اختناق حزب الأصالة والمعاصرة (3)

اختناق حزب الأصالة والمعاصرة  (3)
الأربعاء 6 يناير 2016 - 14:44

حينما تحرك المجتمع إثر تحرك الشارع العربي، وقعت خلخلة سياسية داخل حزب الأصالة والمعاصرة وكان ضروريا أن يكون الانعراج السياسي ومعه الفكري (الاديولوجي)، ولكن هل استطاع قياديوه أن يعطوا لهذا الانعراج زمنه الافتراضي ليتحول إلى دافع يؤكد شرعيته؟ فحينما اشتد الهجوم توارى البعض، وبقي الحزب من خلال آخرين يقاوم ليس فقط أعدائه الخارجيين ولكن مقاومة غموض طبيعة اختيارات مكوناته الداخلية، وأصبح الجميع أمام حزب قديم جديد، حزب قديم لأنه فشل في أن يجعل الماضي حاضرا في الحاضر، وحزب جديد فشل في المجيء بالماضي إلى الحاضر، وهذه الضبابية جعلته يميل إلى الدخول في المعارك لتغييبه للإيديولوجية لفائدة السياسي، وكأن دوره مختزل في الدفاع عن الاستقرار، عن الدولة وعن النظام، وهذه ليست مهمته لوحده حتى يحاول الانفراد بها أو في بعض الأحيان فقط ليتباهى بها، بل هي مهمة جميع الأحزاب ما دامت أنها قبلت الاشتغال في ظل الثوابت الوطنية، مما أثار حنق الآخرين وصعد من عداوتهم لكونهم يعتبرون هذا الدور ضمن شرعيتهم التاريخية حتى قبل وجود هذا الحزب ومن تم لا يجوز لهذا الحزب أن يحتكر وحده هذه المهمة، ثم من قال أن النظام يحتاج إلى جيش آخر، أو حتى إلى طابور خامس، هل كان يجب على هذا الحزب أن يتواضع وأن يقوم بدوره الذي يلاءم طبيعة مبررات وجوده الأولى والكامنة في جذب المثقفين إلى السياسة والعازفين إلى صناديق الاقتراع؟ ودون أن نشعر ولأن من شروط الأصالة الإتباع (أو كما قال أحدهم إتباع المنحى يفضل الخطابة عن الكتابة) تمادينا في الخطاب وأحجمنا عن الكتابة، نتج عنه إحجام عن التفكير، لكون الآخر الرافض لهذا الحزب أصبح محوريا في حركية هذا الحزب، يدعي شعار الأصالة منفردا له وحده، وينازع حزب الأصالة والمعاصرة لينتهي إلى إلغاء شرعية هذا الحزب، فالملك أمير المؤمنين، والإسلام مرجعية الحزب الآخر، لكنهم تغافلوا على أن هذا الحزب رغم مرجعيته الإسلامية لا يضم كل المؤمنين الذين يجعلون الأمير أميرهم لوحدهم، فكل المغاربة مؤمنون وليس كلهم أعضاء في الحزب الآخر، ومن المغاربة من هم في الأصالة والمعاصرة وأمير المؤمنين أميرهم كلهم وليس فقط أميرا لمؤمني الحزب الآخر، لذلك كان حزب الأصالة يقاوم هذا المنطق الاحتكاري، فالأصالة مرتبطة بطبيعة ثقافتنا الوطنية المبنية على التنوع الثقافي والسياسي، و هذا التنوع يتمأسس على وحدة الثوابت، أما العلاقة مع الدين فكثيرة الإفرازات، تارة تتشدد وتارة تتمدد، في كثير من الأحيان يعلو على السلطة (لن أحرم ما أحل الله ولن أحل ما حرم الله) أو يضغط على السلطة من الأسفل (المساواة في الإرث وحقوق القوارير) ، فالملك أمير المؤمنين أي مرتبط بالدين، والسياسة من شؤون دنيانا أو كما قال الغزالي ( لا يستمر الدين إلا بالدنيا، والملك والدين توأمان، فالدين أصل والسلطان حارس، ومن لا أصل له فمهدوم، ومن لا حارس له فضائع)، مما يجعل الدين مرتبط بالسياسة وتجسدها إمارة المؤمنين.

لذلك كان الآخر يحاول أن يهيمن على مفهوم الأصالة بكل مكوناتها من خلال مفهوم صنعه لها كأنه يخلق الأصنام ويعبدها، غير أنه لا يدعي أنه يوظف الدين في السياسية، ولكن الدين محور لغته وأساس خطابه وأسهل الطرق اللغوية للوصول إلى قلوب الناخبين، بل يجازف في بعض الأحيان إلى حد الارتطام بشرعية النظام الدينية فتبنى خطابا مزدوجا، قيادييه مدافعين أشاوس على النظام وقواعده يعتبرون أن شرعيتهم في الدين محتكرة لهم، وكانت تكفي هذه الازدواجية ليكونوا في السلطة والمعارضة ليسيروا الشأن العام ولا يتحملون مسؤوليته، نفس خطاب الشيوعيين يرتكبون الفظائع ويحملون المسؤولية للبروليتاريا النبيلة؟ أليست هي الطبقة المنتجة بحق؟ أليسوا هم الأقرب إلى الله من الشعب كله و كأنهم حزب الله المختار؟ فوجد حزب الأصالة نفسه أمام خطاب ينازعه في الدفاع على الملكية، فاستعمل ضدهم اتهام التقية، غير أنه حكم لسوء الحظ لا يمكن أن يصدر إلا عن محاكم التفتيش التي تراقب الضمائر.

وحين كان حزب الأصالة والمعاصرة يتهم من الطرف الآخر بتهمة الخروج عن الدين، كان حزب الأصالة يتهم الحزب الآخر بالسعي إلى إرجاع الخلافة، أي بإرجاع الأصالة في تقليدانيتها المفرطة المتجاوزة، فيحتمي الحزب بمعاصرته في الدفاع عن الدين فهي أسهل السبل لإخراج الدين من السياسة أو على الأقل لتلطيف دوره داخل السياسة، لكون السياسة كلام البشر وليس عنف القدر، فالسياسة مجاملة وتنازلات، صدق إلى درجة الكذب، يتحكم فيها الحاضر ويندحر فيها الماضي، فتعجز الأصالة أمام احتياجات البشر واحتياجات المواطن، غير أن تبني الأصالة أحسن منفذ لإدخال الدين في السياسية، فالمطر ليس من أمر السياسية بل من أمر القدر، و كذلك الجفاف إذا عم فهو من أمر القدر فلا يمكن أن تعاقب على نتائجه الحكومة، وبشكل آخر حينما يتسرب الدين إلى تفاصيل السياسة فإن العلاقة بين الحكومة والسماء تلغى فيها القوانين والدساتير والخطط الاقتصادية والبرامج المالية، فتصبح الحكومة مسؤولة أمام السماء والقدر، ولما لا متعاطفة مع أبناك دولية تمكنها من أموال الكفار لإنقاذ المؤمنين، فالحزب يحمل شعار المعاصرة، والرأي العام يتحمل باسم الأصالة سياسة الحزب الحاكم، والحزب يعارضه باسم المعاصرة، وفي آخر المطاف تذوب السياسة في هذا الخلاف ويتحكم الحزبان في المشهد السياسي، بل يلغون الآخرين، فيصبح الاثنين متبوعين والباقي تابعين وهذا مخيف.

إن الحديث عن الإيديولوجيا لحزب الأصالة والمعاصرة يجعلنا نجزم أن هناك غياب لمفهوم الإيديولوجيا بشكلها التقليدي فانسحبت لتفسح المجال للسياسة فتحولت السياسة إلى إيديولوجيا مواجهة هدفها ضرب الآخر بدعوى أنه يجر المغرب إلى الماضي، بينما حزب الأصالة والمعاصرة جاء ليجر المغرب إلى المستقبل وكلاهما صعب المنال، لأنه من حسن الحظ أن هذا الصراع لا يستطيع لوحده أن يحسم تاريخ حاضر المغرب، لذلك كان في حديثنا عن إيديولوجية الأصالة والمعاصرة أن نقحم الآخر، لكون الآخر ساهم في بناء الخطاب السياسي لحزب الأصالة دون أن يدرك أو يرغب في ذلك، بينما كان الآخر يتحمل مواجهته مع الحزب ليس لأنه حزب فقط، ولكن لأنه يعتقد أن هذا الكائن حجرة “كأداء” بينه وبين القصر، بينه وبين إمارة المؤمنين، أي بينه وبين الإمامة العظمى، وهذا ما يجعله هو نفسه يبني كثيرا من نقاشاته السياسية وتوجهاته الإيديولوجية ليس فقط عن مرجعيته الدينية ولكن عن وجود هذا الحزب وطبيعة علاقته بإمارة المؤمنين مما يبرر أننا حينما نناقش الإيديولوجيا عند حزب الأصالة والمعاصرة نناقشها في علاقة الحزب مع الآخر، وهي علاقة الصراع، والصراع يحتاج إلى فكر غير أنه تحول بين هذين الطرفين من الفكر إلى المواقف الظرفية وهذا ما ألغى الفكر، و ألغى الإديولوجيا لفائدة السياسة، لفائدة المواقف الظرفية، كأنه نقاش في نادي ثقافي وليس في الساحة السياسية.

*محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة

اختناق حزب الأصالة والمعاصرة (1)

اختناق حزب الأصالة والمعاصرة (2)

‫تعليقات الزوار

5
  • محند
    الأربعاء 6 يناير 2016 - 18:23

    افهم من الاصالة:
    تحرير الانسان المغربي وارضه من الجهل والامية والفقر والعبودية والاستبداد والفساد ومختلف الامراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهذا يمكن تلخيصة في العيش في الكرامة عاليا الراس على ارضنا.
    و افهم من المعاصرة:
    الاهتمام بالتعليم والعلم والمعرفة والعلوم والتكنولجيا وتطبيقها على الارض في مختلف المجالات كالتصنيع والفلاحة والبحرية والجوية والفضاء. والهدف الاسمى هو تحسين ظروف العيش لجميع المواطنين كيفما كانت مرتبتهم والرفع من رفاهيتهم لكي يعيشوا كرماء على ارضهم وبين الامم. اضافة الى هذا يجب احترام حقوق الانسان والحيوان والبيءة لكي نعيش في توازن تام. واخيرا يجب الانفتاح على الامم الاخرى بدون التبعية العمياء لكي نستفيد منهم ويستفيدون منا لخدمة الانسانية جمعاء. وهل حزب البام والاحزاب الاخرى تتبنى ما ذكرت? وماهي الاهداف والقيم النبيلة التي يناضلون من اجلها?

  • Tamzgha
    الخميس 7 يناير 2016 - 10:08

    شخصيا لما ارى بعض الوجوه التي تشتغل و تناضل في هذا الحزب اصاب بالفزع. شخصيات هدفها تمسيخ ثقافة المجتمع و هويته و تعمل بكل ما اوتيت من جهد من اجل تكريس هوية او هويات مستوردة على حساب هويتنا الاصلية , وكان مجتمعنا لا ينقصه سوى التعري و المناصفة في الارث ليصل الى مصاف الدول المتقدمة كالمانيا و اليابان.
    مرجعية و اديولوجية حزب البام التي يتسائل عنها الكاتب هي محاربة الثقافة المغربية المحافظة و المتدينة, والاستاذ المحترم اشار الى ذلك بطريقته.
    ربما قد يستطيع هذا الحزب ان يغير مابقي من القوانين التي تستمد الشريعة الاسلامية و سيعمل على اصدار قوانين علمانية بفضل سيطرته على المجالس و اللجان الحقوقية التي تعمل في ذلك الاتجاه. لكن المشكل الخطير هو ان هذه الامور ستفقد الشعب بوصلته و سيصير المغاربة كالايتام في مادبة اللئام, لا دين لاملة.
    العجيب في الامر ان الشعب يعرف هذا الحزب جيدا و رغم ذلك اعطاه عددا مهما من الاصوات و حصل على المرتبة الاولى او الثانية في الانتخابات, اذن نستنتج ان الشعب يحب هذا الحزب , لذلك لا يحق لاحد ان يشتكي ان اصبح اعيان البام يحكمون البلاد بطريقة ستالينية لينينية.

  • محمد
    الخميس 7 يناير 2016 - 13:18

    كلام غير مفهوم و يحمل كثير من الإشارات و الشفرات الموجهة لجهات معينة.

    لا أفهم لماذا يتقاسمها مع الرأي العام؟؟؟

    أنت يا أخي بجميع مكوناتكم غير مرغوب بكم سواء بماضيكم و حاضركم ، و لا نتمنى لكم التواجد في العمل السياسي لأنكم سبب العصا في الرويضة لعجلة الإصلاح التي بدأت مند مجيء حزب من الشعب- البيجيدي.

    أنصحكم أن تتركونا و شأننا ، فنحن شعب بسيط، لا نفقه لا في عالم اللوبيات و لا في عالم المخزن؛ نريد أن نرى بلادنا تستقر وتصلح تدريجيا و تتدافع نحو التقدم … فارحلوا عنا

  • Rostom
    الخميس 7 يناير 2016 - 13:45

    il ne faut pas confondre maroc moderne et maroc contemporain … le maroc contemporain (معاصر) n'est pas moderne (عصري). Nous sommes encore très loin

  • المودن
    الأحد 10 يناير 2016 - 20:53

    الدول المتخلفة تعيش التبعية العمياء،ويمارس عليها الاستعمار والاستيلاب بكل أنواعهما،ورغما عن أنفها فلا أصالة ولا معاصرة في واقعها الذي يعرفه الصغير والكبير،الاأن التنظير والعيش في عالم المثل لابد منه لهذه الدول للترويح على النفس والابتعاد عن الاختناق.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة