وداعا السي العربي..عشت بسلام وغادرتنا بسلام

وداعا السي العربي..عشت بسلام وغادرتنا بسلام
الإثنين 27 يوليوز 2015 - 11:00

جاءني صوت الصديقة الإعلامية حنان بكور رخيما يسألني نفي أو تأكيد خبر وفاة أستاذ الأجيال العزيز محمد العربي المساري، لحظتها لم يتأكد لي الخبر وكنت ساعتها أحاول ربط الاتصال ببيته العامر بالرباط، قبل أن يتأكد لي أن السي العربي غادرنا إلى دار البقاء بسلام كما عاش بسلام كما قالت كريمته منى. لست من جيل الأستاذ العربي المساري رحمه الله، لكن السي العربي رفقة الفقيد الكبير عبد الجبار السحيمي كانا بالنسبة لي بمثابة مدرسة والقدوة سواء في العمل السياسي الوطني أو العمل الصحافي، وجملة كل قضايا الفكر والمعرفة..لقد كان كل من العربي وعبد الجبار يمثلان ما يمكنه تسميته “باليسار الاستقلالي” وهو إمتداد لنزعة كنت دائما على قناعة أنها كانت تطبع أعمال ومواقف وأفكار الزعيم الراحل علال الفاسي، وأحسب نفسي وفيا لهذه الحساسية داخل الحزب.

في منتصف التسعينات من القرن الماضي، كان المغرب يعرف مخاضا عسيرا لدفع الإصلاحات السياسية و الدستورية إلى الأمام، وإخراج البلاد مما وصفه في تلك الفترة التقرير الشهير للبنك الدولي ” السكتة القلبية”، وهي العبارة التي وظفها الراحل الحسن الثاني، طالبا من أحزاب الكتلة الديمقراطية التي كانت تشكل المعارضة من الدخول إلى تدبير الشأن العام..وصلت للرباط في تلك الفترة قادما من واحدة من مدن الهامش..الخميسات، ساعتها كان الأستاذ العربي واحدا من القيادات البارزة للمعارضة ونقيبا للصحافيين المغاربة، وصحفيا لامعا..و كانت هالته تسبقه أينما حل وارتحل، لكنه فوق ذلك كله..كان رجلا متواضعا، هادئا وكأنه شيخ زاوية..لا أذكر أول لقاء لي به، لكنني أذكر يقينا أنني كلما إلتقيت به، كنت أتصرف وكأنها المرة الأولى حتى أشبع فضولي مما تجود به قريحته وخبرته السياسية والإعلامية والإنسانية.

كتب الصديق الجيلالي بنحليمة في تدوينة حول وفاة الأستاذ العربي، أن كل واحد منا..فقد شيء في وفاة العربي المساري، فهو فعلا كان قامة بأبعاد مختلفة ومتعددة، وكان منفلتا ومتمردا على التصنيفات التقليدية، وصفاته المتعددة كانت سنده الجميل في إنفلاته وتمرده على كل ما هو نمطي، فكان يعبر عن أفكاره بكل وضوح، وحينما يفعل ذلك تشعر أنه يشركك في بناء الموقف أو الفكرة..كانت طريقته في الحكي وفي صياغة الأفكار تجعلك مساهما فيها لأنها تبنى منطقيا و بشفافية، وحتى عندما ترفضها فإنك ترفضها رفضا جميلا، لهذا لم تكن للسي العربي تلك الخصومات التقليدية للسياسيين والإعلاميين وعاش صديقا للجميع محترما من كل التيارات السياسية والفكرية..رغم أنه قطع سنوات وكأنها حقول ألغام، لكنه استطاع بثبات أن يتجاوزها بسلام و أن يغادر هذه الدنيا بسلام بين أفراد أسرته..رحمه الله.

عشت مع الأستاذ العربي عدة مواقف وأحداث لكنني سأقتصر على ثلاث منها بقيت راسخة في الذاكرة.

الحدث الأول اشترك فيه الأستاذ العربي مع توأمه الأستاذ الراحل عبد الجبار السحيمي، حيث اتصل بي السي العربي لإخباري بلقاء سيعقد ببيته بالرباط وكان ذلك فيما أذكر سنة 2005، كنت في الموعد حتى دون أن أعرف طبيعة الموضوع، عند وصولي كان هناك حوالي عشرة من مناضلي الحزب من مناطق مختلفة ممن عرفوا داخل الحزب بإهتمامهم بالقضية الأمازيغية وكنت واحدا ممن عبروا دوما عن مواقف واضحة بهذا الخصوص داخل مؤسسات الحزب، السي العربي والسي عبد الجبار كانت لهما قناعة مفادها أن حزب الاستقلال من واجبه أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في الدفاع عن القضية الأمازيغية، من منطلق وطني وديمقراطي بدل ترك الموضوع يتخذ أبعادا أخرى في المستقبل، فكان من نتائج ذلك الإجتماع إنفتاح إعلام الحزب على الموضوع و بداية إنضاج موقف الحزب من الأمازيغية، وصولا إلى المطالبة بترسيم السنة الأمازيغية كعطلة رسمية و إعلان أجدير.

الحدث الثاني كان دعوة من الراحل العربي المساري للمساهمة في أيام تكوينية بمفتشية حزب الاستقلال بتطوان، وكان رفقتنا الأخ عبدالله البقالي..قضينا ثلاثة أيام بتطوان، ساهمت فيها بعروض مختلفة حسب البرنامج المسطر، لكن في الواقع كنت أنا أول المستفيدين لأنه أتيحت فرصة مرافقة السي العربي ثلاثة أيام كاملة، حدثني فيها عن تجربته الإعلامية والسياسية والديبلوماسية والوزارية، كما تقاسمنا نفس الأطباق في الفندق وفي مطاعم أخرى بتطوان، ففي كل مكان نزلنا به في تطوان كانت له رواية وحكاية..لكن أبرز ما حدثني فيه السي العربي هو ما جرى في لقاء جمعه بالملك الراحل الحسن الثاني على خلفية حزمة الإصلاحات التي اقترحها العربي المساري بخصوص وضعية الإعلام وذلك عندما كان وزيرا للاتصال بحكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، قال لي السي العربي أن الراحل الحسن الثاني أخبره بأنه عندما تنضج كل الشروط لإحداث إنفتاح إعلامي شامل فإن ذلك سيحصل معبرا بوضوح وبعبارة مختصرة، أنه عندما تتقدم هذه الشروط بخطوة، فإنه – أي الراحل الحسن الثاني – سيتقدم نحو إصلاح الإعلام بخطوتين هكذا قال لي السي العربي الذي اعتذر في النهاية عن المسؤولية الوزارية، لأن الشروط لم تتوفر لها ظروف التحقق…

صادف لقاءنا بتطوان دخول علي لمرابط في إضراب عن الطعام في الرباط بسبب منع مجلته ” دومان ” من الصدور وكان السي العربي متذمرا من ذلك ومتضامنا إنسانيا مع المرابط في الظروف الصحية التي كان يجتازها، ولسخرية القدر يغادرنا السي العربي وعلي المرابط يخوض إضرابا آخر عن الطعام بجنيف هذه المرة..لكن فقط من أجل شهادة السكنى…

الحدث الثالث هو مناسبة إصدار كتابي الأول ” الانتقال الديمقراطي بالمغرب..مخاض الحقيقة والحلم ” ، حيث بعثت بالكتاب للسي العربي كي يطلع عليه قبل نشره، ولظروف خاصة لم يتمكن الأستاذ الراحل من القيام بالمطلوب فبعث لي برسالة لطيفة أعرض كما توصلت بها من الراحل السي العربي :

” عزيزي الأستاذ عادل

في الشهور التي مرت كان بين يدي علاوة على الالتزامات الظاهرة، أوراق كثيرة للمراجعة منها لا أقل من مذكرات الأستاذ بوستة، وكتاب تركه المرحوم محمد الخطيب ، ومتابعة أطروحة دكتوراه لإحدى الباحثات عن سبتة ومليلية، وكلها أعمال تتطلب تدخلات في وقت محدد وهأنذا أمسك بملف “المخاض ” وأول ما طالعني أن نشره كان موقوتا بشهر فبراير وإني آسف لعدم الانتباه إلى التوقيت إلا اليوم.

فإذا كانت هناك بقية من أجل فإني سأكون مسرورا جدا بتلبية ندائك في وقت قريب.

أرجو أن تبين لي ذلك لكي أعيد قراءة نصوص سبق لي أن تتبعتها في وقتها على صفحات العلم منذ أول يوم إلى عمودك اليوم عن “الكديديب”

تحياتي وأطيب المتمنيات

م ع المساري”

فقد كان السي العربي رفقة السي عبد الجبار أهم من شجعني على الكتابة وعلى الوفاء للفكر وعلى الانفتاح على الآخر.

بكل تأكيد لا يمكن لهذه المساحة أن تحتضن كل الذكريات التي جمعتني بالرجل، ولا أن أذكر فيها كل مناقبه التي تشهد به أجيال وأجيال، لكنني أشعر بنوع من الفخر أنني كنت واحدا من الذين عرفوا السي العربي، وأتذكر سعادتي البالغة عندما دعيت ذات يوم إلى مقر وكالة المغرب العربي من أجل تقديم قراءة في كتاب صدر للأستاذ العربي في تلك الفترة كان بعنوان ” قصف الواد الناشف”، وهو كتاب صور بشكل بديع الحملة التي يخوضها الإعلام الجزائري ضد المغرب.

رحم الله السي العربي وألهم أسرته الصغيرة وكل محبيه الصبر، وجعله مع الصديقين والشهداء و إنا لله وإنا إليه راجعون

‫تعليقات الزوار

1
  • عبدالله
    الإثنين 27 يوليوز 2015 - 13:54

    وداعا السي العربي..عشت بسلام وغادرتنا بسلام و ندعو الله له أن يدخله دار السلام من باب السلام ، و السلام

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 1

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين

صوت وصورة
خلافات في اجتماع لجنة العدل
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 18:42 1

خلافات في اجتماع لجنة العدل