عن الفساد وتحرير الملك العمومي

عن الفساد وتحرير الملك العمومي
الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 15:25

أعتقد أن لا مرجعية للتعاطي مع ملف الفساد الإداري، وعفونة الإدارة بشكل عام، غير الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى عيد العرش 2017، وهي مرجعية أساس للقطيعة مع ماض إداري ساهم بشكل كبير في تعطيل السير العادي للمرفق العمومي، لدرجة تم فقدان الثقة في هذا المرفق، وقد ركز نص الخطاب الملكي، بشكل لا يدع مجالا للتأويل، على مصدر الفساد داخل الإدارة العمومية، وبشكل أدق على المسؤول منعدم الضمير الذي تخول له نفسه خرق القانون والدوس على كرامة المواطن، الذي يدفع الضرائب ويؤدي كل واجب دون أن يحظى بنصيب من حقوقه التي يضمنها له القانون وكل المواثيق، وهو المرض الذي استشرى داخل دواليب الدولة لعقود، ونتجت عنه ممارسات لا تمت للأخلاق بصلة، في علاقة المواطن بالمسؤول، كاللجوء لأساليب التدليس بسبب المماطلة والرشوة و”لحلاوة” و”التدويرة” و”القهوة” و”دهن” و”الهدية” وجيش الاقتراع خلال الاستحقاقات الانتخابية بمختلف مراحلها و”مؤسساتها”، وغيرها من التسميات التي تصل درجة الترميز، وتقفز بالموظف البسيط إلى مراتب عليا داخل السلم الإداري، وتجعل دخله يرتفع، فتزيد حاجياته ومتطلبات يومه وأسرته و”لبريتستيج” … كل هذا يكون على حساب المسؤولية وحقوق المواطن الذي يساهم، هو الأخر في إفساد الوضع، فيتجه الحال نحو التطبيع مع الفساد، لتتحول الحياة العامة إلى مستنقع تحكمه المحسوبية والزبونية والارتشاء، ليصل المجتمع درجة الاستلاب والخراب، أو بمعنى آخر تغيب قيم الأخلاق والصدق والانتماء … والمسؤول الفاسد لا يخص مجالا دون غيره، فالثقافة أيضا لها مفسدوها ومرتزقتها …

كان لا بد من هذا الاستطراد لبسط المقال في سياقه، وفق ما تقتضيه المناسبة من سؤال حول ما آل إليه الوضع في كل مدن المغرب، لأن الحديث الذي يجري مؤخرا عن انطلاق عملية تحرير الملك العمومي واستصدار مذكرات إدارية في هذا الشأن، وشطحات بعض رجال السلطة هنا وهناك، لا تعدو أن تكون هروبا للأمام، لأن القضاء على الداء يستلزم القضاء عل أصله ومسبباته؟ ومن كان وراء هذه المأساة التي حولت شوارع المدن والأرصفة وواجهات المحلات التجارية إلى أسواق عشوائية يتحكم أصحابها في الحياة العامة، فيغيب النظام لتحل محله الفوضى حد السيبة، بل حد تهديد سلامة وأمن المواطن الذي يشكل تلك الفئة المتنورة داخل المجتمع، رغم سلبيتها في رد الفعل تجاه ما ينتجه المجتمع من ظواهر اجتماعية سلبية في حاجة للمقاربة والتحليل …

يمكن القول، إن ما آل إليه حال المجال والملك العمومي، يعود لجهة عميقة أرادت انتهجت أسلوب الصدام والتحريض، لتغرق المجتمع المغربي في فوضى لا حد لها، تم التخطيط لها منذ سنين ليتحول المجتمع إلى كتلة تناقضات، تنبني العلاقة فيها بين أفراده على العنف بشتى أنواعه وتجلياته، فارتفع معدل الجريمة وتزايدت الاعتداءات، وبلغ الانحلال حدا لا سبيل للنهوض من ظلمته، فانعكس على الحياة العامة.

والأخطر من هذا وذاك، شحنة العنف السارية في جسم المجتمع، لتبقى الجهة المتسببة في هذا الوضع تتفرج على ما يجري، لا تتدخل إلا إذا شعرت أن مصالحها أضحت مهددة، أما وقد تم إغراق المجتمع في بحر الفوضى، فوسف تستمر الفئة المفسدة في البقاء، وقد نسجت شبكة من العلاقات الأخطبوطية التي أضحت تجثم على صدر كل مرفق عمومي.

ولابأس هنا ضرب مثل بمن أوكل إليهم حماية الملك العمومي وتنظيم المجال، بصفتهم الإدارية، ونقصد القايد والمخزني والشرطي، الذي يتواجدون بين حين وآخر وسط كل نقطة سوداء، فالقايد هو المسؤول عن فوضى المجال، ولو أن للمجلس الجماعي نصيبا في ذلك، لكن طبيعة المنتخبين والوصاية والباشا الذي يحتل مكان المدبر والمراقب لكل عمليات المجلس الجماعي خلف الستار، تجعل المجالس صورية ومسخرة، فالقايد والباشا وأمثالهم هم من ينفذ والموكول إليهم حماية الملك العمومي قبل أي جهة أخرى، لأنهم يتواجدون بالميدان بشكل يومي، لكن دون فعالية، فكلما مررت بشارع عام أو “سويقة” أو واجهة مسجد، ورأيت الباعة المتجولين وأصحاب التيبورتر يحتلون المكان بشكل مريب، بينما تتخذ سيارة لمخزنية والبوليس مكانا لها وسط هذه الفوضى ليتحولوا إلى جزء منهم، يترأسهم القايد، زادت مخاوفي ويأسي، وأيقنت أن حاميها حراميها.

فعندما يتحدث ملك البلاد عن المسؤول منعد الضمير، فلا ريب أنه يوجه الكلام لوالي الجهة والعمال وولاة الأمن ومن هم أدنى مرتبة في أسلاك الإدارة والموظفين والمتهاونين والمرتشين والمستهترين، وكل من أوكلت له مسؤولية حماية الملك العمومي من الاحتلال والتخريب، ووصفهم بشكل دقيق عند عبروهم الشوارع المحتلة والفضاءات العمومية كل صباح في اتجاه مقرات عملهم دون تحريك ساكن، لأن المسؤول الذي يغض الطرف عن هذه المشاهد المقززة لا يمكن إلا أن يكون منعدم الضمير، ومن هنا يستمد سؤالنا مشروعيته نحو تطهير الإدارة من المفسدين الذين ألحقوا الضرر بجمالية المدن المغربية واستباحوا كل الأزقة والشوارع والفضاءات، وحولوها إلى فوضى تفاقمت لتهدد أمن وسلامة المواطن، بل أضحت تشكل مصدر قلق على الدولة نفسها، لأنها عاجزة عن إعادة الأمور لنصابها، بل إن الأفارقة السود أضحوا أيضا يحتلون جزء من هذا الملك العمومي رغم كونهم في عداد المهاجر غير الشرعي …

أما وأن بعضا من هذه العمليات التي تتناقلها بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عن علمية تحرير الملك العمومي، فلا تكاد تبرح أسلوب الإشهار ومحاولة ذر الرماد في الأعين وتقديم كبش فداء للتستر على جرم النهار … لا شيء سيردع هذا الكم من البشر الذي أنجبتهم الفوضى وأضحى جزءا منها .. لا يمكن التستر على الفاعل الحقيق الذي هو كل مسؤول فاسد له صلة بالوضع الكارثي الذي آلت إليه المدن المغربي.

قد يقول قائل، إن الفراشة والتربورتر ظاهرة عدد من البلدان، وهو سؤال مردود على صاحبه، لأن الأمر يتعلق ببلدنا ولا شأن لنا بأخرى، إذ لا مجال للمقارنة .. فهم ليس لهم القايد والشيخ والمخزي والباشا … فالمطلوب إرادة حقيقية لتغيير الوضع، إرادة بعيدة عن أي مقاربة أمنية، لنعبر الشوارع والأزقة بأمان …

‫تعليقات الزوار

2
  • ع الجوهري
    الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 19:00

    هل هناك فرق بين ألمك العمومي والملك البحري وهل الملك العمومي يختزل في المقاهي والمطاعم أليس دواوير الصفيح المنتشرة في المغرب جلها مبني فوق ملك عمومي وبعضها فوق الملك الخاص ومن نشرها وتستر عَلى هذه العملية التي تسببت في تعثر التنمية في مدن بكاملها ونشرت الجريمة بشتا أشكالها وحتى الإرهاب ودوار طوما هوشاهد على أحداث 2003 وليكن في علمكم ان الفراشة الذين تشتكي منهم الدولة جلهم يقطنون في دور الصفيح التي أنشأها القياد والمقدمين المرتشين والآن المواطنين من يدفعون الثمن سواء صاحب المقهى أو المارة الذين يمشون تحت الرصيف أما ملف الملك البحري فحدث ولا حرج القصور دشنت فوقه إن وزارة الداخلية عندنا أصبحت عبئا على المغاربة وعلى مستقبلهم وشكرا هسبريس

  • Me again
    الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 22:39

    دائما نوبخ الضعيف, كالفراشة المتجولين.
    السيارة تعد احس من الانسان المغربي.الطرق وموقف السيارات احسن بكثير من الارصفة الخاصة بالناس!مرائبها ومعاملها وكراجتها احسن من المنازل والمستوصفات والمدارس.وسيارات الاسعاف الخاصة بها موجودة في كل مكان,عكس تلك الخاصة بالمرضى.كما فعلت فرنسا لتمجيد سياراتها الاشجارعلى طول الطرق الخاصة بالسيارات,ومصبوغة بالوان مختلفة ومفروشة بالورود واعمدة الانارة الفاخرة كحدائق طويلة بين الطريق المؤدية والاخرى المعاكسة مثل زرابي مفروشة,لكن ليس للمشاة حق في استعمالها حيث خطر الموت بسبب السيارة القوية والجميلة من سائقها والتي لها الاسبقية دائما!وكلما ابتعدت عن الطريق الا واصبحت الارض كلها اسوار من الاسمنت والازبال او قاحلة وموسخة او ضيقة مزدحمة وفي فوضى عارمة بدون علامات خاصة بالماشية والمشاة.هكذا يلاحظ السياح الذين صنعوا السيارة وطوروها ويعملون على انهم احسن من سيارتهم التي بالتالي احسن من المغاربة راجلين وسائقين.
    احتلال الملك العمومي هو في الحقيقة استعمار فرنسي بسياراتها.
    انا ضد احتلال الملك العمومي من طرف اصحاب النفوذ والسيارات.لكن الفراشة واعون انهم احسن من السيارة

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب