تقرير المصير .. لعبة الشد والجذب

تقرير المصير .. لعبة الشد والجذب
الأحد 22 أكتوبر 2017 - 16:02

يقول الإمام علي كرم الله وجهه إن نقل الصخور من موضعها أصعب من تفهيم من لا يفهم، ويقول أيضا إن الفرصة تمر مرور السحاب، فانتهزوا فرص الخير.

في الحقيقة لم أجد أعمق من هاتين الحكمتين كمدخل للتعبير عما يراودني من أفكار بخصوص هذا المبدأ الذي تتقاسمه ثلاثة أشياء: “التشويش” و”التشويه” و”ازدواجية المعايير”. أتكلم هنا عن مبدأ تقرير المصير “Self-determination” بالإنجليزية أو “Auto-détermination” بالفرنسية.

وكالعادة، واتساقا مع المنهج العلمي في التحليل، نبدأ أولا بالتعريف، فنسوق التعريف المتداول لتقرير المصير، وهو طموح مجموعة من السكان الذين تربط بينهم لغة مشتركة وثقافة مشتركة ويسكنون منطقة جغرافية محددة إلى اختيار وضع سياسي يرونه ملائما لهم في علاقتهم مع دولة ما (البقاء في إطار علاقة وحدة وتبعية مع تلك الدولة، الاندماج والاتحاد معها في إطار فيدرالي (عدة دول ومركز واحد) أو حتى كونفدرالي (عدة دول وعدة مراكز)، أو الانفصال عنها تماما وتشكيل دولة مستقلة، أو الاستقلال الذاتي فقط عنها). وقد ظهر تاريخيا هذا المبدأ منذ اتفاقية فرساي التي تلت الحرب العالمية الأولى، ولكنه مع ذلك ينسب للرئيس الأمريكي ولسون. وقد كان هذا المبدأ الأساس في مطالبة المستعمرات السابقة في إفريقيا وآسيا بالاستقلال عن الدول الاستعمارية الأوربية.

تابعنا كباحثين كما تابع العالم أجمع حدثين بارزين هما الاستفتاء على تقرير المصير في كردستان العراق وفي كطالونيا، وتابعنا كيف تناول الإعلام المسألتين، ومواقف الدول، ولاسيما الكبرى منها، إقليميا ودوليا، وكيف تفاعل الجميع.

انتظرنا حتى نستطيع استقراء خلاصات هاذين الحدثين البارزين، لنخرج بخلاصات، حتى لا نتهم بالتسرع، الذي يعتبر عدوا إبستيمولوجيا بامتياز؛ فإذا كان الخبر بضاعة سريعة التلف، فإن تحليل الخبر يتطلب من العمق والدقة والرصانة ما يجعله بضاعة قابلة للتخزين إلى أجل مسمى.

كانت أهم خلاصاتنا هو ظهور الوجه القبيح إن لم نقل النفاق العالمي لبعض الدول، من خلال نهجها سياسة الكيل بمكيالين، بل بمليون مكيال. فتلك الدول التي تنادي بتطبيق مبدأ تقرير المصير على جزء لا يتجزأ من المغرب، نجدها وبقدرة قادر تعجز عن المناداة بتطبيق المبدأ نفسه على كردستان العراق وكطالونيا؛ بل وجاهرت بمعارضتها العلنية لهذا الأمر.

رأينا أيضا أن الاتحاد الأوربي ككتلة، وكذلك بعض دوله، كإسبانيا التي ما فتئت أهم أحزابها تزايد على المغرب في قضية الصحراء، فجأة أصابها الحول والخرس السياسي، ووقفت جثة هامدة بلا حراك أمام مطالب كطالونيا بالانفصال عن إسبانيا. ولمثل هؤلاء نهمس: “أهو حلال عليكم حرام علينا؟”.. أنتم تعتبرون تشبث المغرب بوحدته الترابية غزوا واستعمارا وتعديا على حقوق الغير ونهبا لثرواتهم… إلخ، إذن وبمنطق الأشياء، سنقيس الأمر نفسه على حالة كطالونيا بل وعلى إقليم الباسك أيضا، بل والأندلس أيضا الذي فيه مطالب قومية ترتفع يوما بعد يوم، فإذا قبلتم ذات يوم بتفكيك وطنكم إلى دويلات، فتعالوا حينها لنتداول في أمر الصحراء المغربية، التي سيبقى فيها المغرب إلى آخر قطرة دم في آخر طفل مغربي.

رأينا أن تركيا وإيران، وهما البلدان الإقليميان القويان، وقفا سدا منيعا أمام طموحات الأكراد في شمال العراق، بل وهددا بعمل عسكري يمنع انفصال الإقليم، وقاما بإجراء مناورات عسكرية قرب حدود الإقليم غداة الاستفتاء، في رسالة غير مبطنة لزعيم الأكراد “جلال بارزاني”، تحمل معنى لا يصعب فهمه. كما أن الدولتين معا قامتا بإغلاق المجال الجوي والبري من وإلى الإقليم، وقامتا بالإيعاز لرئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي بإرسال الجيش العراقي الذي دخل المناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها مدينة “كركوك”.

أنقل التساؤل الاستنكاري نفسه إلى “ماما أمريكا”، فكلنا نعلم أن ولاية كاليفورنيا تطالب باستقلالها عن الولايات المتحدة الأمريكية. وقد برزت حملة إلكترونية قوية إثر انتخاب “دونالد ترامب” تطالب بالاستقلال. وبدورنا نتساءل، فقطعا أمريكا لا ولم ولن ترضى بانفصال تعتبره من جزء من أراضيها، فكيف تقبل بذلك لغيرها؟

أطرح بالمناسبة السؤال نفسه على النظام الجزائري- خصمنا اللدود في قضية الوحدة الترابية المغربية- أنتم ترفضون وبكل قوة أي مطالب سياسية تخرج من منطقة القبائل، فكيف تقبلونها على جيرانكم؟.

أعلم أن السياسة لا أخلاق فيها، ولكن على الأقل يجب أن يكون فيها منطق. على المغرب أن يحصن مصالحه، فمعركة شهر أبريل قادمة، ويجب على الدبلوماسية المغربية أن تضغط بكل قوتها في هذا الاتجاه، فما دام مبدأ تقرير المصير يؤخذ بانتقائية وبمزاجية، فعلى المغرب أيضا أن يسعى إلى الدفاع عن ملف وحدته الترابية، بكل ما أوتي من قوة، من خلال دبلوماسية هجومية محضة؛ وذلك باستغلال هذه النقطة بالذات.

أختم من حيث بدأت، فكما قال الإمام علي فإن الفرص تمر مرور السحاب، فعلى المغرب استغلال فرصة ثمينة، من قبيل تعامل المجتمع الدولي مع استفتاء كردستان العراق وكطالونيا، لفرض المنطق نفسه في التعامل. المغرب غدا أيضا دولة إقليمية يضرب لها ألف حساب، ولها صوت مسموع في المحافل الدولية، وحتى أصدقاؤنا في ملف الوحدة الترابية يجب ألا يكفوا عن العزف على هذا الوتر الحساس كلما وحيثما وحينما جاءت الفرصة.

*باحث في شؤون القانون والإعلام والنوع الاجتماعي

‫تعليقات الزوار

3
  • عبدالرفيع الجوهري
    الأحد 22 أكتوبر 2017 - 16:35

    موضوع تقرير المصير هو مثل زواج المتعة وفِي جميع الحالات ينتهي بالإستقلال و الشعوب التي يطبق عليها هذا النموذج هي كذلك تنتظر الفرصة لتستغلها من أجل الإستقلال كما حصل في تيمور قبل الكرد والإسبان أما بالنسبة للمغرب فقد أخطأ يوم عرض على البوريزاليو الحكم الذاتي وفِي نظري لو قبلوه قبل عشرون سنة لأعلنوا إستقلالهم الْيَوْمَ مع الكاتالوني والكرد لكنهم لم يحسبوها جيدا وأقترح على المسؤولين عندنا أن يمنحوهم مهلة سنة للقبول به أو سحب هذا الطلب من طاولة التفاوض فالسؤال لماذا نخسر أموال طائلة في التسلّح و نمدهم بالحل في نفس الوقت يجب اختيار اتجاه واحد وشكرا

  • الاثتنيات
    الأحد 22 أكتوبر 2017 - 17:55

    لو كان التقسيم على حسب الاثنيات لكانت دول العالم فوق الخمسة الاف دولة . ففي الهند وحدها ثمان مءة اثنية مختلفة والصين المءات وافغانستان والبرازيل واوربا وفي القارة السمراء وليس بعيدا عنا حرب الهوتو والتوتسي ورغم ذالك لازالت رواندا دولة واحدة

  • زينون الرواقي
    الأحد 22 أكتوبر 2017 - 20:39

    كثيرون تنتابهم حمى المطالبة بتقرير المصير لكنهم يعجزون عن تدبر امورهم بعد يوم واحد من الانفصال ، كانت الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا FLNC الأشد عنفا وتطرفا وهي تسعى للانفصال عن فرنسا وامتدت يدها الى داخل العمق الفرنسي اما داخل الجزيرة فلم تتردد في تصفية الوالي le préfet الذي عينته المركزية من باريس على رأس إدارة كورسيكا ، لكن بعدان نضج حكماء النضال خلصوا الى ان الانفصال ضرره أكثر من نفعه على الجزيرة المحدودة الموارد … خلال صيف 2014 وكنت يومها هناك شلت الحركة وعاشت الجزيرة نقصا فظيعا في المواد الاساسية بعد أضراب عمال الموانيء وقطاع النقل البحري وتوقفت حركة السفن المبخرة من ميناء طولون في اتجاه الجزيرة حتى أصبحت أروقة المحلات التجارية الكبرى فارغة تماما لينتعش التهريب امام صدمة السكان الذين تاهوا بحثا عن حليب الرضّع .. اليوم نبذت جبهة التحرير لغة السلاح بل باتت تدعو لحكم جهوي موسع في ظل البلد الأم .. اليوم ادرك الزعيمان الكورسيكيان اللذان دوخا فرنسا وكلاهما على مستوى عال من الثقافة Guy Talamoni و Jules Simeoni ان الوقت للتكتلات الكبرى وليس للكيانات المجهرية فأين منهما المندفعون

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب