"النخبة" والاستبداد

"النخبة" والاستبداد
الأربعاء 29 يونيو 2011 - 01:08

“”ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب” (النساء 123)

قبيل خروج التعديل الدستوري من غرفة حياكته، سَربت جريدة الوزير الأول بعض الرُّقع التي عرفها ثوب الدستور القديم، و كان من بينها بعض الالتفافات اللغوية التي يمكن اعتبارها “إبداعا” إنشائيا في طرائق التعبير عن الاستبداد، وذلك كان منتظرا و لا يُفاجِئ إلا من لا يعرف تاريخ الأمم و لا أحوال الاستبداد و أساليبه منذ غابر الأزمان(1)، ولكن الجديد حقيقة في هذا المشروع، والذي تمَّ تعديل صياغته بعد ذلك “لحسن الحظ”، هو القول بسمو المواثيق الدولية عن القوانين الوطنية، وهذا من أعاجيب الدساتير أن ترهَنَ قوانين بلادك للمجهول العين و الجهة والمسمى مواثيق دولية، وكأن لجنة خياطة الدستور لا تعلم أن السمك ممنوعٌ دستوريا بيعه في قاع البحر. ما هي المواثيق الدولية و ما مدى استقلالها إن وُجِدت عن سادة العصر الذين حضروا حفلي توزيع كعكة اسمُها العالم : “سايس بيكو” 1916 و “قمة يالطا” 1945.

يُطالب المحتجون و المتظاهرون بسحب القدسية عما سوى الله فيزيدونهم مقدسا جديدا إسمه المواثيق الدولية، التي حتى لو فرضنا جدلا معرفة بعضها اليوم فهي تُحيل على كل قانون أو ميثاق تأتي به الأيام، والتي يعرف الجميع أنها تُفرض على الضعفاء و لا يلتزم بها إلا من لا خيار له غير الانبطاح، كما يعرف الجميع أنها ومن خلفها شعارات حقوق الإنسان لا تُلزم إلا دول العالم السفلي و العالم يشهد يوميا حقوق الإنسان و المواثيق الدولية “تُحترم” في فلسطين كما شاهد الجميع جِنان العدالة الدولية التي أقامها أسياد العالم في العراق و أفغانستان، و ليبيا في الطريق، كما رأينا جميعا كيف احترمت أمريكا مشاعر المسلمين و المواثيق الدولية بطريقة اغتيالها لأسامة بن لادن رحمه الله في بيته وأمام أهله أعزلا و كيف احترمت جثمانه بتَكَرُّمها به على قروش البحر. كان يهدف هؤلاء إذن بدستور”هم” المرقَّع لقول نعم لتوسيع مجال القداسة ونعم لمزيد من الانبطاح لفرنسا ومن خلفها هذا الشبح المُسمى “مجتمعا دوليا”، وإذا رأى هؤلاء أن المآذن تمس بجمالية المكان فلتُهدَّم وإذا رأوا أن الحجاب أو النقاب مهانة للمرأة فليُمنع و إذا رأوا أن القرآن به آيات تُخالف حقوق الإنسان “المتعارف عليها دوليا!” فليُصَحّح.

ذلك ما كان يسعى خلفه بعض أعضاء اللجنة ممن اعتقدوا أنفسهم إسبرطيين في بطن “حصان” طروادة، وقد رفعت “الحقوقية” و عضو لجنة المنوني الاستشارية التي أشرفت على تعديل الدستور السيدة بوعياش اللبس بإعلانها أن التعديلات الدستورية تمت من طرف محمد معتصم، مستشار الملك باتصال مع الأحزاب السياسية، وخاصة حزب العدالة والتنمية كما أنها قالت أن التعديلات طالت على الخصوص ما أسمته ب”الاختيار المجتمعي المغربي”.

الفكر الانقلابي النخبوي لا تكشف عن وجوده فقط جحافل العسكر و لكنه يتبدى في طرائق التعامل مع الغير و يتوارى في ثنايا الخطاب، كان معتقد السيدة “المناضلة” و معها الطوزي و غيرهم ممن يعتقدون أنهم أوعى بالعصر و أنفذ بصيرة هو أن بالإمكان التغيير من فوق و بدفعة مساعدة من المخزن للقفز على التاريخ و فرض “الحداثة” على الجهلة من أمثالي ممن يضيق فكرهم عن استيعاب العصر و فهم أسفار التحديث التي يتمتعون ببركات فهمها و تنقصهم فقط سلطة تنزيلها.

بذور هذا الخيار في المغرب نجدها عند المؤرخ و الكاتب المغربي عبد الله العروي الذي “اعترف” في حوار له (عبد الله العروي: “التحديث والديموقراطية” حوار مع مجلة “آفاق” العدد 3-4, 1992) بيأسه من النخبة و ِرهانه على الدولة من أجل “تحديثنا” و “تنويرنا” الذي استعصى و طال انتظار إصباحه، و كان الفعل قد سبق القول عندما عمل مؤرخنا ضمن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لسنوات في عهد الملك الراحل.

لا يزال راسخا في أذهان و نفوس الكثير من الحداثويين المغاربة و غيرهم أن الاستنارة يكفي للتحقق بها إعلان اللسان و تسطير القلم، ويذْهلون كلية عن التناقض الملازم لمنزعهم و الذي يجعلهم دعاة للو صاية “باطنا” و مبشرون بالديموقراطية ظاهرا، الثقافة أيها السادة و السيدات ليست ادعاءا و تبادلا مصلحيا متواطئا للاعتراف و ليست إرثا و لا تعيينا من فرنسا أو إسبانيا و غيرهما لكنها سلوك و اكتساب بالمدافعة و بذلٌ للجهد لمعرفة العصر و ليس بالاكتفاء بلوك معارف تبعث من سطحيتها على القرف و تعتمد في بقائها على مزيد من الخراب في التعليم و اتساع “مرغوب” في دائرة الأمية.

“ينسى أصحابنا أنهم ناس من الناس وأن احتراف الكتابة لا يعصم من انحراف النفس أو من وهم الفكر. وما أكثر الوهم فيما تطلع علينا به الجرائد و الكتب و الفضائيات من كلام الدكاترة والمثقفين والصحفيين الذين يحسبون أنفسهم من أهل العقل والاستنارة و العلم وهم عندما تعرض كلامهم على مايعتقدونه مصدَره تجدهم يقفون على غير أرض العقل والعلم والاستنارة، وتلك إحدى أكبر المصائب التي ابتلي بها مثقفونا: وهْم الاتصاف بالعقلانية”(1) و ” وإن القول بانفتاح البعض على مناهج الغرب لمجرد “حشرهم” في خطاباتهم لكل ما ينتهي بـ”لوجيا” لايعني اسيعابهم لها ولا مناسبة أقوالهم لمقامات استحضارها ، ولا أحد سيحكم بأن من يرقع جلبابه البالي بأثواب من “الكشمير” أو “البلودجين” قد أصلحه أو جدده “(2).

الإحالات:
(1) مستقبل الإصلاح في المغرب رهن بيد الإرادات و ليس للحِبر طاقة بالإلزام و لا غيره، معارضةٌ حقيقية و أحزابٌ قوية أمينة و إصلاح جدي لمنظومة التعليم تلك مقدمات التغيير، أما تهافت الأحزاب على الحقائب المُقبلة فإنه علامة فقط على أن “الحقل” السياسي المغربي فَهِم “الربيع العربي” فهما حرفيا!.
(2) محمد الهداج: “هذا العقل المفترى عليه
(3) محمد الهداج: “حداثة من رمال

‫تعليقات الزوار

1
  • مغربي
    الأربعاء 29 يونيو 2011 - 02:13

    للمغاربة ذاكرة قصيرة وهذه مشكلتهم و لأننا لم نفهم مشكلتنا مع النسيان نقول عن خطأ أن الإنسان المغربي مسامح ، هل نسي المغاربة كيف أخر اليساريون المغرب مدة 30 سنة واليوم يريدون تأخيرنا لسنوات أخرى علما أن السادة اليساريين كلهم يعيشون في بحبوحة وراكموا الأموال الكثيرة ، وللعدل والإحسان أقول هل سبق لكم أن طرحتم سؤال حول ثروة ياسين ولماذا لا زال معمرا في رئاسة الجماعة أكثر من ملك ملوك إفريقيا، وهل لكم رغبة فعلية في المساهمة في تنمية المغرب وماذا قدمتم للمغرب سوى الهراء والأفكار الخرافية والبلا بلا .

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات