التحكم الظاهر والسري.. والمقاومة الشعبية

التحكم الظاهر والسري.. والمقاومة الشعبية
الأربعاء 11 ماي 2016 - 02:05

لا يكاد أسبوع ينصرم دون أن تكون أيادي التحكم قد تدخلت للتأثير في قضية، أو توجيه تهمة، أو تعطيل مصلحة، أو الدفاع عن مفسدة.. هذا هو حال التحكم، فهو قرين الفساد وأخوه الأكبر. دائما يعمل عل إعطاء الأحداث اتجاها يعاكس الوجه المتوازن للأمور في سلم القيم، والمساواة والشفافية ومصلحة الوطن والمواطنين. وللوصول إلى أهدافه، لا محيد للتحكم من العمل بمنطق الترهيب، والتدليس، والسرية، والإهانة والعنف بكل أشكاله : هذه الوسائل وحدها الكفيلة بخدمة المصالح المنحازة للعصابات التحكمية.

نعم، فالأمور في منطق عصابات التحكم تسير دائما في خدمة مصالح سرية، بمنطق سلطوي، بمنطق الترويض .. أنت تأخذ اليوم، ولكن غدا أنت محروم، بدون منطق، حتى تعي تماما من يتحكم في البركات والعطايا … الهدف الثابت الذي لا يتغير هو إشاعة جو عام يحس فيه كل فرد، الذي لا يعدو في منطق التحكم أن يكون خادما له أو ضحية له، بأنه أمام جهاز متنفذ جبار، ذو قوة ضاربة، ووسائل لا محدودة. الأشخاص الذين يتحدثون باسمه ليسوا إلا حلقات ضعيفة في تركيبته السرية الخارقة، والتي قد تأخذ في كل لحظة أية قرارات جنونية، قد يكون هدفها الوحيد، إن لم يكن تأديب كل من يتردد في الإذعان، هو فقط فرض المزيد من الترهيب والإدعان والسيطرة.

على أنه يجب الحذر. فالتنظيم السري التحكمي يعرف دائما تطورات جانبية، لا تدخل في صميم المهام المطلوبة من أعضاءه التنفيذيين. فهؤلاء تختلط عليهم قوة التنظيم بقوتهم، والأوامر العليا بأوامرهم، فيضاعفون تسلط التنظيم إلى تسلطهم، وأهداف التنظيم إلى أهدافهم. تماما كما الأمر في منظمات المافيا، حيث يعمل القواد المحليون على فرض قانونهم كما يريدونه هم، ويخلقون شبكات تخدم أولا مصالحهم هم، قد تشتغل أحيانا ضد مصالح الهرم الأعلى .. فالتنظيمات السرية تعاني دائما من قلة انضباط عناصرها، الذين يألفون العمل خارج القانون، فيشتغلون في كل شيء بمنطق الإذعان السائب المتغطرس… فلا يقبلون أن يرفض لهم طلب.. وتصبح نزواتهم أوامر عليا وأهوائهم مصالح مقدسة..

فقط بهذا المنطق يمكن قراءة أحداث عديدة، طالت أيضا كرة القدم !

أليس من الجنون المارق التسلط على جامعة كرة القدم، وفبركة مباريات كرة القدم بهدف التحكم في نتيجتها وإهداء الكأس بأي ثمن لفريق اخترقته عناصر التنظيم السري المعروف.. من اتخذ قرار إعطاء الكأس لهذا الفريق أو ذاك ؟ أي مصلحة عليا للبلاد في انتصار الوداد أو الرجاء أو المولودية الوجدية أو غيرهم… أم أننا نحن أمام تحكم سري مارق، يخدم أجندات طائشة وأهواء صغيرة ؟ هذا هو الخطير، فالتحكم يمكن في أية لحظة أن يأخذ كل الأشكال، كل المسوغات !

فما الحل إذن ؟ الحل هو المقاومة الشعبية للتحكم، بلا هوادة. الحل هو اليقظة الشاملة، التي من خلالها يمكن ترصد ومقاومة كل أشكال التحكم، الظاهرة والسرية، والكبيرة الطائشة الصغيرة، المحكمة والمارقة، بشكل دائم ومستمر. هذه اليقظة ستحقق بالتأكيد نجاحات باهرة، وستكشف فرقعات تحكمية زائفة، ستنفجر بسرعة في وجه أبطالها المارقين.

وهنا يجب التأكيد على أن المقاومة قد بدأت فعلا. فلا يمكن فصل كل الظواهر التي عاشتها بلادنا مند سنوات إلا في إطار التعبئة الشعبية ضد التحكم المارق. ف20 فبراير خرجت تجوب شوارع المملكة تنديدا بالتحكم والفساد والاستبداد. وخروج المتظاهرين ضد زلة إطلاق سراح البيدوفيل كلفان، وضد حيف أسعار أمانديس، وضربة خولة لبوتازوت، وانتحار امي فتيحة، وفضيحة قائد الدروة، وصرخة بودريقة… كلها أحداث وغيرها تصب في تنامي وعي مقاومة الحكرة والتحكم المتعسف والبغي ضد حقوق وكرامة المواطنين والمواطنات ..

وكلما تم تحقيق انتصار في هذه المعركة ضد التحكم في دوائره السفلى، تراجع إلى دوائر أعلى منها. هذه هي الإستراتيجية، محاصرة التحكم إلى أضيق دوائره، ومناهضة كل أشكاله، خاصة المارقة منها. فكلما تم ضبط التحكم متلبسا وتم كشف القناع عن جرائمه في إحدى دوائره، كلما رفعت الدائرة الأعلى يدها عنه وتنكرت له، حتى لا تصيبها رجات المقاومة الشعبية. إلا أن هذه المعارك هي كر وفر. فالتحكم يدافع عن مصالحه بلا هوادة ورحمة، تماما كما يدافع بارونات الإجرام عن محمياتهم إلى أخر نفس. فهو سيحاول أن يعود في كرة مرة، باستعمال كل الوسائل، خاصة في اللحظات الحرجة والمفصلية التي تهدد مصالحه بشكل دائم.

وإذ نحن على أبواب انتخابات 7 أكتوبر، يعيش التحكم في شقه الأكثر فسادا وشراسة ، أعني الشق السياسي، غليانا مصيريا، خاصة بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها في صناديق الاقتراع يوم 4 شتنبر. وهو يرتعد الآن من تلقي هزيمة أخرى، ستكون ضربة الرحمة التي ستدحره إلى أخر جحوره، وتفلت رقاب المواطنين والمواطنات من جبروته وعدوانه. ما يستدعي من كل القوى الشعبية التي تلتقي على أرضية الديمقراطية والدفاع عن قيم الكرامة والعدالة والنزاهة المزيد من اليقظة والمقاومة في أفق جعل 7 أكتوبر معركة الهزيمة النكراء والاندحار بلا عودة لقوى التحكم والفساد، وعرسا سيحتفي فيه هذا الشعب بانتصار تاريخي على درب بناء وطن الديمقراطية والحرية والكرامة الذي ينشده.

*أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق

‫تعليقات الزوار

1
  • معلق
    الأربعاء 11 ماي 2016 - 18:52

    ربما قد يكون في احياء الكتلة الديموقراطية وفي انفتاحها على القوى الفاعلة غير المتحزبة واحتوائها امل في الحد من التحكم السلبي.التحكم في صورته الايجابية اي ذلك يعمل على ضبط المجتمع والحد من الظواهر ااسلبية باعتبارها عوائق تعطل حركة المجتمع وتسيء الى اعضائه مقبول.اما التحكم السلبي الذي يكرس التخلف والجهل وينشر الفساد ويدافع عنه فهو ما يتوجب مكافحته بكل الوستئل السلمية المتاحة.ولا يمكن مكافحته الا بيقظة النخب المثقفة وتظافر جهودها وتكتلها في قوة سياسية موحدة وتشكيلها لكتلة ديموقراطية .ز

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات