أسئلة الربيع العربي : أفول زمن التغيير الثوري

أسئلة الربيع العربي : أفول زمن التغيير الثوري
الأربعاء 6 يناير 2016 - 10:31

في غمار نشوء عمليات التغيير المتمنعة التي رافقت موجات الحراك العربي السياسي الثوري خلال التظاهرات وحركات الاحتجاجات الشعبية الناقمة في ميادين التحرير في تونس والقاهرة وليبيا والمغرب واليمن وسوريا والبحرين والسودان، ظهرت مفاهيم جديدة، موجات غير مسبوقة من الرفض للأوضاع القائمة في البلدان المعنية، اتساقا مع ما يشهده العقل العالمي من طفرات ديمقراطية مؤيدة لممارسة مهام عولمية لتعزيز حركات الإصلاح ومساندتها في البلدان الأصلية.

ومن أجل استعادة ما سمي ب”الحوكمة الذاتية” في عصر استبدادي استحكمت فيه الامبرالية المتوحشة وهيمنت الثروات والتسلط المالي، اضطرمت نيران الحراك العربي الشعبي مطالبة باستعادة الكرامة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، مخلفة وراءها كما هائلا من الأسئلة، جاءت كرد فعل لتجاوزات النخب وسوء تقديرها لمآل الربيع العربي الذي أضحى خريفا في كل البلدان التي زارها الحلم الثوري وارتدت عن هطولها معالم الجني بعد انقضاء علامات الحصاد.

ومن بين الأسئلة الحاسمة وسط ركام الضمور السائد بعد استئثار الدم والرصاص على السلم والجنوح إلى التظاهر الفاتر، هل تحجب قطيعة تبديد التغيير الثوري كل معالم الارتهان على منظومة متجددة للحراك، خصوصا بعد تطور إجراءات صارمة في فرض الرقابة على الانترنيت وممارسة السيطرة على إمكاناتها في تعزيز التوهج الإصلاحي أو الثوري؟.

التحولات البديلة التي راكمتها تجارب بلدان الربيع العربي لم تف بتعهداتها، انطلاقا من الأهداف التي أطرت آفاق الإصلاحات المنتظرة، إما بالإبطاء في تشكيل منظومات ناجعة من أجل تنزيلها وتتميمها، أو بالنظر للعجز البائن في سياسات الحكومات التلفيقية التي لاتختلف عن سابقاتها في سوء تدبيرها للسياسات العمومية أو نكوصها عن التعهدات بإصلاحات مفصلية وعميقة تمس بالدرجة الأولى السلم الاجتماعي والقدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات من ذوي الدخل المحدود.

صحيح أن الفورة الشعبية في بعض الدول العربية ومنها تونس والمغرب حدت وبشكل نسبي من مستوى الانهيار الذي أصاب تماسك مفهوم “الدولة” فيها كما قلص من مكارثية سيرورتها. وهو الأمر الذي لم تسلم منه دول عربية أخرى مثل سوريا وليبيا واليمن، التي تجهل سيناريوهات مستقبلها المسكونة بالإحباط.

وصحيح أيضا أن محاولة تقييم أو مراجعة لمستويات قراءة صور الربيع العربي يعوزها التشخيص الدقيق للمؤشرات التي سبق رصدها من قبل أخصائيين سوسيولوجيين وأنثروبولوجيين، وحتى من مهتمين بالعلوم السياسية والاجتماعية، والتي يمكن تلخيصها في وجود طغيان جارف وسلطة قهرية شمولية تحكم البلدان العربية لاتمتلك رؤية ولا نظاما تنمويا متكاملا. تحلحلت كياناتها بعد ثورات الربيع العربي بسبب هشاشتها وسطحيتها. منها من صمد تحت سوط القهر والعذاب، ومنها من سقط بعضه ولم ينفذ لقاعه شيء، فعاد الواقع ممثلا في الدولة العميقة، التي كرست ظلا مهووسا لاستعادة الكراسي تحت عنف العسكرتارية وفتنها بالإغراء ثارة بالمال والجاه والسلطة وأخرى بالحديد والنار. ثم احترقت أدوار منظمات المجتمع المدني من قبل الغالبين بعد أن تم تدمير كل مدخرات القوة الرمزية لديهم وتشتيت قدراتهم وإضعافهم إلى غير رجعة.

مؤثرات هذه الخلطة العجيبة على أجيالنا العربية سيكون كارثيا بكل المقاييس، لأن القدرة على إعادة التشكل، عديمة الجدوى، لن تتحقق بوجود عوائق تاريخية ونفسية شديدة التأثير على الوجود العقلاني لفئة الشباب على وجه الخصوص.

كيف نستعيد القدرة على البناء في وجود حائط شاهق من الارتكاسات، يخفي خلف مساحات معتمة مصيرا مجهولا لوطن تندس بين جنباته الغائرة قطيعا من الملفقين الانتهازيين الذين يحولون دون التماس حد أدنى من منافع الديمقراطية أو التحول إليها؟.

كيف نواجه المستقبل في غياب روافد تصحيحية للإكراهات التي تدمر علاقتنا بالآخر وانتماءنا للهوية العربية والإسلامية؟

ما مدى قدرتنا على مواءمة قطائعنا الثقافية والحضارية بالتغيرات والتبدلات الكبرى التي شهدتها ديمقراطيات العصر الجديد و”العقل الكوني” الذي أضحى مؤسسة إنسانية كاملة التجسيد للحقوق والالتزامات الدولية؟.

كيف نتخلص من عقد الماضي ونتعدد بتعدد التوجهات والتيارات الفكرية والعقلية؟

هل سنبقى متخفين خلف مسلكية واحدة قوامها السلطة الواحدة والمآل الواحد؟

ثم هل تسقط نظرية التغيير الثوري في ظل استئثار القاعدة الشهيرة :” من أجل تحسين قدراتك في مجال اتخاذ القرارات الاستراتيجية الحاسمة يجب أن تقوم بعملية تفكيك عميقة وفعالة لتحصين هويتك من الانقراض”.

*إعلامي وباحث من مراكش

[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • رضو١ن
    الأربعاء 6 يناير 2016 - 13:51

    خلاصة الثورات العربية أو ما يسمى بالخريف العربي هي أن العرب أرادوا أن يغيروا حالهم فغيروا حكامهم ونسوا أن يغيروا ما بأنفسهم.

  • جواد الخريبكي
    الأربعاء 6 يناير 2016 - 13:58

    الربيع العربي عندما اتت الثورات المضادة التي مولها الغرب وقادها بنو علمان تم تخريبها
    بشار الاسد يلقب في الكيان الصهيوني بملك اسرائيل وهناك دعم لهذا الدكتاتور
    للبقاء رغم القتل واكبر عملية تهجير يدونها الان التاريخ و في تونس تم القيام بعملية ثورة مضادة قادها بنو علمان انصار بن علي واما مصر انقلاب وتواطىء الغرب المنافق لان سكوتهم من اجل خدمة مصالحهم و في العراق بعدما تم غزوها من اجل احلال الدمقراطية المزعومة هي الان تعيش اسوء من ايام تواجد صدام حسين بعشرات المرات هذا هو الاختصار والزبدة التي تحدث في عالمنا العربي ان تكون خادم للغرب سيكون مرضي عليك حتى لو ابدت شعب بالكامل المهم عندهم مصالحهم ان تكون في مأمن

  • علماني والعياذ بالله
    الأربعاء 6 يناير 2016 - 15:03

    الذي اجهز على هذه الثورات هم الإسلاميون الذين انتظروا(حتى سخن الطرح) لكي ينقضوا عليها بمباركة الأنظمة الوهابية (قطر والسعودية) حتى يمنعوا رياح العلمانية من الوصول إليهم . أما إلانظمة التي تسميها ظلما وعدوانا بالعلمانية فهي لا تعدوا عن كونها استبدادية متخالفة مع الفقهاء,لأن العلماني لا يستفغل المناسبات الدينية للظهور والدعاء له بالنصر والتمكين….امين.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس