لا بديل عن الحـوار

لا بديل عن الحـوار
الخميس 9 يوليوز 2015 - 21:04

1.

من المعلوم بالضرورة أن “الآخر” هو شطرنا وقسيمنا، ومن ثم فهو قدرنا، ؛ لأن “الأنا” تنبني أصلا بتشابك علاقتها مع العالم، والوعي بالذات يمر ـ حتما ـ بالتعامل مع الآخر والاعتراف به، والشعور بالهوية ومركزيتها لا تبرز إلا في لحظة مواجهة الغير، وهذا ما يجعل من الاختلاف “حكم ضروري” قضى به الله تعالى منذ الأزل. وعلى هذا الأساس فليس أمام الإنسان سوى الحوار، والحوار وحده، إذا أراد أن يعيش في سلام. لكن بشرط الوعي بأن أهدافه لن تكون بالضرورة اجتثاث جذور الاختلاف والقضاء على مكامنه، لأن هذا الأخير يكون ـ في الكثير من الأحيان ـ رحمة ومخرجا من الضيق، بل إن الأصل هو تعدد الآراء، وهو دليل عافية. وبهذا المعنى يصبح الحوار مرتبطا بالرغبة في تنظيم الاختلاف وليس القضاء عليه.

والسؤال هنا: كيف يتمّ تبرير طمس الحق في الاختلاف وتسويغه؟

للإجابة على هذا التساؤل أستشهد من الذاكرة بمُداخلة قديمة لمحمد ضريف الذي حدّد الأمر في عنصرين:

دينيا، يتم ذلك من خلال الدعوة إلى الحفاظ على وحدة الأمة العقدية والمذهبية، وعلى أولوية الإبقاء على بيضة الإسلام وشوكته؛ ومن ثم ينظر إلى أي رأي أو اجتهاد مخالف لمنطق السلطة السائدة بأنه يفتل في حبل إضعاف الأمة، وينظر إلى صاحبه بكونه “خارج عن الجماعة”.

وسياسيا، وهنا تمتح السلطة من نفس المنطق السابق؛ فالتركيز يكون هنا على الدعوة إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، خاصة إذا كان هناك خصم بالجوار، أو تهديدات متوقعة، ويكون ذلك عبر التأكيد على ثوابت الدولة، والتشديد على مقدساتها، وهنا ينظر إلى كل رأي مخالف باعتباره خارج عن “الإجماع الوطني”.

2.

إذن فليس من العجيب ـ كما يقول طه عبد الرحمن ـ أن ينزل الحوار منزلة الحقيقة؛ “فكما أن الأصل في الكلام من جهة مضمونه هو الحقيقة، فكذلك الأصل فيه من جهة قائله هو الحوار. وكما أنه على المتكلم الشاهد خصوصا أن يقول الحقيقة وحدها، فكذلك على المتكلم العادي عموما أن يمارس الحوار وحده” (حوارات من أجل المستقبل، ص 4).

وبيان هذه “الحقيقة الحوارية” ـ في تصور طه ـ تنهض على الوجوه الثلاثة الآتية:

ـ إن طريق الوصول إلى الحق متعدد؛ فإذا تم الاتفاق على هذه المقدمة، وجب بالضرورة الاقتناع بالحاجة إلى قيام حوار بين السالكين إليه؛ فلا يوجد حوار إلا حيث يوجد الخلاف والاختلاف، ولا حوار إلا بالاعتراف بالاختلاف.

ـ إن استمرار التواصل والحوار بين الأطراف والمكونات المختلفة يفضي حتما مع مرور الزمن إلى تقلص شقة الخلاف بينهم، ولم لا إلى ردمها وانتفائها، وهكذا “فإذا انزل الخلاف منزلة الداء الذي يفرق، فإن الحوار ينزل منزلة الدواء الذي يشفي” كما يعبر صاحب “حوارات من أجل المستقبل”.

ـ إن الحوار يسهم بشكل كبير في توسيع مدارك العقل وتعميقها بما لا يقدر النظر والتفكير الذي لا حوار معه، “فمعلوم أن العقل يتقلب بتقلب النظر في الأشياء، وأنه على قدر تقلبه يكون توسعه وتعمقه (…) والعقل الذي يبلغ النهاية في التقلب، فذلكم هو العقل الحي الكامل”.(حوارات من أجل المستقبل، ص 5 )

وبهذا الفهم، فإن الذي يغلق باب الحوار ويسدّ عليه منافذه ـ سواء كان فردا أو جماعة ـ فإنما يقتل في نفسه وفي تنظيمه ما يسميه طه بـ”روح العقلانية النافعة”، ويميت في غيره “روح الجماعة الصالحة”.

ولعلنا ونحن نطمح لتغيير ما بالأمة من وهن وتخلف وتبعية لا نحتاج إلى شيء احتياجنا إلى هاتين الروحين المتكاملتين اللتين تورّثهما الممارسة الحوارية الواعية.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • منا رشدي
    الخميس 9 يوليوز 2015 - 21:45

    ذهب ثلاثة أشخاص إلى " جحا " ليسألوه عن الإرادة ! فأجابهم " عودوا بعد ساعة " ؛ لما عادوا قال لهم " عودوا بعد ساعة لئريكم ما ترغبون رؤيته " ! لما إنقضت الساعة الثانية رجعوا عند " جحا " فقال لهم " عودوا غدا لئريكم ما ترغبون رؤيته لكن لا تخبروا أحدا "
    في اليوم الموالي قدم الثلاثة عند " جحا " فأجلسهم أمامه مستخرجا قارورة قاعها عريض ورأسها ضيق ! فنصحهم بالنظر إلى قاعها محذرا إياهم قائلا " من لم يرى شيئ فهو مشلول الإرادة " ! ثبت الثلاثة نظرهم قاع القارورة وبعد مدة نهضوا تباعا ! فسألهم " جحا " " هل رأيتم ما ترغبون رؤيته " فهمهموا بكلام لم يفهمه إلا " جحا " فلا أحد من الثلاثة يريد أن يظهر على أنه مشلول الإرادة !
    بعد سنين وبعد أن شاخ من شاخ !!! إتفقوا أن يعاودوا زيارة " جحا " لكن أن يستقبلهم كل واحد على إنفراد وفي قرارة كل واحد منهم أن يريه " جحا " الإرادة بما أنه لم يرى شيئا للن من دون علم الإثنين ! فلا أحد يريد أن يقال عنه مشلول الإرادة ! لما إقتربوا من باب " جحا " وقفهم حارسه مستفسرا عن قدومهم فأخبروه أنهم يريدون رؤية " جحا " ! فتعجب لأمرهم قائلا " جحا مات فهل لكم حاجة عند إبن جحا " !

  • Observateur
    الخميس 9 يوليوز 2015 - 22:32

    مقال يتضمن بعض الاشياء الجميلة لكن هل من الممكن الحوار مع من يظن انه يمتلك الحقيقة المطلقة الآتية من عالم الغيب حسب فهمه. و التى يستمدها من خلال توجيهات الذين يفكرون مكانه. للحوار اصول وقواعد كى لا نكون مثل الذى قال فى حوار مع المسيحيين لنحكم القرآن بيننا بما انه كلام الله فأجابه المسيحييون و لماذا لا نحكم الكتاب المقدس لدينا لانه عدنا هو كلام الله.

  • محند
    الجمعة 10 يوليوز 2015 - 08:52

    لا بديل عن الحوار ولكن للحوار السليم قواعده العلمية والعملية ولكي يستفيد القارء اكثر انقل لكم هذه القواعد: الاتفاق حول معاني المصطلحات المستخدمة في الحوار وتوضيح المفاهيم المبهمة حتى لا يكون الحوار حوار طرشان ـ قبل الحوار يجب إلالمام اولا بالموضوع واستيعاب رأي الاخر وحججه والحوار يجب أن يدور حول الأفكار والوقائع وليس حول الأشخاص ـالغاية من الحوار ليست التغلب على المحاور بل إصابة الحقيقة او الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح صحيح لمسألة ما ـ الالتزام بموضوع الحوار وعدم الحيد عن محور النقاش ـ الابتعاد عن الانفعال وعدم التهجم أو التعالي على المحاور مهما كان مخالفاً والالتزام بثقافة الاختلاف وحرمة الخصوصية ـالإصغاء للطرف الآخر وعدم مقاطعته ـاعتماد العقل والإقناع بالأدلة العلمية والحجج المنطقية ـ يجب التفريق بين الحجة والرأي في سياق الحوار وكذلك ذكر المراجع ومصادر الاقتباسات ـ الالتزام بالموضوعية والصدق والدقة في التعبير والابتعاد عن التعميم والاحكام المسبقة والاهانة والتشويه والتضليل ـ إستيضاح المبهم من كلام الاخر وعدم التسرع في الاجابة عن كل سؤال يطرح قبل معرفة الغاية و المقصد من السؤال.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين