سياقات استقلال المغرب .. من التوافق إلى الصراع

سياقات استقلال المغرب .. من التوافق إلى الصراع
الإثنين 20 نونبر 2017 - 08:50

أولا: سياق التوافـق:

1. التوافق بين الملكية والحركة الوطنية

إن حصول المغرب على الاستقلال كان ثمرة تضافر جهود الحركة الوطنية بكل أجنحتها والمؤسسة الملكية؛ حيث التقت المصالح عند هدف واحد، هو استرجاع الاستقلال، وبدأ التنسيق مع محمد الخامس كأب روحي للحركة الوطنية، وتم تأسيس “حزب الاستقلال” بدقة وتسلم السلطان يوم تأسيسه مبادءه ومطالبه، ويمكن معرفة مدى اهتمام السلطان بالموضوع من مبادرته إلى عقد اجتماع بعد يومين مع وزرائه والباشوات البارزين والأعيان، كما أنه عين لجنة خاصة لتتصل بزعماء هذه الهيأة، مبرهنا بذلك عن مدى اهتمامه بإنشاء حزب يسير على هدى الأهداف الوطنية، وكان المقيم العام الفرنسي، الجنرال “بيو”، يأمل أن يخمد المنظمة الجديدة في المهد ويخمد معها آمال ومخططات الوطنيين وتعاطف السلطان مع مطامحهم.

لقد كان طبيعيا إذن أن يتجه السلطان نحو “حزب الاستقلال” ولم يكن هناك احتمال غير تبنيهما قضية مشتركة، وهي استقلال المغرب؛ حيث عبر محمد الخامس عن عزمه شارحا للجنرال “كاترو” أن “نظام الحماية “بدلة” فصلت على مقياس المغرب في سنة 1912، وهي في سنة 1945 لا تكاد تصل إلى ركبتيه”.

واكتسب “حزب الاستقلال” من دعم السلطان إليه حظوة، وأصبحت فرنسا تتوجس من هذه الوحدة التي غدت تشكل خطرا حقيقيا عليها، فسعت إلى تحريك أذنابها لنسفها، وعلى “إثر ذلك ظهر لكلاوي في القصر الملكي، وندد بروابط السلطان الوثيقة مع حزب الاستقلال وأكد على إلحاد الحزب وميوله الشيوعية”.

كما سعت فرنسا إلى إقامة مهرجانات عبر المملكة لتقويض ذلك الرباط الذي جمع الملك بزعيم الحركة الوطنية آنذاك مجسدا في “حزب الاستقلال”، لكن ذلك باء بالفشل، فوجدت نفسها أمام الأمر الواقع، فإما محاربة “حزب الاستقلال”، وإما عزل السلطان، وقد حاربت فعلا حزب الاستقلال واعتقلت قياداته ونفت زعيمه علال الفاسي… كما هددت السلطان بالعزل عن العرش إن لم يتوان في دعم حزب الاستقلال، لكن محمدا الخامس لم يقبل مطالب الجنرال “جوان” والانفصال عن الحزب.

وأمام ذلك التهديد بالعزل عن العرش، أوضح السلطان محمد الخامس للجنرال “جوان” أنه فوق الهيآت بوصفه سلطان البلاد، وكان رده الهادئ بمثابة بركان فجر غضب الجنرال الذي توجه للملك قائلا: “إن جوابكم غير مقبول، فإما أن تشجبوا علانية حزب الاستقلال، وإما أن تتنازلوا عن العرش”.

وبطبيعة الحال، كان الوطنيون يعلقون أهمية قصوى على مواقف السلطان المتحدية لرغبات فرنسا، منها رفضه التوقيع على الظهائر، واعترافه بأن لم تعد هناك فائدة للمطالبة بالإصلاحات في إطار الحماية، وأن الاستقلال هو الحل الوحيد.

تطابق الرؤى والأهداف بين الملك وحزب الاستقلال أثار حفيظة القواد الكبار أكثر من رجال الحماية الذين أصبحت مصالحهم مهددة. فحين نظم الحزب سنة 1945 مراسيم استقبال الملك بمراكش، منطقة نفوذ “التهامي الكلاوي” الذي أصبح منزعجا من خلايا الحزب بناحيته، وجه انتقادا للملك في حفلة استقباله، مخاطبا إياه بقوله: “إنك لم تعد سلطانا للمغرب بل سلطانا لحزب الاستقلال”.

وبالفعل، فقد ذهب محمد الخامس إلى أبعد مدى في مساندة الحركة الوطنية مجسدة يومها في حزب الاستقلال؛ حيث أصبح القصر الملكي مقرا لاجتماعات رواد الحركة بالليل والنهار وكانت عيون سلطات الحماية تراقب ذلك، وأثار محمد الخامس بذلك حفيظة فرنسا، في حين رأى فيه الوطنيون ملكا مناضلا وثوريا صلبا لا يقهر، لكن سلطات الحماية كان لها رأي آخر، هو أن تعزل الجالس على العرش لتخمد لهيب المعارضة الوطنية، لكن العكس هو ما حصل؛ إذ ما إن أقدمت الحماية على عزل محمد الخامس ونفيه سنة 1953، حتى اندلعت الشرارة الأولى للمقاومة المسلحة باندلاع ثورة الملك والشعب.

2. سياق التعايش بين الملكية وحركة المقاومة

في الواقع اندلعت المقاومة المسلحة بنفي الملك محمد الخامس رمز الأمة؛ حيث كان المغربي يقول: “إني فخور أن أموت من أجل بلادي وأضحي بحياتي من أجل كفاح محمد بن يوسف، ومن أجل وطني وعقيدتي”، وليس من أجل حزب الاستقلال الذي لم يكن قادته يؤيدون العنف؛ حيث أسس الحزب لجانا تأديبية تهتم بمتابعة المناضلين الذين يشتبه في أن لهم نشاطات “إرهابية”، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، فإن أغلب الزعامات الحزبية كانت إما رهن الاعتقال أو في المنافي؛ حيث وجدوا أنفسهم حين عودتهم أمام “جيش مسلح” ومنظم، من “رتب الجيش وزيه وشكل التحية العسكرية وشارة الجيش…”، وتم “إحداث تقسيمات تبدأ من قائد عشرة جنود إلى قائد الثلاثين فقائد المائة وقائد الجيش”؛ حيث يقول عبد الكريم الخطيب: “اقتبسنا ذلك من النظام المخزني”.

وهو ما أحرج مواقف حزب الاستقلال التي كانت تريد تنحية كل منافس لها في الساحة، فأصبحت مواقف زعمائه يظهر عليها الضعف عندما أصبح رجال المقاومة يتفاوضون بالسلاح مع السلطات الحامية كقوة مستقلة رادعة باسم محمد الخامس الذي خاض المقاومون باسمه عملياتهم، فجيش “التحرير لم ينطلق من فراغ عقائدي، بل كانت له عقيدة قتالية مثل سائر الجيوش، ولو أنه ليس جيشا نظاميا بمفهوم الاحتراف العسكري، كما أنه لم تكن لديه مواصفات ميليشيات شعبية، التي تخدم أحيانا لونا سياسيا معينا أو إيديولوجيا أو مذهبا معينا، أو تيارا إثنيا أو عرقيا معينا، بل كان عبارة عن تجمع شعبي مسلح تنصهر فيه جميع الاتجاهات المغربية على اختلاف مشاربها الاجتماعية وانتماءاتها السياسية والثقافية، فكانت صفوف جيش التحرير تضم كل التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار: فكان … المجاهد الإسلامي، والمحرر المتشبع برفع عار الاحتلال الأجنبي، والمناضل ضمن أحزاب سياسية ومتشبع بمبادئ حزبه… “جنبا إلى جنب. وتجدر الإشارة إلى أن جيش التحرير يستمد عقيدته من 20 غشت 1953 …”ثورة الملك والشعب”.

وجيش التحرير لم تكن له أطماع في السلطة، بل كان أداة ضغط على فرنسا… لعودة محمد الخامس…”، وهذه العقيدة ظلت قائمة، يقول الخطيب عبد الكريم، تعتمد حمل السلاح حتى بعد إعلان الاستقلال.

ومما يدل على أن حركة المقاومة وجيش التحرير كانت تعمل خارج جناح حزب الاستقلال أو غيره، بل باسم عودة الملك الشرعي، هو أنه حين انطلقت أولى عمليات جيش التحرير بتاريخ 02 أكتوبر 1954 يقول الخطيب: “… في منتصف الليل، أخبرت عبد الكبير الفاسي الذي قال لي: إن علال الفاسي لا علم له بالخبر، فأجبته أخبره إذن”.

ولكن لماذا لم يخبر الخطيب علال الفاسي بانطلاق عمليات جيش التحرير رسميا والهدف واحد وهو الاستقلال؟ يجيب عبد الكريم الخطيب: “لم أخبر عبد الكبير الفاسي بموعد انطلاق الثورة، لأني خشيت أن يخبر علال به، وكان هذا الأخير قد أفشى موعد انطلاق الثورة الجزائرية، فتسبب في تأخيرها أسبوعين”.

ويضيف: “أعضاء جيش التحرير كان أغلبهم من أبناء الشعب ليس لهم أي طموح سياسي، كنا نرجئ ذلك إلى ما بعد استقلال المغرب وعودة محمد الخامس…”. أما قادة حزب الاستقلال فكانوا “يمارسون السياسة ولا يؤمنون بالكفاح المسلح، وهو الموقف الذي يزكيه الأستاذ عبد الكريم غلاب معتبرا أن أعمال المقاومة وجيش التحرير كانت تثقل كاهل حزب الاستقلال، قائلا بالحرف: “… وقد دأبت الإدارة الفرنسية، وعلى الخصوص الجنرال “كيوم”، على اعتبار كل أحداث المقاومة من عمل حزب الاستقلال، ولذلك ظل يثقل كاهل ملف الاستقلاليين وعلى رأسهم اللجنة التنفيذية التي كانت تحاكم أمام المحاكم العسكرية…”.

وهذا دليل قاطع على فك الارتباط بين جيش التحرير وأي فصيل سياسي وإعلان تشبثه بالمؤسسة الملكية، معتبرا الخطيب أن “المهرولين” إلى مؤتمر “إيكس ليبان” لم يكونوا يرغبون في قرارة أنفسهم في ملكية تسود وتحكم؛ ذلك “أن ثلة من المفاوضين الحزبيين… كانوا يفكرون في نوع من الحكم لا يرضي محمد الخامس… وكانوا يقولون: عندما يضطلع على ما اتفقنا عليه سينسحب من تلقاء نفسه ويترك العرش”.

فمن منظور جيش التحرير، إن النضال والمقاومة المسلحة هي التي أعادت محمد الخامس إلى العرش؛ إذ “لما بدأت الثورة في الريف في شهر أكتوبر 1955 واشتدت المقامة في المدن والجبال، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى إرجاع محمد الخامس… ومع الأسف كان السياسيون يوغلون صدر الملك بمجموعة من الادعاءات الكاذبة… إذ كانوا يزعمون له أن المغرب يعيش حالة فوضى…”.

ولكن هل بتحقق الاستقلال سيبقى ذلك الخيط الرفيع منسوجا بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية من جهة وبينها وبين حركة المقاومة وجيش التحرير؟

(يتبع: ثانيا: سياق انفجار التناقضات حول طبيعة الاستقلال)

‫تعليقات الزوار

3
  • يوسف
    الإثنين 20 نونبر 2017 - 13:28

    لم يكن هناك استعمار بالمعنى الحقيقي للكلمة يا استاد بل حماية للسلطان ومحيطه الفاسد والدليل على دلك هو اتفاقية فاس بين السلطان مولاهم عبد الحفيظ وفرنسا والتي اعطت الشرعية للحماية.
    وكان طلب الحماية بموافقة السلطان وبطلب منه.

  • Bat man
    الإثنين 20 نونبر 2017 - 14:49

    لو بقي المستعمر لما ماتت 15 امرأة من أجل كيس طحين لو بقي المستعمر لما أصبحت المستشفيات مثل الباطوار لو بقي المستعمر لما انتشرت الأمية بالمستوى المرتفع الذي نحن عليه أتدرون لماذا لأن هذه الميادين الإنسانية هي من أولويات الحياة بالنسبة للأوروبي فالمستعمر الحقيقي هو الذي تسبب لنا في هذه النكسة وشكرا

  • Progress
    الثلاثاء 21 نونبر 2017 - 12:14

    المغرب لم يستقل و لا زال تحت ربق الاستعمار والدليل على ذلك تصريح السفير الفرنسي السابق بأمريكا الذي شبه المغرب "بالعشيقة التي نقضي معها الليل كلها وندافع عن مصالحها في الصباح رغم اننا لانجبها" فالنستء لازلن يموتون بالعشرات في مستشفى الولادة يدون مراقبة طبية ولا عناية صحية والتنمية منعدمة والفساد ينخر الدولة و والاستعمار كان ارحم يا استاذ الزطات

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين