عودة العفاريت

عودة العفاريت
الخميس 13 غشت 2015 - 11:50

أم، استحالة تنفيذ مشروع الإصلاح..؟

1-

المعروف أن حكومة السيد بنكيران بتجربتها الأولى والثانية، جاءت في ظرفية سياسية واقتصادية واجتماعية استثنائية.فالسياق التاريخي الذي حلت فيه هذه الحكومة استوجب، أن تضع بتمعن اللبنات الأولى لبناء الدولة المدنية بكامل هياكلها المستلهمة من روح دستور جديد، قدم خيارات عميقة للتغيير والإصلاح . لذا كانت مسؤولية هذه الحكومة مرحليا، مسؤولية تأسيسية، تبنت من خلالها مشروعا كبيرا للإصلاح،إصلاح المؤسسات، إصلاح الإدارة، إصلاح القضاء، وبالتالي محاربة الفساد والرشوة والعادات السيئة التي طبعت الأجهزة العمومية والأشخاص خلال عقود.

بعض الفرق السياسية التي شاركت في الحكومة الأولى لسنة 2012، كانت ترتب أولويات سياسية حزبية،لم يكن مشروع بنكيران الإصلاحي يشكل بالنسبة لها الخيار الأساسي الملائم للحكم .بل لم تخف تيارات حزبية داخل الحكومة في نسختها الأولى امتعاضها من الشعار الذي كان يلوح به السيد بنكيران وفريقه الحكومي من حزب العدالة والتنمية حول مشروع الإصلاح ومحاربة الفساد،وربط المسؤولية بالمحاسبة وأن محاسبة الوزراء والمسؤولين العموميين قانون دستوري لا يمكن التحلل منه.هذا الخطاب الإصلاحي انتشر من خلال الندوات الصحافية واللقاءات الحزبية والتجمعات السياسية والثقافية والمصالح العمومية والوزارات والمجالس النيابية المنتخبة والصحافة،حتى لكاد يتحول عند بعض وزراء بنكيران العدليين إلى خطاب إيديولوجي، يبحث عن متلق بعينه يصغي لمضمون هذا الخطاب ويتفاعل معه. هذا الحراك السياسي من داخل الحكومة قدم للشركاء الحكوميين الاخرين صورة نمطية عن الهدف السياسي لحزب العدالة والتنمية وأن أدلجة الخطاب السياسي الحكومي عن طريق تقديم مشروع سياسي يبنى الإصلاح ويقطع دابر الفساد، ليس من ورائه سوى كسب المزيد من المتعاطفين وتوسيع القاعدة الانتخابية للحزب.

هذا حق أريد به باطل،لأن الائتلاف الحكومي الذي شارك في تكوين الحكومة المنبثقة عن انتفاضة الربيع العربي،لم ينجح في الاختبار الذي وضعه وجها لوجه مع إشكالية الفساد،وأن المعضلة أكبر من أن يوضع لها مشروع قانون أو مبادرة للتخليق والتطهير، سبق لحكومات من قبل أن بادرت بها وفشلت1. خصوصا أن جل المناصب الحكومية والترابية والأمنية بيد مسؤولين مخضرمين شاركوا في حكومات سابقة وعلى يد بعضهم كبر الفساد وترعرع ،علما أنه لا يوجد “قانون للعزل السياسي” الذي بواسطته يمكن إبعاد الفاسدين عن المناصب الكبرى2، كما أن المحاسبة الدستورية لا تحمل أحدا مسؤوليات الماضي وملفاته الشائكة في كل قطاع.وعلى هذا المنوال، كيف إذن يسمح لبنكيران وفريقه ذي الأقلية الحكومية بفرض خيار الإصلاح ومحاربة الفساد.؟

انتهت حكومة الربيع العربي سنة 2013 التي نتجت عن انتخابات تشريعية سليمة نسبيا وتستحق أن تنادى بأول حكومة تنتخب ديمقراطيا في تاريخ المغرب السياسي ، وكانت دواعي إسقاطها وجيهة، وقامت على أنقاضها حكومة التوافق السياسي وأعيد إنتاج الوضع السياسي لسنة 1998 في طبعة جديدة وغير منقحة وضرب صمت مريب على مشروع محاربة الفساد وتقدم زعماء الإصلاح من حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم أمينه العام ورئيس الحكومة بمقولة”عفا الله عن ما سلف” وتم تحييد برنامج الإصلاح ومحاربة الفساد من أجندة السيد رئيس الحكومة، ووضع أمامه برنامج بديل لسد الخصاص وتعويضه بنبرة إصلاحية جد مهذبة ومقبولة ، تجسدت في مطالبته الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال باسترجاع ودائعهم المالية في البنوك الأجنبية وخصوصا في أوروبا ،فاستعاد حوالي 15 مليار سنتيم صارت بالنسبة للمشروع الإصلاحي إنجازا باهرا ونقطة إضافية لرئيس الحكومة وفريقه.

لقد مر على هذا الوضع حوالي سنتين تقريبا،قبل أن يعلن مجددا رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران في غضون الأسبوع ما قبل الأخير من شهر يناير 2015 في مجلس حكومي، العودة إلى فتح ملف الفساد من جديد، ولم يكن هناك من داع للاستفسار عن الأسباب التي حركت رئيس الحكومة للعودة إلى موضوع محاربة الفساد، بعد أن تم السكوت عن هذا الملف وطيه بالمرة ؛ سوى أن تكون هناك حاجة إلى تعبئة الشارع لحملة انتخابية تلوح في الأفق.ومما لا شك فيه أن توجه التيار المناهض للفساد من داخل حزب العدالة والتنمية ، يضاعف عبء المسؤولية الملقاة على رئيس الحكومة، علما أن لرئيس الحكومة دعامات أساسية قانونية وسياسية ومدنية لمواجهة عفاريت الفساد المنتشرين في تفاصيل المؤسسات العمومية والشبه عمومية والأجهزة التابعة للدولة وبعض التشكيلات الحزبية والنقابية وحتى بعض جمعيات المجتمع المدني.وهذه الدعامات كفيلة بخلق العديد من المتاعب لهؤلاء العفاريت والأشباح،في حين يتمتع الرجل بعدة امتيازات، في مقدمتها كونه رئيس حكومة بصلاحيات دستورية واسعة النطاق وذات قاعدة قانونية فعالة، وثانيا له خلفية سياسية حزبية حليفة وجادة تؤازره وتعضد موقفه،وثالثا تحت إمرته مؤسسات دستورية رقابية وقضائية تنفيذية يمكن له توظيفها قانونيا في حربه على الفاسدين، ورابعا عنده في المجتمع المدني قوة وجيهة وصامدة تسانده عند الاقتضاء. فبإمكانه أن يوظف هذه العوامل القتالية الأربعة بذكاء ومرونة ويحرر الإدارة المغربية من قيود الماضي التي ما تزال تكبلها، ويطهرها من الأشباح والعفاريت والتماسيح المتمركزة في تفاصيل العتمات الضيقة وفي كل مكان .

الأكيد أن رئيس الحكومة وفريقه العدلي في الحكومة الائتلافية ولا حتى حزبه في المنظومة السياسية المغربية، لن يستطيعا فعل ذلك ، لأنهما ليسا وحدهما المعنيين بمشروع الإصلاح ومحاربة الفساد في هذا البلد، ليتحملا بمفردهما وزر هذه الجريرة التاريخية ذات الجذور العميقة في مجتمعنا ،فهذا ثقل لن يطيق حمله رجل واحد ولا حزب واحد، نذر نفسه للإصلاح. فالجميع يعرف أن رئيس الحكومة بدافع المسؤولية الملقاة عليه وأحكام الضمير المهني،هو معني أولا وأخيرا بمحاربة الفساد،غير أن المفارقة تكمن، في كونه يوجد بين خيارات صعبة، لذا فهو بين إقبال وإدبار في كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك، أيأخذه على مضض أم يدسه في النسيان، والموضوع يهم كل الأطراف وكل الجهات وكل المؤسسات وكل المجتمع بجميع مكوناته وشرائحه الاجتماعية ،فمحاربة الظاهرة تستوجب حربا ضروسا تتعبئ فيها كل الطاقات الاجتماعية وكل الفاعلين في سائر القطاعات.

1 مشروع تخليق الشأن العام لحكومة التناوب سنة 2000.

2 قرر المجلس الدستوري مؤخرا (شهر يوليوز 2015) تفويض الحق في عزل رؤساء المجالس المنتخبة وحل المجالس الجماعية، للمحاكم الإدارية بالمملكة.

‫تعليقات الزوار

6
  • sim
    الخميس 13 غشت 2015 - 13:59

    عودة العفاريت اهون من قدوم داعش.
    يوم يقرر المغاربة اعتناق الديمقراطية بكل ما تمثله من قيم المساواة و المواطنة المبنية على احترام الآخر ووووو انذاك العفاريت نفسها ستندمج في المشروع و ستساير و الا ستحاسب بالقانون. اما الدواعش نحاربهم بالتعليم الحديث المبني على العلوم و التاريخ الحقيقي لسلفه الدموي الفاشل عبر مر العصور لا يجب اخفاء الحقيقة و الاعتراف بكل الظلمات التي مر منها اجدادناووووووو.

  • محمد
    الخميس 13 غشت 2015 - 18:40

    قرات العديد من الكتابات و التعليقات و تبين لي ان جلها يميل الى ان هده الحكومة لم تفعل خيرا يدكر. هل هدا صحيح؟ ام ان الواقع هو قرب الانتخابات الجماعية و الجهوية هي من دفعت بالجريدة المحترمة الى نشر ما يحلو لها و تغض الطرف عن ما يقض مضجعها ؟ في يوم من الايام لم اكن حزبيا ولكن مع ما قرات و رايت و عايشت مؤخرا ادركت ان بيجيدي فعلا يستحق الاحترام لان جميع
    الانتقادات الموجهة له لم تدكر فيها كلمة سرقة او اختلاس. للاشارة عندما سئل اردوغان عن سر نجاحه اجاب قائلا لا اسرق المال العام و هده هي عين الحكامة الجيدة التي نتشدق بها. الزين اللي فكومة بنكيران هو صدرهم وااااسع
    و يعرفون جيدا ما يواجهونه و هدا هو المشكل الحقيقي للدين يسرقون اموال
    الشعب فهم يدركون جييييييدا ان الولاية الثانية لبنكيران تكفي لردع الطامعين.

  • chouf
    الخميس 13 غشت 2015 - 20:03

    ا لسي بن يران جاء وفي ضرفية وجيزة مقارنة مع السنين60 يريد الاصلاح واش راه تجف او عند ساروخ يسير بالسرعة الضوئة لتغيير الواقع تراكمات ولا يمكن لاي كان ان يغير ما بناه الدهر لسنين.الامل موجود وكل من سار على درب المعقول ربما يصل

  • saccco
    الجمعة 14 غشت 2015 - 11:40

    منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات المهنية والتي جاءت مخيبة لآمال حزب العدالة الذي يرأس الحكومة تجندت اقلام لتبريرهذه السقطة المدوية والتي قد تكون لها إنعكاسات سلبية على المستقبل السياسي لهذا الحزب
    فهذه الاقلام تحاول تبرئة الحزب والنأي بها بعيدا عن اسباب هذه الهزيمة وتقوم بتكثيف المناورات وتشويه الحقائق وهكذا إكتشف البعض فجأة و بقدرة قادر ان الحزب الاسلامي اصبح علمانيا وان العلمانيته الكافرة بالله هي سبب فشله
    تم انه فجأة وبقدرة قادر أيضا إكتشف البعض الآخر ان الحلفاء السياسيين في حكومة الحزب الاسلامي هم سبب هذا الفشل وأُكتشف فجأة ان بعض هؤلاء على يدهم كبُر الفساد مع العلم انه وحتى الامس القريب كانوا يتشدقون بتجانس الحكومة وإنسجامها
    إن مضمون هذا الخطاب التناوري يعترف على الاقل ان هناك فشل لهذه الحكومة أما السبب الحقيقي والذي يعرفه المواطن العادي والبادي عبر ما يعيشه في حياته اليومية هو سياسة تفقير الطبقة الفقيرة والمتوسطة (الحائط القصير)بضرب قدراتها الشرائية ومحاصرتها في قوتها اليومي وقوت ابناءها بينما الطبقات الغنية les intouchables زادت غنى بفضل إقتصاد الريع والفساد الاداري

  • الورزازي
    الجمعة 14 غشت 2015 - 16:19

    اخي الكريم ادعوك الى اجراء مقارنة و تحليل بسيطين بين هده النتائج و نتائج 2009 لتعلم جيدا ان البيجيدي انتقل من 81 مقعدا الى 196 هده السنة و انتقل من الرتبة 7 الى الرتبة 5 اما باقي الاحزاب بالكاد استطاعت الحفاظ على رتبها.
    اما خطاب بنكيران و مدى تاثيره فيشهد به اصحاب البصيرة من المعارضة قبل
    غيرهم .
    ادن هل هدا نجاح ام فشل؟
    و في الاخير انصحك اخي ان تقرأ و ان لا تردد ما يقوله غيرك فلقد اصبحنا في
    عصر يسهل فيه الحصول على المعلومة . و شكرا

  • saccco
    الجمعة 14 غشت 2015 - 23:24

    أكيد أن الحكومات السابقة هي أيضا عجزت على محاربة إقتصاد الريع والفساد الاداري لكن وخصوصا حكومة اليسار إلتفتت الى الجانب الاجتماعي للطبقات الشعبية وتمتعت النقابات بفضاء الدفاع عن حقوق العمال والموظفين فتحسن نسبيا أحوال المجتمع لكن الحكومة الحالية بدعوى الازمة الاقتصادية والتي لا أظن ان يوما ما كان المغرب بدون هذه الازمة بل وصل يوما الى حد السكتة القلبية ، فلمعالجة هذه الازمة إستهدفت هذه الحكومة مباشرة جيوب المواطنين من الطبقات الشعبية والاجهاز على حقوقها المعيشية والتي ناضلت وكافحت في جو من العسف والعنف والاعتقالات
    الحكومة الحالية ليست كالحكومات السابقة فهي جاءت نتيجة حركة إجتماعية فريدة ومتميزة أحدثت تغيرات مهمة على مستوى فصل السلط وصلاحيات اوسع لرئيس الحكومة الذي ركز في برنامجه الانتخابي على محاربة اٌقتصاد الريع والفساد الاداري لكنه ظل شعارا فارغا من اي رغبة وإستراتيجية لمواجهة هذا الاخطبوط الذي ينزف ثروة البلد ويحول دون مشاركة المواطنين في إقتسام هذه الثروة
    لقد أبانت هذه الحكومة ضعفها التام على مواجهة الاعداء الحقيقيين رغم انها جاءت نتيجة صناديق الاقتراع وتملك قوة الشرعية

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات