هل نعيش حداثة سياسية أم تحديثا سياسيا؟

هل نعيش حداثة سياسية أم تحديثا سياسيا؟
الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 00:00

يعتقد البعض أن الحداثة هي نفسها التحديث، فيظن أننا في هذه المجتمعات نعيش حداثة بما تحمله الكلمة من معنى، والحال أن التحديث هو الأقرب إلى الصواب، لا لشيء سوى أن الحداثة مرتبطة بالجوانب الثقافية والفكرية والسياسية للمجتمع، بينما التحديث يقتصر فقط على الجانب المادي كالتطور التقني والعمراني وما إلى ذلك. ولعل أبرز حقل يجسد هذه الثنائية بقوة (التحديث والحداثة) هو الحقل السياسي، فهل نعيش حداثة سياسية أم الأمر يقتصر فقط على التحديث السياسي؟

اخترت الاشتغال على الحقل السياسي، خصوصا فيما يتعلق بالسلطة السياسية والأحزاب، نظرا لكون الكثيرين يعتقدون أنه في ظل هذه التحولات التي تعرفها بعض دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط نتيجة ما يسمى بالربيع الديموقراطي، بدأنا نعيش انتقالا ديموقراطيا وحداثة سياسية، لكن إلى أي حد يصح هذا الطرح؟

لقد انطلقت معاركنا في الإصلاح الديني والإصلاح الثقافي والسياسي وإصلاح المؤسسات منذ ما يقارب القرنين، ومع ذلك نكتشف كثيرا من مظاهر التأخر العامة السائدة في مجتمعاتنا اليوم، فمحصلة معاركنا وتجاربنا السابقة لم تثمر ما يسعف ببناء قواعد ارتكاز نظرية قادرة على تحصين ذواتنا من أشكال التراجع، بل التردي التي تعبر عن كثير من مظاهر العطب السائدة في واقعنا التاريخي [1]. يتجلى هذا التردي في مشهدنا السياسي في بعض السلوكات التي يقوم بها الفاعلون، والمشحونة بمرجعيات متخلفة، لنأخذ السلطة السياسية بالمغرب، على سبيل المثال، سنجد بأنها لازالت تقوم ببعض الطقوس التقليدية التي مرت عليها قرون من الزمن، من قبيل تشجيع مؤسسات الزوايا وظاهرة الأولياء وما إلى ذلك، فالسلطة تلجأ إلى هذا التقليد ليس رغبة في الرجوع إلى الماضي، ولكن رغبة في عيش الماضي في الحاضر، وهذا كله من أجل إثبات شرعيتها.

وإذا كانت السلطة السياسية في الدول الحديثة تعتمد على ما يسمى بالتعاقد الاجتماعي واحترام الإرادة الشعبية وحقوق الإنسان، فإنها في مجتمعاتنا الإسلامية لازالت تتبنى أسلوب العنف والقمع ضد شعوبها، والدليل على ذلك ما نشهده اليوم في بعض الدول التي اكتوت بنار الثورة ولازالت ترزح تحت وطأتها.

إلى جانب هذا، يمكن أن نتحدث عن الحزب كتنظيم سياسي في مجتمعاتنا، فإذا كانت الأحزاب السياسية تجليا من تجليات الحداثة السياسية، فإنها في مجتمعاتنا ليست سوى نسخة مشوهة لنظيرتها الغربية، حيث لم نستنبت مثل هذه المؤسسات في تربتنا، وإنما أدخلت مجموعة من المؤسسات إلى بلداننا بفعل المستعمر، وبذلك فهي مستوردة من الخارج، فالحزب المغربي، مثلا، يجد نفسه ملاحقا بإرث ومرجعية غربيين، يجعلان عملية التحديث هذه عبارة عن تسيطر معالم التباعد بين هوية التنظيم السياسي المغربي وهوية الحزب الغربي [2]. وبغض النظر عن الهوية المزدوجة لهذه الأحزاب، نلاحظ سيطرة التقليد على ما هو حديث، فالحزب كمؤسسة هو تجسيد للحداثة السياسية، لكن جزءا كبيرا من تصورات الفاعلين وسلوكاتهم لا تمت بصلة إلى الحداثة ومقوماتها، فأغلب الأعضاء الذين ينتمون إلى حزب واحد نجدهم ينتمون إلى قبائل محددة، وبالتالي تتحكم أعراف القبيلة وتقاليدها في بنية الحزب.

أعتقد أن الحداثة التي نعيشها هي حداثة شكلية لم تصل بعد الى الحداثة الحقيقية، التي يحتكم فيها الناس إلى مؤسسات وليس إلى أشخاص (البيروقراطية من منظور ماكس فيبر)، والدليل على ذلك أنه بمجرد تغير الشخص الحاكم تتغير منظومة الدولة بأكملها، وبذلك قد لا نكون مجازفين عندما نقول إن غياب الحداثة الحقيقية في مجتمعاتنا يرجع إلى غياب ثورة فكرية تنطلق من الفكر والفلسفة والعلوم لتنتهي بكل مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية، فهذا القصور الفكري والثقافي هو السبب في غياب حداثة عربية حقيقية.

الهوامش

[1] عبد اللطيف، كمال (2009). أسئلة الحداثة في الفكر العربي من إدراك الفارق إلى وعي الذات، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ص 43.

[2] الزاهي، نور الدين (2011). الزاوية والحزب الإسلام والسياسة في المجتمع المغربي، الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، ط 3، ص 221.

‫تعليقات الزوار

1
  • الجوهري
    الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 01:46

    ولماذا لا تقول حادثة سياسية بين سيارة المخزن وحافلة الأحزاب فالراكب خائف والسائق تالف و الكل ينتظر دورية المرور من أجل المعاينة وإنجاز المحضر وشكرا

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات