تخوفات على التدبير الانتخابي للعدالة والتنمية

تخوفات على التدبير الانتخابي للعدالة والتنمية
الأحد 30 غشت 2015 - 22:27

..ربما قبل توليه الحكومة، في المعــارضة يعني، على زمن حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، كان حزب العدالة واضحا من حيث الإعلان بأن اتخاذه لموقف “المساندة النقدية” من الحكومة على الرغم من لونها السياسي اليساري والاشتراكي، كان هو مساندته لخط النضال والتدرج الإيجابي في سلم الدمقرطة الذي سار عليه المغرب.

على الأقل من حيث رغبة الحزب في تأمين بعض شروط الاستقرار السياسي للحكومي وإعطاء الفرصة لبعض التيارات الآتية من رحم الحركة الوطنية والمعروفة بامتداداتها الشعبية والتي كانت تجسد خط النضال والوقوف في وجه السياسات التي كانت تستهدف المكتسبات الشعبية ولمسلسل إفساد العمليات الانتخابية وفبركة المؤسسات من خلال الأساليب التي كانت تلجأ إليها الإدارة عبر “إعانة” بعض الكائنات الانتخابية لكي تتصدر سبورة النتائج الانتخابية.

في الحكومة وعلى زمن الربيع العربي، ربما يكون حزب العدالــة والتنمية قد سار في نفس الاتجاه، من حيث إبداء رغبة مسبقة للتحالف وتشكيل الحكومة مع الأحزاب التي يرى فيهــا خدمة نفس مسار الدمقرطة وإعطاء نوع من الحمولــة النضالية لعمل الحكومة، من حيث مد اليد أمام كل من أحزاب الكتلة، غير أن الاتحـــاد الاشتراكي وفق قراءاته للوضع فضل الاعتذار عن المشاركة احترامـــا “بحسبه” لإرادة الناخبين التي اتجهت لاختيار حزب محافظ على شاكلة حزب العدالة والتنمية ولاحترامه أيضا لرغبة الناخبين التي عاقبت الاتحاد على جزء من الأداء، وحتى تعطى له الفرصة لإعادة بناء الذات والانكباب على الشأن الحزبي الداخلي.

بالمقابل سارت الأمور إيجابـــا مع كــل من التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال والحركة الشعبية على سبيل استكمال الفريق الحكومي، ورغم ما قيل عن براغماتية الحزب الشيوعي ووضعه للمنطق الإيديولوجي جانبا في اتجاه التحصيل على “كمشة” مناصب حكومية، إلا أن وقوفه واستماتته في الدفاع على الحكومة سيما إبان خـــروج حزب الاستقلال منها في ظرفية جد عصيبة، سيزيد من تقوية ارتباط الحزبين ببعضهما البعض رغم الحملات التي لقياها إثر تفجير قضايا ذات بعد “حقوقي وقيمي” والتي رأى فيها الحزبان نوعا من الاستهداف لتجربة تعايشهما والرغبة في تكسير عود تحالفهما، ستزداد مساعي ارتباطاتهما أيضا من خلال التواعد على الدخول في شبه تحالف مع بعضهما البعض ومع أحزاب الفريق الحكومي في الانتخابات الجماعية التي تجري رحاها حاليا، على الأقل من أجل إحراز رئاسة المدن.

لقد بدا واضحا على الأقل من خلال الحملات التي تجري حاليا، بأن الإيديولوجيا قد تم وضعها جانبا، سيما بعد المشاكل الداخلية التي يعرفها حزب الاتحاد الاشتراكي وانقسام صفوفه، وأمام تفاهم كل من التقدم والعدالة على “تسوية الوضع الإيديولوجي” بينهما وعدم الاعتداد به كثيرا إن لم نقل “تصغير” حجم المشاكل الناتجة عن “الأدلجة” وتركها على الهامش، كما أن مشاركة تيار “فيدرالية اليسار” ذي الحمولة اليسارية الاشتراكية لم تصل إلى مستوى مزعج إذ لا زالت تتلمس الطريق ويمكن اعتبارها مشاركة نضالية الهدف منها الرغبة في عدم البقــاء خارج الحلبة ومحاولة نهج سياسة الإحراج من الداخل.

وهو ما جعل العدالة والتنمية تتبنى خطابا جديدا يجعل من معركتها هذه المرة معركة مع الفساد والمفسدين، في عرفها هناك الآن في المغرب جبهتان متصارعان، جبهة الإصلاح ومن يهمه مستقبل البلد خاصة في ظل الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة نسبيا، وجبهة الفساد والمفسدين الذين لازالوا يعتقدون في إمكانية أن تبقى “ضرة المغرب” كلها لهم يحلبون فيها ومنها كيفما شاء لهم، وهو الأمر الذي بدأت تنتفي معه تلكم الصراعات التي كانت معلنة في السابق والتي كانت تدور رحاها حول الإيديولوجيا، بل على ما يبدو لم يعد الحزب يضع الحزب في سلم أولوياته هذا الأمر بقدر ما أن التحولات والمراجعات دفعت به لكي يعيد ترتيب أوراقه واختياراته.

من جهة أخرى، إذا ما نحن سايرنا أحزاب الأغلبية فيما تقـــوله فيمكن اعتبار أن الدولة ممثلة في الحكومة قد قامت بالعديد من الأشياء الإيجابية في اتجاه مرور الانتخابات في أجواء مستحسنة ومقبولة، إذ لم تعد الدولة تتدخل بالمباشر ولم تعد طرفا في إفساد العملية الانتخابية، إذ أن الداخلية أعطت تعليمات بعدم حتى توزيع الابتسامات في وجه المرشحين حتى لا يفهم من ذلك أن الأمر له علاقة بنوع من الميل لجهة معينة على حساب أخرى، في منطق البعض فالكرة الآن قد أصبحت في مرمى التيارات والأحزاب السياسية التي عليها أن تقوم بالمتعين في ما يخص النزاهة والاستقامة وعدم الدخول في منطق “البيع والشراء”.

المهم أن البلد قد حقق نسبة نزاهة مقدرة ومحترمة، وربما ما سيزيد من منسوب نزاهتها ووقوف السلطة على الحياد هو أنه لم تعد هنالك حاجة لكي تتدخل الإدارة للحد من قدرات هذا الحزب أو ذاك “فأبناء عبد الواحد” كما يقال قد أصبحوا واحد سيما بعد دخول العدالة والتنمية في الصف وظهوره بأنه ربما أكثر حرصا ودفاعا عن الملكية أكثر مما قد أبان عنه غيره، حيث أصبحت الكرة حاليا في مرمى الأحزاب السياسية الذين عليهم أن يظهروا خصوصا في “تدبيرهم السري” للعملية الانتخابية أنهم أهلا لكي يضطلعوا بمسؤولية الشأن العام والمحلي بعد المقتضيات الواردة في دستور 2011 .

بالتركيز على المنطق الجديد المعتمد من طرف حزب المصباح والمتمثل في محاربة جبهة “الفساد والمفسدين”، فالواضح أن الحزب قد أصبح موجها مدفعيته هذه المرة صوب هيئات “عمود المعارضة” فقط، أصبح الأمر له علاقة باستهداف كل من حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة وبشكل أقل حدة صوب الاتحاد الاشتراكي، صحيح أن بعض رموز هذه الأحزاب قد أبانت عن “قلة حياء” واضحة في ممارسة السياسة وانحدرت إلى مستويات غير مقبولة، غير أن “التحالف الحكومي” ربما لا يجب أن ينسي الحزب حقيقة معاركه التي لها علاقة بكشف الفساد والمفسدين أيا كانوا وأيا تكون الجهة التي يقفون فيها وعليها، نقول هذا مخافة أن تنزلق العدالة والتنمية إلى اعتماد المنطق القائل بكون “نقد الأصدقاء غالبا ما يكون على حساب الصداقة” فتلجأ حفاظا على “صداقاتها ” إلى اعتماد “سياسة الصمت” في حق سلوكات الحلفاء في مقابل الجهر والتشهير بالخروقات التي تمارسها أحزاب المعارضة، فتعطي بذلك لونا للفساد الذي تعرف قبل غيرها بأن “الفساد لا لون له ولا طعم”، إذ يعتبر مجابهته ضمن المقومات الأساسية لمشروع الحزب.

أيضا، ضمن الأمور التي يميل إليها زعيم المصباح الأستاذ عبد الإله بنكيران، كونه يرتاح أشد ما ارتياح إذا ما وجد الجهة التي يوجه إليها مدفعيته، سيما بعد ما لم يعد لخطاب المظلومية أي معنى في هذه المرحلة بعد شبه تطبيع العلاقة بين الحزب ودوائر القرار، ما بقي أمام الحزب هو الركون إلى إبراز الوجه المشرق لحصيلة الحكومة وتقديم “برنامج العمل” في ما يخص أشكال تدبير الجهات والجماعات كل بحسب مواردها وخصوصيتها وإلى إبراز جانب الإكراهات والخصوم… على أن التخوف كما هو بادي للعيان “في النقطة المرتبطة بمواجهة الخصوم” من أن تتحول السياسة من مجال لتقديم المشاريع والتصورات للنهوض بالأوضاع العامة او المحلية إلى ساحة للتضارب والتنابز و”شخصنة السياسة” مما ينم بأننا ربما بدأنا نعيش انتفاء الزمن الذي كان يُتحدث فيه عن “الأمور الكبيرة” وصار النقاش يتجه إلى شبه التناطح بين الافراد والزعماء السياسيون، حتى لربما سيكون للنتائج نوع من الطعم المرتبط بالانتصار الذاتي “لفلان على علان” بذل أن يكون الأمر له علاقة بالنجاحات المحققة في المشاريع وعلى القدرة في استقطاب المواطن وإقناعه بالتصويت على هذا المشروع أم ذاك.

http://freisma.com/zarhouti-blog

‫تعليقات الزوار

2
  • صلاح
    الثلاثاء 1 شتنبر 2015 - 09:41

    تستوقفني كتاباتك الأستاذ سعيد
    شكرا على عمق التحليل
    متابعة احترافية لأداء وسلوك العدالة والتنمية
    تخوفاتكم في الصميم
    نتمنى الإنصات من هذا الحزب
    وشكرا

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الثلاثاء 1 شتنبر 2015 - 21:20

    svp monsieur, soyer sincère ,votre commentaire est loin de la véritè .
    les marocains ont perder les pédales depuis que monsieur benkirane est chef de gouvrnement .
    je dis bien ,il mérite aller ailleur.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين