التلميذ أو الأستاذ؟ هي المنظومة المعطوبة!

التلميذ أو الأستاذ؟ هي المنظومة المعطوبة!
الجمعة 17 نونبر 2017 - 20:21

توالى خلال المدة الأخيرة بث سلسلة فيديوهات موثقة لما باتت تعيشه حجرات المدرسة المغربية من وقائع يوميات صدام عنيف سيزيفي بين المدرسين والتلاميذ؛ سواء أكان مصدر الواقعة هذا الطرف أو ذاك؟.

وضع سيئ جدا، مشين، يستحق التنديد بكل اللغات؛ يمثل في حقيقة أصوله العميقة، الضاربة في الجذور، مجرد حصيلة بنيوية لثقافات عنف مادي ورمزي مارسته بكل اللغات أيضا، المنطوقة والإيمائية، مرتكزات منظومتنا التعليمية المتآكلة تباعا، في حق الأستاذ والتلميذ؛ ثم كل ما يمت بصلة بعيدة أو قريبة إلى مضمون قصديات المدرسة.

هكذا طفا حاليا نحو السطح مخزون وترسبات الأغوار، منسجما تمام الانسجام مع أولياته المعطوبة، ويستحيل أن يصير الأمر على نحو مختلف؛ من ثم استمرار أوضاع التعليم ضمن المنحدر السيئ ذاته وأكثر، إذا لم تؤمن جميع الأطراف، لاسيما الموكولة إليهم قرارات الشأن العام، بضرورة الوقوف والتريث قصد التفكير بصدق وجدية ونكران ذات، كي يحدث التحول نحو تغيير نوعي في المنظومة، ثم إنقاذ ما تبقى للإنقاذ. كتب الأستاذ عابد الجابري منذ بداية السبعينيات: “ثمة، إذن، في المغرب الراهن، مشكل مزمن، مشكل يحتل الصدارة ضمن مجموعة المشاكل الأخرى التي لم تعرف بعد طريقها نحو المعالجة الجدية، والحل الصحيح…إنه، بلا نزاع، مشكل التعليم”.. (أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب، دار النشر المغربية، ص 139).

لا مناص في كل حديث بهذا الخصوص عن إعادة اجترار الحقيقتين الكلاسيكيتين البديهيتين التاليتين:

*يقتضي بناء التعليم وفق أسس سليمة أصلا بناء مجتمعيا متكاملا على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإعلامية والفنية؛ تتبلور ممكناته جميعا وفق خطوط متوازية واحدة.تبتغي أيضا بؤرة واحدة لا غير: ترسيخ قيم مجتمع المواطنة الحقة، المشبع بالديمقراطية ومرتكزات الحداثة. إنه مجتمع المدرسة، ونتاج المدرسة، والأفق الجدير وحده بتألق المدرسة. يقول الجابري: “ثمة إذن مشكل مزمن في المغرب، هو بلا نزاع مشكل التعليم…والمشاكل، أيا كان نوعها، ليست بنت ساعتها، بل هي نتيجة عملية تطور ونمو: نمو الأجزاء في إطار نمو الكل، ونمو الكل من خلال نمو الأجزاء..معنى ذلك أن المشاكل، أيا كانت، لها تاريخ؛ ومن ثمة يغدو الفهم الصحيح لها إنما يبدأ بفهم تاريخ مولدها ونشأتها، وتتبع مراحل نموها وتطورها. والحق أن المعطيات الأساسية لهذا المشكل يصعب فهمها، إن اقتصرنا على النظر إليه من خلال الصور التي يكشف فيها عن نفسه من وقت لآخر” (نفس المرجع، ص5).

بكل تأكيد، الأستاذ أو التلميذ مجرد تحققين إيجابا أو سلبا عن مدى غلبة النزوع الإيجابي أو السلبي للسياق العام المؤطر لطبيعة رؤيتهما للعالم، ومعاني ذلك؛ ثم نوعية الأجواء والظروف التي تكتنفهما .هكذا، لم يعد بالضرورة حاليا الأستاذ أستاذا، كما رسخ التقليد الأكاديمي دلالة الكلمة؛ حيث المدرس مربيا وعارفا وباحثا وصادقا وحكيما وذكيا ورصينا وقدوة ومثالا ونموذجا وملهما ومرجعية، إلخ .هذه صورة تهشمت، وتناثرت شظاياها، ثم حمولة استنزفت وتداعت هالة بقاياها منذ أمد بعيد؛ وقد تأدجلت تضليليا ضمن مواقع صراعات الهيمنة على الفضاء العمومي، عبر السموم النفاثة لحروب النكتة الخبيثة: من مركزية أستاذ الستينيات والسبعينيات، كإحدى الحلقات المفصلية للبورجوازية المتوسطة، المتمتع بحظوة مادية ورمزية واعتبارية، إلى موقع ثان مفارق تماما للأول؛ جسّدها دلاليا التحوير المورفيمي اللئيم: “كُعْلِّيمْ”، وهو طيف وفق تحديد السياق الجديد، يعيش فقرا وشحا ماديا، وبالتالي نمطية ذهنية وتبلدا في الحواس والتطلعات، بحيث لا يتجاوز طموحه ملاحقة دريهمات شهرية لضمان قطعة خبز؛ منحدرا من رغد وكاريزما الطليعة المجتمعية، بسياقاتها الإغريقية على مستوى التأمل الفكري وتوجيه المجتمع نحو المنظومات الطوباوية. هكذا، دأبت قصدا وعمدا ماكينة التقويض الرمزي، فأضاع الأستاذ المغربي منهجيا كل تراثه، كي ينتهي حاليا إلى الوضع المفارق بين الصفة والممارسة، المفهوم والحقيقة، المخيال الشعبي ومجريات الواقع….

إن القطع مع يوميات مجتمع الفرجة والاستعراض الضحل الذي يلاحق ممارسات الابتذال والغباء، وضمن ذلك مشهد التفكه على انهيار قيم المدرسة؛ يحتم في المقابل الانتصار بكل قوة لمجتمع التأمل العظيم. سعي لا يتحقق سوى بالاستمالة من أجل تعضيد مشروع مجتمعي تشكل المدرسة بكل تأكيد قلبه النابض، وهاجس أبنائه المطلق .غير هذا، فالمنظومة بصدد تخصيب متواليات التآكل، والقادم سيكون أكثر سوءا. يقول الجابري: “لم يعد “التوفيق” ممكنا، ولا “تسكين” المشاكل مجديا..إن الاستمرار في هذا أو ذاك ليس فقط مضيعة للوقت، بل هو هروب من الواقع، وتكريس لأسباب الفشل والضياع” (نفس المرجع، ص 140).

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

7
  • عبد الرحيم فتح الخير
    الجمعة 17 نونبر 2017 - 21:37

    الغريب ان الأستاذ المسلوخ سليخت الشفار فسوق الكباش لم يتقدم بشكاية مقابل هذا الوحش الكاسر. . وهو ماجعل التكهنات تتوالى فمن قاءل انه سب التلميذ بالاب والام واستهزأ من مهنة ابيه (الخضار) ومن قاءل ان الاستاذ رغم سلاطة اللسان جبان وعندما كبر الطرح اثر الركون للصمت خوفا من انقلاب الجموع ضده . المشكلة دروكا التلميذ لن يتابع بتهمة العنف رغم انها موثقة لأن الدعوى تسقط مادام لم يحركها المعنف وعليه فهو الان خلف القضبان لان القضية أصبح قضية رأي عام لا أكثر . وقد تجده عن قريب في الشارع يتباهى بغزوته المباركة .
    نصيحة للجميع لاتستهزأ من اي كان فعيب ان تجمع عليه قسوة الزمان وقسوة لسانك والله يهدينا تايدينا .

  • هشام العيساوي
    السبت 18 نونبر 2017 - 10:28

    اخي فتح الخير عبد الرحيم لغتك المسلوخة حافلة بالحقد تجاه أسرة التعليم حين تنعت العنف الممارس على الاستاذ بسليخ الكبش، والقضاء على العنف المادي يبدأ بمحاربة العنف اللفظي وبانجاز قطيعة ابستيمولوجية مع حمولة العنف الرمزي واستبدالها بخطاب يعتمد على التطارح لا التناطح وتكريس ثقافة الحوار المتحضر. أما العنف المدرسي بكل تلاوينه فمصدره اب القبيلة الطوطم المخزن الذي دق اخر مسمار في نعش المغاربة بتثبيته لمنظومة"تربية المقهورين" وصناعة أجيال من المواطنين لا يستطيعون كتابة أسمائهم في تعليقاتهم.
    هسبريس يجب أن تنشري هذا التعليق من باب المساواة والديمقراطية في حرية التعبير.

  • KITAB
    السبت 18 نونبر 2017 - 10:57

    لا …ليس الأمر كما يخمن أكثر الناس في أن القضية تنحصر في العلاقة البينية بين المعلم والتلاميذ أو حالة منظومتنا التربوية… بل يتجاوزها إلى خلل عام تعاني منه الأسرة والمجتمع المغربي عامة .فالموسسات التي كان لها الدور الريادي في مجال التربية سواء تعلق بالمباشرة منها وغير المباشرة كالميديا والنوادي والدور الاجتماعية…. لم يعد لها هذا الدور وانسلخت عنه فغرقت في ثقافة العنف بكل تمظهراته فوجد الطفل نفسه محاصرا بألوان شتى من السلوكيات العدوانية إن داخل أسرته أو مجتمعه أو مدرسته…. وتحياتي

  • عبد الرحيم فتح الخير
    السبت 18 نونبر 2017 - 13:50

    السيد هشام العيساوي تحية وبعد ..
    لست من قطاع التربية والتعليم ولست ابن خضار أنا من خارج الصورة على عكس ما أنت عليه وبالتالي فتحليلي للموقف (الظاهرة) رهين قناعاتي .
    بعكس نظرتك المنحازة ككل رجال القطاع غير المنتج (تحاملك يفضحك) والا فمباذا تفسر اقدام استاذ يفترض فيه الاب مشاركة حسابه البريدي مع مراهقات تحت وصايته يتبادل مع النكت والصور الجريءة حتى ساعات الصباح الأول، وطبعا لن تستطيع ان تنكر أن منهم من يكون اكثر جراة ووقاحة وتجاوزا فيقيم العلاقات مقابلة النقاط . انهيار القيم مسؤولية رجال التعليم ولادخل للمخزن الذي تحشره داءما في ردودك اقتضت الضرورة أو لم تقتضي .

  • التعليم في السبعينات..
    السبت 18 نونبر 2017 - 18:37

    آه يا زمان ! ذهب ولم يعد..حيث لا زلنا نتذكر أساتذتنا في ذلك الوقت (سنوات الستينات والسبعينات )، فكان الإحترام التام بيننا وبينهم، فلا نرفع أعيننا أمامهم، ولا ننطق بكلمات نابية في حضورهم، كان أغلبهم يعاملوننا كأبنائهم وكنا نحن كذلك، نعتبرهم أكثر من آبائنا..ولازلت أنا أتذكر شخصيا وإلى الآن، أحد أساتذة اللغة العربية الأجلاء ـ الحاج ميلود ب. ـ بإع. مولاي عبد الله بسطات، والله شاهد على ما أقول،كان يستغل دائما فرصة آذان صلاة العصر، ثم يعدّنا ويذهب بنا صفا واحدا من الإعدادية إلى المسجد الكبير بحي الملاح، القريب من هناك، فنتوضأ ونصلي جميعا صلاة الجماعة. وكان هذا الأستاذ الفاضل، يعز عليه أحد التلاميذ من ذوي الإحتياجات الخاصة (إعاقة حركية) ومرة مرة يستدعيه من قسم آخر لكي يرتل على مسامعنا آيات بينات من الذكر الحكيم،هذا هو الزمن الجميل الذي عشناه، ما كاين لا امْضاربة ولاعنف،كما أصبحنا نشاهد اليوم…

  • الجاحظ
    السبت 18 نونبر 2017 - 18:59

    إلى المسمى عبد الرحيم فتح الخير
    علّقت في جل الموضوعات الخاصة بالتعليم ولم أجدك غير ببغاء حقود تنفت السموم في حق من علموك. يظهر عليك المرض النفسي، ولديك عقد مع رجالات التعليم.. ليس هذا ما يهم، بالنسبة لامثالك لا يقدمون ولا يؤخرون في شيء، لا لغة سليمة ولا مستوى علمي رصين… ظاهرة العنف المدرسي أكبر من عقلك الصغير، لن تفهم ولن تستطيع التحليل وما بالك التفسير. الخير الوحدي الذي يمكن أن تسديه لنفسك ولغيرك، هو أن تصمت وتنصرف أحسن لك. الموضوعات الاجتماعية والتربوية والنفسية لها ناسها: أقصد المتخصّصون والخبراء
    ملحوظة: لست من اسرة التعليم، لكن شهادة حق لابد لي التصريح بها في حق تعاليقك التافهة.

  • عبد الرحيم فتح الخير
    السبت 18 نونبر 2017 - 20:41

    مع سبق الاصرار الجاحظ يموت مرتين …..
    ردا على المدعو الجاحظ تعقيبك مليء بالاخطاء اللغوية درجة الاجرام في حق اللغة .
    فتنفث تكتب بالثاء المعجمة ولانقول في حق من (علموك) والاصح في حق من علمك حتى لو كنت تقصد الاشارة للجمع . ولانقول (يظهر عليك المرض النفسي) بل نقول وتتجلى فيك تمظهرات المرض النفسي وكان عليك كتابة فلديك بدل (ولديك) للعطف السريع . وتبقى طامة الطامات ومهزلة المهزلات قولك (الخير الوحيد) فانت اول من استعمل هذا المصتلح المشتق عنوة من الدارجة المغربية فما سبقك اليها أحد من العالمين لك السبق في المحصلة صفر من أربعين . حتى أنك لست بالمحاور الذي أجهد نفسي في الرد على هذيانه لا أنت ولا الأخ أستاذ وتحياتي للمنبر الحر هسبريس .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب العقوق
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب العقوق

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب