جامعة الأمم السويسرية

جامعة الأمم السويسرية
الأحد 26 يوليوز 2015 - 16:58

بيرن، مدينة سويسرية. يعتقد الناس خطأ أنها عاصمة للدولة، حرارة يوليوز هذه السنة لاتطاق،الشوارع خالية إلا من حركة الحافلات والقطارات التي تستعمل الطاقة النقية.

تجاوز المحرار الأربعين درجة، لم نسمع مع ذلك أحد يشتكي من الحرارة، لذا لم نجرأ على طرح سؤال الطقس وتوابعه، الحرارة مصحوبة برياح جافة آتية من إفريقيا ومن الشرق الأوسط تغزو وسط وغرب أوروبا، قلت لرفيقي، جاء العرب إلى هنا فيما قبل حاملين معهم حكمة الهند وفلسفة ورياضيات فارس وإعجاز اللغة العربية، عرب اليوم يصدرون صور الذبح والحرارة القاتلة.

سويسرا، بلد ليس كباقي البلدان، متفرد، استثنائي، محايد، بالرغم من ذلك فهو – حسب رئيس مؤتمر حضره العديد من ممثلي دول العالم – النظام المتسم بعدم الاستقرار.

يستدل رئيس المؤتمر على ذلك بعدد الاستفتاءات والمراجعات الدستورية والتي بلغت عشرين مراجعة خلال خمسة عشرة سنة الماضية، انها سويسرا لا عاصمة لها على مستوى الشكل على الأقل، فبيرن، ليست عاصمة بل مدينة فيدرالية، وليس للبلد رئيس دولة، بل سبعة وزراء ينتمون لخمسة أحزاب مختلفة يمارسون بشكل جماعي هذه المهمة.

سويسرا لا لغة موحدة لها ولا ثقافة مشتركة ولا دين موحد، يتكلم سكانها أربع لغات، ثلاثة منها دسترت كلغة رسمية والرابعة ينطق بها أقل من واحد في المئة، اذ يجبر القانون دوائر الدولة استعمالها عندما يتعلق الأمر بمخاطبة الناطقين بها.

يستعمل رئيس الجلسة كل التقنيات المتعارف عليها في علم التواصل ليقنعنا بجدية النظام السياسي والدستوري لبلده مع تأكيده أن لا مجال لمقارنته مع باقي الدول الأخرى وبالتالي فهو غير قابل للنقل إطلاقا.

ناولنا المنظمون عند دخولنا إلى مقر البرلمان الفيدرالي أوراق العمل المصففة داخل حقيبة عادية، كانت تحتوي على أوراق وأقلام وساعة يدوية.

فسر لنا المنظمون أن الأوراق والأقلام للكتابة، وأن الساعات تم ضبطها حسب التوقيت السويسري منبها الجميع على أنه هنا لا يعتد في مجال البرمجة بالساعات اليدوية التي نضعها في معاصمنا.

في هذا البلد لكل شيء قصة ورواية تحكى. الانتخابات قصة، الديمقراطية المباشرة رواية أخرى، صناعة الساعات ملحمة تروى في كل الأمكنة، بين محل لبيع الساعات والمحل الآخر محل ثالث لبيع الساعات.

سألت أحد المرافقين السويسريين عن سر التواجد الكثيف لهذه المحلات وهل هناك انتعاش تجاري في هذا القطاع، نظر إلي مليا وقال دون عناء تفكير، الغريب أن من يشتري الساعات الغالية الثمن هم أقل الناس احتراما للوقت، إنهم العرب والأفارقة ومن سار في ركبهم من الشعوب المتخلفة يضاف إليهم أخيرا أغنياء الصين الجدد.

يلجأ السويسريون بشكل مفرط للاستفتاءات الشعبية، يستفتى الشعب إن على المستوى الإقليمي أو الوطني عند اتخاذ كل القرارات. ومن خصوصيات التشريع أن البرلمان بمجلسيه عندما يصوت على مشروع قانون ويصبح هذا الأخير نافذا يمكن إبطاله بواسطة عريضة يقدمها خمسون ألف مواطن سويسري.
علامة سويسرا المميزة، هي الدقة. لا مكان في لغاتهم الأربع، لكلمات تعودنا على استعمالها (حوالي، يمكن، بعد قليل)، الحافلات تصل وتقلع في الوقت المسجل في اللوحات الإلكترونية. ساعات إقلاع ووصول الطائرات مثبتة في كل جنبات المطار، كلما أعلن مكبر الصوت عن الإقلاع المتأخر لطائرة ما وإلا وكانت هذه الطائرة تنتمي للعالم المتخلف.

إنها الدقة السويسرية التي لا يعرف المسلمون بصفة عامة معنى لها إلا في شهر رمضان، يعرف العامة والخاصة، الصغار والكبار كم تبقى في الشهر وماهي الساعة بالضبط للإعلان عن الأفطار، ودون ذلك، لا معنى للوقت إطلاقا.

أتذكر بمناسبة اجتماع تم في نفس المدينة سنوات خلت أن كلمة الافتتاح التي ألقاها عمدة المدينة، كانت عبارة عن جرد دقيق لكل ما تحتويه المدينة، عدد الأشجار وأنواعها، عدد الكلاب ونوعية فصيلتها، عدد القطط، عدد الأحصنة، عدد السكان الوافدين على المدينة، ولا أثر إطلاقا للكلام عن أصولهم الدينية أو العرقية.

من نافذة الطائرة وأنا أستعد لمغادرة هذا البلد حضرتني آلاف من الصور التي تختزل الفوارق بين مجتمعاتنا، لم أشغل ذهني بالبحث في الأمر، انغمست مجددا في قراءتي.

جلست وحيدا في مقعدي بعد أن قررت مضيفة الشركة المكلفة بتدبير الحجز فصلي عن رفيقي مؤقتا، لم يكن لي بد إذا في أن أعود إلى ذاتي، استوقفتني مقولة منبهة للشيخ ابن عباد الرندي يقول فيها :”الوقت من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه بترك الرضا انكسر وتردى”.

أقلعت الطائرة متأخرة عن موعدها، أعدت قراءة المقولة لمرات عديدة، عندما اقتربت الطائرة من الأجواء المغربية، ألقيت النظر علني أتعرف ولو من بعد على معالم مدينة الروندا الجميلة موطن أبي البقاء الرندي وابن عباد فقلت: ” ألا يكون ابن عباد الرندي قد عرج على سويسرا وهو في طريقه إلى فاس ولقن السويسريين فلسفة الوقت”.

-كاتب مغربي

‫تعليقات الزوار

6
  • ع.م.
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 11:22

    كلام في الصميم. العربي ينظر للإشياء لكنه لا يرى شيء.
    على هسبريس تغيير خاصية التقييم و ترقيمها. لأن للشخص الجديد لا يستطيع معرفة مكان 1 من 5.
    أنا ضغطت على 1 بالخطأ عوض 5.

  • الكوني الحر
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 11:27

    سويسرا ونظامها الاجتماعي قبل الاقتصادي والسياسي لا تمكن مقارنتها حتى مع الدول الأوربية. ويرجع السبب في ذلك إلى اعتماد الدولة الفدرالية على نظام للحكم مستنبط من الدين الإسلامي الحنيف، ألا وهو نظام الخلافة، وذلك بعدما جرب الساسة السويسريون جميع أنظمة الحكم المعروفة وغير المعروفة في العالم. وقد اهتدوا إلى نظام الخلافة سنة 1954 عندما وطأت قدم أول مسلم الأرض السويسرية، حيث بين للسويسريين صلاح الدين الإسلامي لكل زمان ومكان. فغياب الفقر في هذا البلد يعود إلى توزيع خزائن بيت مال السويسريين على المحتاجين، وغياب السرقة يعود إلى قطع يد أولى السارقين، ونزاهة المدبرين تعود لتطبيقهم تعاليم الدين الإسلامي، وحبهم للعمل نابع من وصايا الإسلام،…….

  • موحا
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 12:33

    أستاذي الفاضل السيد خوجة
    الرجاء تصحيح هذه المعلومة: بيرن، مدينة سويسرية. يعتقد الناس خطأ أنها عاصمة للدولة. نعم إنها عاصمة الدولة السويسرية ولا عاصمة غيرها. جنيف وزوريخ وإن كانتا أكبر من بيرن، فإنهما مدينتان اقتصاديتان ليس إلا.

  • موحا
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 13:48

    إلى صاحب التعليق رقم 2
    ما علاقة الدين الإسلامي بسويسرا؟ سويسرا إن كنت لا تعلم ليست بلدا إسلاميا لاتقطع فيه اليد ولا الرجل ولا أشياء أخرى !! وعن أي نظام للخلافة في سويسرا تتحدث؟ هل فقدت عقلك أيها الرجل؟ لعلها موجة الحر.

  • وحيد
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 16:55

    أؤكد أن السويسريين يعتبرون "بيرن" مدينة فيدرالية وليست عاصمة بالمفهوم التقليدي للكلمة رغم أنها تحتضن البرلمان الفيدرالي وكل المصالح الفيدرالية باستثناء المحكمة الدستورية التي توجد في زيوريخ. والمعلومة مستقاة من وثائق رسمية سويسرية ومن محاضرات مسؤولين سويسريين.
    شكرا على التفاعل.

  • الرياحي
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 19:04

    نقتل الوقت الى ان يقتلنا.حكاية الوقت طويلة وعريضة شغلت الناس منذ الزمن السحيق.انتقلنا من الساعة الشمسية الى الساعة الذرية وبالمناسبة فقبل اسبوعين ازداد الوقت الكوني بثانية واحدة .قل يقول قائل وما هي ثانية في ملك الله؟ ثانية زيادة او نقصان كافية لتعطل قمر اصطناعي او تغير مصار قاذفة …بعد النهضة بقليل ،نظمت بريطانيا مبارة بين علماء لاختراع ساعة نقالة (!) لضبط خط الطول(longitude)وهذا الاختراع كانت له تداعيات تحتاج لكتاب ومنها ضبط موقع الجزر المكتشفة او المستعمرة لانه بدون رقمين يضيع العنوان واخر هو بما يسمى l'echappement differentiel وهو اختراع يجزا قوة الجادبية الى حركات متقاطعة (tic-tac) (تعمار المكانة).الاستاذ لم ينتقل من "بيرن"Berne عاصمة سويسرا الى بلادنا لكنه غادر عالم متعدد الابعاد الى عالم ذي ثلاثة ابعاد. 

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين