خطاب الحقيقة أم حقيقة الخطاب؟؟

خطاب الحقيقة أم حقيقة الخطاب؟؟
الخميس 1 شتنبر 2011 - 04:16

طالما تأكد أن الحقيقة متجاوزة ، على الرغم من عسر ولادتها والسعي المضني إليها ، فيبدو مع هذه الحالة أي علم كمجرى يشق طريقه دون توقف أو تحنط . وهو ما يثبت ، أن الحقائق بعد أن كانت غائبة أو مغيبة ، لا تولد مصفوفة في لحظة واحدة ، بل متقطعة في الزمن ؛ وبكامل نسبيتها . فتتعدد أشكالها تبعا للموضوع والعلائق، هكذا نجد حقائق مطابقة للواقع، وأخرى للفكر، وثالثة للتجربة. لكنها تبقى مطبوعة بلحظاتها التاريخية والثقافية، تبعا لنوع الاختلاف وطرق المعاينة، هذا فضلا عن محيط الحقيقة كحفريات تحضر في أي ممارسة نظرية بشكل من الأشكال. فكثيرة هي الأشياء التي تصنع في المختبرات المختلفة، وتخرج للناس محبوكة، ساعية للتوجيه. وبقليل من التأمل والتحليل ، قد تسقط الهندسات . وتتجلى الخدوش التي لا تنفع معها حقيقة !

تبرز الحقائق وتخرج من متونها، بعد تحقيق الشرط الموضوعي، أي سبل التداول والحرية؛ لأن الحقيقة بلا جرأة تبقى ” محققة ” أي تدخل في إثباتها اعتبارات وحسابات ظرفية وآنية…وقد تتعدد التعاريف حول الحقيقة ، باعتبارها مبحثا قديما قدم الاجتماع البشري . وعليه يمكن الحديث عنها وفق أنواع العلوم والأحوال فنقول بالحقيقة الشعرية الملحقة بالوجدان والمتخبل ، والحقيقة العلمية المتعلقة بالتجريب والمعادلة ، والحقيقة الفلسفية المتعلقة بالتصور والطرح ، هذا فضلا عن حقائق الواقع والرأي التي نبلعها يوميا كما بصلنا الأليف …وقد يمتد هذا التعدد لخطابة أهل الإديولوجيا الساعية إلى إقناع الناس عاطفيا دون العقول . وهو ما يؤكد أن الحقيقة اشتغال وبناء للمفاهيم والتصورات . فلم تعد ظاهرا أو باطنا ، بل إجراءات وتوليدا آتيا من تدبيج يضع الواقع تحت المائدة ؛ مستحضرا إياه كورقة لعب ، عوض الإصغاء لما يعتمل فيه . وقد يزحف هذا الواقع، ليعلو على الحقائق ” المخدومة “.

تأسيسا على ما سبق ، أكيد أن الحقيقة تطوي على إجراءات وانتقالات موضعية : من مشهدية الواقع وشفويته ، إلى الذهن وتمثله ، إلى اللغة وخطابها . وكم تلتبس هذه اللغة ضمن لبوسها ، وتتأشكل كما الخطاب ، أو بالأحرى الآن وهنا ، خطابة الخطاب .

كل خطاب هو إجراء وآليات ، وبالتالي يبدو منشغلا بنفسه وأصوله ، أكثر من انفتاحه على مشهدية الواقع . إنها أزمة خطاب ـ وأصوله ـ الذي يعمي ، حين يكرس لواحديته المقنعة و أحاديته ؛ ويغطي على جهله ، ويلعن محاوره ، ويدير ظهره…

الخطاب حول الشأن العام ، يقتضي المعاينة العينية والتشخيص .. وكل هذا ، يتطلب الانفتاح على الرداءات والبشاعات .. وعلى المختلف في الخطاب الذي يعارك الإختلالات بناء على إنصات وحوار بناءين .

ليس هناك إذن ، خطاب الحقيقة ، بل لكل خطاب حقائقه . وأحيانا لا مسعى للخطاب إلا مسعى الملأ والحشو في جري الكلام ومفاهيمه. وليس غريبا أن تبرز ازدواجية الخطاب وخداعه وكذا هشاشته الداخلية . ولا مبرر للاستمرار إلا بالتبرير الذي يضرب في كل اتجاه. ولولا التبرير لظل الخشب في الخشب دون قفز أو تنطع في الآفاق . ينطبق الأمر على مؤسسات ثقافية وحزبية عدة لا تريد أن تنظر لنفسها؛ ولا أن تعيد النظر في أدوارها.

لم نعد في زمن احتكار المعرفة بأشكالها المختلفة أو إخفائها أو تغليطها.. وعليه وجب الحديث عن الحقيقة داخل الحياة ، من خلال خطاب يقتضيه الحال لا داخل الخطاب . وحين ينتمي الخطاب للناس، آنذاك سيخدم الخطاب الحقيقة. أعني الحقيقة التي لا يختلف حولها اثنان كالشمس التي ألبسناها دوراننا المفرغ. فهل تدري ؟ . فدع مجازك وحجاجك وحجيجك ، وتعال نعارك جرح المفترق الذي يراوح مكانه دون سماء أو أفق .

*شاعر وكاتب من المغرب

‫تعليقات الزوار

10
  • hmd
    الخميس 1 شتنبر 2011 - 16:22

    أتفق نسبيا مع الأستاذ المحترم عبد الغني فوزي أن الحقيقة أصبحت نسبية وليست مطلقة ولا أعني الحقيقة بمفهومها الفلسفي أو العقائدي لأن الأخيرة مهما حاولنا من معرفة علمية أو تجريبية تبقى نسبية لا يعلمها إلا الله وكل يرى الأشياء والأمور من زاويته الخاصة ويلبّسها لبوس الحقيقة حسب أهوائه في محاولة إقناع غيره على أنه على حق ذالك هو خطاب الحقيقة! لكن هناك من يكابر ويعاند ضد الحقيقة رغم وضوحها وحججها وأدلتها الدامغة كالشمس الصاطعة التي لا يمكن حجبها بالغربال أو بورق شفاف ( معزة ولوطارت معزة!!)

  • hmd
    الخميس 1 شتنبر 2011 - 16:25

    ففي عصر العولمة تعددت الوسائل والمعلومات العلمية وغيرها لإظهار الحقائق رغم المحاولات المقصودة-في إطار خطاب الحقيقة المصطنعة- للإلتفاف عليها في محاولة صنع حقائق مغلوطة تخدم توجهات معينة وإديولوجيات !لكن التاريخ والواقع يكذّب ذلك مهما حاول المروجون للوهم!وكم من معتقدات ونظريات خدّر بها أجيال على أساس أنها حقائق علمية بني عليها بنيان فانهارت فأصبحت عبارة عن أطلال !!

  • رشيد الكربفي
    الخميس 1 شتنبر 2011 - 21:32

    السلام عليكم
    ان ما تقدم به الاخ عبارة رماد في الاعين ليس الا قال و لم يقل شيئا معلوم و هو احد سياسين المغرب /نائب في جماعتنا / ولم نر منه الا ما نراه في سياسي البلد كالمعتاد يتمسكن اتناء الحملة الانتخابية الله يستر

  • عبد الغني فوزي
    الجمعة 2 شتنبر 2011 - 00:41

    طبعا العمود يطرح بعض الأفكار للنقاش والأخذ والرد ، من هنا أزكي الملاحظتين ( الأولى والثانية ) فيما يتعلق بنسبية الحقائق . وأن هذه الأخيرة تصنع وتبنى ، بل تبنى عليها صروح فكرية ونظريات ولو بالإفحام والوهم…
    أما ملاحظة الأخ رشيد المتعثرة لغة وفكرة ، فلا أساس لها من الصحة . وبالتأكيد فهو لا يعرف هذا الذي يسمى عبد الغني فوزي الذي لم ولا ينوب على أحد في أية جماعة..ولم يدخل أية حمة ، بل يتفرج على ذلك..
    رجاء دقق..وكن مسؤولا ، وإن اقتضى الأمر قدم توضيحا للقراء ، فخصمك لا تربطني به أية علاقة ولو عائلية على الرغم من الالتقاء مصادفة في بعض الاسم .
    على أي ، وجب الشكر على العناء ، ولو عناء تلطيخ الصفحة..
    المحيط العام لا يقرأ ، ومن يمثلهم لا يٌقرأ ..وتلك هي الطامة الكبرى

  • أبو وليد : 1
    الجمعة 2 شتنبر 2011 - 12:51

    العمود الدي تقدم به الشاعر فوزي عبد الغني أستاد اللغة العربية بثانوية إحدى المدن السفلى يتضمن مجموعة من الحقائق بعضها مضمر وبعضها منسوج عبر لعبة البياضات والشدرات لدلك سأحاول عن أضيف بعض الضوء على العتبات التي خضعت لعتمة ممسرحة والتي تختزن الكثير من القول وتكثيف العبارة والدلالة . إن الحقائق أصناف وطبقات وحظها من التداول لتصبح سلطة مرجعية بأثر قانوني صارم تخضع لسلم الموقع وضرورات السلطة وشبكة العلاقات المرتبطة بمركز تصدير الحقائق وتداولها وتوفير آليات ومعدات رواجها عبر مختلف وسائط الاتصال الجماهيري أي عبر سلط التحكم في أفئدة وأدهان الجمهور المتعلم وغيره ، ولهدا فللحقائق مهندسوها وسلطها وأصولها ومراجعها ولها أيضا حماتها وهي بالضرورة تنبني على الاحتكار والقهر والنمطية ، تلك هي حقائق الطرف المتحكم في رقاب العباد والبلاد ولدا يمكن نعتها بالحقائق الرسمية وهي غالبا عنيفة ، أحادية الجانب ومتخشبة ودات نبع يتيم . وأما حقائق الهامش والأطراف ، المنسي والمنفلت فإنها حقائق نشاز ، حقائق مطروحة للعموم ولا يعتد بها مادام لم تسمو عن العامة ولم تنفصل عن رحم "الغوغاء" لدا يتم استبعادها من المنظومة 1

  • أبو وليد : 2
    الجمعة 2 شتنبر 2011 - 13:25

    إن منظومة حقائق الطرف الأضعف ضمن نسق سلطة المعرفة والقيم تتعرض للتفكك والحصار والتضييق وأحيانا المسخ إن لم تتم محاكمتها لعدم توقيرها لمنظومة الحقائق الرسمية التي تلاقي كل أنواع التصديق والرواج وفرص النجاح مما يجعلها حقائق شبه منزهة لا يأتيها الباطل من أي موقع ، ولهدا فالحقائق الرسمية مدعمة بسلط متعددة وتسخر لها المؤسسات وترصد لها الاعتمادات لكي يتم تصريفها وتصاغ في شكل قيم تحظى بالقبول والإجماع والمناعة . وبما أن الحقائق نسبية ، كما دل على دلك تاريخ القطائع المعرفية والتحولات الديمغرافية وسنن الكون ، فإن عواصف التغيير الفجائي غالبا ما تضرب بقوة معسكر الحقائق اليقينية ، الأحادية والمتشرنقة على داتها ، مما يفتح شروخات عميقة في الخطابات المتألهة ، المهلهلة النسيج المنفصلة عن تربة الواقع وعجينه ونوستالجيته وما يختمر بين ضلوعه وفجواته الحاملة لانكسارات عدة والحبلى بإمكانات فدة ، هدا في ما يتعلق بالحقيقة الرسمية ونوعية خطاباتها والتي لا تقبل الجدل أو الطعن مقابل حقائق العوام التي لا ترقى إلى مقام تصنيفها في سلك الحقائق مادام لم تعرج إلى سماء الحقائق الرسمية أي حقائق الصفوة/النخبة المحظوظة .

  • أبو وليد : 3
    الجمعة 2 شتنبر 2011 - 13:50

    إن الرجات والقطائع التي تحدث ، غالبا مفاجئة لمعسكر الاستقرار ، هي التي تعيد صياغة الحقائق وترتيب السلط وتوزيعها ، من هنا نتسلل عبر بوابة الربيع العربي ، لنلقي آخر نظرة على سكونية ويقينيات المؤسسات : أحزاب ، نقابات ، اتحادات ، زوايا ، مراكز تكوين ، إدارات …. إن كان لي أن أبدي رأيا في هده التشكيلات التنظيمية لأجبت فورا : فات الأوان ولم يعد لهده المؤسسات في سياق المرحلة من مكان ، بطقوسها وأساليب عملها وعلائقها وقيمها . لنوضح أكثر وكأنني بالشاعر والأستاد عبد الغني فوزي نلمح إلى إدانة مؤسسات وصية على الفكر والإنتاج الأدبي ومن ضمنها مؤسسة اتحاد كتاب المغرب التي تحولت زاوية تدين بالولاء لمعسكر اليقينيات وتستظل بظله وتحتمي بسلطه ، من هنا معاداتها لكل مختلف ، متفرد ومتعدد أي تعادي أصلا الإبداع التي أسست من أجله ، وهدا ينطبق على الأحزاب وإن كان النقد ينصب على من نقاسمها أو هكدا تصورنا ، قيم الديمقراطية وفضائل الحوار ومناعة النضال أي بالتحديد حزب الاتحاد الاشتراكي الدي ابتدأ ثوريا لكن مآله الراهن يعادي كل تغيير منخرطا في نادي الحقائق المطلقة بإشهار الشرعية التاريخية ، وسكت شهريار . لنا موعد

  • عبد الغني فوزي
    الإثنين 5 شتنبر 2011 - 00:23

    شكرا لأبي وليد على التواصل الخلاق
    لقد تم النظر بهدوء للعمود كنوع له خصائصه المائزة ، ومنها كما أشرتم التكثيف والتلميح واللعب ـ بالمعنى العميق للكلمة ـ ، هذا فضلا عن السخرية والشرط المعرفي . وبالتالي هناك العديد من التلميحات والإشارات التي تضرب في الكثير من الاتجاهات ، من ذلك المؤسسة والحقيقة ، الرأي والحقيقة…هذا فضلا عن حقائق العلوم المختلفة .
    المحترم أبو وليد ، التقط الكثير من الإشارات وفصل في بعضها . وبالتالي منح للعمود امتداده الطبيعي ، أي الايغال به في المجتمع والفكر دون وهم أو سند مجوف من الداخل . سعيا لرسم أفق فكري ما ، لإثارة الأفكار وتداولها بصوت عال..قصد خلق نقاش يليق بالحقائق غير المؤدلجة .
    مع خالص تحياتي

  • الرافضي س
    الإثنين 5 شتنبر 2011 - 17:48

    الحقيقة العارية أننا تخلفنا كثيرا وأخلفنا الموعد مع أنفسنا ومع التاريخ والمجموعة البشرية التي نعاصرها ، لدلك نحمل في أعماقنا مواكب من الأحلام المجهضة و علامات التعثر ، ومع دلك ندبج خطاباتنا بحقائق واهمة على أننا نخطو ونحبو نحو مدارج الرقي وفي العمق نتوسد السراب ، معضلتنا أننا نخاف الاختيار وتكلفته لدا نبتلع خطاباتنا المكرورة أو تبتلعنا فنبرر الدوائر المنكسرة .
    فلنكن صرحاء هل استوعب النسق السياسي الأفق التاريخي لطموحات مكونات المجتمع ، ما هي القيم التي عمل النسق السياسي المهيمن على استنباتها واحتضانها وإحاطتها بالرعاية ، لصالح من ؟ ما هي أثر هده القيم المحروسة ، على الاقتصاد والثقافة ، الإعلام والمجتمع ؟ يخجل المرء وهو يعاين بين أروقة المحاكم أو مراكز الشرطة والدرك لمستوى القيم الناظمة لاشتغال هده المؤسسات وقس على دلك دور الثقافة ومؤسسة البرلمان والإدارات وعمل القواد والباشوات والعمال والولاة ورؤساء المصالح الخارجية …إنها قيم المحسوبية والزبونية والرشوة والعمالة والقوادة ، باختصار النسق السياسي أسس لقيم مناهضة لكرامة الإنسان واغتال الحقيقة المرة التي يتواطؤ الجميع على إخفائها.

  • الناصر صـلاح الدـين
    الثلاثاء 6 شتنبر 2011 - 20:18

    هل هذا العمود قابل أن يعلق عليه وعلى صاحبه ام انه قد حلت له العصمة فلا يقدح فيه ام ان للذي قرأ التعليقات قدسية وهالة تضفي عليه لباسا ؟
    ام ان الكورة كورتو يلعب اللي بغا وما يلعبش اللي بغا ؟
    نزل التعليقات آ سي فلان را منبر حر هذا ماشي ديالك والا فاكتبو عليه خاص باي نرضى منهم وعليهم .
    غريب أمر الناس

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة