الإكراهات الهيكلية للنمو الاقتصادي بالمغرب

الإكراهات الهيكلية للنمو الاقتصادي بالمغرب
الخميس 28 يناير 2016 - 14:26

على الرغم من أننا لا نملك لا نفطا ولا غازا ولا ذهبا, إلا ذكائنا وسواعدنا وبعض الموارد القليلة ومغربيتنا بطبيعة الحال, يمكن بالتأكيد لأي ملاحظ أن يشهد على عظم ما حققه المغرب من خطوات عملاقة في سلم النمو والنهضة بين الأمم, ما يجعلنا مليئين بالفخر كلما وضعنا أنفسنا في السلم المقارن للدول, خاصة تلك الغنية منها بكل الموارد التي لا نملكها, بما حققناه ولازلنا, مقارنة مع مع هي عليه, وذلك في شتى المجالات.

إلا أنه على الرغم من كل المنجزات التي حققناها, والتي بدأت منذ عقود من الزمن, بفضل النتائج المشجعة التي يشهدها تطور قطاعات جديدة كصناعة السيارات والطائرات والخدمات وغيرها من القطاعات الغير الفلاحية عامة، لا يجب أن نتوانى في جهودنا أو أن نتراجع في سقف طموحاتنا وأمالنا في هذا السبيل. وهو ما يجعلنا نذكر أنه من الممكن, بل من اللازم, تحقيق منجزات أفضل في هذا المستوى.

حيث أن المتتبع لمعدلات النمو التي يحققها اقتصادنا الوطني, خاصة في العشرية الأخيرة, يخلص إلى أنه لا يتجاوز 5 بالمائة في أحسن الأحوال. ولابد هنا من التذكير بمفارقة أساسية في النموذج الاقتصادي المغربي، مفادها أنه على الرغم من تحقيق المغرب لمعدل استثمار من بين أعلى المعدلات في العالم (31.7 في المائة من الناتج الداخلي), يظل معدل النمو فيه دون المستويات المرجوة، حيث يبقى أثر حجم الاستثمارات المنجزة محدودا في التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني.

وبالإضافة إلى ضعف القطاع الخاص وافتقاره لنسيج قوي وكثيف من المقاولات الصغيرة والمتوسطة خاصة في المجال الصناعي، يضل معدل النمو الاقتصادي ببلدنا مرتبطا ارتباطا عضويا بالتساقطات المطرية والإنتاج الفلاحي, وهو ما سنعيش تجربته من جديد، حيث نلاحظ تراجع فرضيات معدل النمو لسنة 2016 لما نعيشه من انحباس الغيث من السماء.

إن معدلات النمو مؤشرات مركزية في سلم نهضة الأمم الاقتصادية وتطورها، وفي معترك التنافسية الدولية لأي بلد من حيث قدرته على ربح نسب من السوق أكبر فأكبر، وهو ما يستدعي أن نطرح السؤال الهيكلي : ما الذي يعيق نمو الاقتصاد الوطني ؟ والذي سنحاول من خلاله تشخيص المعيقات والمثبطات أمام النمو الاقتصادي بالمغرب، والحلول الممكن تبنيها للرفع من معدلاته في المدى القريب والمتوسط.

وفي سياق الإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى عديد من الدراسات الدولية حول الاقتصاد الوطني، خاصة دراسات مؤسسة البنك الإفريقي للتنمية، والتي يمكن إزائها استخلاص سببين أساسين مرتبطين بالمعطيات الهيكلية : أولهما يرتبط بضعف رصيد الرأسمال البشري الوطني, وثانيهما يتعلق بالأخطار الميكروقتصادية المرتفعة التي يعاني منها اقتصادنا الوطني.

بالنسبة للسبب الأول، فهو يتمثل في المستوى الضعيف للتربية والتعليم الذي تنتجه مؤسساتنا التربوية والتعليمية, وهو ما يظهر جليا في مختلف المؤشرات التي تتعلق بالهذر المدرسي ونسبة ولوج التلاميذ للمؤسسات الجامعية وغيرها من المؤشرات, خاصة تلك التي تبرزها المباريات الدولية المقارنة. بالإضافة إلى هذه المؤشرات الكمية، لابد من المساءلة حول جودة التعليم وتملك الخبرات وقدرة مراكز البحوث على البحث والإبداع، ومدى مساهمة المقاولة المغربية في البحث والتطوير. كل هذه المؤشرات التي نعاني فيها تراجعا ملحوظا لها آثار سلبية على تنافسية الشركات ونمو الاستثمار وجاذبية الاقتصاد الوطني.

أما السبب الثاني المتعلق بالأخطار الميكروقتصادية المرتفعة التي يعاني منها اقتصادنا الوطني, والتي تتحدد في ثلاث مثبطات هي القضاء والنظام الضريبي والتقنين المتشدد لسوق الشغل. أما فيما يخص القضاء, فلا حاجة للتذكير ببيروقراطيته, وبطئ مساطره، مع فقدانه لثقة الفاعلين الاقتصاديين, بما لا يشجع على الاستثمار والمقاولة. أما بالنسبة لإشكال النظام الضريبي، فعلى الرغم من كون الثقل الضريبي في المغرب ليس كبيرا مقارنة مع العديد من الدول، إلا أن المستثمر, خاصة الداخلي, يعتبر الضريبة في المغرب كبيرة وثقيلة، مع إحساسه بتعقيد زائد يجعل الرؤيا غير واضحة أمام المستثمر. وهو ما يستدعي القيام بمجهود كبير خاصة في مجال خدمات إدارة الضرائب وعلاقتها بالمستثمر والمضربين عامة، من حيث عصرنتها وتبسيطها وتجويدها. أما فيما يتعلق بالمعيق الثالث, وهو التقنين المتشدد في مجال الشغل، فيتعلق بإثقال كاهل المشغل برزمة عملاقة من الإكراهات، ما يجعل التشغيل مغامرة حقيقية. وهو ما يستدعي تحرير هذه العلاقة وجعل السوق كفيلا بخلق التوازن فيها، مع ضرورة مساهمة الدولة في إيجاد الحماية اللازمة للمستخدمين، من خلال تفعيل مؤسسات الحماية الاجتماعية والتعويض عن فقدان العمل وتشجيع المقاولة.

*أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق

‫تعليقات الزوار

3
  • طالب إقتصاد
    الخميس 28 يناير 2016 - 21:53

    مقال رائع يا أستاذ , فمن حسن حظ بلدنا أن ثمن البترول يشهد تراجع مهول مقارنة بالسنوات الفارطة مما يخفف من عجز الميزانية .

  • عبد النبي
    الجمعة 29 يناير 2016 - 12:21

    مقال مميز الأستاذ عبد النبي مزيدا من التألق والعطاء فقط أريد أن أقول أننا لا نزال متأخرين في مجال الحكامة وترشيد النفقات ومحاربة الفساد والريع بمختلف ألوانه وأشكاله، وكذلك عدم التوزيع العادل للثروات، وضعف مستوى التعليم العمومي خاصة. المهم لا بد من تدخل الباحثين والمحللين وتشجيع البحث العمومي.

  • يونس
    الأحد 21 فبراير 2016 - 13:48

    شكرا جزيلا استاد على المقال.
    اظافتي هي ان تشجيع المقاولات الصغيرة وحده غير كافي. في نظري المقاولات الصغيرة يجب ان تكون مؤطرة من طرف المقاولات الكبيرة ولما لا المساهمة فيها لتكامل اقتصادي. يجب وضع امتيازات لشركات الكبرى التي تؤطر وتساهم في المقاولات الصغرى حديتة النشئة.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات