حديث ذو سجون

حديث ذو سجون
الأحد 17 أبريل 2011 - 08:24

“فرق كبير أن تعيش في السجن، وبين أن يعيش السجن فيك”.. تذكرت هذا المقطع البليغ من إحدى روايات نجيب الكيلاني وأنا أتلقى خبر الإفراج عن 190 معتقلا يتوزعون على ملف خلية بليرج، وملف ما يُسمى بالسلفية الجهادية..وآخرين..لقد كانت لحظة استقبالهم بمقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان عرسا بهيجا.. تعالت فيه الزغاريد وامتزجت فيه الدموع بالفرحة.. لحظة تاريخية بامتياز ستظل موشومة في ذاكرة المغرب الحديث..


وفي هذا الصدد، ما أحوجنا إلى أن نقرأ قريبا مذكرات للمفرج عنهم ،سيما وأن أدب السجون، بغض النظر عن معاناة المكتوين بناره، يظل أدبا رائعا يخرج من الأعماق، ومن ذلك ما خطته قبل أسبوعين أنامل العبادلة ماء العينين، في رسالة إلى المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية مدبجة بلغة رشيقة، قرأتها زوجته، يقول في أحد مقاطعها “لقد بات واضحا أننا كنا، ولا زلنا، رهائن سياسيين وضحايا بلطجية أمنية وبلطجية سياسية بنت صرحها يوم 20 فبراير 2008، أسست بنيانها على شفى جرف هار، انهار بها يوم الفرقان المغربي يوم 20 فبراير 2011.. يا لمكر الله!.. نفس التاريخ.. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.. وتلك الأيام نداولها بين الناس، وما يعقلها إلا العالمون!”، فـ”لشباب الربيع المغربي بطاقة عرفان وتقدير، ولكل الشرفاء الذين رابطوا سندا لنا، الشكر الجزيل والثناء الجميل”.. “إننا نعيش مرحلة فريدة وفترة ربيعية استثنائية، امتزج فيها أريج ربيع المولد النبوي بعبق الربيع الديمقراطي العربي، في تناغم بديع مع ربيع الطبيعة، فتبارك الله أحسن الخالقين!”.


يقول النقاد، إن أصدق أنواع الأدب وأعذبه (من العذوبة والعذاب معا) أدب السجون الذي يسطع وراء الشمس رغم العتمة الشديدة والظلام الدامس.. لأنه يولد من رحم معاناة أصحابه الذين عاشوا في عالم الظلام ردحا من الزمن، وكتبوا داخل جدرانه، وطبيعي أن يكون لتلك الروائع الأدبية طابع خاص.. ربما لأن القارئ العربي ولد من رحم المعاناة، فهو لا يجد ذاته إلا في مطالعة ما يولد منها، أو لأن بعضا من تلك الآداب (أو العذاب، كما يحب أن يسمي طلاب كليات الآداب كلياتهم)، يتجاوز أن يكون حديثا ذي شجون إلى كونه حديثا ذي سجون، ليس لكثرة المعتقلات والسجون العربية، ولكن لوجود معتقل كبير اسمه الوطن العربي، ومن يشرع في الكتابة داخله يجد نفسه مُقيدا بسلاسل ثقيلة، من طينة اجتماعية وفكرية واقتصادية وسياسية وفنية، حتى وهو في مكتبه”..


في المغرب لو جمعنا ما كتبه معتقلون سابقون من مذكرات عديدة عن سنوات الرصاص، التي حولتها السينما الصفراء بالمغرب إلى سنوات مكتوبة بقلم الرصاص كـ”تازمامارت” لمحمد الرايس، و”حديث العتمة” لفاطنة بنت بيه، و”الزنزانة رقم 10″ لأحد المرزوقي، و”العريس” لصلاح الوديع، و”مجنون الأمل” لعبد اللطيف اللعبي)، لحصلنا على أرشيف ضخم ممزوج بالعذاب والأدب أيضا..


وبمناسبة حلول فصل الربيع وهبوب نسائم الحرية أسوق إليكم بعضا من حديث ذي شجون وسجون لرجل قضى أزيد من 20 سنة تحت الأرض، لم ير فيها غير جدران زنزانته العاشرة المظلمة، يقول أحمد المرزوقي، وهو يصف أول لقاءه بالطبيعة “وكانت أول مرة بعد 20 سنة تقع فيها عيناي على الطبيعة، هذا الشعور لا يزال يسكنني إلى اليوم، أحسست بملكوت الله سبحانه وتعالى، بالأرض الشاسعة بالخضرة بالجمال، أحسست وكأني أدخلت إلى الجنة، وكان أمامي وادي، قيل لي أتدري أين أنت؟ قلت لا، قالوا لي: أنت في بلدتك، هذا وادي أولاي، ولأول مرة كان بعض الأطفال يمرون بحقائبهم على ظهورهم وكانوا منشغلين وتسمرت عيناي على تلك الوجوه البريئة وهم يستطلعون وينظرون إليّ وأنا في منظر شاحب، وكانت أول مرة تقع عيني على أطفال”..


أمثال هؤلاء الأطفال هم من عانق بحرارة آباءهم المفرج عنهم، صبيحة يوم الخميس الماضي، لكن ماذا عن باقي الأطفال الذين يترقبون بعيون بريئة دامعة الإفراج عن آبائهم؟ هؤلاء الآباء الذين سيردد كل واحد منهم، بعد الإفراج عنه عبارة ذات معنى وردت على لسان بطل رواية “ليالي السهاد” لأديب السجون والمعتقلات، نجيب الكيلاني رحمه الله، يقول فيها “آه.. لأول مرة منذ سنين أنام قرير العين دون سهاد… تُرى هل ذهبت ليالي السهاد إلى غير رجعة؟”.. يُجيبنا العبادلة ماء العينين، قبل إعلان الإفراج عنه بحوالي 10 أيام، في رسالته المذكورة أعلاه “أجل، إننا نعيش لحظة سرور، لكن حذار من الغرور… إنها لحظة مفصلية تتأبى وأد حلمنا الجميل، فالتعديل مهم.. لكن التنزيل والتفعيل أهم.. نحن أمام ورش تاريخي وتحول جريء يرهن مستقبلنا ومستقبل القابل من الأجيال..”.


[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • جرينبوش
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:34

    نعم أخي ففي الأونة الأخيرة لم يعد يظهر لي في الجرائد سوى لأشخاص كانوا معتقلين بصور أمام السجن بعد الإفراج عنهم. تقول واش المغاربة كلهم كانوا مشدودين

  • السجلماسي
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:36

    مبدع انت والله، أحسنت وأجدت، ومزيدا من التالق، عبر هذه الكلمات التي سطرتها بمداد الغيرة والحيرة، غيرة على واقع البؤس والقهر الذي نعيشه، إلى متى سيظل ينوء بكلكله علينا وحيرة أمام هؤلاء الجلادين المجرمين من أي طينة خلقوا؟؟؟!

  • sawsan
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:38

    خي الهيثمي أود ان أطلعك على خبر او بالأصح حدثا بعيد الأ مد آلمنا و لا زال ألا و هو غياب زوج أختي الذي كان صحفيا بالرباط عندما كان مقر الجريدة بالمامونية وتركها حاملا بثلاثة أشهر و ا لآن المولودة أصبحت طبيبة اختصاصية ولم يظهر له الأثر منذ١٩٥٩ مجيب قصدنا مقر مجلس المصالحة و جبر الضرر لكن أجابونا أننالم س جله من قبل.وضعنا كذلك ملف في المجلس الاستشاري لحقوق الانسان.أرجو أن تساعدوننا لأ نه ابن المهنة وجزاكم ا لله خيرا

  • مغربي محكور من سيبر ميكا ويب
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:32

    والأخ الكريم، عن أي لحظة ستظل موشومة في تاريخ المغرب الحديثـ ، تتحدث أنت؟، فأغلب من أفرج عنهم يقال أن مدة سجنهم ومحكوميتهم كانت على وشك الإنتهاء، وهذه السياسة في الإفراج عن سجناء متعوا بحق العفو عنهم لا تشهبها في العالم سياسة إلا تلك التي تنتهجها اسرائيل جزيرة الحرية في الشرق الاوسط كما يقولون، فهي تقوم بعد مفاوضات شاقة مع الجانب الفلسطيني بالالتفاف على مطالب اخراج مساجين بعينهم باخراج اخرين اوشكت مدة محكوميتهم على الانتهاء…فيما عدا هذا فالمقال جميل ينطلق من واقعة الافراج عن معتقلي الرأي المغاربة لاستحضار أدب السجون وتسليط الضوء عليه، كما أن كاتبه تخلص من عادة خلط اللغة العربية من شوائب الدارجة،ولأول يشى النص بماذا سعة ثقافة الكاتب في مجال الأدب وكذا السينما المغربية…

  • al amal
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:26

    عبد الإلاه كعوش يحتظر في سجن بوركايز بفاس تحت رقم 9857 و هو مضرب عن الطعام منذ 20مارس للمطالبة في إعادة النظر في القضية الملفقة له ظلما وجوراً: يا ناس يا اصحاب القلوب النبيلة يامن لا سكوتون على الظلم إن عبدالإلاه وقع ضحية بعض السلطات الفاسدة.لأنه شخص نبيل أبو أن يجعلوه كبش فداء وادخلوه إلى السجن بتهمة لم يرتكبها ولم تهدئ لهم النفس حتى حكمة عليه المحكمة العسكرية بالرباط ب20 سنة سجناً نافداً علماً بأنه لم يكن له دخل في الجريمة التي وقعت؛ أما اليوم فهو يحظر لأنه مظلوم ويحتاج لمساعدتكم للإشارة فاليوم هو 28 يوماً من إضرابه عن الطعام؛(حسبي الله هو نعم الوكيل

  • محمد
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:28

    حتى تكمل الفرحة يجب القطع مع الممارسات البائدة و احترام المواطن و كرامته و الإحتكام للقانون بعيدا على قانون الإرهاب الذي يشرعن للإنتهاكات لحقوق الإنسان حتى تعود الثقة لهذا الوطن الحبيب و نعيش في امان و امن ندافع عن وطننا كلنا بدون استثناء
    واقول للكاتب المبدع حسن الفن و الإبداع في الغالب يخرج من المعاناة و هذه حكمة والله اعلم
    بالتوفيق و النجاح

  • سياسية محنكة من الوجه
    الأحد 17 أبريل 2011 - 08:30

    الشعب كلو فالحبس و هدوك اللي ماشي فالحبس كيتسناو يخرجو اللي فالحبس باش يدخلو هوما .. هاد البلاد غيبقى فيها غي الحكومة اللي ماغاتشدش .. السلامة و صافي

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 3

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"