التعليم .. ما أكثر الجدل

التعليم .. ما أكثر الجدل
الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 20:02

ليس المقصود من هذه المساهمة توجيه النقد إلى وزير التربية الجديد، فهو لم يتعمق بعد في دراسة ملفات القطاع المعقدة، وسيستفيد في ذلك من تجربته في قطاع الداخلية على الأقل في الجوانب التنظيمية. أما الجوانب التربوية والبيداغوجية، فيمكنه الاعتماد على خبراء المجال والاستناد إلى المرجعيات الدستورية مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وما راكمه من مكتسبات منذ إحداثه؛ فالميثاق الوطني للتربية والتكوين ثم الرؤية الاستراتيجية لتحقيق مدرسة الجودة والنجاح (2015-2030) وتوصيات اللجن المتخصصة تشكل مدخلا ليواكب الوزير الجديد قطاع التربية والتكوين دون ارتجال أو ارتباك أو نسخ ما سبق.

إن اهتمام الإعلام بأنشطة الوزير وزياراته الميدانية وتصريحاته أمر عادي (وإن كان الأمر في فضاءات أخرى يركز الاهتمام على المدرسين والتلاميذ في أقسامهم)؛ لكن أن تقدم على أنها تشكل قطيعة مع النظام التربوي القائم وأنها مبادرات غير مسبوقة فهذا ما أثار الجدل بين المهتمين بالتربية والتعليم. ولا نشك في أن هذه التحركات نابعة من رغبة قوية في الإصلاح؛ ولكن سرعة اتخاذها هو بالذات ما أثار ويثير الجدل، إلى حد أن بعض الإعلاميين نبه الوزير إلى أن السرعة المفرطة قاتلة ومدمرة.

ونسوق بعض الأمثلة للاستدلال على ذلك:

منذ البدء، قدم الوزير الجديد برنامجا يقوم على عشرة مستجدات تميز بها الدخول المدرسي الحالي (2017-2018) مؤكدا أنه يشكل قطيعة بنسبة 90 في المائة مع النظام الحالي (أو هذا ما همس له به مستشاروه). فما هي تلك المستجدات؟

تخفيض سن قبول التسجيل في المدرسة الابتدائية إلى 5 سنوات ونصف السنة، ومعلوم أن هذا كان مطلبا وطنيا مطروحا على الدوام؛

تعليم اللغة الفرنسية منذ السنة الأولى ابتدائي، وهذا جار به العمل في مدارس التعليم الخصوصي منذ مرحلة التعليم الأولي. ومن المؤكد أن تطبيق هذا القرار يحتاج إلى توافر المدرسين الأكفاء وبالعدد المطلوب، ولا يجوز اللجوء إلى الحلول المعتادة والتي كانت سببا في تراجع مستوى التعليم مثل تعيين مياومين أو التوظيف المباشر مع تنظيم حلقات تكوينية مكثفة؛

تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ليتمكن حملة الباكالوريا من مواصلة دراستهم الجامعية بسلاسة. ونتذكر أن هذا هو بالضبط برنامج الوزير محمد بنهيمة في حكومة باحنيني والذي لقي مقاومة شديدة من لدن الأحزاب والنقابات، فتم إجهاض المشروع منذ ولادته إلى أن اتخذ الوزير عز الدين العراقي قرار تدريس تلك المواد باللغة العربية وما واكب ذلك من تدابير مثل إدراج حصة المصطلحات العلمية وترجمة التمارين والدروس إلى اللغتين الفرنسية والعربية. وبدأنا نسمع بعض الأصوات المناهضة للقرار القديم الجديد، وإن كانت أقل حدة ودون تأثير يذكر.

ولا بد من اتخاذ العدة ليتأتى للتلاميذ الموجهين إلى السلك الثانوي التأهيلي من الاستئناس بالمصطلحات العلمية بالفرنسية منذ السلك الإعدادي؛

الحرص على الالتحاق بالمدارس بهندام لائق وموحد ورفض بعض المظاهر المخلة بنبل الرسالة التربوية، وهذا أمر كان مطبقا في كثير من المؤسسات العمومية والخصوصية؛ ولكن من المهم تعميمه وتنفيذه بالحزم الضروري، بالرغم من ما سيثيره من مقاومة أنصار حرية الملبس وتسريحات الشعر الشبيهة بأعراف الديكة؛

تعويض السبورات التقليدية والطباشير بسبورات وأقلام عصرية وحديثة؛

توحيد العطل المدرسية في جميع أسلاك التعليم؛

إلزامية أداء النشيد الوطني بداية ونهاية كل أسبوع وما القرار بجديد؛

انطلاق الموسم الدراسي مبكرا للتمكن من إنهاء المقررات المدرسية في الموعد المقرر؛ ولكن ما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها إذا لم يلتزم التلاميذ بالالتحاق بأقسامهم في الموعد المحدد كما تعودوا على ذلك والأمر نفسه ينطبق على مغادرتهم أقسام الدراسة قبيل كل عطلة مدرسية وقبل شهر يونيو بدعوى التحضير لامتحانات نهاية السنة؛

إقرار نظام الباكالوريا الدولية بكيفية تدريجية إلى أن تعمم. ونحن نعلم أن الوزير السابق طالما ناضل من أجل ذلك؛

الشروع منذ الآن في إعداد الدخول المدرسي المقبل بجميع متطلباته؛ ومن بينها مراجعة الكتب المدرسية (كتب المواد العلمية باللغة الفرنسية مثلا) من هنا تفرض بعض الأسئلة نفسها: ما هي التدابير والإجراءات التي تشكل فعلا مبادرة غير مسبوقة؟ ما هي الإجراءات والتدابير المواكبة التي ينبغي اتخاذها لتطبيق هذه القرارات؟ وهل يعني الحديث عن قطيعة شبه تامة مع النظام التربوي القائم الإعلان عن تطليقه بالثلاثة؟ وهل يعني ذلك نسخ جميع المرجعيات والمنجزات المحققة عبر عقود من الزمن؟

إن النظام التربوي مسار متواصل يقوم على ما تم بناؤه في الماضي وتطوير ما هو قائم من أجل غد أفضل، ولم نسمع قط عن قطيعة مع الماضي؛ اللهم إلا إذا تعلق الأمر باجتثاث سلبيات الماضي وتجاوز اختلالاته.

*مدير سابق لمؤسسة جهوية للتربية والتكوين

‫تعليقات الزوار

5
  • WARZAZAT
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 21:02

    التعليم عندنا ليس للتنمية و التحضر. هو للتبليد و الابتزاز. ليس هناك ما يخيف الدكتاتوريات من شعب متعلم…حصاد من وزارة الداخلية!

    بغض النظرعن الاستلاب الغريب و الفساد الذي ينخر التعليم فتنظيمه أتى عليه الزمن. لم يتغير منذ أروبا القرن 18 عندما كانت تسرح المدارس كل صيف لشن الحروب و المساعدة مع موسم الحصاد. مع الأنترنت و التكنولوجيا انقرضت الكتب و الطباشير…إن لم تنقرض معهم المدارس و الأساتذة كذلك!…Squla, Khan ,Coursera ,Edx.

    لما لا تتداول الدراسة و العمل!؟.. 3 أشهر دراسة تتبعها 3 أشهر عمل /خدمة إجتماعية. تكون فترات العمل مزدوجة بالدراسة و المتابعة عبر الأنترنت و منحة/ راتب شهري. هكذا دواليك و بالتناوب المنسق طوال السنة بعطلة اسبوعين بين الفصول…ديك الساعة قرا و خدم تا تموت…لا رزبة على صلاح.

    هكذا يتلقى التلاميذ تكوينا جيدا و يوفر الأقتصاد بطاقات متعلمة طموحة. ما سيرفع الضغط عن المدارس و سوق العمل و يزيد من قدرتهما الاستعابية و يتيح لباقي الشعب الدراسة و العمل…الجامعة تلجها 10% النابغة فقط.

    هذا ما آل إليه التعليم و التشغيل في العالم. التكوين و التطبيق المزدوج من المهد إلى اللحد.

  • أستاذ الإجتماعيات
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 21:29

    المخزن لا يريد إصلاح التعليم، و لا يريد مواطنين حاصلين على تعليم جيد و على مستوى جيد من الوعي.
    المخزن يريد رعايا لا يفقهون شيئا و لا يطالبون بشيء، فقط كائنات تقدم طقوس الطاعة و الولاء، كاننات تسير كالقطيع وراء ما يختاره و يحدده المخزن.
    فكفانا إستحمارا للشعب، إصلاح التعليم تهديد لمصالح المخزن و اللوبيات المتآمرة معه لإستنزاف خيرات هذا البلد.
    الدولة تعمل جاهدة على التجهيل و التفقير الممنهجين للمغاربة، حتى أصبحنا نعيش مع كائنات جاهلة و عنيفة و همجية شبيهة بالبشر، كائنات تعيث فسادا في شوارعنا، كائنات شعاراتها و سلوكاتها تتمحور حول القبح و الأنانية و العدوانية، قبح الملبس و الأفكار و الألفاظ، أنانية السلوك بعدم الإعتراف بكرامة و حقوق الآخرو الإستكلاب على الماديات، اللجوء للعدوانية كلما إستشعر بضعف الأخر.
    هذه المواصفات لكائننا المغربي، صنعها و رسخها المخزن بسياساته اللاإنسانية ، الهادفة إلى إستحماره و إستضعافه و تفريغه من كل محتوى إنساني، يمكن أن يشكل في ما بعد نواة لتراكم وعي أو مطالب حقوقية، لذلك المخزن يريد تعليما رذيئا و إعلاما ينشر الرذيلة و التفاهات لتحقيق مشروعه القمعي الإستحماري.

  • WARZAZAT
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 21:31

    أما قضية اللغات المعتمدة فمهزلة لا مثيل لها في العالم. تصور فرنسا تمنع الفرنسية و تدرس لاتينية الفاتيكان/الرومان و الألمانية!!.

    التعليم في كل البلدان يكون باللغات المحلية. لذا من البديهي أن نعتمد الأمازيغية و العربية كلغتا البلد الرسميتين. جانبهما تكفي/تلزم الأنجليزية. أما الفرنسية فهي لا تغني و لا تسمن من جوع حتى في فرنسا نفسها. تعلمها كتعلم المنغولية….الانجليزية البسيطة ''Engrish'' هي لغة العالم. باقي اللغات و اللهجات ثانوية تعني شعوبها فقط و الهواة و الأكاديميين.

  • طنسيون
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 23:13

    كل هذه الإجراءات تبقى تنظيمية وشكلية كان مفترضا أن تكون منذ مباشرة الإصلاح. لكن التغيير الحقيقي لا يزال بعيد المدى ولا أعتقد أن كل هذه الحركية ستفضي إلى جودة في التعليم وفي مردوديته، لكونه في رؤية الشعب ومنظوره يظل تقليديا ومتخلفا ما دام لا يغير من الفكر ولا يدعو إلى فكر التغيير في مواجهة العولمة وفك ألغاز العصر والقدرة على الابتكار والإبداع وإنتاج الثروة وتأهيل الراسمال البشري. فالمعرفة في عصرنا تضاعفت وتنوعت ونحن بحاجة أكثر إلى استثمارها واستعمالها وتطويرها وليس استنساخها واجترارها إلى الأبد.

  • KITAB
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 23:27

    الأستاذ يتكلم بنبرة الخبير الذي خبر دهاليز وكواليس التعليم ، يوجه خطابه إلى وزير التربية والتعليم من موقع المنبه والمشير إلى ضرورة التأني وعدم إصغائه لمستشاريه في كل صغيرة وكبيرة… ياأستاذ كان حريا بك أن تلتزم الصمت بالنظر إلى أياديك "البيضاء " التي أسديتها للتعليم يوم كنت على رأس مؤسسة للتربية والتعليم والتكوين بحجم الأكاديمية، فالجميع ممن زاولوا الإدارة أو التعلبم يتذكرون آلاءكم سواء في وجدة أو فاس،،، الوزير حصاد الله يعطيه الصحة وقف وقفة صارمة في وجه سلوكات مشينة كانت منتشرة في زمانك وضرب بيد من حديد على أيادي أولائك الذين كانوا يحرمون أبناء الشعب من أداء واجبهم بفعل الإضرابات المتوالية والشواهد الطبية والتغيبات بأعذار وبدونها، الوزير حصاد جاء إلى حقل التعليم ليلقن أهله درساً في الانضباط والحرص على أداء الواجب بأمانة، جاء ليضع حدا لتفشي ظاهرة اللامبالاة بالتلاميذ والطلبة، كما جاء ليرد الاعتبار إلى المدرسة المغربية ويطهرها من الأفكار والسلوكات الانتهازية التي ألحقت أضرارا كبيرة بثقة المغاربة في المدرسة العمومية كما جاء ليقطع مع أساليب التراخي والانفلات من تطبيق القانون ،وتحياتي

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات