ديمقراطية "اللوائح"

ديمقراطية "اللوائح"
السبت 27 غشت 2011 - 07:23

هل لنا أن نتصور مشهدا انتخابيا قد يفضي إلى إدخال التجربة الديمقراطية لما بعد دستور فاتح يوليوز في منطق اللوائح الانتخابية (اللائحة المحلية – اللائحة الوطنية – لائحة الشباب – لائحة الأطر – لائحة المهاجرين..)، وهو المنطق الذي قد يعكس منتوج ثقافة التوافق بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية؟. وما هي تبعات هذا المنطق في حالة سَيرانه على المشهد السياسي ببلادنا، وما هي المخلفات السلبية التي قد يحدثها إذا ما تم إعماله؟

حري بالذكر أنه إذا كانت بلادنا ستدخل محطة الانتخابات التشريعية كأول اختبار دستوري/مؤسساتي، فهذا يعني أن أي انزلاق في تأويل مقتضيات الدستور، أو التحايل على منطوقه لصياغة توليفة انتخابية خارج ثوابت الديمقراطية التمثيلية وأعرافها ستكون له بالضرورة انعكاسات على المسار الآني والمستقبلي للترسيخ الديمقراطي ببلادنا. لماذا؟

لأن الأصل في العملية الانتخابية هو أن تكون عاكسة لاختيارات الناخبين عبر صناديق الاقتراع. وبما أن صناديق الاقتراع هي التعبير الأسمى عن إرادة الناخبين، فإن الاجتهاد في صناعة ديمقراطية مغربية بصيغة اللوائح قد يجر التمثيلية السياسية إلى متاهات فئوية لا حصر لها. فإذا كانت اللائحة الوطنية (لائحة النساء) قد اعتمدت في السياق الانتخابي المغربي فلأن المبرر “الموضوعي” هو إعمال تمييز إيجابي سيمكن النساء من ولوج البرلمان ما دام أن الثقافة الذكورية تسيطر على البنية الثقافية للمجتمع ولا تسمح من وصولهن إلى المؤسسة التشريعية. وعلى الرغم من أن هذه العملية هي نفسها غير ديمقراطية، فإن اعتمادها قد يكون، والحالة هاته، مستصاغا في الشروط السوسيو-ثقافية لبلادنا، لكن أن تتحول الديمقراطية التمثيلية إلى “وزيعة” سياسية بمبررات تمس جوهر الديمقراطية فهذا الأمر سيشكل سابقة ستتحول إلى أعراف في النظام الانتخابي المغربي، و”مكاسب” سياسية سيتم الدفاع عنها في كل المحطات الانتخابية القادمة. لكن دعونا نتساءل: لماذا يتم الدفاع عن اعتماد لائحة الشباب، سواء كانت منفردة أم داخل اللائحة الوطنية للنساء؟ علما بأن هناك أيضا مطالب تهم لائحة المهاجرين ولائحة الأطر. فإذا كان المبرر هو فسح المجال للأطر أو للشباب بحجة أن العملية الانتخابية لا تمكنهم من ولوج البرلمان فهذا الأمر مردود عليه.

أولا، لأن اعتماد هذا المبرر في التحليل السياسي فيه اعتراف صريح من لدن الأحزاب ووزارة الداخلية بأن الانتخابات العامة المباشرة باللوائح المحلية هي انتخابات “خاصة” بمحترفي العملية الانتخابية أي ب”الحرايفية” أولئك الذين يعرفون كيف يصطادون المقعد النيابي. وهذه الفئة، بحكم مراسها الانتخابي، سواء بامتداداتها العشائرية/القبلية أو بتفاصيلها الغنائمية البرغماتية أو بلعبة المال والتحكم في شراء الأصوات، أصبحت تشكل القوة الضاغطة لدى الأحزاب السياسية التي أصبح قرارها الحزبي مرهونا بها، وبلعبة نفوذها حتى أضحت اختياراتها تنساق وراء منطقها الانتخابي انسياقا. إذ أصبح ترشيح مناضل في الحزب من قبيل السبة والتهكم، أو ترشيح إطار من شبيبته من قبيل الحمق الانتخابي والبلادة السياسية؟. إلى أن أصبح المشهد الانتخابي غارقا في متاهات البحث عن “المقعد” بكل الوسائل. وهكذا، أصبحت الأحزاب اليوم تدفع أطرها وشبيباتها للدفاع عن نفسها أمام وزارة الداخلية علها تغنم بلائحة من اللوائح. والحال، أن المنطق السياسي السليم يفرض أن يتم ترشيح هؤلاء الشباب والأطر ضمن القوائم المحلية المباشرة، وأن يتم القطع مع حسابات هذه الثقافة الانتخابية البئيسة التي أساءت كثيرا للديمقراطية التمثيلية، باعتماد الديمقراطية كتمرين سياسي تكون قاعدته المقدسة هو التنافس البرنامجي بين الكتل السياسية المتصارعة، دون تمييز بين الفئات العمرية أو المهنية. ولعل هذا الأمر هو الرهان الذي تفشل فيه القوى السياسية ببلادنا، أو الذي تكون قد سلمت عمليا بفشلها فيه، مما يضطرها للاستعاضة عنه، بتفريخ مقترحات قد تفضي إلى المزيد من تشويه العملية الانتخابية. في حين، أن المطلوب اليوم هو إحداث مصالحة بين الشعب والسياسة، من خلال إعادة الاعتبار للعملية الانتخابية نفسها، وليس التحايل على القواعد الديمقراطية بتكريس نفس المشهد الانتخابي الفاسد.

إن ما ينتظر المغرب اليوم ليس هو الانتخابات بل ما بعدها. وإذا ما تم التمادي في منطق التوافقات كما هو عليه الآن والإصرار على صم الآذان وتجاهل مطالب الشارع، فإن النتائج السياسية ستكون كارثية. علما بأن مخلفات الانتخابات السابقة، ومؤشراتها العامة، ما زالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي العام ببلادنا، وهو ما يعني، بلغة الأرقام، بأن المحطة الانتخابية القادمة إذا ما فشلت في إحداث الرجة المطلوبة، فإن العزوف الانتخابي سيكون أفضع مما سبق. فالمطلوب، ليس هو إجراء انتخابات بأي شكل من الأشكال، وصناعة برلمان وحكومة وانتهى الأمر، بل إن المسألة تتعلق أولا وأخيرا بثقة الشعب في المؤسسات وبمدى انخراطه في الحياة العامة وإذا لم يفهم الأمر على هذا النحو، فإن الحصيلة ستكون كارثية.

‫تعليقات الزوار

9
  • ابو شيماء
    السبت 27 غشت 2011 - 13:40

    في الحقيقة المتتبع لمل يجري يقف حائرا امام هذه الترهات السياسية،لااتخيل كيف ان الاحزاب التي تتبجح بالديمقراطية تدفع الى اغراق الانتخابات في اللوائح مع العلم ان نسبة الامية جد مرتفعة اضافة الى العزوف عن المشاركة السياسية،الشعوب تخطو خطوات الى الامام ونحن للاسف تعودنا على المشي الى الوراء.اسال الله ان يلطف بهذه الوطن العزيز على قلوبنا

  • العنزي
    السبت 27 غشت 2011 - 19:30

    نحن نثق في كل المرشحين وما عليهم الا التقسيم بدون هرج للكراسي البرلمانية بدون انتخابات لا جدوى منها ومرشحون كلهم طيبون ولا يريدون الا الحير للوطن وذلك هو الهدف من وراء الانتخاب

  • kamal nor
    الأحد 28 غشت 2011 - 04:24

    إذا كان صحيحا أن اعتماد اللوائح يمثل تراجعا كبيرا في المنهجية الديمقراطية ، فإن الرفض المطلق لهذا المنطق بالمقابل يعني القبول باستمرار اشتغال المنظومة الإنتخابية بنفس الآليات المعروفة التي تفرز منتخبين لا يمكن انتظار أي مردودية من أدائهم التشريعي ، كما أن مطالبة الأحزاب بالدفع بالشباب و النساء و الأطر في اللوائح العادية يبقى أمرا بدون جدوى في ظل الواقع السياسي القائم.
    أرى أن اعتماد هذه اللوائح يمكن النظر إليه كإجراء انتقالي من باب " أخف الضررين" في انتظار نضج أكبر في الحقل السياسي من خلال انقلاب تاريخي للكفا ء ات على "الحرايفية" داخل الأحزاب السياسية ، وهذا لن يتأتى إلا بتعبئة مجتمعية متواصلة مصحوبة بإرادة سياسية حقيقية.

  • عبدالرحمن-المواطن
    الأحد 28 غشت 2011 - 05:35

    كلام الأستاذ عبد المطلب في الصميم.نظام الحصص والكوطا هذه مهزلة وعبث الهدف منها تقسيم الوزيعة بين شيوخ الأحزاب والعائلات السياسية ووليداتهم باش حتى واحد ما يتقلق؟ا

  • charki khouribga
    الأحد 28 غشت 2011 - 15:42

    je souhaite de dieu que tout ce passera bien ,et il suffit que toutes les parties politiques font des efforts pour faire gagner cette étape avec plus de rigueur,la stabilité du bled et en danger il faut oublier les intérêts personnels et penser au peuple.et que chaque partie devrai nous faire découvrir des nouvelles visages des personnes.on ai marre de ne pas voter à cause des visages pourri d'escroquerie .nous voulons du sang neuf..

  • عبد الله
    الإثنين 29 غشت 2011 - 02:27

    اذا استمر منطق الكوطا والتحالف بغؤض توزيع الكعكة فلا زلنا قبل فاتح يوليوز ،وستكون انتخابات 2012 أسوأ من سابقاتها ،والصواب مراجعة الاحزاب لآلياتها قبل فوات الاوان

  • عبد الله
    الإثنين 29 غشت 2011 - 04:44

    لوزيعة لا بد منها اس اعميار ،والموجود هو هذا ،والديمقراطية تبنى على عشرات السنين ولم نضع بعد حتى طوبة واحدة ، فلا زال عبد الواحد الراضي أقدم برلماني في العالم في مكانه ولازال وزير الداخلية يقسم على الأحزاب حقهم بالتساوي الاستغلال المواطن البسيط

  • Amazigh marocain
    الثلاثاء 30 غشت 2011 - 04:50

    sur la plaie.Il faut lancer une pétition nationale contre le scrutin par liste.Sinon le taux d'abstention sera faramineux.Et on sera encore gouvernés par les Fassi Fihri par 2% des voix des votants.Ce sera la démocratie à la marocaine.Il faut arrêter le massacre. L'auteur a mis le doigt

  • متتبع
    الثلاثاء 30 غشت 2011 - 23:45

    غريب امر الانتخابات المغربية الحزاب فيها تدافع عن لوائح النساء والشباب وغدا عن لوائح للمثقفين والفنانين ولا عبي الكرة وبائعات الهوى ووو. والمبرر أن هذه مرحلة انتقالية وفي كل مرة يقال ان في المغرب مرحلة انتقالية واستثنائية . وهذا غير صحيح الديمقراطية لها أصول وقواعد ومن حاد عنها أنتج مخلوقا غريبا يكرس من خلاله التخلف السياسي وهيمن المحسوبية والأعيان على الانتخابات. المغاربة الآن يئسوا من كل الوعود وأصبحت الانتخابات مناسبة يستفيد منها الداخلون إلى البرلمان على حساب الشعب لخدمة مصالحهم الشخصية. أنا كمواطن لن أصوت ولن أشارك عن قناعة لأنني بصوتي أسدي خدمة لمن سيخدم مصالحه الشخصية ويشيح بوجهه عني.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات