هل عاقب الناخب المهني جهة ما؟

هل عاقب الناخب المهني جهة ما؟
الخميس 13 غشت 2015 - 11:10

من المؤكد أن الخريطة السياسية التي رسمتها نتائج انتخابات الغرف المهنية لسنة 2015 تتطابق تقريبا مع الخريطة السياسة للغرف المهنية التي رسمتها نتائج سنة 2009، لكن هذه الخريطة سجلت توجهات مهمة تعبر عن ديناميكية لها دلالتها السياسية العميقة، رغم أن تلك الديناميكية لم تبلغ مستوى قلب النتائج رأسا على عقب. لكن هل تنطوي تلك النتائج عن عقاب سياسي من طرف الناخب المهني لجهة ما؟

يمكن إجمال التوجهات الديناميكية المشار إليها في ثلاثة توجهات:

التوجه الأول، نجده في ظاهرة تراجع أغلب الأحزاب التي تتصدر النتائج، من حيث عدد مقاعدها مقارنة مع نتائج سنة 2009، والتي سجلت تقدما منها تقدمت بنسب ضعيفة. فباستثناء “البام” الذي رفع حصته بـ4 في المائة (ربح 16 مقعدا إضافيا)، والدستوري الذي رفع حصته بـ 3.7 بالمائة (أضاف 4 مقاعد)، نجد أن حزب الاستقلال سجل تراجعا بنسبة تزيد عن 7 في المائة (فقد 28 مقعدا) أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد سجل انهيارا كبيرا من حيث النزيف الذي ضرب عدد مقاعده، وفقد أزيد من 31 في المائة منها (أضاع 74 مقعدا). وإذا توقفنا عند هذه الأحزاب الأربعة، التي تمثل قوى المعارضة الكبرى، واستحضرنا أن الطبيعي أن تحافظ تلك الأحزاب على الأقل على مقاعدها المحصلة وهي في وضع المعارضة المعروف بقوته الاستقطابية، سنجد أن نتائج الانتخابات تؤكد أن الأحزاب المعارضة المهمة فقدت مجتمعة أزيد من 100 مقعد، وهذه النتائج من هذه الزاوية تعبر فعلا عن توجه عقابي، لكن تجاه أحزاب المعارضة، وليس تجاه الأحزاب الحكومية.

التوجه الثاني، نجده في ظاهرة معاكسة للظاهرة الأولى، وهي أن الأحزاب الحكومية رفعت من حصتها الإجمالية من المقاعد بأزيد من 200 مقعد. بل نجد أن الحزب الذي يقود التحالف الحكومي انتقل من المركز السابع في نتائج انتخابات 2009 إلى المركز الخامس في نتائج هذه السنة حيث رفع حزب العدالة والتنمية من عدد مقاعده بنسبة 142 في المائة تقريبا، مضيفا 115 مقعدا جديدا إلى رصيده. وهذه النتيجة وحدها كافية لدحض القراءات التي جعلت من نتائج تلك الانتخابات عقابا سياسيا ضد الحكومة.

ومن جهته رفع حزب التقدم والاشتراكية حصته من المقاعد بقرابة 83 في المائة بإضافة 49 مقعدا جديدا. أما الحركة الشعبية فهي الأخرى رفعت من حصتها من المقاعد بنسبة 26.25 في المائة بإضافة 42 مقعدا جديدا. نعم سجل حزب الأحرار المشارك في الحكومة تراجعا، غير أنه تراجع طفيف فقد فيه 1.5 في المائة بخسارة 5 مقاعد. وإذا جاز أن نتحدث عن العقاب في قراءة نتائج أحزاب المعارضة فإن المناسب أن نتحدث عن المكافأة في قراءة نتائج الأحزاب الحكومية.

التوجه الثالث، يتعلق بالناخب اللامنتمي، فالمستقلون تمكنوا من ربح 42 مقعدا جديدا بنسبة أزيد من 19 في المائة مقارنة مع نتائج سنة 2009، وبالطبع توجه الناخب المهني، رغم محدودية الظاهرة، نحو المستقلين. لكن هل تعكس الموقف السلبي من الأحزاب؟ لقد استطاع المرشح المستقل (بعض “المستقلين” مدعومون بأحزاب للاستفادة من صفة المستقل ! ) أن ينافس المرشح الحزبي وينتزع مقاعد إضافية، و رغم محدوديتها فهي مهمة من حيث نسبة تقدم حصة المستقلين على مستوى المقاعد بقرابة الخمس، لكن هذا التقدم قد يعبر عن هشاشة الفاعل الحزبي أكثر مما هو تعبير عن ما يمكن تسميته بـ”فوبيا الحزب”، ذلك أن الأحزاب التي عرفت نزيفا كبيرا من حيث عدد المقاعد أحزاب تعرف مشاكل وصراعات داخلية، خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي. ومن الصعب الجزم في المعنى السياسي لدينامكية المستقلين، لكنها عموما مؤشر سلبي بالنسبة للأحزاب.

لا شك أن الحديث عن العقاب تجاه المعارضة والمكافئة تجاه التحالف الحكومي يطرح عدة صعوبات، منها حفاظ حزبين من المعارضة على مراكزهما المتقدمة في الخريطة السياسية للغرف المهنية، مقابل بقاء حزب حكومي في المركز الثالث بتراجع طفيف. ورغم أن أثر العقاب لا جدال فيه في النتيجة التي حققها أحد أقطاب المعارضة وهو الاتحاد الاشتراكي، فإنه بالمقابل تتضح آثار المكافأة في النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية. والذي يمكن أن نخلص به في قراءة هذه النتائج هو أن الناخب المهني سجل توجها نحو مكافأة بعض أحزاب التحالف الحكومي غير أن تلك المكافأة لم تكن في مستوى قلب الخريطة السياسية وتحويلها إلى عقاب واضع لأحزاب المعارضة، وقد يفسر هذا بنسبة المشاركة التي تعتبر ضعيفة نسبيا، رغم تحسنها الطفيف مقارنة مع انتخابات 2009. ومعلوم أن ضعف نسبة المشاركة السياسية يكون دائما لصالح تأثيرات آليات التحكم و الفساد الانتخابي. ويمكن تفسير السلوك العام للناخب المهني بالارتباك، خاصة إذا استحضرنا تقدم المستقلين. والأقرب إلى المنطق في قراءة نتائج الانتخابات المهنية أن هناك استياء من أحزاب معينة في الوسط المهني، تم التعبير عنه بالتوجه نحو اللامنتمين أو إلى أحزاب حكومية خاصة حزب المصباح وحزب الكتاب والسنبلة. ولا شك أن الأحزاب التي استاء منها المهنيون هم بالخصوص الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال.

هناك قراءة أخرى يمكن أن تفسر الديناميكيات التي كشفت عنها نتائج الانتخبات المهنية، وهو أن سلوك الناخب المهني لم يحكمه منطق الأغلبية-المعارضة بل منطق الحزب-المستقل. هذا التفسير قد يعني أن الأحزاب التي تراجعت من حيث عدد مقاعدها تراجعت بنفس القدر مصداقيتها السياسية عند الناخب المهني، والعكس بالعكس بالنسبة للأحزاب التي كسبت مقاعد جديدة. وهذا التفسير يستوعب أيضا النتائج التي حصل عليها اللامنتمون. وفي هذا الإطار تتفوق أيضا الأحزاب الحكومية على أحزاب المعارضة من حيث قوة الاستقطاب و المصداقية معا.

من الواضح أن الجمود العام للخريطة السياسية في الغرف المهنية يعكس ضعف تأثير الموقف من العمل الحكومي في الناخب المهني سلبا أو إيجابا، وهذا يعني أن خطاب وجود عقاب سياسي للحكومة خطاب متهافت، لكن الديناميكية التي تعبر عنها النتائج التفصيلية على مستوى كل حزب تعبر عن العقاب أو المكافأة بالنسبة لهذا الحزب أو ذاك.

لقد استبعدنا في القراءة السابقة دور عوامل ألفنا أن تحضر بشكل قوي في الانتخابات المهنية، وتتعلق بعنصري السلطة والمال، ذلك أن انتخابات هذه السنة لم تثر حولها الشبهات بنفس الكثافة التي تثار بها عادة في السابق، رغم ذلك ينبغي استحضار هذين العنصرين وتأثيراتهما في توجيه الناخب المهني، في القراءة النسبية لنتائج الغرف المهنية.

‫تعليقات الزوار

7
  • rachid
    الخميس 13 غشت 2015 - 15:15

    بل نجد أن الحزب الذي يقود التحالف الحكومي انتقل من المركز السابع في نتائج انتخابات 2009 إلى المركز الخامس
    إذا لم تستحي فآفعل ماشئت,هل تضحك على نفسك؟ولماذا لم ينتقل من المرتبة السابعة إلى الأولى كما حصل في الإنتخابات التشريعية؟
    لكن بعد الهزيمة القاسية القادمة في الإنتخابات الجماعية ستستفيقون من حلمكم
    الشئ الذي يجب الإهتمام به ليس آ حتلال العدالة والتنمية للمرتبة الخامسة؟
    الخطير أ ن يفوز بالمرتبة الأولى الحزب الذ ي خرج الناس ضده في 20 فبراير
    هذه بداية عودة التحكم لكن هذه المرة بطريقة فينة ومن باب أوسع
    فؤاد عالي الهمة لا ينام

  • مصطفى ملو
    الخميس 13 غشت 2015 - 15:46

    هل فعلا حقق الإسلامويون تقدما في الانتخابات المهنية الأخيرة؟
    يحاول أنصار ما يسمى حزب العدالة و التنمية تعزية أنفسهم بعد الهزيمة النكراء التي منوا بها في الانتخابات المهنية الأخيرة,بترويج أكاذيب مفادها أن حزبهم حقق تقدما في هذه الانتخابات بالمقارنة مع انتخابات 2009,فهل فعلا حققوا التقدم؟
    لتوضيح الأمر لابد من العودة إلى انتخابات 2009 لنطرح السؤال التالي:كم كان عدد المترحشين الإسلامويين أنذاك و كم كان عدد الدوائر الانتخابية التي ترشحوا فيها؟و كم أصبح في 2015؟
    إذا قارنا بين عدد ترشيحات الإسلامويين سنة2009 و ترشيحاتهم سنة 2015 سنجد أنه من الطبيعي جدا أن يكون عدد الفائزين من حزبهم سنة 2015 أكبر من 2009,و بالتالي فهذا ليس تقدما كما يحاولون إيهام الناس,بل هي نتيجة طبيعية تتناسب و عدد ترشيحاتهم و عدد الدوائر الانتخابية التي ترشحوا فيها,وحتى نوضح أكثر نفترض أن دولة ما شاركت في الألعاب الأولمبية سنة 2009 بمئة عداء و حصلت على 20 ميدالية و في 2015 شاركت بمئتي عداء و حصلت على 30 ميدالية,فهل هذا يعني أنها حققت تقدما؟
    (يتبع)

  • مصطفى ملو
    الخميس 13 غشت 2015 - 16:11

    من هنا نستخلص أنه لمعرفة هل هذا الحزب حقق التقدم أم لا,ينبغي مقارنة عدد المرشحين بعدد الفائزين.
    يضاف إلى ذلك أنهم في 2009 كانوا في المعارضة يعني لم تكن لهم صلة كبيرة بالمهنيين و لم يكونوا يتحملون أي مسؤولية,أما اليوم فهم في مركز القرار,يتبجحون بأنهم يخدمون الطبقة العاملة و بأن الشعب يحبهم و يموت فيهم عشقا و غراما,و أن الطبقة العاملة راضية عنهم و عن قراراتهم,لذا فقد كان من المفروض أن ينعكس ذلك الحب و الغرام و الرضا على نتائج الانتخابات فيصوت عليهم أغلب المهنيين و يحتلوا المرتبة الأولى,فهل حصل شيء من ذلك؟
    طبعا لا,ليبقى الكذب و تسويق الأوهام هما رأسمال تجار الدين.
    إوا غير بلا ما تبقاو تكدبوا على الشعب,حيت راه غادي نكونو لكم بالمرصاد,لفضح خبثكم و أكاذيبكم,يا من يصور للناس الهزائم انتصارات.

  • ١محمد١
    الخميس 13 غشت 2015 - 18:17

    إنتخابات الغرف المهنية بعيدة كل البعد عن النزاهة فهي أكثر إنتخابات تباع وتشترى فيها الأصوات…

    المغاربة لا تناسبهم الديموقراطية لأنهم إلى الآن لا يستوعبون أهمية صوتهم ويبيعونه للحصول على فائدة آنية و قليلة…

  • ازراد حسن
    الخميس 13 غشت 2015 - 19:09

    لا ادري لماذا يتم التهافت علي الكتابة في موضوع مثير دون الخروج باستنتاجات ذات قوة اقناعية ؟؟؟!

  • IZM N'TAMAZGHA
    السبت 15 غشت 2015 - 08:39

    مأزق ومقتل الإسلاميين وخصوصا فرع الإخوان في المغرب،هو إفتائهم في كل شيء وتطفلهم على كل الميادين!
    من أهم قواعد الأرقام،هي النسبية،التمثيلية،لا انتقائية!
    إذا كان حزبكم وفي توهجه،بكل مريدي جماعتكم وحزبكم،وعائلاتهم و معارفهم،هو مليون ونيف،في وقت يبلغ عدد من لهم حق التصويت 24 مليون،فهذا يعني أن حزبكم لم يتحصل إلا على1 على 24 أي 4,1%
    إذن في الواقع،أنتم أقل من 5%
    تحولون نسبة 5% إلى فوز كاسح
    مع ذلك,تكسرون رؤوسنا انكم الحزب الإسلامي الوحيد الممثل للشعب( 99% مسلمين) وأن الشعب من اختاركم والشعب وراءكم
    ماذا لو تحصلتم على 99% النسبة المتوقعة لحزب يمثل 99% من المسلمين،أو(أضعف الإيمان)51% ؟ لكتنم وضعتم شريعة البتر والرجم والجلد في الشارع لكل امرأة تركت ضفيرة واحدة خارج خمارها أو حجابها كما يفعل اخوانكم في السودان و الحجاز؟

    هكذا تقرأ الأرقام يا مريد:
    لنفرض أن:
    انتخبات 2009:
    50 منتخب من أصل 100 مرشح. نسبة النجاح 50%
    انتخبات 2015:
    100 منتخب من أصل 1000 مرشح. نسبة النجاح 10%
    قد تنقون نسبة 200% من عدد الناجحين (ضعف المنتخبين، من 50 إلى 100)
    لكن الحقيقية أنكم فقدتم 40% من نسبة الناجحين( 10% عوض 50%)
    KK

  • معلق
    الأحد 16 غشت 2015 - 11:45

    الانتماء الحزبي في هذه المرحلة ليس مهما .والمنتمون هم في اغلبهم متشابهون اذا اخذنا بعين الاعتبار وظائف التمثيل ومستلزماته.المهم ان تؤدى هذه الوظائف بكفاءة ونزاهة وفعالية.ليس مهما ان يصل فلان المنتمي لهذا الحزب اوذاك وانما المهم بالنسبة للمواطن العادي وصول من يخدم المصلحة العامة ويساهم في تنمية وتطور البلاد.الخوف كل الخوف من وصول المفسدين الذين يشكلون خطرا على البلاد والعباد والاستقرار.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين