القولُ الفصل في الهُــوية

القولُ الفصل في الهُــوية
الأحد 17 دجنبر 2017 - 04:29

من أفظع الأمور أن ينظر الإنسان إلى شكله ولونه ليحدد هويته؛

والأفظع من ذلك أن ينظر إلى أشكال الآخرين وألوانهم ليحدد نوع علاقته بهم!!

ولا تقتصر بشاعة هذا الأمر في أنه يعبِّر عن جهلٍ بهيم، وعنصرية حمقاء، وعُقَدٍ مركّبة، بل إنه يِنُمُّ، فوق ذلك، عن بعدٍ مُوحشٍ عن روح الله خالقنا، سبحانه وتعالى، الذي ينظرُ، لا إلى أشكالنا وألواننا، وإنما إلى قلوبنا وأخلاقنا وأعمالنا ومعاملاتنا.

الأشكال ليست هويتنا، والألوان ليست هويتنا.

الاهتمام بالألوان والاشكال خواء، وانسلاخٌ من جوهر الإنسانية، ونزولٌ من مقام التكريم إلى درجة الطيور والأنعام.

الأشكال يغيرها الزمان، وبل وحتى المكان؛

والألوان تتبدل بالطقس، بل وحتى “بالكريمات”؛

وكامل أجسادنا الفانية سيلتهمها الدود – رغم أنه ليس بالعدو اللدود – فكيف تكون هي هويتنا يا إخوتنا في الوطن، ويا إخوتنا في الإنسانية، يا أخوتنا في الأرض، وفي الموت والحياة، وفي العبودية للخالق الواحد؟!

ماذا نفهم عندما يقول لنا خالقنا عز وجل في كتابه العزيز: “يومَ تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه”؟

متى يكون هذا الابيضاض وهذا الاسوداد في رأيكم؟

إنه يوم القيامة.

إذن فالله سبحانه وتعالى يقول لنا: لا سواد ولا بياض ولا ألوان في الدنيا!

وإنّما السوادُ سواد الأعمال السيئة يوم القيامة؛

وإنّما البياضُ بياض الحسنات والأعمال الصالحات يوم تفضّ عنها الأختام.

السواد يوم القيامة ليس مجرد لون، بل هو قَتـَـرٌ كقطع الليل المظلم يغشى الوجوه الباسرة؛

والبياض يوم القيامة ليس مجرد لون، بل هو نُضْرةٌ تنعكس من جوهر الوجوه الناظرة إلى ربها.

الألوان والأشكال في الدنيا آياتٌ من آياتِ الله سبحانه وتعالى الذي خلق جميع الألوان، وهو الذي حدد جميع الأشكال.

عن أية هوية نبحث؟

هوية عربية؟ العروبة ليست سوداء ولا بيضاء، بل هي ثقافة ولغة. وبهذا الفهم فإن جامعة الدول العربية – التي تُقاد على غير ما هدى – حريٌّ بها أن تكون، “جامعة للدول الناطقة بالعربية”، وإنه، بدلاً من أن تضيق بأعضائها الحاليين، ينبغي أن تتسع لتضم تشاد وإرتريا ومالي والنيجر وإيران وكل مَن رغب في الانضمام إليها؛

والعروبة ليست في الحمض النووي، بل في العقل والقلب والشعور؛ ولا قوامة لأحد عليها فيمنحها لمن يشاء، أويحرم منها من يشاء، وإنما الناس أحرارٌ فيما يختارون؛

والأفريقيانية ليست لغة ولا لون ولا ثقافة. بل مكان. وطن. بل حضن أمٍّ وثير لم نغادره أصلاً ليدعونا البعض إلى العودة إليه.

ولئن انفصلت جوبا في السياسة، فمن يقدر على فصلها عن جغرافيا قلوبنا؟

ليست المشكلة في اختلاف الهوية، الذي لم يمنع ملايين العرب والأفارقة والآسيويين المهاجرين من أن يصبحوا، بالتجنس، أوروبيين وأمريكيين؛

وبالمثل، لم يمنع انسجام الهوية إخوتنا في الصومال وفي اليمن من أن يقتلوا أنفسهم، ومن أن يُخرجوا أنفسهم من ديارهم، بالرغم من أن الله قد حرّم عليهم دماءهم وأموالهم وأولادهم وأعراضهم.

المشكلة ليست في الهوية، سواء كانت عربية أو أفريقية!

فالأفارقة يقتلون الأفارقة

والعرب يقتلون العرب

والبيض يقتلون البيض

والسود يقتلون السود

المشكلة الحقيقية هي أننا نعرف أن الله لا ينظر إلى ألواننا وأشكالنا، وأنما ينظر إلى قلوبنا، ولكننا نتجاهل ذلك، لنمضي في تقييم أنفسنا والآخرين على أساس الأشكال والألوان؛

المشكلة الحقيقية هي أن الله يقول لنا إنه خلقنا لنتعارف ونتعاون ونتحاب، و”إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، ولكننا نتجاهل ذلك فلا نتعارف ولا نتعاون ولا نتحاب؛ وبدلاً من أن نسقط المساعدات بملايين الدولارات فقط على إخواننا الجياع وأطفالهم المرضى بالكوليرا، فإننا نسقط عليهم القنابل بمليارات الدولارات!

المشكلة الحقيقية هي أن الله يقول لنا إن البياض والسواد هما لونا الأعمال يوم القيامة، ولكننا نأبى إلا نتفاضل على أساسهما في الدنيا!!

المشكلة الحقيقية هي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول لنا: لا فرق بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، ولكننا نأبى ألا خلافَ رسول الله، والعياذ بالله!

المشكلة الحقيقة، كما ترون أيها الأغبياء، هي في أننا “كالحمار يحمل أسفاراً”!ّ

كلنا لآدم…كلنا…كلنا من تراب…كلنا

‫تعليقات الزوار

7
  • أيام بيض
    الأحد 17 دجنبر 2017 - 08:22

    التمييز ظاهرة تسكننا حتى لو حاولنا الانكار فالمرأة تحترم الأسود ولكنها لاتقبله زوجا والرجل يحترم السوداء ولكنها لاتدخل خانة فتيات احلامه . الشعراء تغنو بالبيضاء والسمراء الماءلة الى البياض وما امتدحوا السوداء . والسواد حتى في التعريف اللغوي يجنح نحو القبح فنقول اسود القلب اسود السريرة ونقول كان اسود ايام حياتي وكل من علق سلبا هذا التعليق سأكون قد نجحت في كشف العنصري الذي يداريه وكنت مراة حقيقته العاكسة والا فهل يقبل ان يتزوج سوداء او يزوج ابنه سوداء .

  • messager d'athenes
    الأحد 17 دجنبر 2017 - 11:43

    Quand le mobile unificateur s'affaiblit et cherche de fallacieux alibis pour durer,il s'arreterait un jour de fonctionner et chaque element cherche sa protection dans la couveuse qui l'a vu naitre et qui n'a pas le droit de le renier…Mais quand on assure la quietude à tous les courants,ils convergeraientt en harmonie à la crue de la grande rivière…oeuvrons pour ce qui commun et respectons le particulier enrichissant……

  • أبرتايد قومية الليوطية !
    الأحد 17 دجنبر 2017 - 14:44

    وا سي عبد القادر انك تخاطب مجتمع تصل نسبة الامية فيه الى 70 % ويعاني من سلبيات و اثار قومية قبلية بربرية مدعومة رسمية كيف يسهل ذالك على ان يحتكم الانسان الى الحكم الدينية الفاضلة و الادلة العلمية التابثة في وسط ينفق على جمعيات تاجيج النعرات القبلية عشرات الاضعاف ما ينفق على البحوث العلمية, ان كل الادلة العلمية و المصادر التاريخية الاغريقية والرومانية تصف السكان الاصليين للمغرب بالزنوج و يظهر ذالك جليا في كل كتاباتهم و تماثيلهم الرومانية والآلاف اللوحات القديمة التي رسمها فنانون مشهورون يمنك مشاهدتها عبرGoogle Image
    ان سياسة فرق تسد على اساس عرقي قبلي ديني هي سياسة استعمارية وضعهاليوطي لاغضاع المغرب و لتسهيل السيطرة عليه وهي سياسة لازالت سارية المفعول وقائمة اليوم في مغرب اليوم

  • راي
    الأحد 17 دجنبر 2017 - 18:40

    المشكلة لا هي في اللون ولا في العرق او…فهنا تكمن في الثقة في النفس.فالانسان الواثق من نفسه لا يهمه تموقف الاخرين منه.اوباما اصله افريقي زنجي من كينيا واستطاع ان يغرض نفسه على مجتمع في غاية الكبر وعلى حضارة في غاية التطور.فرض الذات على الاخرين اما بالعلم او اي عمل كان هو ما يحدد مكانة الانسان وقيمته بين اقرانه وليس اللون او غيره.فمجتمعنا مليء بالسود المتفوقين وبالشقر الذين يحتلون مراتب دنيا.

  • هواجس
    الإثنين 18 دجنبر 2017 - 08:46

    كل شعوب العالم تعرف نفسها بالانتماء الوطني ، فرنسي ، الماني اسباني ، كامروني ، فيتنامي ….او الجغرافي ، اروبي ، اسيوي ، امريكي ، استرالي ، افريقي …الا العرب يعرفون انفسهم بعرقهم او دينهم …لذلك فهم ارذل الشعوب واخبثها…

  • رد على 5 - هواجس
    الإثنين 18 دجنبر 2017 - 15:34

    اننا نطلب منك ان تتفضل بكتابة سطر او سطرين كمقدمة حول مفهوم الانتماء الوطني الذي تحاضر الناس حوله, رقم5 بقليل من الواقعية و الصراحةفانك ستواجه نفسك بحقيقة وهي ان مفهوم الوطنية عندك وعند امثالك باطل ولاغي بسبب خلفيتك القبلية المتنقلة لانك تفتقد لابسط ادواة المدنية و يدفعك عجزك الحضاري باستشهاد بقبائل الكاميرون و الفيتنام ,ان ما يكتبه امثالك يوضح الخصوصية الفكرية التي يتمتع بها بعض ابناءدواوير الاطلس و الريف و التي جعلت منهم مجندين متميزين في صفوف جيش ليوطي الكومي المسلط على المغرب لاهداف امبريالية

  • رأي بامبارا
    الإثنين 18 دجنبر 2017 - 23:32

    لا ياسيدي اللون حاضر في القيم الثقافية و حاضر في الاخلاق كما انه حاضر كذلك في العلاقات البين قبلية (هنا عندنا ) وبين العائلات صاحبة النفوذ المالي في اوروبا .لا يسمح لاي إنسان ملون أن يدير كثير من المؤسسات ذات الحجم الثقيل ( المال والجيش) في اوروبا أو في غيرها من الدول العريقة في السياسة و في الامبيريالية . الحالات الاستثتنايية قليلة جدا إن لم تكن نادرة . صحيح أن لون الدماء والقلوب متشابه لكن تاريخ وماضي
    الانسان وثراته مختلف كليا . من بنى قيم سار عليها و ……لا تظن أحيانا أن الليث يبتسم .

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج