وريث وحيد ورداءة كثيرة

وريث وحيد ورداءة كثيرة
الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 00:15

على امتداد شهر كامل، وقناة تامازيغت تقصفنا من خلال وريثها الوحيد، قصفا شديدا، عنيفا، بكل أنواع الكوارث الفنية، من المثيرة للإشمئزاز والاستهجان والسخرية، إلى المثيرة للحموضة، والقرف والاستغراب.

هذا الوريث الذي جمع كل ميزات ودرجات الرداءة على جميع المستويات، بشكل شامل كامل، وهو ما يدفعنا دفعا إلى التساؤل عن المقاييس والمعايير التي اعتمدتها القناة، لاختيار الوريث الوحيد ليدخل بيوت المغاربة، بكل رداءته الصريحة والصاخبة.

لقد استفز هذا العمل الكثير من المهتمين والمتتبعين والمشاهدين، عبر بعضهم عن ذلك من خلال مقالات وردود، أثاروا فيها بعضا من المسائل التي كنت أود التطرق إليها أيضا، وخصوصا مقالتي الأستاذين بومدين عبد الصادقي وسعيد أوراغ.

إن النقاش الوحيد الذي يمكن أن يثار حول هذا الشيء الغريب المسمى “الوريث الوحيد”، سيكون موضوعه هو الرداءة الكثيرة والمتنوعة التي ميزت وبصمت فصوله وحلقاته، بالنظر إلى غياب وانعدام ما يمكن أن يناقش وينتقد فنيا، إبداعيا، أو فكريا. لذلك نعتذر مسبقا للقراء الكرام، عن كون هذا المقال سينحو هذا المنحى من خلال تناوله لرداءة الوريث الوحيد، وسنحاول أن نرتب ونصنف درجاتها ومستوياتها وأنواعها.

العنوان:

إن العنوان في أي عمل إبداعي أو فني، سواء قصيدة أو رواية أو مسرحية أو مسلسلا تلفزيونيا، أو فيلما سينمائيا…، له أهمية قصوى، لأنه من جانب يكون معبرا عن مضمون العمل الفني، فيشكل مدخلا إليه، ومقدمة لأحداثه.

ومن جانب آخر، فالعنوان، من خلال جماليته وحسن صياغته قد يكون حافزا للمتلقي لمتابعة هذا العمل الفني، كما قد يكون سببا لإهماله ودافعا لعدم الاهتمام به إذا كان رديئا.

إن أول ما يمكن ملاحظته، هو أن الوريث الوحيد ناطق بالريفية، غير أن العنوان تمت صياغته باللغة العربية، وهذا ما يثير الاستغراب والاستهجان، وكأن الريفية بكل مخزونها التاريخي والتراثي والشعري عاجزة على أن تمنحنا عنوانا لعمل، يفترض أنه فني.

إنها من السوابق الغريبة والمستهجنة، بل والمدانة، فلم يسبق لي شخصيا أن قرأت قصيدة لغارسيا لوركا، عنوانها باللغة الإنجليزية، ولا شعرا لسعيد الموساوي معنونا باللغة العريبة، ولا تتبعت فصول رواية من الروايات، يكون عنوانها بلغة أخرى غير اللغة التي كتبت بها، وكذلك الشأن، سواء كان العمل الفني مسرحية أو مسلسلا أو فيلما سينمائيا.

إنها بدعة سيئة جدا، تلك التي أقدم عليها منتجو الوريث، وكل بدعة ظلالة، وكل ظلالة فنية يعاقبها المشاهد عقابا شديدا.

تصنيف الوريث الوحيد

لعل أول تحدي نجابهه عند متابعتنا لوريث القناة الأمازيغية، هو محاولة تصنيفه فنيا.: هل هو سيتكوم؟ أم مسلسل؟ هل هو دراما أم كوميديا؟، هل هو شيء آخر.

هل هو سابقة فنية وفتح تلفزيوني مبين، لم نعرف له مثيلا؟

لقد تداخل كل شيء في كل شيء، بشكل فوضوي فظيع، فتمخضت القناة الأمازيغية، فولدت مخلوقا غريبا، مشوها، غير مكتمل الصفات والملامح، ويعاني من عاهات فنية مستديمة وخطيرة. هذا المخلوق، لا نستطيع تصنيفه ولا معرفة نوعه ولا هويته.

موضوع الوريث الوحيد

من خلال تتبع حلقات هذا المخلوق العجيب المسمى “الوريث الوحيد” وخصوصا الحلقات السبع الأولى، سنفاجأ بانعدام أية علاقة بينها وبين العنوان. فهذه الحلقات المملة بشكل مستفز، لا يتجاوز موضوعها، الدجاج، وتجارة الدجاج، ومرض الدجاج، وموت الدجاج، من خلال مشاهد متكررة تافهة، لا ترقى بتاتا إلى مستوى عمل فني جاد وهادف.

ومنذ الحلقة السابعة، سنلامس بعض ملامح هذا الوريث الوحيد، ليبدو الموضوع سخيفا من أساسه، لا يتناول أية قضايا أو إشكالات مجتمعية حقيقية لها ارتباط بالريف وبالإنسان الر يفي.

فهذا الموضوع متجاوز منذ زمان، وتافه بالنظر للطريقة التي تم بها طرحه، وبالنظر أيضا لوجود كم هائل من المواضيع والمشاكل والقضايا والظواهر الاجتماعية الحقيقية والتي يمكن أن تكون مادة خصبة لعمل فني جاد.

أن تتحدث عن الريف، ومشاكله الحقيقية، مسألة غير متاحة لمن هب ودب، فلن يعبر عنها ببلاغة إلا من عاش في عمقه، وتنقل بين مداشره، وعاشر أهاليه وقاسمهم آلامهم وآمالهم.

الديكور والبيئة

من الأدبيات الأساسية التي تعلمناها في سنوات دراستنا الأولى، أن الأدب أو الفن أو الإبداع ابن بيئته. وهذه القاعدة مقياس أساسي للفصل بين الرداءة والجودة.

إن أول خطوة نحو الرداءة، وبالتالي نحو الفشل، هي أن تخرج من عباءتك لتلبس عباءة الآخرين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل فني، يفترض أن يكون مرتبطا ببيئته ومعبرا عنها، وعن قضاياها وثقافتها وهويتها.

إن النجاح يبتدئ بالمحلية، وهناك دلائل ونماذج عالمية تكرس هذا الأمر، فحينما يعبر الإنسان عن ذاتيته وخصوصيته وتميزه وهويته، فتلك هي الخطوة الأولى نحو الوطنية ثم نحو العالمية.

الوريث الوحيد، خرج عن هذه القاعدة بشكل واضح من خلال ديكورات لا علاقة لها بالريف ولا بالريفيين، بفيلات فخمة وسيارات فارهة، وحلبات لركوب الخيل وبساتين دائمة الاخضرار وطريقة عيش باذخة، وسلوكات غريبة.

هذه الديكورات، تجعلنا نستحضر مشاهد اعتدنا عليها ومللناها، من خلال المسلسلات المكسيكية والتركية الرخيصة التي أتخمتنا بها القنوات المغربية منذ زمن بعيد، حتى أننا للوهلة الأولى، نعتقد أن الأمر يتعلق بإنتاج مكسيكي أو تركي مدبلج بالريفية، لولا أننا نلمح بعض الوجوه التي تعرفنا عليها في أعمال سابقة، والتي استطاعت كسب رصيد فني من خلالها، لكنها فقدته وأضاعته بمشاركتها سخافات الوريث الوحيد.

من جانب آخر، تطرح تساؤلات حول البيئة التي تم فيها تصوير هذا العمل، والتي يفترض أنها الدار البيضاء، غير أنه في أحيان كثيرة، يستخدم الممثلون الريفية للتواصل مع الناس العاديين في شوراع الدار البيضاء، وهذه زلة من الزلات الكثيرة التي ميزت هذا الانتاج.

الأداء والمضمون الفني

إن أي عمل فني أو إبداعي، يجب أن يحبك بمهارة واحترافية، بحيث يجمع بين الممثلين من جهة، وبين الأحداث والمشاهد من جهة أخرى، خيط رفيع من الترابط والانسجام، ليكون المنتوج جيدا، مثل السمفونية التي يعزفها عدد كبير من الموسيقيين والعازفين، وباستعمال آلات موسيقية متنوعة، غير أن النتيجة هي لحن واحد، عذب، مترابط ومنسجم.

إن هذا الانسجام والترابط غائب تماما في هذا المنتوج، فالممثلون فقدوا البوصلة، وكل يؤدي على هواه، فجاء اللحن شاذا، مملا، متكررا، وهذا ينم عن غياب مايسترو حقيقي، يوزع الأدوار والأحداث والمشاهد بكفاءة وإحساس وجودة.

فعلى مستوى أداء الممثلين، لا يحتاج المرء أن يكون ناقدا سينمائيا أو إعلاميا متمرسا، حتى يقف على مجموعة من الزلات البدائية التي ميزت هذا العمل، فالمشاهد العادي تنبه لكم وفير من أوجه الرداءة على الكثير من المستويات، سنحاول الوقوف عند أهمها:

الكثير من الممثلات لا يجدن الحديث بالريفية، وهذا يطرح تساؤلا عريضا عن سبب اشراكهن في هذا المنتوج، وهناك ممثلات أخريات يعانين من اختلالات على مستوى طريقة نطق الريفية، لا ندري أهي عاهة على مستوى مخارج الحروف، أم هي نتيجة لما يسميه المغاربة بالتحلوين، والذي كان مملا بشكل مقزز.

الكثير من الوجوه لا تملك كفاءات وقدرات، تشفع لها بالمشاركة في أعمال فنية، فأداؤها كان مسترسلا، مباشرا، باهتا، آليا، لا ينم عن أي مخزون فني، فهي لا تصلح للتمثيل بشكل مطلق، وقد يحققن نجاحا في ميادين أخرى كعرض الأزياء أو تقديم الوصلات الإشهارية، لأن أداء دور تلفزيوني أو سينمائي هو أكبر من مجرد استعراض للمفاتن والألبسة.

لقد تنبه المشاهدون لدور فريد من نوعه، وهو دور “حريمة” زوجة “مورود”، باعتباره مدبلج إلى الريفية بركاكة تقنية واضحة، لا تخفى على أحد، وكأن الممثلات الريفيات قد انقرضن، ليتم اللجوء إلى الدبلجة.

دور تافه لشميشة، فأداؤها كان مقرفا إلى حد بعيد بسبب المبالغة والإكثار من حركات الجسم والوجه والعينين، بشكل ممل جدا، إضافة إلى اللازمة التي كانت حاضرة في كل الحلقات، والتي أصبحت ثقيلة على المشاهدين، كما أنه يندر أن نجد خادمة بكل تلك الأناقة على مستوى الألبسة الباهضة الثمن، وكذا الماكياج المستعمل، وكأن منتجي الوريث الوحيد، يسوقون لصورة مثالية وجميلة عن الخادمات اللاتي يعانين من أوضاع مزرية وشديدة الصعوبة.

مشاهد حشو، زائدة، متكررة، طويلة، فبعض المشاهد امتدت لأزيد من ثمانية دقائق، بشكل لم يسبق له مثيل في الأعمال التلفزيونية، إذا ما استثنينا بطبيعة الحال، المسلسلات المكسيكية والتركية التي قد تمتد لسنوات، وقد يستمر فيها حدث ما لأزيد من عشرين حلقة.

يبدو أن الوريث الوحيد متأثر بهذه المسلسلات التي ملها المغاربة حتى الثمالة.

السيناريو والحوار في كثير من الأحيان يتم تمديده رغما عن أنفه، لذلك جاء اجترارا لنفس الكلام، مملا ومقرفا، اضطر معه الكثير من الممثلين إلى البهرجة والتهريج.

لقد حاولت بكل جهدي، أن أجد في هذا المنتوج نقطة ضوء واحدة، قد تغفر زلاته وذنوبه الفنية الكثيرة، غير أنني، وكما هو حال جل المشاهدين، قد اصطدمت في كل حلقة بما هو أشد رداءة وركاكة، من سابقتها.

لقد جاء الوريث الوحيد كاملا من حيث الرداءة التي شابت كل المستويات، فكان بحق كارثة فنية، بكل المقاييس، سقطت على رؤوس المغاربة.

إن قناة “تامازيغت” مطالبة بأن ترسخ الجودة، من خلال تشجيعها للأعمال الجادة، التي تطرح قضايا مجتمعية حقيقية، وتعبر عن ثقافتنا وهويتنا وقيمنا وتقاليدنا.لا أن تسد الرمق بأعمال تجارية رخيصة، تحمل قدرا كبيرا من الرداءة والركاكة والبسالة.

لقد استبلد الوريث الوحيد، المشاهد الريفي بشكل كبير، ولن يغفر لقناة تامازيغت هذه الخطيئة الكبرى إلا عمل جاد، يكون ابن بيئته، ومعبرا عنها وعن همومها وقضاياها.

وفي الأخير، أوجه رجاء لبعض الممثلين الذين كونوا رصيدا فنيا، من خلال أعمال سابقة، أن يكونوا في مستوى التقدير والاحترام الذي يكنه لهم الجمهور، فيحرصوا على اختيار أعمال جادة، وأدوار لائقة، ذات رسالة، عوض أن يشاركوا في مهازل ومجازر فنية تسيء للفن، قبل أن تسيء لهم.

‫تعليقات الزوار

7
  • ابراهيم
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 02:32

    ما الهدف من هذا النقد أليس الجدر ان تشكر كل من ساهم فى هذا العمل و وتشجيعهم .بدل من هذا المقال الذي لا يغني ولا يسمن من فائدة ..الديك بديل.

  • امازيغي سوسي
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 03:04

    اذا كنت عربيا فليس لك الحق ان تدخل في شؤون الامازيغ. اما اذا كنت امازيغيا فعوض ان تنتقد هدا العمل الفني فقط من اجل الانتقاد كان ينبغي لك ان تنتج لنا عملا فنيا أحسن من هذا .. انا اعجبني المسلسل بل هو افضل من تلك الحموضة التي تبث في القنوات العربية. من يريد إغناء الثقافة الامازيغية فالباب مفتوح.

  • مراد مجلد
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 05:00

    أتفق معك في كل ملاحظاتك، وقد عاينت ذلك عن قرب.
    انتظر رمضان المقبل سترى الجزء الثاني لمممونت، واكتب مقالا (إن لم يملى عليك) و اشكر العمل على جميع الأصعدة ولا تنتقد شيءا ، وأرسل تنبيهاتك لمختلف المسؤولين كما فعلت مع الجزء الأول.
    الانتقاد ليس عيبا، العيب ان تنتقد العالم وفي نفس الوقت تعادي من انتقدك

  • زيزاوي
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 12:43

    série mimount est la limiers de la production Amazigh
    grâce a un grand réalisateur jilali farhati est du très bon acteur le parmi eu Mourad m'jalad

  • اغبالو
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 13:20

    قبل التعقيب و الادلاء برأيي في هذا المسلسل، لابد ان اذكر بأن هذا المسلسل هو ثاني مسلسل في ناطق بالريفية.مسلسلات الريف ما زالت رضيعة و تحتاج لكثير من الخبرة و الوقت للوصول الى جودة احسن. يجب علينا ان نكون واقعيون في النقد و ما ننتضره من الجودة.انا وقفت المشاهدة بعد الحلقة الخامسة.
    ربما مسلسل ميمونت في السنة الماضية الذي كان من ناحية التصوير، السيناريو و التمثيل فوق الانتظار و فاجئ الصديق و العدو، جعلنا ننتظر نفس الشيئ من الوريث. معا الاسف لم نرث هذه السنة الا قصة ضعيفة، لا بداية لها و لا نهاية، تمثيل ضعيف و مبالغ فيه،د جدا. تكرار للكلمات و اللقطات، كلمات جد بسيطة و ضعيفة (لغة الكوزينة كما يطلق عليها و هذا شيء ينطبق على المسلسل بما ان نصفه كان في كوزينة).
    شاهدت فيلم بوليتيكا هذا السبوع و هو شيء معاكس، رغم ان بطله نفس بطل الوريث. قصة متطابقة، حوارات قوية، لغة مثقفة و صريحة، يعالج قضايا عديدة يعيشها المجتمع الريفي. اعطيكم مثل صغير منه لأعبر عن عبقرية المنتج، البطل يقرأ جريدة نشاهد فيها ابو طالب لمدة ثانية. هذه اشارة لان ابو طالب سياسي معاكس تماما للسياسي البطل.كل ثانية فكر فيها المنتج.

  • arsad
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 16:07

    قناة خصصت لها مزانية سنوية تقدر 100مليون سنتيم في السنة ماذا ستقدم للجمهور غير البرامج المستنسخة والمتيرة الاشمزاز اتعلم ان ورق تزين الجدار لا يقل ثمنه عن 8ملاين سنتم واداما كانت فيه عيوب يرمى في القمامة وياتى بغيره ليتضاعف ثمنه مرتين ثم ان الردائة لا تقتصر على الامازغية وحدها فكل قنواة التلفزة المغربية عبارة عن نغمة وتاي او المدبلجة

  • Jamila
    الأربعاء 22 يوليوز 2015 - 00:55

    Le mode de vie dans la série est totalement à l'opposé de la vie réelle des Imazighen, donnez-moi série de Mimount !

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة