من يدري هل تكون اللعبة بكاملها منسوجة لجعل الناس ينزاحون إلى التحليل والتحريم أو التفكيك والتجريم بعيدا عن أسئلة الوضع الراهن بالبلد السياسية أساسا وعن الهموم الملموسة لأوسع فئات الشعب …؟؟؟

طبعا لا أحد يريد الفتنة وهي نائمة لعن الله موقظها لكن لنظل في صلب اللهب ولا نذهل عن المقاصد بتعبير العلامة ابن خلدون ، لم يكن الإسلام ( المغربي الوسطي المعتدل ) في وقت من الأوقات محل نزاع أو شقاق بين المغاربة كيفما كانت توجهاتهم وأفكارهم ( بمن في ذلك الملاحدة واللادينيون ) كما إن نقاط تحديث المجتمع والدولة مطروحة أيضا و دائما على جدول الأعمال ومرة أخرى لن يتم اجتثاث الإسلام لا سمح الله بالبلد لمجرد عري في هذه المدينة أو هذيان هنا أو صراخ هناك أو كلام مدفوع الأجر هنالك… في هذا الموقع أو ذاك ولسبب بسيط ألا وهو التشبت التلقائي لعموم المغاربة بدينهم الوسطي المعتدل وبالعكس فأشباه المفتين وبعض الملتحين لن يوقفوا عجلة التطور الحتمية ولا سيرورة التنمية في جميع أبعادها ومن يريد أن يزيغ بالنقاش عن مواضعه إنما يريد أغراضا سياسية معينة ، بصددها لن يكذب علينا أحد وبحسبانها أغراضا ضيقة مكشوفة فيها لعب بالنار كبير وخطير …

سأضع نقطة هنا وألج إلى صلب موضوعي أحبتي…يهمني كمواطن مغربي وضع البلد أولا وقبل كل شيء تجاه ظواهر الفساد والتحكم والريع ، تلك التي جعلت عجلة التنمية تتأرجح تارة وتتدحرج تارة أخرى وتتيه تارة ثالثة وحينما نحاضر في البديهيات ، فإنه من العبث معالجة الأمور بالمواعظ والنصائح ودروس الأخلاق …. نقول ببساطة : إن قيما معينة نشهد تراجعها المخيف يوما بعد يوم في المجتمع المغربي علما بأن المواطن البسيط لا يتحمل وحده وزر الرشوة أو السطو على أشياء ليست له أو أموال عمومية ليست من حقه أو ظلم يلحقه بالمجتمع أو بالآخرين أو بيع وشراء في أصوات الناخبين أوتملص ضريبي أو غش وتزوير يراهما حقين طبيعيين …علما بأن أكثر هذه الأمور كانت حالات غير طبيعية لا تشكل القاعدة فيما مضى ( نستثني الانتخابات والتعفن السياسي في مغرب الستينيات إلى حدود الألفية الحالية ) ….هذا سؤال الأسئلة …وإلا حددوا لي الفرق من فضلكم بين حداثي ( أو مدع لها ) فاسد انتهازي مفلس وبين أصولي وصولي يتاجر بالدين من أجل متاع الدنيا ؟؟؟ أظن أن الغائب الأكبر من هذه الجهة أو تلك هي قيم معينة تجسد صلب العلاقات والتمثلات والذهنيات في المجتمع المغربي ولدى الطبقة السياسية ( والناس على دين ملوكهم ردوا بالكم مزيان ) وهي في نفس الوقت – أي القيم – نتاج دولة الحق والقانون التي نطمح إليها وتمتح في الوقت نفسه من المعاني السامية للدين الحنيف …صحيح أن الفساد موجود منذ أعرق حقب التاريخ ، لكنه لم يشكل القاعدة حتى في أحلك فترات ذلك التاريخ …وصحيح أن داء العطب قديم كما ذهب إلى ذلك السلطان عبد الحفيظ في مذكراته …لكنني أتحدث دائما عن قيم معينة ميزت بشكل عام شرائح المجتمع المغربي وعموم طبقته السياسية وخاصة تلك التي شكلت ما سمي تاريخيا بالحركة الوطنية إلى درجة أنها أي تلك الفئات حققت نتائج معينة انعكست على شكل استقرار واستمرار للبلد وترسيخ للمؤسسات والإدارة الحديثة رغم العواصف والأنواء والأخطاء والأخطار …ودون أن ننزه تلك القيادات من هناتها ومزالقها التي كادت أن تكون مهلكة احيانا ..

نعود إلى البديهيات للأسف الشديد : هي قيم بات الحديث عنها كالحديث عن عاد وثمود وإرم ذات العباد أو حديث ” نانا غولة وعيشة قنديشة ” أو عمي قنقون كما كانت تروي لنا الجدات قصصه وخرافاته ، بل قد يوصم صاحبها بالبله والغباء وهذا شيء عجيب وغريب بل ومخلخل لكل ما عرفنا الله من ميكانيزمات التحليل في بلد تختنق فيه المساجد بجماهير المؤمنين بينما لا تعرف ظواهر الغش والاحتيال والارتشاء والنصب والسطووخرق القوانين إلا استفحالا واستئسادا واستنمارا ….

نبدأ دون أي لغة خشب بما حدث في المريخ ذات زمن…. الزعيم الوطني المغربي المعروف محمد بلحسن الوزاني ( 1910- 1978 ) ” كان عفيفا مؤثرا على نفسه ولو كانت به خصاصة ، لم يستفد من الاستقلال نفعا ماديا ، كان حريصا على أن تصرف ميزانية الحزب ( يقصد الشورى والاستقلال وهذا ليس دعاية طبعا ) في مصاريفها بدون تبذير ولا تسيب …ولم تكن لحزبنا ( الكلام لعبد الهادي بوطالب ) إلا موارد مالية ضعيفة ، كان الوزاني يراقب بنفسه صرفها حتى لا يُعبث بها ، ولم تكن قيادة الحزب تتقاضى أجورا عن عملها ، كنا جميعا متطوعين . ويذكر للوزاني أنه حين سماه الملك الحسن الثاني في حكومته الأولى ( مارس 1961 ) وزيرا للدولة واستقال من منصبه لأسباب سياسية ، كانت الخزينة العامة وضعت في حسابه الخاص راتبه الشهري كاملا ، فأرجع إليها ما ينوب الأيام التي كان استقال فيها ، حيث كان استقال في وسط الشهر ….” المرجع كتاب نصف قرن في السياسة / ع الهادي بوطالب ص86….

مرة أخرى ، ليس لدينا أي وهم حول طبيعة الممارسة السياسية المليئة بالمؤامرات والمناورات والحربائية والمقالب وأشكال الالتواء والكذب والزيف والخداع ، رغم ذلك فهذه السياسة عموما ظلت عند العديد من الزعماء المغاربة رحمهم الله مرتبطة بالأخلاق ما يعني تقديم المصلحة العامة على الخاصة والتعفف من الخوض في المال العام وتجنب الظلم والبعد عن استغلال النفوذ ما أمكن وذلك من موقع المسؤولية أمام الله والمؤسسات والشعب ….تلخص كل الأمر كلمة واحدة ” المصداقية ” شيء شبيه بهذا حصل مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رحمه الله أيام الزعيم الفذ عبد الرحيم بوعبيد …

قبيل ابتداء الحملة الانتخابية الجماعية ليونيو 1977 زرت ( الكلام للمرحوم المفكر عابد الجابري عضو المكتب السياسي للاتحاد وقتذاك ) عبد الرحيم بوعبيد ذات صباح قلت : هل من جديد ؟ تبسم وقال : فعلا هناك جديد …لقد زارني ادريس البصري وزير الداخلية ومعه حقيبة فيها 120 مليون س قال إنها لمساعدة الاتحاد في تمويل حملته الانتخابية ” ثم شرح لي كيف رد له هذه الحقيبة مؤكدا أن الاتحاد لا يقبل أية مساعدة من هذا القبيل ، وأنه إذا كانت هناك فعلا نية لمساعدة الاتحاد في تمويل حملته الانتخابية فيجب أن يكون ذلك بشفافية وبناء على مرسوم يقرر مساعدة الدولة للأحزاب في تمويل حملتها الانتخابية ، إن الاتحاد ( المأسوف عليه طبعا وليس المسخ الحالي ) لا يمكن أن يقبل هذه المساعدة المهربة مع أنه يعلم أن ” أحزاب الحكومة ” تمولها الدولة ….وهكذا عاد السيد وزير الداخلية وحقيبته في يده لم تفتح ” المرجع كتاب ” مواقف / إضاءات وشهادات / المؤتمر الاستثنائي الجزء الثاني …محمد عابد الجابري ص39 …

حدث شيء شبيه بهذا أو يقترب منه لما أعاد حزب المصباح المغربي فائض ذلك الدعم الحكومي إلى خزينة الدولة خلال أحد استحقاقات العهد الجديد …ولنا موعد متجدد مع كوكب المريخ وزمنه الغرائبي ….

‫تعليقات الزوار

3
  • منا رشدي
    الإثنين 6 يوليوز 2015 - 00:58

    حلقة أخرى من مسلسل ( رمضان على صفيح ساخن ) إبتدأ بداية الألفية ضد جماعة العدل والإحسان ؛ وها نحن نستكمل أطواره مع ( واقعة إنزكان ) !!! يقيمون للناس الموازين القسط في الدنيا وكأنهم ٱلهة لا يحاسبون !!! أشمت في شركاءك في الوطن فأنت حر ؛ طبيعي ؛ ففي أي مقرر يربى المغاربة على الحرية كي يحسنوا إستعمالها !!!
    على أي ؛ لكل بتحالفاته الخارج وطنية فرحون ! فهذا مدير " راديو ميد " يعقب على تصريح " منصور " قناة الجزيرة قائلا " أن يتزوج مغربية عرفيا فهذا من حقه " ! ألم أعلق مرارا وتكرارا أن راديو الرمضاني خليجي 100 % ! ومنذ نشأته !!! فهل صحيح تشرع قوانيننا لهكذا زواج حتى تعكس نظرة مدير محطة إعلامية رغبة خليجيين ! أليست هذه قوادة رسمية إن تفتح الهاكا عينها على مثل هكذا إنزلاقات ! أم إقرابنا من الخليج يمر بالضرورة عبر تبني بداتهم ! وهل توجد ديمقراطية مع البداوة وأي بداوة ! بداوة الدين والمال !!!!

  • محمد أيوب
    الإثنين 6 يوليوز 2015 - 04:28

    ما لم تقله:
    يتعلق الأمر بحقيبة الاتحاد الاشتراكي/أو اتحاد الشركات..هذه الحقيبة وصلت الى يد"المناضل"الكبير محمد اليازغي..هذا ما جاء في سلسلة مواقف للمرحوم الجابري..ولا أدري لماذا حذفت تتمة القضية هاته.الاتحاد لم يعد كما كان..لقد "تمخزن"حتى النخاع وأصبحت وجوهه البارزة من أكبر اقطاعيي وبورجوازيي المغرب.وأشير هنا الى بعضهم:عبد الواحد الراضي الذي يعتبر من أكبر اقطاعيي منطقة الغرب والذي كان يوما ما كاتبا/زعيما لحزب الوردة..خالد عليوة ومحمد الأشعري وفتح الله ولعلو والحبيب المالكي وغيرهم من"الرفاق"الذين كان يقام لهم ويقعد سواء في الجامعة أو في"البار لمان".انه المال ياصاحبي يفعل فعله العجيب في البشر/"المناضلين".و"مناضلو"حزب الوردة لا يختلفون عن باقي "الرفاق"في قبيلة اليسار الذين ظهرت انتهازيتهم ووصوليتهم وانبطاحيتهم أمام رنين درهو ودينار المخزن وبريق الامناصب والكراسي والامتيازات.وجميعهم لا يختلفون في شيء عن باقي الوجوه البارزة في مختلف الأحزاب/الدكاكين السياسية و"النقابات".جلهم يبحث عن نصيبه من كعكة السلطة/المخزن.وجلهم يسارع الى الخضوع لاملاءات المخزن وتنفيذ ما يطلبه..ولتذهب المبادئ للجحيم.

  • كاتب عمومي
    الإثنين 6 يوليوز 2015 - 14:07

    إلى المعلق السي محمد أيوب رقم 2 أردت التصحيح فأخطأت الفصيح ووقفت عند ويل للمصلين لما ساق الكاتب واقعة 120 مليون س فالمقصود منها أن اليسار وخاصة الاتحاد الاشتراكي كان طاهر اليد من الرشاوى ونهب المال العام دون وجه حق وإليك تتمة الحكاية على لسان الجابري ص40 من نفس الكتيب "مرت أيام وزرت المرحوم بوعبيد فعلمت منه أن وزيرالداخلية زار هو وحقيبته الأخ اليازغي وأنه تمكن من تركها عند هذا الأخير….ثم أضاف أي المرحوم بوعبيد " على كل حال سنحتفظ بالحقيبة كما هي إلى أن تمر الانتخابات لنرى كيف نردها إلى أهلها ، وقد كلفت الحبابي بها .بقيت الحقيبة عند الحبابي الذي أودع المبلغ في البنك ، وعندما صدر مرسوم بمساعدة الدولة في تميول حملة الاحزاب الانتخابية ، كما طالب بذلك المرحوم بوعبيد ، اعتبر المكتب السياسي أن ذلك المبلغ قد أصبح في إطار القانون ولذلك استعمله في شراء مقر الاتحاد الحالي بأكدال / الرباط ويعلق الجابري " تلك هي قصة قرار الدولة مساعدة الأحزاب ماليا في حملاتها الانتخابية وواضح ان الحقيبة في البداية لم يقصد بها ذلك القرار وإنما " تدجين " الاتحاد مقابل شيء من نزاهة الانتخابات " انتهى كلام الجابري

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج