الدولة القاتلة

الدولة القاتلة
الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 00:44

في الحسيمة مات محسن_فكري بسبب السمك، وفي الصويرة ماتت الأمهات بسبب الطحين، وفي جرادة مات الإخوة بسبب الفحم. يا الله… كم هي مؤلمة مصائبنا. الناس في بلدي يموتون من أجل لقمة العيش البسيطة جدّاً. لا يطلبون الكثير، ومع ذلك يقتلون بدم بارد كلّ يوم. يقتلهم الجوع والفقر وضعف الحال.

ستقرأ في الأخبار أن الحكومة هي السبب في موتهم، وستجد في الأحداث ما يبرر ضلوع السياسيين في مأساتهم.. وفي النهاية، سيفتح تحقيق، يتبعه تحقيق ثم تحقيق.. فيرسل بعض المسؤولين إلى تقاعد مريح، في انتظار أن تبرد دماء الشهداء. وماذا بعد!

لا شيء يتغير. سنظل نموت واحداً تلو الآخر، من أجل سمكة أو حفنة دقيق أو قطعة فحم. والمسؤولون الحقيقيون لا يتزحزحون، مستمرون في مصّ دماء الفقراء والبسطاء. حتى يبلغ سيلهم الزبى، فيخرجون للاحتجاج والثورة على وضع لا يمكن معه تحقيق العيش الكريم، ولا بلوغ العدالة الاجتماعية. فيقمعون ويودعون في غياهب السجن. وحينها فقط، بعضم سيكون خائناً بالفطرة، وبعضهم سيكون مجنداً من أقرب دولة عدوّ، وآخر سيكون جاسوسا يهدد أمن البلاد، وغيرهم سيكونون انفصاليين يؤيدون تقسيم المملكة.

المهم، ألاّ تتجه أصابع الاتهام نحو الفوق، وأن تظل تلك الأصابع موجهة دائما نحو الأسفل، فمنه يأتي الشرّ كلّه. فمحسن قتل نفسه حين أراد بيع سمك محظور صيده، أما الوزير فلا يمكن عقابه. وأمهاتنا في الصويرة قتلن أنفسهن تحت أقدام الجيران، من أجل دقيق وسكر وزيت بدريهمات معدودات، فهن “ملهوفات” وحاشا لله أن تكن كذلك؛ فإنما “اللفهة” و”اللهطة” في قلوب مسؤولين “كبار” وما هم بكبار! وفي جرادة قتل الشابان نفسيهما بأن ألقيا بجسديهما في البئر “عشوائياً” من أجل استخراج قليل فحم لا يغني ولا يسمن من جوع. نعم.. لقد قتلوا أنفسهم جميعاً. وأنتم يا سادة بريئون من دمهم؛ بريئون جدّاً.. بل وإنكم أكثر براءة من الذئب المعلوم.

قبل يومين حضرت ندوة تحدث فيها الكبير محمد بنسعيد آيت يدر، وتقاسمت معه دردشة سريعة بعدها. الرجل يقول إن خوف النخبة هو سبب كل المصائب، وإن النخبة يجب أن تقول الحقيقة كما هي، وأن تنتقد بكل حزم وواقعية ومسؤولية، حتى في تعاملها مع المؤسسة الملكية.

ولأنني فهمت رسالته جيّداً، وأستشعر ثقلها كاملاً فوق كتفي اليوم أكثر من أي وقت مضى، فها أنا أقول الحقيقة كاملة وأنتقد صراحة: “ناموا واطمئنوا، فأنتم بريئون من دم من مات ومن سيموت.. أنتم بريئون جدّا كلكم. فمن ماتوا قتلوا أنفسهم، ومن سيموتون سيقتلون أنفسهم. ارتاحوا في مكاتبكم المكيفة وفي منازلكم المزخرفة، فلا ذنب لكم، فنحن من نقتل أنفسنا. والله بيننا”.

أصعب شيء يمكن أن يحصل في أي دولة في العالم، يسعى أهلها إلى تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية، هو أن تقتلهم الدولة.. نعم أسوأ شيء هو أن تأكل الأم أبناءها، والأسوأ منه أن تقتل الدولة أبناءها.

عاش الوطن ولا عاش من خانه!

www.facebook.com/KarimHADRIofficiel

‫تعليقات الزوار

8
  • mohajira27-12-2017
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 03:55

    شكرا لصراحة صاحب المقال. والله صدق الاستاذ ايت يدر بارك الله في عمره وعمر كل مواطن يقول كفى من الظلم في هاد البلاد.

  • chouf
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 07:12

    في واحد التاريخ ما قبل الاستقلال يوم كانت حركة تنادي بالاستقلال ورفع الحماية كانت فكرة ان الرمانة تقسم بين افراض.نعم جاء الاستقلال والحمد لله في1956رفعو شعار دعوة الشر اللي يشري شي ملك على الحماية…واستغل البعض واصبوا يملكون الضيعات والفيلات.لعبة امشى فيها الساذج.في الواقع وبالاخص اليوم والله الى ما اتحركي وشقتي وجرتي لا اكلتي.اوخيا اتحرك واعمل.والله يوفق الجميع.

  • سياسة المخزن هي السبب
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 09:19

    تحية للأخ كريم حضري على مقاله الرائع، أصاب كبد الواقع .. وحسبنا الله ونعم الوكيل في هذه الدولة التي تقتل أبناءها وتعتقل مع خرج للإحتجاج والمطالبة بأبسط حقوقه.

  • الدولة الظالمة
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 09:20

    طالبت بالتشوير الطرقي فتم حذفي يومين في الجيور ، وبعد أن حكم القاضي ببراءتي ، النيابة العامة تستأنف الحكم بمعنى مرضاتش (جرجر مو).
    ————————–
    وكنت ضحية في حادثة سير تسببت لي بجروح وأعطاب وألم في الضلوع لا زلت أعاني منه بعد ثمانية أشهر ، وبسبب تدخل صديق المتسبب في الحادثة وهو (ضابط) يقلب الكونستاتور كل شيء على ظهري ويدوس على القوانين ،..
    من أراد أن يتأكد فليشاهد الفيديو الذي أشرح فيه تفاصيل الحادثة وبالأدلة وصورة للضابط مع السائق والرسم البياني للحادثة … إسم الفيديو : سيارة تسير بصفر كيلومتر في الساعة . شاهد ما تفعله المحسوبية في القانون
    —————-
    ما هي حصيلة مؤسسة وسيط منذ تأسيسها ؟ وكم تكلفنا نحن كمواطنين ؟ إذا كانت لا تتجاوب مع المواطنين ولا تبحث على المظلوميات لإنصافك ، كما تبحث بعض الأجهزة الاستخباراتية في الأنترنيت وتقرأ ما بين الأسطر لمعاقبتك .. فلا جذوى من وجودها
    هل هي أيضا يجب أن يضربها الزلزال ؟؟

  • أمين
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 10:35

    عندما تضطر بنات الشعب لبيع لحمهن للغريب و القريب من أجل كسرة خبز فاعلم علم اليقين أن المسؤول نغل لا أصل له و لا يعرف شيئا اسمه الشرف أو العفة أو الكرامة .
    وعندما يضطر أبناء الشعب لسلوك سُبل منحرفة : السرقة ، بيع الممنوعات ، النصب ، الاحتيال ، التسول … لتأمين حاجاته الفطرية فاعلم علم اليقين أن المسؤول يحمل جينات مجرم عريق في الإجرام ، و لا يمكن أن يحيط به إلا من هم على شاكلته من قوّادين و لصوص ومصّاصي دماء .

  • مراقِب
    الأربعاء 27 دجنبر 2017 - 12:17

    بشرى للمغاربة

    محمد حصاد الوزير السابق للتربية الوطنية والذي تم إعفائه من طرف الملك محمد السادس غادر الى فرنسا ليقيم فيها نهائيا..!
    محمد حصاد الذي يحمل الجنسية الفرنسية إذن يقيم حالياً بباريس هو و أبنائه الذين يتابعون دراستهم هناك، للأسف أغلب المسؤولين المغاربة علاقتهم بالوطن هي فقط علاقة مصالح شخصية و رواتب ونهب وإمتيازات اما القلب والحب فهو فرنسي الأصل..!
    كيف لا و أغلب هؤلاء تركو المغرب مهمّش في وجه المواطن وهم يدرسون ابنائهم في وطنهم فرنسا ويعالجون هناك وعطلهم هناك وإذا إنقطع عليهم حليب البزولة الذي يمتد إليهم من الوطن يتركوه ويستقرون نهائيا بفرنسا ليلتحقوا بالثروة التي تم تهريبها و تخزينها هناك …!

  • Citoyenne du Monde
    الخميس 28 دجنبر 2017 - 00:38

    Ce qui se passe au Maroc ne prédit rien de bon. Nous avons, en effet,affaire à un Etat qui se nourrit du sang de la sueur et des larmes de ses enfants. Nous sommes vraiment dans un tournant dangereux car les marocains sont de plus en plus récalcitrants, ce qui risque de mettre cet Etat cannibale en colère fatale. Espérons qu'on n'aura pas à en arriver là et que l'Etat réalise à temps que ce peuple mérite mieux et qu'il se laissera plus gouverner à l'ancienne.

  • الطالب الباحث
    الخميس 28 دجنبر 2017 - 18:34

    .. دولة لا تعترف بتضحيات جنودها .. دولة تحرم مواطنيها من التمدرس .. دولة تقتل مواطنيها .. دولة تقدم جنودها كقرابين .. لاطفاء الحركات الاحتجاجية .. ليدنسوا شرفهم .. دولة تحرق مناضليها .. دولة تسرق مواطنيها .. ممتلكاتهم .. هكذا تكون مكافاة نهاية الخدمة .. وهكذا يكون رد الجميل .. هكذا تكون دولة الحق والقانون .. هكذا تكون دولة القتل .. والعمل بمنطق الغاب .. وضرب القانون عرض الحائط ..

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات