مشروع محبوك منذ عقود لتصفية قطاع التعليم

مشروع محبوك منذ عقود لتصفية قطاع التعليم
الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 21:55

كنت ولا أزال أومن إيمانا راسخا بأن قطاع التعليم ليس ميسرا لكل من هبّ ودبّ، ولا يمكن لأي كان أن يتولى تدبيره أو إبداء الرأي فيه، عدا من زاول المهنة ومشى وسط شعاب المنظومة، من هيئة تدريس ومراقبة تربوية وذوي الاختصاص في مجال البيداغوجيا والسيكولوجيا وكل العلوم المرتبطة بالتربية والتعليم، وفق اختيارات سياسية واعية تمام الوعي بأهمية التعليم ودوره الطلائعي في الارتقاء بالأمم والنهوض بالمجتمعات لاستشراف المستقبل. أما عدا هؤلاء فكلامه لغو لاغ وشخيخ بول في الرمل، وفعله عشوائية وجعجعة بدون طحين، فالمستوزر “حصاد” أداة تنفيذ، ومن معه من كاتب عام ومفتشين ومديرين مركزيين وجهويين وإقليميين أشبه بالروبوهات المبرمجة، لأن حصاد لا يمتلك رؤية أو مشروعا أو تمثلات للعملية التربوية التعليمية، فاقد الشيء لا يعطيه، فلنلاحظ منذ استوزاره أنه لم يزح عن الوعد والوعيد والتنبيه، واستصدار عدد من المذكرات يتناوب على توقيعها مع الكاتب العام الذي يمكن اعتباره الوزير الفعلي الذي منه يتلقى حصاد توجيهات “السيستام”، وطلي المؤسسات بالأصباغ، وتلبية أوامره في خنوع من لدن بعض من مسؤولي المؤسسات التعليمية من فئة عقلية العبيد، علما أن الرجل أوكل إليه تصفيتهم بدل إقرارهم في إطار مدير، والنموذج الفرنسي والإسباني قادم لحذف المدير الحالي واستبداله بمدير ينتخبه زملاؤه وجمعيات الآباء لفترة معينة، وبالتالي لا وجود لإطار… فتنزيل المشروع ميدانيا لاستئصال المدرسة العمومية من تربتها، شرع فيه منذ فترة، وتجلت إرهاصاته الأولى مع ما آلت إليه الجامعة المغربية كونها منارة الفكر والمعرفة والبحث الأكاديمي والعلمي، وبعدها المعاهد العليا، وتقليص المنح والميزانيات الخاصة بالبحث العلمي وتفقير كل عالم أو قطع السبل بينه وبين المعرفة ليعتمد على دعم أسرته وترحيب الدول التي تستضيفه، أما الآن وقد تفوقت المدرسة العمومية فلا بد من إفراغها من كل محتوى تربوي أو تعليمي عدا ما هو مخطط لها، فعمدت الوزارة، أو “السيستام”، إلى تكليف “حصاد”، لشن أول هجوم ضد نساء ورجال التعليم يضمر الكثير من الغل والحقد ضد هذه الفئة العريضة من المجتمع، والتي ظلت لعقود تحمل مشعل التنوير وكشف حقيقة “السيستام”، باعتبارها المؤهلة للانخراط في الفعل السياسي والعمل النقابي والإسهام في الحراك الاجتماعي والمشاركة في صناعة الثقافة والإصغاء لنبض المجتمع.

هناك، إذن، مخطط خبيث لاقتلاع بذرة الخير من داخل المجتمع بنية الهيمنة والاستحواذ على ما تبقى من القيم التي ستترعرع حتما مع الأجيال المقبلة، ويبقى المدخل الأساس لتمرير خطاب اليأس هو التعليم، لأنه من خلاله تم تمرير خطاب الجهل لتضبيع أفراد المجتمع، وتخريج أجيال من العاطلين القانطين العنيفين الحقودين والمعتدين الحاملين لمركبات نقص لا حصر لها، فانتشر الفراشة والتريبورتر والتشرميل وارتفع معدل الإجرام، وأضحى الفرد كما الجماعة ميالا إلى الفوضى، واستشرى الفساد داخل الإدارة والمرافق العمومية إلى درجة التطبيع مع الفساد… ولم يتبق من المواطن غير البطاقة التي تضبط هويته أمنيا.. هيكل بدون قيم جمال وأخلاق..

ألم يسائل “حصاد” نفسه عن عدد المدارس والثانويات العمومية التي تم تفويتها إلى جهات لا صلة لها بمجال التعليم؟ وعن عدد الطلاب بالجامعات الذين لم يستفيدوا من المنحة الهزيلة؟ وكيف هي ظروف العيش بالأحياء الجامعية والداخليات؟ لماذا لم ينشر لائحة من سرقوا مالية صندوق التقاعد لتقتطع من أجور الشغيلة التعليمية؟ ونسائل “حصاد” عن العجز الكبير في أطر المراقبة التربوية من هيئة التفتيش لتغطية جميع الجهات حسب التخصصات والمسالك؟ وعن جريمة التستر على حصيص الحركة الجهوية وحرمان جحافل نساء ورجال التعليم من حق مكتسب، ليتم تفويتها للمتعاقدين، فيصبح المتعاقد وسط مجال حضري على بعد أمتار من مقر سكناه، وفي المقابل يفني الشباب زهرة عمرهم في البوادي؟ المتعاقد من غير تكوين أستاذ فاشل؟

الأمر يتعلق بمخطط رهيب، رؤية استراتيجية، لطمس معالم المدرسة العمومية وفق مقاربة أمنية تخدم أجندة معينة، لأن إغراق المدرسة العمومية بالمتعاقدين اليائسين من حق الشغل هو عملية قطع شريان الحياة بالنسبة إلى منظومة التربية والتعليم، وهي عملية توالت مع التوظيف المباشر، حيث جرى غزو المؤسسات التعليمية والمرافق الإدارية التابعة لوزارة التعليم بجيش من لا علاقة لهم بمجال التربية، فأضحوا على رأس مديريات إقليمية، أي من الاعتصام أمام البرلمان إلى تدبير مرفق التعليم، مقابل إقصاء الشغيلة التعليمية التي تتمثل المنظومة التربوية في مخلف تجلياتها، ونخص بالذكر هيئة المراقبة التربوية، أو التفيش، التي جرى إقصاؤها من مواقع المسؤولية الإدارية، بعد إغلاق مركز تكوين المفتشين لعقد ويزيد، لأن الأمر يتعلق بعملية تفويت ممنهجة لقطاع التعليم نحو المتعاقدين وقبلهم القطاع المشترك والتوظيف المباشر والمستقدمين من قطاعات أخرى… كل هذا يندرج وسط سياسة مدبرة بدهاء وبنفس طويل، رافقتها محطات عصيبة عرفت خلالها الشغيلة التعليمة القمع والتوقيف والاقتطاعات والمضايقات على العملين السياسي والنقابي إلى درجة إفراغهما من محتواهما، وموجة الاعتقالات ومحاصرة الجامعات وإطفاء شعلة البحث العلمي فيها والهيمنة على مدارجها ومدرجاتها، واختراق فصائلها والزج بها في خندق التطاحن وتفتيت الحرم الجامعي وانتهاك حرمته بوليسيا (الأواكس)، وحذف مادة الفلسفة لسنوات، وهو الأمر الذي خرّج أجيالا من الطلاب لا تستشعر النقد والتحليل والمنطق، وبالتالي التعامل مع الواقع والوقائع والأحداث المجتمعية وفق ملامسة تفاعلية مع قضاياها..

وعليه، فنشر لوائح غياب هيئة التدريس وتخصيص اليساريين بالتقاعس، بالإضافة لكون العمل مشين ويستلزم متابعة، فالأمر يتعلق بضغينة نحو شعب قطاع التعليم، بحيث نجد من المسؤولين بمختلف دواليب الدولة من يحمل الأحقاد تجاه هذه الشريحة من المجتمع لأجل الحقد فقط، فانتشرت النكتة التي تحط من قيمة المعلم واحتقاره كما حدث مع شخصيات استنزفها المخزن وساكنة منطقة محددة، وفي تاريخ المغرب العديد من هذه الحالات، يتم خلالها إطلاق أوصاف مشينة يقصد منها الإذلال والتحقير وتشويه الصورة الجميلة داخل المجتمع، فالمعلم ظل لعقود يسترق الريادة ويؤطر المجتمع، ولا يمكن نكران إسهام المعلم ذاته في حالة التبخيس التي آل إليها، وذلك بسبب تقاعسه وتخليه عن دوره الطلائعي وتعففه وتماديه في الابتذال والانخراط في التهاون، فأضحت شريحة واسعة من الشغيلة التعليمية لا تعمل داخل الفصول الدراسية بقدر ما توجهت نحو الساعات الإضافية لتستنزف قدرات أبناء المجتمع التي تنتمي إليه، ففقدت بذلك ذرة احترام ظلت بالأمس تبوؤها المكانة العليا داخل المجتمع… ثم العزوف الكبير عن العمل النقابي والتعاطي مع خطاب اليأس.. بمعنى أن حالات الحقد بدت ظاهرة تحتاج إلى تحليا مختبري وفق مقاربة سيكولوجية تفسح المجال لفضح المتلبس والوقوف عند عمق الأشياء لا قشورها..

‫تعليقات الزوار

9
  • الفلسفة صوت العباقرة
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 22:51

    احييك استاذ على عمق تحليلك ، ونفاذ بصيرتك . أرجوا ان تعاد لمادة الفلسفة هيبتها ، فهي التي تنمي قدرات النقذ والمساءلة للطلبة ، وتجعلهم يحفزون ملكات هذا القابع داخل رؤوسهم ، وهي عملية لاتنجح دون ان تستفزهم الاسلءلة العميقة التي تتيحها مادة الفلسفة .

  • ع الجوهري
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 23:05

    صحيح المخطط موضوع بدقة كبيرة التركيز و بتمويل هائل وللتذكير الأموال التي تخصص لإصلاحه تختلس عن قصد وهي ضمن الأموال المخصصة لتمويل معرقلينه والهدف هو الحفاظ على نسبة سبعون في المائة من الأمية وتخلي نفس النسبة على إكمال الدراسة وأهداف أخرى تخدم الفرنكوفونية والدليل بسيط فإذا وجدتم دولة عاقلة تدرس الإعدادي بالعربية والثانوي بالفرنسية فأنا مستعد للإعتذار وكل هذا لتحويل الشعب إلى قطيع غنم يهشون عليه بعصاها ولهم في ذلك مآرب أخرى شكرا هسبريس

  • الطالب الباحث
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 00:27

    نحن مجرد ارقام في سجل وطن ……………………..

  • ع/غ
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 00:47

    طرح جريء، وصور التربورتور والفراشة والتشرميل من تدبير من أرادوا الإفلاس للمنظومة التربوية.
    للأستاذ كما لحصاد نصيب من حالة اليأس التي زجت بآلاف المتعاقدين دون سابق معرفة إلى ولوج الرافعة الأساسية لنهضة المجتمع.
    هم يخططون لنسف كل الجهود التي راكمها رجال التعليم الغيورين.
    عوض البحث في مصير الأموال التي نهبت من صندوق التقاعد، وتلك التي رصدت للاصلاح، انصب الغضب على المديرين والأساتذة وجدران الفصول .
    وأشياء أخرى يطرحها السيد حماس .
    سننتظر كتابات أخرى إلى حين…

  • WARZAZAT
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 05:18

    المغاربة مابغاوش اقرو. فرنسا كانت تختطف الأطفال و تدخلهم المدارس و كانت عشائرهم تزلزل السموات و الأرض ليحرروهم من خوالب الروم. مازال تعليم البنات اليوم يعتبر تلاعب بحياتهن. كلما تسلقن السلم الدراسي كلما اضمحلت حظوظهن في الحياة.

    الدولة منذ القرون الوسطى و هي محتكرة من قبل أسر مخزنية تعتبر التعليم و التقدم خطرا عليها. لذا تعمل جاهدة لرهن الشعب في الظلمات كي يبقى تحت سيطرتها…أمر تأكدت منه و عزمت عليه أكثر بعد ظهور مثقفين من أوساط الشعب من أمثال بن بركة الذين ثاروا عليها و ضايقوها. فبدأ إرجاع التاريخ إلى الوراء و نزلوا على الشعب بالزبانيات الوهابية و الفرزدقية لوأده حيا. رغم ذلك بقيت هناك بعض ''المرقة'' في قاع الكاميلة….إلى أن دخلنا العهد ''الشاب'' وطلع بنكيران إلى المنصة ليكمل عمل البصري و يعطي التعليم الضربة القاضية.

    دولة الغاب التي هي المغرب لا نظير لها في العالم.خصخصة كل شيء سوى الهرواة. مهمتها الوحيدة هي حماية اللصوص الكثر من الشعب و هذا يجعلها تنفق كل ميزانيتها على العساكر و البوليس ما يرغمها على نهب و خصخصة باقي القطاعات و الخدمات لان رزق المعلم و الطبيب داه مردا و لاجودان.

  • بلاد فقدت عقلها
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 06:35

    كل ما تفضل بكتابته الأستاذ صحيح،
    الوعي كان دائما الخطر الداهم على المشاريع والأجندات المعادية للإنسان، لذا تجد السلط تبذل كل ما في وسعها لمحاصرته وتسفيهه. والخطوة الأولى تكمن في تدمير المنظومة التعليمية وتبخيس المنتسبين إليها.
    التعليم في المغرب تحت هجوم ممنهج demoralisation منذ عقود، وللأسف فإن ثمار هذا المجهود بدأت تؤتي أكلها.
    السيد حصاد نموذج الشخص التيكنوقراطي الروبوتيكي الذي يتلخص ذكائه ومؤهلاته في الأرقام والجداول والحسابات ناهيك عن نفسيته المهتزة والانتقامية، أي أنه يفتقد كليا للحس الإنساني والحكمة والاتزان والبعد القيمي الضروري لفهم المجال التربوي والتعليمي…وذلك ما جعله المؤهل بامتياز للقيام بالمهام السوداء الموكلة له دون حرج.

  • سعيد الشقروني
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 16:32

    مقال في العمق بوركت وزادك الله من علمه ونوره

  • طنسيون
    الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 16:39

    في الواقع هي أزمة فكر ومنظور تقليدي متخلف تأسس منذ فجر الاستقلال في ذهنية المجتمع العربي والمغربي خصوصا الذي تطبع مع التكرار وإنتاج التكرار. فلم يستطع هذا النموذج التعليمي التطور والتجديد ولا استطاع مواكبة التغيرات الحاصلة في مجال التربية والتعليم رغم تعدد وسائل التواصل ورغم انتشارها عبر العالم ظل المسؤولون متجاهلين وجاهلين لكل مستجد. بل زادوا من تكريس التخلف والاخفاق في القطاع بعد تملصهم من مسؤولية تطويره بالمعاييررر الدولية وتشبثوا بالشكليات لتوهيم الشعب ومماطلته بالتسويف والانتظار للمجهول الذي سينقلب عكس الانتظارات الوهمية في القريب وقد بدأت معالمه ظاهرة للعيان.

  • Citoyenne du Monde
    الجمعة 27 أكتوبر 2017 - 20:36

    C'est vrai que le remplacement des départements de philosophie par les départements d'études Islamiques était un acte de sabotage flagrant de la part de l'Etat. C'était une vraie trahison pour la raison de nation. Mais il faut dire les choses comme elles sont: sans la complicité des enseignants qui se sont vite, en majorité, déguisés en djellabah , voile, barbe et sandales, et qui se sont acharnés à laver les cerveaux de toute une génération, ce que vous appelez le système" n'aurait pas réussi à nous donner u"
    génération d'abrutis , de criminels et de terroristes.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة