شارلي ايبدو ثانية:
حدد “اريك لوران” وزميلته مبلغ 3ملايين أورو- حسب المصرح به- لمشروع كتابهما عن المغرب الملكي،أو الملك ،أو الملكية؛الله أعلم ،فوحدهما يعلمان موضوع بضاعتهما المعروضة الآن على القضاء الفرنسي ؛بعد أن كانت معروضة للبيع؛وفق ماركيتينغ جديد وغريب.
انتهى زمن الكتابة المعرفية للقارئ،وللمعرفة الإنسانية عموما ،ودخلت بنا صحافة بلد الأنوار- بهذه النازلة- زمن الكتابة المصرفية ،التي تُحَكم الثمن في البضاعة،وليس العكس:
تحدد المبلغ الخيالي أولا ،ثم تجتهد في البحث ،ضمن المشاهير الأثرياء،أوالملوك ورؤساء الدول،عمن يدفع أكثر. لا قيمة للقارئ هنا ،ولا خدمة للمعرفة،ولا للشعوب ولا للسياسة. حينما يتحدد الزبون المفترض،تبدأ عملية إنتاج المعرفة المثيرة المقنعة بالسعر.
مخطئ من يتوهم العنكبوت مهندسة شبكات تواصل؛فهي لاتزيد على الاحتيال لمعدتها،بأوهى البيوت.
إضافة إلى كون النازلة الصحفية الفرنسية ،فتحا جديدا في مجال إنتاج المعرفة الذهبية ،فهي ،في اعتقادي، ثاني عمل إرهابي صحفي – بعد مأساة شارلي ايبدو، 7يناير2015- تتعرض له فرنسا.
رفعا لأسهمهما في جنة الخلد قرر الأخوان كواشي إعدام هيئة تحرير صحفية كاملة ،فكان لهما ذلك ،بسهولة؛نظرا لتمتعهما ،كفرنسيين،بكل الحرية التي تضمنها الجمهورية.وهي نفس الحرية التي تمتعت بها الجريدة ؛قبل أن يستبد منطق البورصة بإرهابيين.
نفس المنطق تحكم في “كاترين غراسيي” و”اريك لوران”؛وهما يُلَغمان قلعة الحرية الصحفية في العالم ،التي تمثلها بلاد الأنوار. كيف يصبح النقد السياسي بضاعة للبيع؟ كيف تتحول المعرفة السياسية الرصينة ،من تحليل الأنظمة وهي تشتغل ،وتقويمها ؛خدمة للشعوب وللديمقراطية والتنمية ،إلى معرفة سينمائية غرائبية،تعتمد الإثارة،وتحتكم إلى شباك التذاكر ،ليس إلا؟
لوران غِيت:
كيف يثق القارئ ،بعد الآن، في الكتابات السياسية التي تشتغل على سِير الملوك،الرؤساء،ومشاهير السياسة؟
أليس من حقه ،بعد “لوران غيت” هذه أن يتساءل ،إزاء كل كتابة من هذا القبيل:
كم قبض الكاتب ليمدح؟ وكم قبض ليهجو؟ ولماذا لم يكتب أصلا عن هذا أو ذاك؟ ولماذا كتب ثم سحب؟
وما هو قدر المصداقية في كل ما كُتب ،إلى الآن، عن مشاهير السياسة ورجال الدول؟
كل الأسئلة مشروعة،في الثورة المعرفية المتوحشة التي نعيشها؛حيث تحول المال عن دوره النبيل في إنتاج المعرفة ،بتيسير سبلها؛إلى مصادر لها ،وقاتل لجينات الكتابة الموضوعية .
لو تعلق الأمر بصحافيين شابين ،لم يتشبعا ،بعد، بالميثاق النبيل للصحافة ،في بلد “فولتير” ؛لما كان لنا أن نلجأ ،بهذه السرعة، إلى الشك “الديكارتي” في كل شيء؛بما في ذلك العقل نفسه ،أداة للشك؛لكنهما من لهاميم الصحافة ؛خبرا المنابر،العتبات والدواوين؛وكان لهما الفضل في تأسيس مدرسة للتقصي الصحفي السياسي،قاربت العديد من المجالات الجيوسياسية؛فمن أين السقطة؟
ألا يستدعي الأمر وقفة صارمة للجمهورية: مسيرة إعلامية وشعبية- فرنسية ومغربية- منددة بهذا الشكل الجديد للإرهاب الذي يغتال المصداقية والحرية؟
كتاب لايساوي3أورو:
تمهلوا ولا تخلطوا”لوران برمضان”،فالأمر يتعلق بكتابي الأخير عن الجزائر ؛وهو بعنوان:”الجزائر بألوان متعددة: صناعة الزمن الضائع”.
كتاب عَجزَ معاشي عن كلفة طبعه ،فعرضته رقميا، وبكل المجانية المطلوبة ؛خصوصا وهو يتوخى إقناع أكبر عدد من القراء المغاربيين – بالخصوص- بفساد الحكم في دولة الجزائر ،وبتقويض ساستها الرسميين لكل الجهود المبذولة لبناء مغرب الشعوب.إضافة الى رؤى شخصية بخصوص صحرائنا.
نازلة “ايريك لوران” وزميلته جعلتني أندم على هذا السخاء من متقاعد مثلي ؛يهدد بن كيران معاشه في الغدو والآصال. اطلب ثمنا لكتابك يارجل؛فقد ولى زمن العلم وأقبل زمن الذهب.
لكن مهلا ،تريثوا فأنا أعرف أن كتاباتي لا تساوي قطميرا مغربيا؛فكيف أطمع في تمر الجزائر وبلحها؟
وأعرف أيضا أن أشهر الكتاب الصحفيين العرب ؛لا يمكن أن يحددوا مبلغ3 ملايين اورو،ثمنا لكتبهم أو مشاريعها. بل لا أعتقد أن رئيسا أو ملكا عربيا يمكن أن تحمشه كتابة سياسية عربية ،فيسارع إلى خنقها بملايين الدولارات.
هل كان هيكل مثلا سيصدر كتابه “خريف الغضب” لو اهتم به الرئيس السادات ،وساومه عليه ؟لا أدري.
وهل قرأ السادات الكتاب أصلا؟
من أين غلاء السعر الباريزي ياترى؟ من أين تهور اريك لوران ،حتى يطلب كل ما طلبه؟
ومهما يكن فان الثقة العمياء التي نضعها في الكتابات الأجنبية ،واعتبار أن ما يصدر في باريز، وغيرها من عواصم العالم المتحضر،أهم بكثير مما يصدر في العواصم العربية ،وبأقلام عربية ؛مجرد وهم استبد بنا ،وحالة من ضعف الثقة بالنفس ألمت بنا ؛منذ اصطدمنا بالحضارة الغربية ،في القرن التاسع عشر،وبدا لنا أن مستقبل الإنسانية لا يمكن أن يلوح شرقيا مرة أخرى.
بدت لنا كل الكتابة الشقراء ،في منتهى العفة والصفاء ،وما هي إلا خضراء الدمن.المرأة الحسناء في منبت السوء.
Ramdane3.ahlablog.com
الثقافة العربية درجت ؛ ومنذ القدم ؛ على الكتابة الانفعالية ، أو بالأحرى الانطباعية بمفهوم ما تخلفه في نفس الكاتب ، أو كيف سيتفاعل معها ؟ فقد لا تأخذ منه أكثر من قراءة سطور ، أو مجرد عناوين من دون أن يكلف نفسه عناء البحث في المرجعيات والمصادر الموثوقة سيما منها الفرنسية ، والوقوف على خلفيات الكاتب الفرنسي وحيثيات العرض/الفخ ،،، وما الى ذلك ولكن بشيء من الموضوعية دون محاباة أحد أو طغيان النرجسية الوطنية والانتصار للعلم المغربي من باب أنصر " أخاك ظالما أو مظلوما " ، ولا يعني هذا مطلقا أني أزكي طرح هذا الطرف دون آخر ، أو أنزع مني الروح الوطنية ،،، ليس هذا ولا ذاك ،،، فقط نتطلع إلى كتابات رصينة وموثقة إن اقتضى الأمر ذلك ، لا أن ندبج مقالات في طرفة عين لمجرد سماعنا بالنبأ أو طالعتنا قصاصات منه ، هذه تدعى بالكتابات الانفعالية ، أنشر هسبريس .
هذا الحدث يمكن ان يغير نظرتنا الى انفسنا و الى الاخرين، لا بد ان نقرأ مشاكلنا بعقولنا لا بعقول الاخرين ،لا بد ان نثق في قدراتنا التحليلية الذاتية لتاسيس وطن حر مستقل. فرنسا اعتقلت هذا الصحافي المفترس ليس لتهمة الابتزاز فحسب ، و انما ايضا لاغتصابه حرية التعبير.
ماهو الدافع من وراء إبتزاز رئيس دولة ؛ المال ليس دافعا في حالة " لوران " وزميلته إنما غاية !
على أي ؛ تبقى المتاجرة بالهوية أفدح بكثير من المتاجرة بالمعرفة ؛ أيا كان صنف المعرفة !
المقصود ليس ابتزاز الملك وانما تحول الامر لهذا بغية احداث ضجة اعلامية تغطي عن المفسدين الحقيقين الواردة اسمائهم في الكتاب ولا اعتقد ان الكاتب هو من بادر الى المطالبة بالفدية وانما تم اطماعه بهذا المبلغ الضخم الذي سوف لن تحققه مداخل بيع الكتاب ولو تمت طرجمته الى مليون لغة
لا أريد أن أكون قاسيا مع الصحافة وأهلها، ولكني أجدني مضطراً بمناسبة الكلام حول قضية الصحفيين الفرنسيين المتهمين بالابتزاز أن أذكر بأن علاقة الثقافة، والصحافة جزء لا يتجزأ منها، بالسلطة كانت ولا تزال تقوم ، غالبا ، على تبادل المصالح. ألم يتحفنا التراث الشعري العربي في الجاهلية وبعدها بروائع المدح والهجاء المنظومة في حق السلطان مقابل الذهب والفضة أو مقابل القرب والجاه ؟ تغيرت الدنيا كثيراً وبقي الانسان ضعيفاً وطماعا. وأصبحت الصحافة في ظل العولمة مؤسسات رأسمالية هدفها ومحركها الاول هو الربح المادي، تستمد قوت يومها من الإشهار والدعم المباشر أو غير المباشر للدولة أو مراكز القوة السياسية والاقتصادية. ومع تغول العولمة وإدراج المنتج الثقافي والصحافي على لائحة التبادل الحر، بضاعة كغيرها من البضائع ، يحاول البعض إرساء مبدأ الاستثناء الثقافي لحماية الإبداع من الجشع والتبضع. لكن لا أرى أملا بهذا الصدد…