أسس شرعية التمويل العمومي للحملات الانتخابية

أسس شرعية التمويل العمومي للحملات الانتخابية
الخميس 6 أكتوبر 2016 - 15:12

يرى العديد من علماء السياسة أن ليس للديمقراطية ثمن، لكن لها بكل تأكيد تكلفة، لأن الأحزاب السياسية والمرشحين يتعين عليهم تدبر أمر مجموعة من النفقات الانتخابية التي لم يصبح تمويلها عموميا إلا منذ زمن قريب جدا (فرنسا سنة 1988، والمغرب منذ 1992).

وأمام ما أصبح يثيره تمويل الحملات الانتخابية من مشاكل تتعلق أساسا بالمساواة بين المرشحين خلال المنافسات الانتخابية، لجأت العديد من الديمقراطيات إلى تقنين العلاقة بين المال والسياسة من خلال إقرار تمويل عمومي للحملات الانتخابية ولأنشطة الأحزاب السياسية.

وبالرجوع إلى مختلف التشريعات المقارنة في هذا الخصوص، نجدها نظمت العلاقات بين المال والسياسة انطلاقا من تصورين مختلفين:

* تصور ليبرالي: يعطي الأهمية لحرية العلاقة بين المال والسياسة، حيث ينكب في ظله القانون على منع الاحتكارات وضمان ممارسة موضوعية للسلطة؛

* وتصور ثان: يقوم على أساس وجود قانون يؤطر العلاقة بين المال والسياسة من خلال مساعدة ومراقبة مختلف التشكيلات السياسية.

وإذا كان المشرع المغربي قد أخذ بأسس التصور الثاني أعلاه لإقرار تمويل عمومي للحملات الانتخابية، فإنه يبقى من الضروري أن نقف عند الاعتبارات والغايات التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء الأخذ بالتمويل العمومي للحملات الانتخابية من جهة، ومن جهة أخرى على الأساس الدستوري والقانوني لهذا التمويل.

بالنسبة للنقطة الأولى، نشير إلى أن الهدف المعلن الأول من إقرار التمويل العمومي للحملات الانتخابية هو ضمان المساواة بين المرشحين والأحزاب السياسية، ذلك أن المنافسة السياسية لا تكون متساوية وحرة إلا إذا كانت الوسائل التي يتوفر عليها كل مرشح أو حزب سياسي للتعريف بأفكاره وبرنامجه قابلة للمقارنة، إذ يتعين في هذا الخصوص أن لا يتم حسم المنافسة السياسية بواسطة الأموال التي عبأها كل مرشح أو حزب سياسي لتمويل وإدارة حملته الانتخابية. فضمان المساواة في الوسائل بين الأحزاب والمرشحين أصبح ضرورة تدين لها المؤسسات الديمقراطية، لكي لا يترتب عن التكلفة الباهظة للحملات الانتخابية إقصاء أحد المرشحين أو إحدى التشكيلات السياسية أو بعض الآراء بفعل تأثير المال، حتى لا يقوم من جديد، بحكم الواقع، اقتراع دافعي الضرائب كحاجز أمام الترشح للانتخاب، فالمساواة أصبحت قيمة جديدة تحرص التشريعات الانتخابية على ضمانها بعدما أن كانت في السابق تحرص فقط على ضمان الحرية معتقدة أن تحقيق الحرية يقود بالضرورة إلى تحقيق المساواة.

ومن جهة أخرى، يبقى الهدف المعلن أيضا من إقرار تمويل عمومي للحملات الانتخابية هو تخليق الحياة العامة عموما، والحياة السياسية على وجه الخصوص لتفادي السقوط في الفضائح التي تورط فيها العديد من رجال السياسة والأحزاب السياسية من خلال الإسراف في النفقات الانتخابية بفعل اللجوء إلى طرق تمويل غير معترف بها كانت سببا في إثارة استياء الرأي العام وانشغاله بمعرفة مصدر الأموال الطائلة التي يتم صرفها في الانتخابات، والحديث عن التأطير المالي وليس القانوني للحملات الانتخابية. فالهدف من التخليق في هذا المضمار هو الحؤول دون ضبابية وتضخم النفقات الانتخابية وإرساء قواعد الشفافية لتمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية بشكل خاص، والحياة السياسية بشكل عام من خلال تكريس آلية التصريح بالممتلكات وبحسابات الحملات الانتخابية بغرض مراقبة تطور الذمة المالية للمرشحين والأحزاب السياسية عند بداية ونهاية ممارسة الانتدابات الانتخابية والمسؤوليات العمومية. فجل التشريعات المقارنة أخذت بجانب القواعد المنظمة للتمويل العمومي للحملات الانتخابية ولأنشطة الأحزاب السياسية، بقواعد قانونية أخرى تتعلق بشفافية وتخليق الحياة السياسية.

أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية المتعلقة بالأساس الدستوري للتمويل العمومي للحملات الانتخابية والأحزاب السياسية فإن مرتكزاته توجد في الاعتراف الدستوري بالوظائف التي تقوم بها الأحزاب السياسية، والتي لا يمكن لأي نظام ديمقراطي أن يقوم بدون وجودها. فلا توجد اليوم أي ديمقراطية تمثيلية في العالم لا تقوم على أساس المنافسة بين الأحزاب، ومن ثم يبقى من الضروري أن تقوم المساعدات المالية التي تمنحها الدولة إلى الأحزاب على أساس الوظائف التي تؤديها هذه الأخيرة، خاصة وظيفتها في التعبير عن الإرادة الشعبية، وأيضا الوظيفة التأطيرية الانتخابية التي تعد أول وظائف الأحزاب في الديمقراطيات الليبرالية والتي تمارسها قبل وخلال وبعد الانتخابات.

إن مكانة الأحزاب داخل الدساتير تتراوح عموما بين العمل على تأطير المواطنين والمواطنات، وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة (حالة المغرب)، أو التعبير عن اتجاهات الرأي مع ضرورة احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية (حالة فرنسا)، أو المساهمة في تكوين الإرادة السياسية للمجتمع لا للدولة (حالة ألمانيا)، أو إلى جعل الأحزاب تساهم بجانب الدولة، على قدم المساواة، في تحديد السياسة الوطنية (حالة إيطاليا)، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن الدساتير تعمل على وضع أسس نظام للأحزاب لا يشكل التمويل إلا أحد عناصره.

وبجانب ما أشرنا إليه أعلاه، تجد شرعية التمويل العمومي للحملات الانتخابية ولأنشطة الأحزاب السياسية أساسا أوسع من الاعتراف الدستوري بوظائف الأحزاب انطلاقا من مبدأين شائعين في الأنظمة الديمقراطية هما: حرية تأسيس الجمعيات، ومبدأ سيادة الشعب. حيث ينتج عن الأخذ بالمبدأ الأول ليس فقط حرية تأسيس الأحزاب، وحرية انتماء المواطنين إليها للدفاع عن أفكارهم، خاصة خلال الانتخابات، بل يتعين في هذا الصدد على السلطة الضامنة للحريات الفردية والجماعية أن تجعل من ممارسة هذه الحرية ممارسة فعلية وممكنة، حتى لا يبقى التعبير عنها مشلولا بفعل انعدام المال؛ في حين ينتج عن الأخذ بمبدأ سيادة الشعب أن يكون هذا الأخير هو مناط السلطة وأن يمارس السلطة المنبثقة عن الاقتراع من خلال دفاع الأحزاب عن الفئات الاجتماعية التي تمثلها، وذلك بإقرار نظام تمويلي يدعم استقلالية الأحزاب حتى لا تكون عرضة لتأثير جماعات الضغط وخادمة بالاتفاق لمصالحها بفعل فقدان استقلالية الأحزاب تجاه مجموعات الأموال والمصالح لدرجة يصبح فيها المواطنون مجردون من سلطة اتخاذ القرار، وهو ما يتنافى مع مبدأ سيادة الشعب وأيضا مع مبادئ وقواعد الديمقراطية.

هذه باختصار هي أسس شرعية التمويل العمومي للحملات الانتخابية ولأنشطة الأحزاب السياسية، وسنعود في مقال لاحق إن شاء الله إلى توضيح كيفيات توزيع التمويل العمومي المتعلق بالحملات الانتخابية بالرجوع إلى مقتضيات التشريع الانتخابي المغربي والتشريعات الانتخابية المقارنة.

*أستاذ بكلية الحقوق بطنجة

‫تعليقات الزوار

1
  • moha bia
    الخميس 6 أكتوبر 2016 - 23:01

    الانتخابات مناسبة يروج معهاالمال والكلمة وبذل الطاقات وانفاق الوقت..وكل ذلكم قد يضمن والعياذ بالله الخسران المبين في لحظةالفصل أوقد يدفع بالبلاد الى الرقي واحترام الغير وفرص للاستثمار .ومن قد يبتلى بمقعد برلماني في الآجل قد يكسب به مقعد صدق عند مليك مقتدر لانه استغله في حياته البرلمانية لخدمة البلاد والعباد وراقب الله تعالى في كلامه وعهوده وجعل نفسه خادما أمينا في وهبه الله من مال وجاه؛فليتق الله المصوتون والمترشحون قبل ساعة العرض فكل مادون الله ملك له نسأل الله السلامة…

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين