"أنا زلاتان"..الكرة التي تغتالنا جميعا

"أنا زلاتان"..الكرة التي تغتالنا جميعا
الجمعة 21 غشت 2015 - 20:31

وحدها الصدفة قادتني أن أقرأ مذكرات اللاعب السويدي في صفوف الفريق الفرنسي بارين سان جريمان زلاتان إبراهيموفيتش. كنت أحسب للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بكتاب عادي، يحكي فيه اللاعب عن مسيرته الكروية وعن أهم انعطافات حياته وعن الحوافز التي جعلت منه أحد أشهر لاعبي المستديرة في العقد الأخير. هكذا كان الاعتقاد في البداية على الأقل. لكن مع تقدم الصفحات اكتشفت أن الأمر يتعلق قبل كل شيء بمونولوك عميق بين لاعب صنعته النجومية ووسائل الإعلام وينتظره الملايين من المتفرجين وبين إنسان يسعى ليكون أبا “رائعا”.

“إيبرا” لاعب معروف، وإلى وقت قريب جدا كانت تتسابق كبريات الأندية العالمية لضمه. إيبرا أيضا يشارك في إشهارات الشركات العالمية ويستطيع أن يجني في إشهار واحد ما يمكن أن يجنيه كل صحافيي المغرب في عشر سنوات. تحول إيبرا إلى ماركة إعلامية إلى جانب أنه لاعب كره القدم همه الأول حصد الألقاب وتحقيق الانتصارات. في ظرف وجيز تحول إيبرا إلى صيد ثمين لوسائل الإعلام، ولأنه ليس من هؤلاء اللاعبين القادرين على ضبط أنفسهم، صارت الكاميرات تلتقط سكناته وحركاته ليتحول إلى”بروتاجونيست” Protagoniste في كل القنوات والجرائد الإعلامية.

يعد إيبرا مجرد لاعب كرة قدم بمعنى آخر، أصبح هو أيضا منخرطا في هذا”الجنون العام” الذي تقوده شركات الإشهار والقنوات الإعلامية العالمية المتحكم بها بشكل “رائع جدا” كما كتب نعوم تشومسكي يوما. يبدو من الطريقة التي يسرد بها إيبراهيموفيتش أنه خلال فترة النجومية صار ملكا للآخرين وفقد هويته الحقيقية. لا يقر بها لكنها تنفلت في الكثير من صفحات كتاب”أنا زلاتان”.

خلال هذه الفترة لم يستطع أن يستعيد زلاتان توازنه النفسي لاسيما وأن علاقته بمدرب برشلونة بيب غوارديولا كانت متوترة جدا، وعلاقته بوسائل الإعلام كانت أكثر توترا. بأسلوب بسيط ومباشر يعترف إيبرا أن النجومية تغر. تغر لأنها ليست خاضعة للصدفة كما قد يعتقد البعض بل متحكم فيها باتساق غريب من طرف وسائل الإعلام وشركات الإشهار.. هنا تصير “الأنا” مجرد جزء من الآخر وفق خطة محكمة بمقتضاها يتحول لاعب كرة القدم إلى “ماركة” قابلة للبيع والشراء.

حينما قال”يوهان كرويف” أن لعبة كرة القدم أصبحت ممسوخة، كان يعي ما يقول، وكان يعلم أن كرة القدم تجاوزت المنافسة الشريفة وإسعاد الجمهور وتقديم الفرجة. في كتاب إيبرا اعتراف وإن لم يكن ضمنيا أن اللعبة صارت كذلك حقا. لم يعد من المهم جدا أن تقدم عرضا يسكن شغف الملايين المفتونين باللعبة بل يهم أن تحقق شركات الإشهار أكبر قدر من الأرباح ويهم أيضا أن تحبك وسائل الإعلام بتنسيق تام مع هذه الشركات السيناريو الذي تريد تحت يافطة المهنية والموضوعية والبحث عن السبق الصحافي.

الزملاء في موقع العربي الجديد بدؤوا في ترجمة فصول الكتاب، وفي إحدى فقرات الكتاب نجد إشارة بليغة يمكن أن تقيم الحد بين اللاعب المحكوم بالنجومية وبين الإنسان المحكوم بأن يعيش أناه كما يريدها هو لا كما يريدها الآخرون. يقول إيبرا “ذهبت إلى هيلينا وتحدثت معها.. إنها عالم آخر.. هي جميلة جداً وتستطيع أن تكون قوية أحياناً: “يجب عليك أن تكون على الأقل أباً مثالياً.. إذا لم يكن لديك فريق يشعرك بالراحة، تعال وشكل معنا فريقاً خاصاً”.. هذا ما قالتهُ لي.. وكنت سعيداً بذلك.. كنت ألعب الكرة كثيراً مع أطفالي.. وبالطبع كان هناك ألعاب الفيديو التي تعتبر مكاناً آخر أسعد فيه”.

‫تعليقات الزوار

3
  • ملاحظ
    السبت 22 غشت 2015 - 16:14

    بالفعل والقوة صار عالم كرة القدم أمبراطورية..لقد تحكمت هذه اللعبة كالإمبريالية في المال العالمي والسياسات القطرية بواسطة أندية وبطولات عالمية، حتى تحولت إلى دولة داخل دولة..لوبي له رصيد من البشر يستطيع بواسطته أن يسقط حكومات أو يهبها الفوز لو طلب التصويت لأجله..يجني الثروات من جمهور يدمن على التخذير الهستيري ولا يجني إلا عقد سيكولوجيته ووهم ليبيدو اللحظة ونزوتها.. فهو لم يتمكن، أي هذا الجمهور، من تسجيل أي هدف لصالحه هو..أما اللاعبون، الذين تباع وتشترى طاقاتهم، فهم جنود يضحون بكل ما لديهم من جهد إلى أن تنتهي مهمتهم..وتضيع الفرجة…

  • منا رشدي
    الإثنين 24 غشت 2015 - 13:39

    كل هذا الله والدوران لتشهر موقعا إلكترونيا !
    أحرى بك أن تجري لقاء ا صحافيا مع أمير من أمراء قطر ! وتستفسره عن نهمه الفجائي على إحتكار كل ما تعلق بالرياضة في شمال أفريقيا ! ومن تنازل له عن حق الإحتكار من كل دولة من دول المنطقة ! وكم كلف شراء الذمم !

  • متتبع
    الإثنين 24 غشت 2015 - 18:44

    أرى أنه لا بد لدول العربية والإسلامية إعادة النظر في الأموال الباطلة (أقول ) التي تضخها في مجال الكرة المستديرة من أجل أرباح زائفة في نظر الشرع والشارع الذي يحتسي مرارة الفقر من أجل فرجة كروية مهبولة لا معنى لها إذا كان يسود تلك الفرجة السباب والشتائم وإضاعة أموال من أجل إرضاء نزوة عابرة والتباهي بالمليارات التي تضخ في حساب ذللك الفريق أو اللاعب على ذاك لا في حسابي أنا ولا أنت في حين الغرب مشتغل بتطوير العلوم والتكنولوجيا في حين نحن مشتغلون بنهضة في اللهو والترف لا أقل ولا أكثر فلله الأمر من قبل ومن بعد

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة