آفاق التقريب بين المذاهب الإسلامية

آفاق التقريب بين المذاهب الإسلامية
الخميس 16 نونبر 2017 - 17:46

-2-

الاجتهاد بين السنة والشيعة:

يرجع أغلب أهل السنة اليوم في المسائل الفقهية لأحد أئمة المذاهب الأربعة المشهورة؛ الإمام مالك، أبو حنيفة، الشافعي وابن حنبل. ولا يلتزم المعاصرون منهم بتقليد واحد منهم تعيينا، بل يأخذون بعض المسائل من أحدهم والبعض الآخر من غيره حسب ما تقتضيه حاجاتهم، كما فعل السيد سابق في كتابه الشهير “فقه السنة” لأن الاعتقاد السائد عندهم، هو أن الرحمة في اختلاف العلماء.

في حين يرى الشيعة من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) بأن الاجتهاد في الأحكام الفرعية واجب كفائي على جميع المسلمين، فإذا نهض به من اجتمعت فيه الشروط سقط عن باقي المسلمين، بحيث يجوز لهم تقليده والرجوع إليه في فروع دينهم، لأن رتبة الاجتهاد ليست من الأمور المتيسرة ولا ينالها إلا ذو حظ عظيم. يقول رسول الله (ص): “من أراد الله به خيرا فقهه في الدين[1]”.

وقولهم هذا لا يختلف عن قول أهل السنة إلا في شرط حياة المجتهد، إذ في الوقت الذي يعتقد فيه الشيعة بأن المجتهد –الجامع للشرائط- هو نائب الإمام الغائب (المهدي)، فيتبوأ عندهم مكانة ولي الأمر أو الحاكم، وله ما للإمام المعصوم في الفصل في القضايا والحكم بين الناس. وبالتالي فعمله لا يقتصر على الفتوى فحسب، بل له الولاية العامة، إذ يعود إليه عوام الشيعة في كل ما يتعلق بأمور دينهم حسب ما تقتضيه المرجعية التي يتمسكون بها تمسكهم بولاية أهل البيت (ع)، بالرغم من اختلافهم أحيانا حول شخص المرجع الديني والذي يبث وكلاء ينوبون عنه لدى عوام الناس، يفتونهم وفق اجتهاداته، ويتوصلون منهم أيضا بأموال الخمس التي يتصرف بها كما تفرضه الشريعة نيابة عن الإمام الغائب.

وهم بذلك لا يتسلمون أجورهم ومرتباتهم من الدولة كأغلب فقهاء السنة، بل إن لهم حظ من نصيب الخمس حسب الفقه المتعلق بهذا المورد وفق قوله تعالى: “وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى” (الأنفال-41).

ومن هذا المنطلق، وعلى عكس أهل السنة، فإن الشيعة لا يجوزون تقليد الميت، حيث يعودون إلى المجتهد الحي –الجامع للشرائط- والذي ينوب عندهم عن الإمام المعصوم كما سبقت الإشارة إليه. ولهم في التقليد طوران:

الطور الأول: عصر الأئمة، ويبدأ بوفاة الرسول (ص) مباشرة بالإمام علي (ع) وباقي الأئمة من صلبه. ويمتد عند الشيعة الإمامية (وهم الأكثرية اليوم) إلى الغيبة الكبرى للإمام محمد بن الحسن العسكري والملقب بالمهدي (حوالي زهاء ثلاثة قرون)، حيث كان الشيعة خلالها يعودون في كل ما أشكل عليهم من القضايا والمسائل إلى الإمام المعصوم الذي يتكلم بما ورثه من روايات عن جده المصطفى (ص)، ويستنبط الأحكام من النصوص.

الطور الثاني: ويقلد فيه الشيعة مراجعهم الذين يجتهدون في استنباط الأحكام من نصوص القرآن والسنة على روايات أهل البيت (ع) والصحابة العدول عندهم. ويبدأ عند الإمامية من الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر إلى يومنا هذا، حيث يتبوأ مثلا السيد علي السيستاني من العراق مكانة المرجعية، والذي تم اختياره بعد وفاة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله).

آفاق الإجتهاد الجماعي:

يقدم اليوم عدد من العلماء “الإجتهاد الجماعي” كبديل “للاجتهاد الفردي” الذي يتوقف أساسا على شروط ضرورية في من يتصدر لعملية الاجتهاد، والذي يبقى معرضا للخطأ والقصور. حيث يقوم هذا البديل “الإجتهاد الجماعي” في صورة مجمع فقهي عالمي يضم من الكفاءات العلمية العالية والموارد البشرية والمادية ما يؤهله لدراسة وفحص النوازل والمستجدات التي يعرفها الفرد والمجتمع من كل الوجوه المحتملة في إطار رؤية حديثة تعتمد مقاربة تشاركية، بالإضافة إلى توفره على الشجاعة اللازمة لإصدار أحكامه بكل حرية.

وقد جاءت الدعوة إلى ضرورة إحياء “الاجتهاد الجماعي” من عدد من العلماء المعاصرين من أبرزهم، الطاهر بن عاشور، مصطفى الزرقا، أحمد محمد شاكر، وسماحة الشيخ محمد علي التسخيري.. حيث تم بالفعل اعتماد عدد من الخطوات في هذا الإطار.

فقد تم إحداث لجان مختلطة من رجال القانون وعلماء الشريعة، لوضع قواعد التشريع الجديد وفق نصوص الكتاب والسنة وقواعد الأصول المعتمدة، بعيدا عن تقليد المذاهب، مع مراعاة أحوال الناس وظروفهم، ومستجدات العصر[2]. حيث أثمرت هذه الجهود بالفعل في عدد من الدول العربية والإسلامية التي عملت على اقتباس مجموعة من قوانينها من الشريعة وأحكام الفقه. ليخرج إلى الوجود عدد من المجامع والهيئات واللجان الفقهية الشرعية والعملية، نذكر من أبرزها؛ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مصر، المجمع الفقهي الإسلاميِّ التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المجمع العالمي لأهل البيت (ع) في قم، مجمع الفقه الإسلامي في الهند، مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، رابطة علماء المغرب، الهيئة الشرعية العالمية للزكاة، المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا..

وتتجلى أبرز نتائج هذا المشروع في وأد الطائفية، وتسريع وتيرة الحوار بين المذاهب الإسلامية على أسس علمية رصينة بالإضافة إلى مسايرة مستجدات الواقع ورهاناته وفق رؤية حضارية متجددة.

*باحث في اختلاف المذاهب الإسلامية

[email protected]

www.sarhproject.com

*********************

[1] صحيح البخاري: 3: 1134 /ح2948 كتاب الخمس.

[2] قد تستكتب هذه المجامع عادة أساتذة وأكاديميين متخصصين لتقديم بحوث أو أوراق عمل تتعلق بالمسألة المطروحة، كما أنها تستعين بذوي الاختصاص والخبراء من اقتصاديين، أو أطباء، أو نحوهم، من أجل إعطاء التصور الدقيق للواقعة أو للمسألة الجديدة.

‫تعليقات الزوار

7
  • ماسينيسا
    الخميس 16 نونبر 2017 - 18:38

    "أكضيض" مثال للشباب الأمازيغي المستلب، الذي يتحاشى الدفاع عن لغته الأمازيغية و ثقافته و هويته ، و اختار بدلا عن ذلك الخوض في خرافات قريش و خزعبلاتهم التي لا ينتهي النقاش حولها أبدا، بل سوف سيستمر هذا النقاش البيزنطي، الذي لا طائل من ورائه، (سوف يستمر) في استنزاف طاقات الناس، و من بينهم الأمازيغ، قرونا أخرى.
    أنا لا أفهم ما الذي يدفع بعض الشباب، و من بينهم السيد أكضيض ، إلى تكريس حياتهم للدفاع عن هذه الخرافات التي تدمر مجتمعاتنا و تدمر الإنسانية.
    الأجدر بالسيد أكضيض أن يدافع عن ثقافة أجداده الأمازيغ، ثقافة السلام و التسامح.

  • أعداء الى الأبد
    الخميس 16 نونبر 2017 - 18:59

    السنة والشيعة اكبر طواءف العالم الاسلامي والأكثر اتباعا والألذ عداءا . حتى ان الكاتب لم يجرأ وهو يحاول التقريب بين وجهات نظر الفريقين الاشارة لاقوى اختلافتهما مكتفيا ببعض القشور غير المؤثرة . فالاختلاف اعمق من أن تصلحه محاولات بءيسة ، بين من يرى عدالة الصحابة ومن يرى أنهم في النار . وبين من يرى أن لاعصمة لنبي الا في الوحي ومن يخصه بالعصمة التامة في الوحي والقول . التقريب بين المذاهب عملية مستحيلة فهما على طرفي نقيض وكل يدعي أنه على المحجة البيضاء وكل يرى انه الناجي والباقون في النار .

  • سليم
    الخميس 16 نونبر 2017 - 19:08

    صاحب التعليق ماسينيسا كما يقول المثل جاء طببها عورها حيث لام صاحب المقال على الخوض في موضوع المذاهب ودعاه إلى موضع أكثر عقما وهي الأمازيغية وهي كذلك عفى عنها الزمن اغلب الشعوب المتقدمة تستخدم اللغة الأكثر تطورا وهي الأنجليزية ولم يذهبوا يفتشون في شيفون اللغات رغم أنهم أكثر حضارة واعمق ثقافة أن معه في ان خرافات المذاهب والشيعة والسنة لا طائل من وراء مناقشتها لأنها فكر ماضوي متخلف كل واحد من المذاهب يدعي الصحة وانه أقرب للإسلام ولن يتوقف هذا الجدال فالشيعة مثلا يدعون أن مذهبهم هو مذهب أهل البيت بينما يحللون زواج المتعة وانا لم اعرف ما الفرق بينه وبين الزنا والسنة يخرجون لنا القتلة مثل داعش

  • اعداء للأبد
    الخميس 16 نونبر 2017 - 19:08

    بني الاسلام على خمس الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج لمن استطاع . مالنا وهذه المذاهب التي لم تتفق يوما ولن تتفق . مالنا وجهاد الدفع ، وجهاد الطلب ، ورضاع الكبير ، مالنا والابن للفراش ، ونكاح الشبهة ، وهلم جرا وفرا وكرا . صلو بنا على الحبيب .

  • Mika
    الخميس 16 نونبر 2017 - 19:37

    الحرب الطاحنة و الكراهية الدفينة، الفطرية تقريبا، بين السنة و الشيعة ابتدأت مباشرة بعد موت محمد في السقيفة، مرورا بالحرب الدموية بين عائشة زوجة محمد و علي ابن عمه في واقعة الجمل، و لا زالت مستمرة الى يومنا هذا.
    بين السنة و الشيعة لا وجود لأمل في السلم
    و شكرًا

  • حقنة تنويم
    الخميس 16 نونبر 2017 - 20:05

    قل لو كنت اعلم الغيب لستكثرت من الخير ومامسني الضر.ص
    الاحديث التي تتكلم عن الغيبيات التي لم ياتي ذكرها في القران كلها احاديث اما موضوعة او اسراءلية او محرفة او كاذبة يجب عل المسلمين التخلص من هذا الدجل ليفسحوا لعقولهم كي تشتغل في العلومة التي ترفع بقدر الانسان ككاءن خلقه الله حرا وانعم عليه بنعمة العقل والتدبر .
    التقريب بين المذاهب لا يكون الا بالتخلي عن المذاهب
    اليهود عندهم اكثر من 100 راس نووي اليوم بامكانهم ابادة الشعب العربي بكامله.

  • sifao
    الجمعة 17 نونبر 2017 - 19:41

    14 قرنا من الاقتتال تتخللها بعض فترات الاستراحة لالتقاط الانفاس وما يزال الصراع ينمو ويكبر، كلما حاول احد الخوض في هكذا موضوع من "علماء" الدين الا وظهرت فرقة اخرى من الطرفين الشيعي والسني اكثر تطرفا كرد فعل على محاولات التتقريب ، الصراع الشيعي السني تحول الى حقد دفين ، والآن تتهيأ الظروف لاندلاع مواجهة بينهما في الخليج ، السني مستعد للتحاف مع الشيطان لقتل الشيعي والعكس صحيح ، آخر ما تتدوله الصحف والتسريبات امكانية تحالف السعودية عسكريا وعلانية مع اسرائيل لمواجهة ايران….الشيعة والسنة خطان متوازيان لا يلتقيان الا باذن الله واذا التقيا فلا حول ولا قوة الا بالله ، هكذا تتحدث الهندسة الاسلامية على الشيعة والسنة …

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب