خطاب العرش: خصاص اجتماعي وفائض هوية في التعليم

خطاب العرش: خصاص اجتماعي وفائض هوية في التعليم
السبت 22 غشت 2015 - 23:52

محمد السادس يحكم المغرب منذ ست عشرة سنة. هذا زمن طويل بمعايير ما بعد الربيع العربي الامازيغي. فالملك يتجاوز الباجي قايد السبسي وعبد الفتاح السيسي والملك سلمان… انتهى زمن بقاء الحكام أربعين سنة على الكراسي لأن التربة السياسية لم تعد ثابتة بين المحيط والخليج.

بمناسبة ذكرى جلوسه على العرش وقف الملك على حصيلة عمله بنفسه. تحدث نصف ساعة وهذا واحد من أطول خطاباته. قال الملك أن مشكلته هي كون أرقام النمو الجيدة لا تصل لكل المغاربة بالتساوي. أضاف “النمو الاقتصادي لن يكون له أي معنى إذا لم يؤثر في تحسين ظروف عيش المواطنين. نحن ندرك حجم الخصاص المتراكم”.

في الحقيقة جل التقدم المغربي يجري في المدن وحولها. وهو يتركز في الشمال الغربي للبلاد في مثلث الدار البيضاء – طنجة – فاس. وهو تقدم صناعي وعمراني. وحتى حين يكون التقدم فلاحيا فهو مرتبط بالمدن التي تشتري من الفلاحين منتوجات كثيرة. بينما باقي البوادي البعيدة من المدن الكبرى لا تستفيد وتبيع سلعها للوسطاء بسعر منخفض. لذلك أحصى الملك أزيد من 24 ألف دوار (قرية) تعاني الخصاص وأعلن تخصيص أكثر من خمسة ملايير دولار لإنجاز حوالي عشرين ألف مشروع بغرض التصدي لمظاهر العجز الاجتماعي.

هكذا كان خطاب العرش في نهاية يوليوز 2015 اجتماعيا في جوهره. وهذا دليل على أن الملك لا يواجه مشكلة سياسية مباشرة بخلاف ما يجري في باقي الدول بين المحيط والخليج. وبالنظر للوقائع فالملك على حق. ففي المغرب ضعفت معارضة الحكم والحكومة. اكبر مظاهرة جرت في العاصمة طيلة العام الماضي شارك فيها أقل من خمسين شخصا وهم يحتجون على شيء صغير مثل منح وثيقة سكن صحفي مغربي غاضب في جنيف أو وقف غرامات على عدم الدفع المسبق في مواقف السيارات بالرباط. تقلصت الفجوة بين النظام والشعب. من يسمع قادة الأحزاب يجد التفافا شاملا وتمسكا دائما بالعرش العلوي باعتباره ضامن استقرار المغرب. وبغض النظر عن الحصة من الكعكة فاللاعبون الرئيسيون في وفاق تام. المشهد مستقر. وقد يبدو أنه مستقر اكثر مما ينبغي وهذا مقلق لمن لم يتخلص من حسه النقدي بعد.

لا يتحدث الملك أكثر من ساعتين في السنة بينما يزور مناطق كثيرة ويقطع آلاف الكيلومترات للوقوف على المشاريع والمشاكل بعين المكان وهذا ما جعله قريبا من الناس وخاصة النساء اللواتي شعرن في محطات كثيرة بأن الملك معني فعلا بتغيير ظروفهن، وقد كان لاعتقال المتحرشين بشابتي التنورة أثر نفسي كبير.

يركز الملك الجوال على زيارة المناطق تأكيدا على لحمتها ويتكلم قليلا لذا لا يتورط في لغة الخشب التي تدفع المستمعين لعدم التصديق. خطاب الملك هادئ يحث على المصالحة والعمل من اجل الوطن. وهذا اسلوب مؤثر في الناس. قال الملك لابناء الشعب “ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي” ومع طول النظر في عيني الملك وهو يخطب يظهر أن ما يقوله يشكل عبئا عليه وليس مجرد كلمات صادرة عن الحنجرة.

يقدر المغاربة الصمت والعمل. فالمغرب مل من الشفوي. لسان المرء حصانه. وقد تكلم الملك حوالي اثنين وثلاثين ساعة في فترة حكمه. كل خطاباته مكتوبة ولا يرتجل. لذا لا يقع في مواقف مستفزة تشعل الجو.

حاليا المغرب مرتاح مع حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية. يبدو أن التعاون مع الإخوان المسلمين أفضل من محاربتهم وادعاء سحقهم تماما. التيار الإسلامي هو الأكبر في المجتمع وفيه فصائل. ومن الحكمة تقسيمه بالتعاون مع فصيل منتقى منه بدل توحيده كاملا بحشره في الزاوية فتصعب مواجهته. حتى الإسلاميون يدركون فوائد وجود فصيل منهم في السلطة. فحين يكون فصيل سياسي إسلامي في السلطة تجد باقي الفصائل نفسها مضطرة لتسهيل مأموريته. حتى الفصائل التي تتبنى العنف السياسي تخفف قولها وفعلها. حين يتولى الإخوان الحكم يضعف السلفيون والجهاديون ويفضلون الرحيل للعمل في سوريا. حصل هذا في تونس والمغرب. في تونس منذ خسارة النهضة للانتخابات عادوا للعمل في تونس. إن شيوخ السلفية في مغرب اليوم والذين خرجوا من السجن بعد تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران لا ينتقدونه وهم لا ينتقدون أمير المؤمنين حاليا.

في ظل هذه الأجواء يجد الملك أن الجانب الاجتماعي هو انشغاله الاول وخاصة قضية التعليم المتعبة. وقد جلب لها الملك وزيرا من التعليم الخصوصي. فوزير التعليم الحالي هو وزير القصر الملكي في الحكومة. وهو يجري تعديلات على التعليم الأساسي الذي هو لب المشكل. ويبدو أن الوزير يواجه عوائق في تنفيذ إصلاحاته بسبب العقلية وفائض الهوية العربية الاسلامية فانعكست شكاويه على خطاب الملك.

وقد طرح الملك سؤالين:

الأول: لماذا يتسابق العديد من المغاربة لتسجيل أبنائهم بمؤسسات البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة رغم تكاليفها الباهظة؟

أجاب الملك: لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية.

هذا هو السبب إذن. وهو غير متوفر في حال السؤال الثاني وهو: هل التعليم الذي يتلقاه المغاربة اليوم في المدارس العمومية قادر على ضمان مستقبلهم؟

لم ينتقد الملك المدرسة العمومية المصونة لكي لا يثير جدلا مفترسا ويضيّع الهدف. قال إن المدرسة الخصوصية حققت هدفها وسكت. بقيت المدرسة العمومية. قال”ندعو لإصلاح جوهري لهذا القطاع المصيري، بما يعيد الاعتبار للمدرسة المغربية، ويجعلها تقوم بدورها التربوي والتنموي المطلوب”.

ما هو هذا الدور وكيف يتحقق؟

اولا تحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر ومن نزوعات التطرف والانغلاق. ثانيا تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات. ثالثا إتقان اللغات الوطنية والأجنبية. رابعا التمكن من التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع. خامسا تمكين المغرب من يد عاملة ذات كفاءات عالية، مؤهلة للعمل في مختلف المقاولات العالمية، خاصة منها التي تختار المغرب لتوسيع استثماراتها وزيادة إشعاعها.

ليتحقق دور المدرسة هناك شروط وعوائق. الشرط: تعليم مزدوج يضمن للشباب الحصول على عمل. والعائق هو رفض التكوين المهني لأنه يؤدي لمهن صغيرة. حسب العقلية المهيمنة كل متخرج يريد مكتبا، حتى المهندس الزراعي يريد العمل في المكتب.

الشرط: ينبغي التركيز على اللغات الأجنبية. والعائق هو الخوف على هويتنا. طمأن الملك حراس الهوية قائلا “الانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية”. وقد طالب الملك مزعجي الوزير بأن يظل إصلاح التعليم بعيدا عن الأنانية، وعن أي حسابات سياسية ترهن مستقبل الأجيال الصاعدة، بدعوى الحفاظ على الهوية.

هكذا يمكن لوزير التعليم أن يخترق أدغال هويتنا. والغريب أن المغاربة لا ينشغلون بالهوية إلا في المدرسة العمومية. حتى الذي يرسل ولده إلى مدرسة خصوصية يريد من المدرسة العمومية الحفاظ على هوية أولاد الجيران وبناتهم خاصة.

‫تعليقات الزوار

5
  • karmoun
    الأحد 23 غشت 2015 - 13:20

    Il n'y a pas un printemps arabo-amazigh.c'est printemps arabe je souligne mille fois ARABE

  • une maman
    الأحد 23 غشت 2015 - 14:30

    OUI bonne analyse je souhaite bcp de courage à monsieur belmokhtar et monsieur aziman ouf enfin nos enfants peuvent regagner notre chère école publique et viiiiiiiiiiiiiiiiive notre roi

  • mohamed cherif: france
    الأحد 23 غشت 2015 - 15:22

    مقال جيد وفقك الله للمزيد ، فالهوية الوطنية الأمازيغية العربية مصونة

  • latifa+
    الأحد 23 غشت 2015 - 23:11

    كل ما قيل صحيح سوى الجزم بنجاح المدرسة الخصوصية وتحقيق أهدافها / والمعادلة تختلف باختلاف الواجب الشهري المؤدى للشركة الخصوصية ومستوى طمع مؤسسي الشركة. المتغير الثاني كون الأباء عندما يؤدون يتابعون أطفالهم ويحاولون قدر بل فوق استطاعتهم مساعدة أبنائهم , أما الأصلاح الأساسي والأهم فيكمن في نقطتين , أولا توحيد المدارس ُانيا مراجعة نظام التقويم, متمنياتي بدخول مدرسي موفق للجميع

  • ملاحظ
    الإثنين 24 غشت 2015 - 16:55

    إن تدبير الشأن العام كما هو في دهن الملك وكافة الشعب، هو تغيير مجموعة من الوضعيات المؤزمة لأحوال الناس المعيشية والاجتماعية والارتقائية…ومن هنا صعبت المأمورية في كليتها..والسبب أخلاقي بالدرجة الأولى، وكما هو ملاحظ فهذا هو ما تشير إليه الخطابات الملكية..الأخلاق هي ثقافة تدبير الحياة: كيف نعيش وكيف نجتمع وكيف نرتقي…وحالتنا السياسية في بلادنا، وهي مربض الفرس إن لم نقل "أفراس"، تنقسم، ولا نقول تتمفصل، إلى ثلاثة كتل متنافرة: يمين ويسار وأصولية هوياتية..يكاد لا يوحدها شيء إلا المصالح والهواجس وانعدام الثقة..وكلها سلبيات تهد المواطنة وتدمرها…فمتى نصير شعبا موحدا ليس في تجمعنا ولكن في اجتماعنا؟ وشكرا لصاحب المقال المثير والمركز

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة