وجدة الحقوقية والمناضلة عبر التاريخ..

وجدة الحقوقية والمناضلة عبر التاريخ..
الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 23:50

من مناظرة حقوق الإنسان بوجدة سنة 1987 إلى مناظرة مراكش حول حقوق الإنسان سنة 2017

من منا لا يتذكر سنوات الرصاص وصعوبة إبداء الرأي في الثمانينيات، ومع ذلك نظمت جمعية هيئات المحامين بالمغرب، التي كان يترأسها الأستاذ النقيب عبد العزيز بنزاكور، مناظرة حول حقوق الإنسان بالمغرب بمدينة وجدة، نظمتها وسهرت على إنجاحها هيئة المحامين بوجدة، وكان نقيبها آنذاك الشاب الأستاذ اقويدر قنطري، الذي جند المحامين من أعضاء المجلس وخارجه من أجل إنجاح التظاهرة وتسجيلها بمداد الفخر في سجلات تاريخ المهنة العتيدة من جهة، ورسمها في سجلات التاريخ السياسي ومسار حقوق الإنسان، الذي يعتبر حجر الزاوية واختصاصا بدون منازع لهيئات الدفاع في جميع أنحاء العالم، من جهة أخرى. مدينة وجدة التي استقبلت أقطابا ورجالات القانون والمبادئ وفطاحلة ساحات القضاء، من محامين وحقوقيين لامعين، تجرأت آنذاك على إثارة مواضيع الإصلاح والتغيير، مواضيع حارقة تخص الديموقراطية والتصدي لقمع التعسفات والاختفاء القسري والتعذيب وانحراف القضاء وفصل السلط ونبذ الوصاية على العدالة وإعادة الاعتبار لهيبة مهنة المحاماة وحرية الرأي في زمن عرف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفِي زمن كانت قنوات التواصل الاجتماعي من ضروب الخيال، وكان الحق في الوصول إلى المعلومة الذي أصبح حاليا مدسترا من سابع المستحيلات. تم تنظيم المناظرة بمدينة وجدة سنة 1987 في أعقاب محاكمات سياسية عسكرية ومدنية ببعض مدن المملكة سنة 1984، منها مدينة وجدة التي عرفت أحكاما قاسية كنا ندعوها آنذاك “استانسيل” لتشابهها وعدم دراسة وقائع كل قضية على حدة، ولعل بعض المسؤولين حاليا، الذين عهد إليهم بمسؤوليات جسام كرئاسة مجلس المستشارين، كانوا من بين المتهمين في هذه المحاكمات، ناهيك عن الانتفاضات الشعبية التي عرفتها نفس السنة بمراكش وطنجة ووجدة وغيرها من المدن، كل ذلك ليس بالأمر الغريب عن مدينة عرفت انطلاقة ثورة الملك والشعب في 16غشت 1953، وكانت حصنا حصينا أمام توغلات الدولة العثمانية، كما قادت حملات شرسة ضد الاستعمار الفرنسي وشدت أزر الجارة الجزائر إلى حين حصولها على الاستقلال سنة 1962 إيمانا بالوحدة وبالتكامل المغاربي، بل إن الوقفة الاحتجاجية من أجل المطالبة بفتح الحدود بين المغرب والجزائر، رأفة بالساكنة ودفاعا عن حقوق الإنسان التي من بينها صلة الرحم، والتي ضمت نقباء من مختلف الدول العربية، عرفها المؤتمر المنظم بمدينة السعيدية ووجدة خلال يونيو 2013، وبذلك تكون المدينة الألفية، التي عرفت أول محكمة عصرية وأول نقابة للمحامين سنة 1912 وأول محطة للقطار وأبرز الثانويات التي تخرج منها رجالات دولة ومعالم عمرانية وثقافية ومعرفية، والتي عانت عقودا من الإقصاء والتهميش، مدينة الدفاع عن حقوق الإنسان والسير بالمسار الديموقراطي بكل امتياز، وكان محاموها عبر التاريخ يؤمنون بالعطاء السخي ونبذ الوصولية والانتهازية، ولم يحظ واحد من هؤلاء ببهرجات التكريمات والألقاب الخاوية الرنانة.

ثلاثون سنة مرت على تنظيم مناظرة حقوق الإنسان بوجدة، تحققت خلالها أهداف شتى ووقع نكوص وتراجع في قضايا شتى، وجاء دستور2011 ورفع سقف الحقوق والحريات بعد تقلبات وهبوب رياح وطنية ودولية عاصفة، ونظمت بعد ثلاثين سنة مناظرة بمراكش، لعلها تربط الماضي بالحاضر لاستنهاض الهمم، وإعادة ترتيب وتطهير البيت الداخلي من الشوائب، وإعادة الهيبة إلى القاضي والمحامي، والتصدي لكل تطاول أو إضعاف للهمة، في زمن كثر فيه اللغط، واختلطت الأمور على أصحابها، وأصبحت الفتاوى تصدر ممن لا اختصاص له، وأصبح الاحتجاج هو الأصل والعمل الجاد هو الاستثناء، زمن الغش والحصول على الديبلومات بسلطة المال والزبونية، زمن تدني المستويات، هذا التدني الذي يجب أن يجابه بقوة وإرادة بالنسبة إلى المحامي عن طريق رفع المستوى التكويني والمعرفي والتوعية الحقوقية، والمساهمة في العمل التشريعي عن طريق عمل تشاركي مع المحامين البرلمانيين من أجل نصوص قانونية تعيد الاعتبار إلى أمجاد المهنة، والدفاع عن حقوق الإنسان وطنيا ودوليا، ورد الاعتبار إلى ثوابت المهنة وأعرافها وآدابها وتاريخها بدل الاقتصار على اعتبار المهنة مجالا يقتصر على در الدخل والحصول على المكاسب المادية، وسبيلا عرضيا لمواجهة وامتصاص بطالة المجازين !

وإذا كانت المناسبة شرطا، فإن جل المحامين يلاحظون أن عمليات التكريم من أجل التحفيز على المزيد من العطاء في المجال الحقوقي تشمل جميع القطاعات، باستثناء جمعية هيئات المحامين بالمغرب، التي تعمل باستماتة من أجل إشعاع الحقوق والحريات، ألم يكن من اللائق، مثلا، وقد مرت ثلاثون سنة على تنظيم مناظرة خصت حقوق الإنسان بوجدة أن يتم تكريم هيئة المحامين بوجدة، في شخص نقيبها آنذاك الأستاذ النقيب اقويدر قنطري، خلال المناظرة المنظمة سنة 2017 حول حقوق الإنسان بمراكش، في ربط للماضي بالحاضر والتذكير بمجهودات محامين قبل وبعد الاستقلال من مختلف المدن، انحناء وتقديرا واعترافا لهم بالتضحيات من أجل مغرب للحريات متصد للتردي وتدني المستويات، والدفاع عن حقوق الإنسان وطنيا ودوليا.

* محامية – نائبة برلمانية سابقة

‫تعليقات الزوار

3
  • ليلى
    الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 11:14

    انت أدرى استاذتي بأن تثبيت مباديء حقوق الإنسان في المغرب عرف نضالات واسعة واعتقالات تعسفية في حقبة زمنية عصيبة و إعلام محدود وترسانة قانونية مفقودة ووعي على مستوى طبقة معينة ، هذا النضال أفرز عدة نتائج محمودة من خلال نشر الوعي وميلاد قوانين جديدة و إعلام منفتح وتوقيع اتفافيات ومواثيق دولية ، لكن للأسف كانت صدمتنا كبيرة عندما عايشنا المثقف عديم الوعي ، همه الوحيد الوصول إلى المناصب وتكوين الثروة من أي مقعد سواء إداري أو سياسي اومالي ، وهذه الأصناف تسعى لتحقيق أهدافها في سحق لكل المبادئ الكونية منها المتعلقة بحقوق الإنسان ، أما على مستوى الطبقة المثقفة ، فالامر أصعب عندما تحصر مفهوم حقوق الأنسان في الحق فقط ، في خرق صارخ لمبدأ الواجب ، فبقدر ما نسعى لتكريس مبادىء حقوق الإنسان نصطدم بمجتمع يناضل لضرب القانون والاخلاق بمعادلة" أطالب بحقي واجهل واجباتي " للأسف .
    السؤال المطروح ، أين نحن سائرون ؟

  • بنعلي سعاد
    الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 14:29

    كم نحن في حاجة الى استرجاع الهيبة الضائعة ، كم نحن في حاجة الى مجابهة الزمن الرديء وتردي التنظيمات

  • Karim abbou
    الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 23:32

    تعتبر حقوق الانسان محور دستوري يقتضي احترامها والحفاظ عليها دستوريا ومؤسساتيا وترجمتها من خلال الواقع عبر السلوكات الرسمية للدولة تحت مراقبة المؤسسات لكن الواقع والتجربة تبقى هي المحك والحكم على مدى تفعيل الالتزامات باعتبار الدستور هو التزام سياسي وقانوني بين الدولة والشعب (حاكمين ومحكومين)لاسيما والمغرب يعرف اليوم نشاطا متزايدا نظرا لتنامي الوعي الحقوقي لدى فئات واسعة من المواطنين وإسرار هيئات المجتمع المدني على المراقبة والمشاركة في التأطير الحقوقي النوعي من أجل تحسين وتطوير مكانة المواطن في علاقته بالإدارة والدولة، وإبراز الدور الموكول إليه دستوريا وتثبيت مبدأ دولة حقوق الانسان بتنزيل مضامين صك الحقوق لمعرفة مكامن النقص. وكذا النهوض بمهنة المحاماة ورد الاعتبار إلى ثوابتها وأعرافها وآدابها وتاريخها.

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج