عصرُنـا .. الجاهلي!

عصرُنـا .. الجاهلي!
الأحد 22 أكتوبر 2017 - 23:00

عصرُنا لا يختلفُ عن العصرِ الجاهلي، إلاّ في التكنولوجيا المتطوّرة التي صنَٓعها غيرُنا، وقُمنا نحنُ باستيرادها..

وما عدا التكنولوجيا، في واقعنا اليومي، ما زلنا نُسخةً طبق الأصل – تقريبًا – من العصر الجاهلي..

وحتى الجاهلي تفوّقَ علينا في الشّعْر..

ونحنُ تَخلّفنا..

وهبَطنا بالأخلاقياتِ المواكِبة للشعر..

أخلاقياتٌ منها الأمانة، والشهامة، والكرم، وغيرُ هذه من «عزّة النفس» التي كانت سائدةً في عصر «المعلّقات»، بشبه الجزيرة العربية..

واليوم، لا اختلاف بيننا، نحن المغربُ والمشرق، من حيث التدنّي السلوكي..

هناك، مثلما هي حياتُنا هُنا، نحنُ على نمط اجتماعي واحد:

الباديةُ خاضعة لتقاليد يقودُها زعماءُ القبائل، وطبعا ظلمٌ اجتماعي مُمتدٌّ من العصر الجاهلي إلى الآن، ونظرةٌ دونية إلى فئاتٍ اجتماعية منها المرأةُ والطفلُ والمستضعَفُون..

حتى المجتمع، كما هو عندنا، مُقسّمٌ إلى فئات ثلاث، متفاوتةٍ متباعِدة، لا مجالَ للمقارنة بينها:

1- الاغنياء: وهم الهرمُ الاجتماعي، يتحكمُون في السلطة والثروة والقوانين والعدل، وكلِّ مؤسسات الدولة.. وهؤلاء هم فوقَ القانون..

2- الطبقةُ المتوسطة: وتضمُّ الأُجَراءَ والمستخدَمين..

3- قاعدةُ الهرم الاجتماعي، وتضم الطبقةَ المسحوقة التي كانت تسمَّى في العصر الجاهلي: الفقراء، والخدَم، والمشردين…

ماذا تغيّر عندنا منذ العصر الجاهلي، ونحنُ الآن في التكنولوجي؟

لا جديد.. التفقيرُ هو التفقير.. السادةُ هم السادة.. عقليةُ «الأشراف» هي هي.. الإقطاعيةُ هي هي..

وفئةُ المعذبين، من خدَم وجَوَارٍ، ما زالوا جزءًا، لاشُعوريا وعمليا، من «مُمتلكات» الأغنياء..

نفسُ عقلية الجاهليةِ القديمة ما زال معمولاً بها بين جُدران بناياتٍ فخمة، على أيدي «سادةِ القوم»..

الاستغلالُ هو الاستغلال.. والاستغلاليون فوق القانون..

وفي مُعاملاتهم يتكرس البؤسُ والاضطهادُ والجهلُ والتجاهلُ والمرض.. وهذه هي نفسُ السلوكات الاجتماعية التي كانت سائدةً في العصر الجاهلي..

وكل ما يملكه الفقراءُ يعتبره الأغنياءُ من حقوقهم..

و يتواطأ مسؤولون في الدولة مع هذه النخبة الثرية، للاستيلاء على أراضي الفقراء، إما عن طريق الترامي المباشر، أو بطريقة قانونية، من نمطِ «تصميمِ التهيئة»..

ويصبح كل الفقراء، وما يملكونه، جزءا من ثروات الأغنياء..

وهذا التوريثُ ما زال جاثما في عقلية الجاهلية العصرية، لدى أثرياءِ البوادي والحواضر الذين يتحكمون في حياة الناس، ويقومون بتضخيم ثرواتِهم الرّيعية، وتوسيع دائرةِ نُفوذهم مع كبار المسؤولين في السلطات التنفيذية والتشريعية وغيرهِما ممن أصبحوا يُفْقِرون من يشاؤون، ويُغنون من يشاؤون..

ولم يعُد في بلادنا فرقٌ من حيث العقليةُ والسلوكُ بين العصر الجاهلي والعصر التكنولوجي، ما دام السلوكُ القديمُ هو نفسُه السلوكُ الحديث..

ويحدث هذا الامتدادُ السلبي بين الماضي والحاضر، حتى بوجود رسالةٍ سماويةٍ إلى بني البشر..

أما آن الأوانُ للبحث سويّةً عن حل جذري لعُمق المشكل الاجتماعي المستشري في منطقتنا، منذ العصر الجاهلي إلى الآن؟

إن المنطقة قد تعاقبت عليها أديان..

والأديانُ من إله واحد..

وذاتُ خطابٍ إنساني واحد..

إلى بَشرٍ واحد..

على أرضٍ واحدة..

هل عجَزت الأديانُ عن التقريب بين حقوق الإنسان؟

هل عجزت عن إقرارِ حقوقٍ وواجبات؟

ألم يستطع الإنسانُ أن يستمدَّ من خطاباتِ السماء، ومن تَجاربِ الأرض، حُلولاً جذرية لظُلم الإنسانِ لأخيه الإنسان؟ وتنافُس أديانٍ مع بعضِها، حتى وجميعُها من مَصْدرٍ واحد؟

نستطيع، إذا نحنُ فكّرنا جدّيا في أن مخاطرَ تُهددنا جميعا، وألا خيارَ أمامنا إلا التعايش، بأمنٍ وأمان، واحترامٍ والتزامٍ بالمسؤولية..

وأولُ الطريق أن نعود إلى أدبياتِ «الأمم المتحدة»، ونَبني عليها ما يلي:

– كلُّ الناس إخوة..

– كلُّ الأديان دينٌ واحد..

كلُّها تدعو إلى السلمِ والسلام..

– وجميعُها من إلهٍ واحد…

وعندها، نكتشفُ أن الفرقَ بيننا موجودٌ فقط في طُرق العبادة، وليس في جوهر الأديان..

الجوهرُ واحد..

الحقيقة واحدة..

النَّاسُ لا يختلفون إلاَّ في الشكليات..

لا في الجوهر الديني وهو: الاحترام، السلام، التعاون، التآزر…

وسيكونُ هذا مَسْلكًا يقودُ فعلا إلى تفاهُم حول ما يجمعُنا، وتجنُّبِ ما يُفرقُنا..

وأنّ مصلحتَنا المشتركة تتمثلُ في عيشٍ مشترك، وقانونٍ إنساني، وسلامٍ عالمي..

وهكذا نعيشُ سويّة، باحترامٍ وأمان، وإلاّ كان مآلُنا: الإنهاءُ المتبادَل.. وقيادةُ أنفُسِنا بأنفُسِنا، وبغباء، إلى طُوفانٍ يُشبه ما رمَزت إليه «سفينةُ نوح»!

فما العمل؟

ـ هل نُعْمِلُ العقلَ والنّباهةَ والحكمة؟

أم ننتظرُ تدخُّلاً حاسِمًا من السَّمَاء؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • kafka
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 00:04

    وأولُ الطريق أن نعود إلى أدبياتِ «الأمم المتحدة»، ونَبني عليها ما يلي: ؟؟؟؟
    الامم المتحدة هي منظكة المنتصرين الذين فرضوا مؤسسات بروتن وودز …هل تعرف هذه المؤسسات ؟؟؟
    ما هو العالم عليه من خراب هو نتيجة تخطيطات و افعال الامم المتحدة الذي تدعونا الى التشبت بمبادئها .
    و عكس ما تظن نحن متشبتين بمذاهبها و ننهج تعاليمها و لكن هي متشبتة بتفقيرنا و انتزاع ثرواتنا و آدميتنا و انسانيتنا .

  • مغربي ساكن فالمغرب
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 05:49

    1-قبل أن أبدأ بالقراءة نظرت إلى الصورة فرأيت شيخا فاطمأنت نفسي .. قلت لها لا تقلقي فهو ليس من طينة جواد المبروكي وغيره من أصحاب الأفكار المعاصرة الهدامة .. هذا في سن والدي !
    بدأت القراءة فابتسمت .. وبعد دقائق تسائلت .. ثم قطبت .. ثم انتفخت أوداجي .. وبعدها خرج الدخان من أذناي .. ثم انفجرت !
    لكن قبل أن أنفجر كليا استطعت كتابة هاته الكلمات :
    إلى مؤمن بأدبيات الأمم المتحدة .. إلى جاهل بأدبيات الإسلام :
    -كلُّ الناس إخوة —> قال تعالى: (إنما المؤمنون إِخوة..) [الحجرات:10]. (أي الذين يدينون بدين الإسلام)
    -كلُّ الاديان دينٌ واحد —> قال تعالى: (إنّ الدِّين عند الله الإسلام..) [آل عمران:19] (الذي أرسل به النبي محمد صلى الله عليه وسلم)
    -وجميعُها من إلهٍ واحد —> قال تعالى: ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين..". [آل عمران:67]. (وبذلك بطلت دعوى الديانات الإبراهيمية)
    وقال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.." [البقرة:120]. (فلا أخوة بيننا وبينهم)
    وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) [آل عمران:85]. (هل اكتفيت ؟)

  • مغربي ساكن فالمغرب
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 06:16

    2-دعاة الإنسانية ووحدة الأديان هم دعاة على أبواب جهنم ..
    وقد بين لنا هذه الحقيقة الصحابي حذيفة بن اليمان حيث يقول: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا..) الحديث [أخرجه البخاري كتاب المناقب رقم 3338 ومسلم كتاب الإمارة رقم 3434]

  • الحسن لشهاب
    الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 17:04

    فعلا ليس هناك تدخلا حاسما من السماء،و ليس امام الانسانية الا الاجتهاد في تحيين و تنقية و اصلاح عقليتنا الاقطاعية التقليدية ،من خلال رأيتنا الى نمط و امكانية عيشنا، حيث يكمن مصدر الاشكال، و ان نغير جوابنا على ،كيف ينبغي ان نعيش هده الحياة؟ و ما هي الطرق الايجابية التي ينبغي اتباعها للحصول على الامكانيات المادية ؟و كيف يمكن ان نوازي سلط صناعة و تنفيد القرارات بين النخب الاجتماعية المثقفة و بين النخب السياسية و الاقتصادية ؟و كيف يمكن تخلص العقليات التقليدية في كل الاوساط الاجتماعية من ظاهرة الخوف من المستقبل المادي و الحكماتي؟

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب